logo

دور الشيطان في الخلافات الزوجية


بتاريخ : الخميس ، 14 شوّال ، 1439 الموافق 28 يونيو 2018
بقلم : تيار الاصلاح
دور الشيطان في الخلافات الزوجية

عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئا، قال ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه ويقول: نعم أنت»، قال الأعمش: أراه قال: «فيلتزمه»(1).

هل يخلو بيت فيه زوج وزوجة من مشاكل، تقل أو تكثر؟، لا أظن ذلك، فخير بيت على وجه الأرض، وخير زوج لأزواجه وزوجات لزوجهم ما خلت بيوتهم من ذلك، حتى إن أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها لما غضب النبي صلى الله عليه وسلم، وآلى من نسائه شهرًا لم تدر أطلقهن رسول الله صلى الله عليه وسلم أم لا؛ ففي صحيح مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما لما راجعت امرأة عمر بن الخطاب زوجها عمر فأنكر مراجعتها له قالت: ما تنكر أن أراجعك، فوالله، إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه، وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل، فانطلق عمر فدخل على ابنته حفصة، فقال: أتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: نعم، فقال: أتهجره إحداكن اليوم إلى الليل؟ قالت: نعم، قال: قد خاب من فعل ذلك منكن وخسر...

يقول عمر: ثم نزلتُ فدخلتُ على حفصة وهي تبكي، فقلت: أطلقكن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: لا أدري، ها هو ذا معتزل في هذه المشربة...الحديث(2).

وقد اعتزل النبي صلى الله عليه وسلم نساءه بعدما أسر إلى زوجه حفصة حديثًا فأفشته إلى عائشة، وكان قد قال: «ما أنا بداخل عليهن شهرًا» من شدة موجدته عليهن حين عاتبه الله».

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت علي غضبى»، قالت: فقلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: «أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين: لا ورب محمد، وإذا كنت علي غضبى، قلت: لا ورب إبراهيم»، قالت: قلتُ: أجل والله يا رسول الله، ما أهجر إلا اسمك(3).

إن من أعظم ما يسعى إليه إبليس اللعين إيقاع الخصومات، وانتشار النزاعات، وقيام الحروب والفتن وإثارة الأحقاد والضغائن بين المسلمين، فعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم»(4).

ولكن إن كان الشيطان يفرح بإيقاع هذه الخصومات والنزاعات والضغائن والأحقاد بين المسلمين، فإن فرحه بإيقاعها بين الزوجين، حتى يصل الأمر إلى الفراق، أشد، وسعادته بها أتم.

إن الشيطان له دور خطير في تأجيج المشاكل وتضخيمها، فهو يوقع الكره والبغض في قلوب الزوجين كلًا منهما للآخر، فعن أبي وائل قال: جاء رجل من بجيلة إلى عبد الله بن مسعود فقال: إني تزوجت جارية بكرًا، وإني قد خشيت أن تفركني [أي: تبغضني]، فقال عبد الله: «إن الإلف من الله، وإن الفرك من الشيطان، ليكره إليه ما أحل الله له، فإذا دخلت عليها فمرها فلتصل خلفك ركعتين»، قال عبد الله: «وقل: اللهم بارك لي في أهلي، وبارك لهم في، اللهم ارزقني منهم وارزقهم مني، اللهم اجمع بيننا ما جمعت إلى خير، وفرق بيننا إذا فرقت إلى خير»(5).

وعن أبي أمامة قال: «إن الشيطان يأتي إلى فراش أحدكم، بعد ما يفرشه أهله ويهيئونه، فيلقي عليه العود والحجر أو الشيء ليغضبه على أهله، فإذا وجد ذلك فلا يغضب على أهله لأنه من عمل الشيطان»(6).

إن إبليس حينما يبعث سراياه وجنوده، لفتنة الناس وإضلالهم، يأتيه أحدهم فيقول: ما تركتُه حتى زنا، فيقول له إبليس: لم تصنع شيئًا، وأنت ماذا فعلت؟ يقول: ما تركته حتى سرق، يقول: لم تصنع شيئًا، وأنت ماذا فعلت؟ يقول: ما تركته حتى قتل؟ يقول: لم تصنع شيئًا، وأنت ماذا فعلت؟ يقول: ما تركته حتى فعل كذا، يقول: لم تصنع شيئًا.

