logo

إذا ترجلت النساء


بتاريخ : الأربعاء ، 26 جمادى الآخر ، 1439 الموافق 14 مارس 2018
بقلم : تيار الاصلاح
إذا ترجلت النساء

عن ابن أبي مُلَيْكَةَ قال: «قيل لعائشة: «إن امرأة تلبس النعل»، فقالت: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرَّجُلَةَ من النساء»» (1).

الرَّجُلَةُ مِنْ النِّسَاءِ: التي تتشبه بالرجال في هيئاتهم، وأخلاقهم، وأفعالهم، وأقوالهم (2).

أي المترجلة، وهي التي تتشبه بالرجال في زيهم أو مشيهم أو رفع صوتهم أو غير ذلك، أما في العلم والرأي فمحمود، ويقال: كانت عائشة رجلة الرأي.

قال الذهبي: فتشبه المرأة بالرجل بالزي والمشية ونحو ذلك من الكبائر، ولهذا الوعيد قال: ومن الأفعال التي تلعن عليها المرأة إظهار الزينة والذهب واللؤلؤ من تحت الثياب، وتطيبها بنحو مسك وعنبر، ولبسها المصبغات والمداس، إلى ما أشبه ذلك من الفضائح في اللباس (3).

لقد ظهر صنف من النساء المسترجلات اللاتي خالفن فطرة الله التي فطر الناس عليها، وتخلقن بصفات لا تليق بطبيعة المرأة المسلمة، التي خلقها الله وميزها عن طبيعة الرجل؛ بل وأصبح لهذا الصنف من النساء رواج وظهور في وسائل الإعلام؛ بل وتنافس الأحزاب كل منهم يريد أن يجعل المرأة المسترجلة في أولوياته، وربما جعلوها الناطقة الرسمية باسم الحزب.

ومن أسوأ ما تبثه وسائل إعلامنا هو تحسين صورة الشخصية الاسترجالية، ورسمها كشخصية مميزة، ينظر إليها بالإعجاب تارة، ويشار إليها بالبنان تارة أخرى، فأصبحت تلك الشخصية قدوة لفتياتنا يقلدنها على عمى بصر وبصيرة.

ومما يدمي القلب أن هذه المسترجلة لا تخجل مما تفعل؛ بل تتباهى وتتفاخر بصنيعها.

وتحذيرنا من هذه الفتنة ينبع من الغيرة لديننا وأعراضنا، وينبع من المآل والعاقبة التي تتهاوى فيها المجتمعات الإسلامية والانحطاط الخلقي، إن نحن أطعنا أرباب الشهوات والنزوات من الكفار والمنافقين، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} [آل عمران:100]، وقال تعالى: {وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} [النساء:27].

ولهذا أبان الله لنا خطر فتنة النساء إذا لم يحطن بالرعاية الشرعية والقوامة الرجالية، فقد جاء التحذير من فتنة المرأة، قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ} [آل عمران:14].

وكذا أبان النبي صلى الله عليه وسلم أن المرأة أخطر الفتن على الرجال، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء» (4).

وهي أول فتنة بني إسرائيل، قال صلى الله عليه وسلم: «فاتقوا الدنيا واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء» (5).

ولقد جاء الوعيد الشديد لمن خالفت فطرتها، وتخلت عن أنوثتها، وتشبهت بالرجال في اللباس والهيئة والأخلاق والتصرفات، ففي حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما حيث قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال، وقال «أخرجوهم من بيوتكم».

وعن ابن عباس قال: لعن النبي صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء، وقال: «أخرجوهم من بيوتكم»، قال: فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم فلانًا، وأخرج عمر فلانًا (6).

وجاء الوعيد الشديد لأولياء أمور النساء المترجلات، ‏فعن‏ ‏الحسن أن ‏عبيد الله بن زياد ‏عاد ‏معقل بن يسار ‏في مرضه الذي مات فيه،‏ ‏فقال له‏ ‏معقل:‏ ‏إني محدثك حديثًا سمعته من رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم،‏ ‏سمعت النبي‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏يقول: «ما من عبد استرعاه الله رعية فلم يحطها بنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنة» (7).

وعن سالم بن عبد الله عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة، والديوث، وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والمدمن على الخمر، والمنان بما أعطى» (8).

قال الحافظ المنذري: «الديوث هو الذي يعلم الفاحشة في أهله ويقرهم عليها»، قلت: وهو في حديث عمار رضي الله عنه مفسر في المرفوع، ولفظه: «ثلاثة لا يدخلون الجنة أبدًا: الديوث، والرجلة من النساء، ومدمن الخمر»، قالوا: «يا رسول الله، أما مدمن الخمر فقد عرفناه، فما الديوث؟»، قال: «الذي لا يبالي من دخل على أهله»، قلنا: «فما الرجلة من النساء؟»، قال: «التي تتشبه بالرجال» (9).

والله عز وجل قد نهى النساء المسلمات أن يتمنين أن يكنّ كالرجال، وكذا نهى الرجال عن تمني ما للنساء، فقال تعالى: {وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [النساء:32].

من مظاهر المسترجلات:

1- التشبه بالرجال في اللباس: ومثال ذلك: لبس ثياب تشبه تفصيل ثياب الرجل، ولبس البنطال، ومنها أحذية تشبه أحذية الرجل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل» (10).

