logo

يرحم الله نساء المهاجرات الأول


بتاريخ : الجمعة ، 27 شعبان ، 1437 الموافق 03 يونيو 2016
بقلم : تيار الإصلاح
يرحم الله نساء المهاجرات الأول

كانت البشرية قبل النبي صلى الله عليه وسلم تعيش في جاهلية عمياء، وظلمة دهماء، وفي أغلب الأحيان كانت تحكمهم شريعة الغاب، فالقوي يأكل حق الضعيف، وكانت المرأة عندهم غير ذات قيمة؛ بل كان منهم من يدفنون

الأنثى وهي حية، مما يسمى وأد البنات، وبلغ من احتكار المرأة عندهم أن جعلوا لأماكن البغاء شكلًا معينًا، وعَلَمًا تُعرف به البغي ومكانها.

 

ومع كل هذا، إلا أنه كانت توجد نساء عفيفات طاهرات بفطرتهن السليمة، نساء حرائر، لم يتلبسن بتلك الجاهليات، وفي ظل هذه الأجواء سطعت شمس الرسالة المحمدية، ونور الهداية الربانية، فغيرت معالم هذا الكون، وحولت شكل الجزيرة العربية من الجهل إلى العلم، ومن الظلام إلى النور؛ بل وغيرت النفوس تمامًا، فأبدًا لم يخطر ببال أحد أن عمر بن الخطاب الذي عُرف بغلظته وشدته، قد توقفه امرأة وهو يخطب في الناس لأنه أخطأ في كلامه، ثم يقول: أخطأ عمر وأصابت امرأة.

 

وسار الناس في كنف هذا الدين مرهفي الحس، صاروا أصحاب مشاعر وأحاسيس عالية جدًا، وصاروا يتعاملون مع تعاليم هذا الدين بما يستحق، فما أن يتنزل عليهم الأمر الرباني إلا كان الالتزام الفوري منهم.

 

ومن هذه الأمثلة التي جسدت فيها نساء المسلمين الأول أبهى مظاهر الطاعة لله عز وجل، ذلك المشهد الذي روته السيدة عائشة رضي الله عنها حين قالت: «يرحم الله نساء المهاجرات الأول، لما أنزل الله: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}[النور:31]، شققن مروطهن فاختمرن بها»(1).

 

لم تنتظر المؤمنات قليلًا حتى يبحثن عن شيء ملائم لأجل الحجاب، أو لون مناسب معين تحبه إحداهن، وإنما بادرن بسرعة خاطفة إلى تنفيذ أوامر الله عز وجل، وذلك أنهن كن يتعاملن مع كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم على مبدأ السمع والطاعة، وأن أمر الله عز وجل وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم هو المقدم على كل الأمور.

 

فهن قد فهمن من كلام الله عز وجل أن المراد من الحجاب هو حجب النساء عن الرجال منعًا للفتنة، سواء كانت ممثلة في تحريك الشهوة، أو حتى توارد أفكارها في ذهن الرجال بسبب رؤية النساء المتبرجات.

 

لذلك قال المولى عز وجل حين أمر نساء النبي ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب:59]، وهنا ظهرت علة الحجاب جلية.

 

إن الله عز وجل إنما جعل من حكمة الحجاب عدم أذية المرأة؛ حيث إن الحجاب ساترًا لها عن الرجال، ومانعًا لها من أعين الرجال، فلا يؤذونها بنظرة ولا بكلمة، ولا حتى بخاطرة قد تجول برأس أحدهم، فالحجاب حجب للمرأة عن أدنى أذى لها.