فيأتي آخر فيقول له: ماذا صنعت؟ يقول: ما تركته حتى فرقتُ بينه وبين أهله، فيقوم الشيطان من على العرش ويلتزمه؛ أي: يحتضنه، ويقول له: نِعْمَ أنتَ!؛ أي: أنت أجودهم وأفضلهم وأحسنهم، ماذا فعل؟! ما ترك الرجل حتى طلق زوجته.

ولعل سائلًا يسأل ويقول: إن الطلاق مباح، والزنا محرم، والسرقة محرمة، وشرب الخمر محرم، والقتل محرم، فلِمَ لَمْ يفرح إبليس بوقوع هذه المعاصي المحرمة، وفرح فرحًا عظيمًا لهذا الشيء المباح الذي يرتكبه بنو آدم، ولا إثم عليهم؟!

الجواب:

إن كل معصيةٍ يمكن أن يتوب العبد منها، وقد جعل الله تبارك وتعالى له فيها فَرَجًا ومخرجًا، وجعل لها كفارة، إما بحد أو باستغفار.

فالزاني إذا زنى وهو غير محصن فجلد مائة وتغريب عام، فإذا زنى الرجل المحصن فإنه يحفر له حفرة في الأرض ويوضع فيها، ويُضْرَب رأسُه بالحجارة حتى يموت، وهذا هو المعروف في حد الرجم، فإذا رُجِمَ المسلم وجلد فكأنما لم يزنِ، ولم يرتكب الذنب، وشاهد ذلك أن المرأة الغامدية التي زنت وهي متزوجة في زمان النبي عليه الصلاة والسلام، فرَجَمَها بالحجارة حتى ماتت، ثم لما أراد عليه الصلاة والسلام أن يصلي عليها قال له عمر تصلي عليها يا نبي الله وقد زنت؟ فقال: «لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى؟».

فهذه زنت، لكن بمجرد أن أقيم عليها الحد ذهب الفعل والجُرْم، ومعنى أن يذهب الجرم؛ أي: فشل الشيطان في كل فعله؛ لأنه أقسم بعزة الله تبارك وتعالى ليُغْوِيَنَّ الناس جميعًا إلا المخلَصين.

فمعنى أن يُتابَ على هذا العاصي، ذهاب جهد إبليس هدرًا، وكذلك الذي يشرب الخمر، أو الذي يقتل، مع فداحة هذه المعصية، إلا أن إبليس لا يهتز لها، وإنما يهتز للطلاق! لماذا؟ لأن غاية مراد إبليس أن يرى العباد جميعًا في غوايةٍ وضلال.

تصور؛ رجل طلق امرأته، فتزوجت المرأة، والزوج الجديد ليس على استعداد أن يربي أولاد غيره، فيأبى حضانةَ الأولاد، فتتركهم الأم، ويتزوج الرجل الزوجة الجديدة وليست على استعداد أن تربي أولاد غيرها؛ فيطرد الأولاد، وهم يريدون أن يأكلوا ويشربوا، فينحرفون وتسيطر عليهم عصابات الفساد.

وهذا مراد إبليس، أن يرى عتلًا زنيمًا في الأرض، أن يرى جنديًا مخلصًا له، لا يمكن أن يحصِّل جنودًا مخلِصين إلا بتفكيك الأسرة؛ لأن وجود الوالد ضابط عظيم، ووجود الأم كذلك، فكل حركة يحاسب الولد عليها، إذا فعل الولد فعلًا شائنًا يخشى العقوبة، إما أن يسترها، وإما أن لا يفعلها من الأصل، لأن هناك محاسبًا.

أما إذا خرج الولد من هذا الضابط، ولا يحاسبه أحد على الفعل تم مراد إبليس(7).

ومن ناحية أخرى فإن العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة حتمية، وميل كل منهما إلى الآخر ميل غريزي، لا يمكن قطعه ولا منعه، فإن لم يجتمعا في الحلال فقد يجتمعا في الحرام، إلا من رحم الله، والاجتماع في الحرام هو الزنا، وهو سبيل الشيطان، وهذا ما يريده الشيطان؛ وذلك لأنه محب كثرة الزنا، وغلبة أولاد الزنا ليفسدوا في الأرض، ويهتكوا حدود الشرع.

إنه يسعى في منع الزواج، يسعى في إفساد الزواج، حتى إذا سدت أبوابه، بعسر طرقه، وكثرة مشاكله، وتعقد أموره، وتعدد أمراضه النفسية والعصبية، أدبر الناس عنه.

لكن الغريزة الجنسية في نفوسهم تشتعل بلا انقطاع، وهنا تظهر المشكلة، فمع وجود الدعوات الصريحة للفساد، من خلال صور النساء في المجلات والصحف والتلفاز، وسهولة السفر، وكثرة خروج النساء، وسهولة الالتقاء بهن، هنا، وفي هذه الحالة، إذا لم يكن ثمة خوف من الله تعالى انحرف الإنسان إلى طريق الحرام لإشباع نزواته، وإذا فعل ذلك صار أسيرًا في يد الشيطان يصرفه كيفما يشاء، وربما استطاع أن يسلك به إلى طريق جهنم، فكم سمعنا أن شابًا مسلمًا أحب فتاة كافرة، كفر لأجلها، ومات على كفره.

إذن إفساد الطريق الحلال، وتعطيل العلاقات المشروعة بين الذكر والأنثى، مطلب رئيس للشيطان؛ لذا فهو يسعى في ذلك حثيثًا، ويوعز لأولياء أن ينشطوا في ذلك دعوةً وعرضًا وتسهيلًا وتزيينًا(8).

«فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا»:

إن الشيطان أحرص ما يكون على إلقاء الخصام والفرقة بين الزوجين، فليحذرا كيده ومكره، وليحسن كل واحد منهما معاملة صاحبه، وليقم بحقه عليه حتى تتم الحياة الزوجية السعيدة.

أيها الأزواج، إن «الشيطان قد أعلن عداءه لكم وإصراره على عدائكم «فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا» لا تركنوا إليه، ولا تتخذوه ناصحًا لكم، ولا تتبعوا خطاه، فالعدو لا يتبع خطى عدوه وهو يعقل! وهو لا يدعوكم إلى خير، ولا ينتهي بكم إلى نجاة: {إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ}، فهل من عاقل يجيب دعوة الداعي إلى عذاب السعير؟!

إنها لمسة وجدانية صادقة، فحين يستحضر الإنسان صورة المعركة الخالدة بينه وبين عدوه الشيطان، فإنه يتحفز بكل قواه وبكل يقظته وبغريزة الدفاع عن النفس وحماية الذات، يتحفز لدفع الغواية والإغراء، ويستيقظ لمداخل الشيطان إلى نفسه، ويتوجس من كل هاجسة، ويسرع ليعرضها على ميزان الله الذي أقامه له ليتبين، فلعلها خدعة مستترة من عدوه القديم!

وهذه هي الحالة الوجدانية التي يريد القرآن أن ينشئها في الضمير، حالة التوفز والتحفز لدفع وسوسة الشيطان بالغواية، كما يتوفز الإنسان ويتحفز لكل بادرة من عدوه وكل حركة خفية! حالة التعبئة الشعورية ضد الشر ودواعيه، وضد هواتفه المستسرة في النفس، وأسبابه الظاهرة للعيان، حالة الاستعداد الدائم للمعركة التي لا تهدأ لحظة ولا تضع أوزارها في هذه الأرض أبدًا»(9).

نصائح للزوجين:

إنه ما من بيت إلا وتحصل فيه خلافات، لكنها سرعان ما تتلاشى وتزول إذا عولجت بحكمة، ولم يترك للشيطان فيها مجال للإغراء والإغواء، فإنه لا يفرح بشيء كفرحه حين يفرق بين زوجين، ولعل هناك بعض النصائح، التي أنصح بها نفسي وإخواني المتزوجين، دفعًا لكيد الشيطان ومكره بالمؤمنين:

(1) لا يجعل أحدكما يومًا من الدهر معركته مع الآخر؛ بل مع الشيطان، حتى لو كان أحد الزوجين مخطئًا أو مذنبًا، فلا يكن الآخر عونًا للشيطان عليه، ولا يخذله أحوج ما يكون إليه!