 

لذلك فقد اشترط العلماء في الحجاب شروطًا يجب توافرها حتى يحقق الحجاب الأمان للمرأة، ويمنع عنها هذه الأذية، وذكروا من هذه الشروط: ألايكون زينة في نفسه، أو مبهرجًا ذا ألوان جذابة تلفت الأنظار، وذلك حتى تتحقق تلك العلة؛ لأن الحجاب إذا كان مبهرجًا أو زينة في نفسه أو ذا ألوان جذابة تلفت الأنظار، فهو أبدًا لن يحقق الأمان للمرأة؛ بل ستكون محط أنظار الرجال، ومورد أذيتهم، حتى ولو سترت جسدها كله، فالستر وحده غير كاف، ولكن يجب أن يتحقق مع شروط أخر، كأن يكون الحجاب غير مزينًا، ولا يصف ولا يشف، وألا يكون لباس شهرة، وألا يكون فيه تشبه بالرجال، ولا تشبه بالكافرات.

 

إذا اجتمعت هذه الأمور في الحجاب كان حجابًا شرعيًا، كان حجابًا كما أمر المولى عز وجل، وكما فهم الصحابيات الفضليات من أمر ربهم.

 

أما أكثر المُشاهَد اليوم، فلا يمت بحال إلى حجاب المؤمنات الأول، فهذا حجاب "ستايل" وهذا حجاب "أبو نفخة" وحجاب "تركي" وهذا حجاب "خليجي"، وكلها لا تتوفر فيها شروط الحجاب، ولا حتى بعضها.

 

إن سبب ما نراه اليوم من تلك الأشكال الغريبة للحجاب، هو عدم معرفة المرأة المسلمة الهدف من لبسها الحجاب، فهي تظن أن الحجاب ستر الجسد، أما كنه هذا الحجاب، فهي حرة فيما تلبس طالما أنها تغطي جسدها، فلها أن تلبس أي لون كان، وأي موديل كان، وأي شكل كان، وأن تزينه كما تشاء، فهي قد غطت جسدها، ولا يظهر منها أي شيء.

 

وهذا فهم خاطئ تمامًا، فقد قال تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور:31]، فقد بين الله تعالى في هذه الآية أن على المؤمنات لبس الحجاب، وكذلك ألا يظهرن زينتهن إلا لأزواجهن أو محارمهن، ثم ذكر تعالى في آخر الآية أن المؤمنات مأمورات بعدم إبداء الزينة الداخلية؛ كالخلخال، وليس إبداؤه هنا بمعنى إظهار شكله؛ لأن المرأة لا تظهر رجلها أصلًا، وإنما بمعنى إظهار صوته.

 

فإذا كانت المرأة منهية عن إظهار صوت الزينة التي لا ترى أصلًا، فكيف بتزيين الحجاب وزخرفته، وجعله منقرشًا، وذا ألوان ملفتة للنظر، وأحيانًا أخرى يكون الحجاب مثيرًا للشهوة، فهذا يجسد المرأة، وهذا يصف المرأة، وذاك مطرزًا ولامعًا.

 

إن هذه الأنواع من الحجاب غير الشرعي، لهي من أكبر أنواع الفتن على الشباب المسلم، فضلًا عن أنها أصلًا ليست من الدين في شيء، فيجب على كل مسلمة تؤمن بالله عز وجل وتتبع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، أن تراعي الله عز وجل في حجابها، وأن تلبسه وفق سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا تتبع خطوات الشيطان، وأدعياء الشيطان، وأبواق الشيطان، إن كيد الشيطان كان ضعيفًا.

 

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب:59].

 

إن الحجاب الشرعي هو الحجاب الذي يضمن للمرأة الستر والأمان والحشمة، فالمرأة ليست سلعة رخيصة، ينظر إليها أي إنسان نظرات حيوانية؛ بل المرأة ملكة متوجة، تعيش داخل قصرها المشيد بأجمل الأخلاق، هذه هي المرأة المسلمة المؤمنة حقًا، الواثقة بمقدور الله، والواثقة بنفسها كذلك؛ لأن المرأة التي تحاول إظهار نفسها في أبهى صورة أمام الناس ما هي إلا امرأة تشعر بنقص في داخلها، وأنها غير جميلة، فتريد أن تعوض هذا النقص بهذه الزينة الفارغة، وهذا الحجاب العصري الذي يظهرها بصورة معينة من الجمال الأجوف.

 

_________________________________

(1) صحيح البخاري (4758).