(2) لا يستخفنكما الشيطان فيجعلكما كالدمى يقلّبها بوساوسه، فيقلّب قلوبكما بين غضب ورضا، وحزن وسرور، ولكن وطّنا نفسيكما على عداوته هو، واليقظة لمكره بكما، وصدق القائل: «من وطّن نفسه على أمر هان عليه».

(3) ليكن قوله تعالى: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} وقوله عز وجل: {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} شعارًا بينكما؛ ولينظر كل منكما إلى حق الآخر عليه، قبل النظر إلى واجب الآخر نحوه! وليعلم من يداوم على خفض الجناح والتواضع والصبر على الآخر، راضيًا محتسبًا، أنه على خير عظيم؛ فلا يستنكف أو يرى أن الآخر هو الأولى بالاعتذار أو التواضع، فيمنعه ذلك من المبادرة إلى التسامح والتصالح!

(4) اتفقا من الآن، فور الفراغ من قراءة هذه السطور، على تحديد العدو (الشيطان)، وتذكير كل منكما للآخر إذا نسي، وامتثال من يُذكّر بمجرد تذكيره، ويُقترح كتابة الحديث المُصدر به المقال، وجعله في مكان يذكركما به.

ويالها من دقائق غالية، تلك التي يخصصها الزوجان من آنٍ إلى آن، تغشاهما السكينة، وتتنزل عليهما الرحمة، يتدارسان آيات من القرآن وقبسات من السنة؛ تنير بيتهما بالخير والبركة، وتضيء دربهما الموصل إلى سعادة الدنيا والآخرة(10).

وخلاصة القول فليحرص كلًا من الزوجين على الآخر، ويعامله معاملة حسنة، وأما ما يقع من مشاكل وخلافات فيمكن تجاوزها، أو التغاضي عما يمكن التغاضي عنه من هفوات وزلات، وكذا المسامحة فيما كان، ومعرفة كل منهما لحقوق الطرف الثاني وأداؤها إليه...

وفي أي خصومة بين الزوجين ينبغي ألَّا تخرج المرأة من بيت زوجها؛ لئلا يدخل شياطين الإنس والجن، ويفسدون العلاقة بين الزوجين بإلقاء العداوة بينهما، بما يزينونه من الباطل من القول لكل منهما لكي يفرقوا بينهما(11).

(5) قراءة سورة البقرة: فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة»(12).

(6) ذكر الله عز وجل عند دخول البيت وعند تناول الطعام: فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان: لا مبيت لكم، ولا عشاء، وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإذا لم يذكر الله عند طعامه، قال: أدركتم المبيت والعشاء»(13).

(7) الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم: فعن سليمان بن صرد رضي الله عنه قال: كنت جالسًا مع النبي صلى الله عليه وسلم ورجلان يستبان، فأحدهما احمر وجهه، وانتفخت أوداجه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان، ذهب عنه ما يجد»(14)

_______________

(1) رواه مسلم (2813).

(2) رواه البخاري (2468)، واللفظ له، ومسلم (1479).

(3) رواه البخاري (5228)، ومسلم (2439).

(4) رواه مسلم (2812).

(5) رواه عبد الرزاق (10460)، والطبراني في المعجم الكبير (8993).

(6) رواه البخاري في الأدب المفرد (1191).

(7) بتصرف من محاضرة لفضيلة الشيخ أبي إسحاق الحويني، بعنوان: الذكر يدمر الشيطان.

(8) موقع: المستشار، استشارة بعنوان: الشيطان والزواج.

(9) في ظلال القرآن (5/2926).

(10) مهارات لاحتواء الأزمات في البيوت، خالد عبد اللطيف، موقع: صيد الفوائد.

(11) دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ (1/ 283).

(12) رواه مسلم (780).

(13) رواه مسلم (2018).

(14) رواه البخاري (3282)، ومسلم (2610).