فإذا لبست المرأة زي الرجال فقد شابهت الرجل في لبسه؛ فتلحقها لعنة الله ورسوله، ولزوجها إذا أمكنها من ذلك، أي رضي به ولم ينهها؛ لأنه مأمور بتقويمها على طاعة الله ونهيها عن المعصية، لقول الله تعالى: {قُوا أَنْفُسَكم وأَهْلِيكم نَارًا وَقُودُها النَّاس والحِجارَة} [التحريم:6]؛ أي أدبوهم وعلموهم ومروهم بطاعة الله، وانهوهم عن معصية الله عز وجل، كما يجب ذلك عليكم في حق أنفسكم، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته» (11).

2- عدم الالتزام بالحجاب الشرعي: (ومثال ذلك: غطاء الوجه الساتر والعباءة الفضفاضة)، وإظهار الزينة، والتطيب، وتقصير الأكمام ولبس البنطال.

3- كثرة الخروج من البيت بغير الحاجة: وكما قيل: خراجة ولاجة، زعمًا منها أنها تقوم بقضاء حاجيات البيت، وأنها حرة.

4- مزاحمة الرجال في الأسواق والوظائف: ومثال ذلك: الوقوف مع الرجال، والاصطفاف بصفوفهم، والجلوس بينهم، والمزاح مع الباعة.

5- رفع الصوت ومجادلة الرجال: ومثال ذلك: التحدث بصوت عال يسمعه البعيد قبل القريب، وتخشين الصوت خلافًا لفطرتها، والتخاصم مع الرجال والتسفيه من أقوالهم بلا حياء ولا حشمة.

6- تقليد مظاهر فساق المسلمين: ومثال ذلك: تقليد الرجال بالصفات السيئة؛ كالتدخين، والمجاهرة بذلك في الأماكن العامة والخاصة، وإزالة شعر وجهها بحلقه بأدوات الحلاقة الرجالية.

7- تقليد الرجل في المشية والحركة: ومثال ذلك: التمشي في الطرقات والأسواق بمشية الرجل العنيفة بقوة وجلد، وإظهار حركات الرجل؛ كالصلابة، والخشونة؛ بل وصل البعض بهن إلى المشاركة في رياضات الرجل، وبناء الأجسام مخالفة لأنوثة المرأة وفطرتها.

روى الإمام أحمد وصححه الألباني عن عطاء، عن رجل من هذيل قال: رأيت عبد الله بن عمرو بن العاص ومنزله في الحل ومسجده في الحرم، قال: فبينا أنا عنده رأى أم سعيد ابنة أبي جهل متقلدة قوسًا، وهي تمشي مشية الرجل، فقال عبد الله: من هذه؟، قال الهذلي: فقلت: هذه أم سعيد بنت أبي جهل، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ليس منا من تشبه بالرجال من النساء، ولا من تشبه بالنساء من الرجال» (12).

8- الخشونة في التعامل والأخلاق: ومثال ذلك: العناد، وفظة الخلق، والاستبداد بالرأي، وعدم التقدير والاحترام، وهي صفات مذمومة بحق الرجل فكيف بالمرأة.

9- التشبه بالرجل في الشكل والهيئة: ومثال ذلك: قص الشعر كشعر الرجل، والوقوف والجلوس كهيئة الرجل.

10- قلة الحياء: ومثال ذلك: الكلام في كل موضوع، والحديث مع كل الناس، والذهاب إلى كل مكان بلا حياء ولا خلق (13).

ولقد واجه هذا الصنف من النساء الكثير من العنت والضيق، وحصلت لهن مشكلات نفسية وجسدية ومضايقات رجالية؛ بل وتُعُدِّي على بعضهن وأصبحن منبوذات من بنات جنسهن ومن المجتمع؛ بسبب هذه الهيئة الشاذة، وهذه الأخلاق والتصرفات الهابطة.

نصيحة من الشيخ الألباني رحمه الله للنساء المترجلات:

الأصل في هذه المسألة هو سوء التربية، ومن أسباب سوء التربية فساد المجتمع، وفساد المناهج التي يُقام على أساسها تدريس الرجال والنساء، أو الشبّان والشابات؛ ذلك لأن الطالبات في المدارس أنا على مثل اليقين أنهن لا يسمعن مثل قوله عليه السلام: «لعن الله الرَجُلة من النساء»(14)، وكذلك الحديث الآخر الذي يرويه عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال»(15)، في اعتقادي أن الطالبات اللاتي يتخرجن من المدارس الثانوية أو مما فوقها، لم يطرق سمعهن مثل هذا الحديث أو ذاك، الحديث الأول، ولئن طرق شيء منهما مسامعهن يومًا ما، فذلك مما يدخل من أذنٍ ويخرج من الأذن الأخرى؛ لأن المناهج التي تدرّس، أو تُلقى الدروس على أساسها، لا تسمح للمدرّسة، حتى ولو كانت متدينة، أن تتوسع في مثل هذا الموضوع.

ومعلوم في الشرع وعند أهل العلم به أن الأصل في الرجل أن يخرج من داره ليعمل لصالح أهله وذويه، وعلى العكس من ذلك، فالأصل للمرأة أن تظّل في بيتها، وألا تخرج عنه، عملًا بقول ربها تبارك وتعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب:33]، فلما صارت المرأة كالرجل، تخرج صباحًا، وتعود مساءً، صارت في ذلك متشبهة بالرجل من حيث تدري أو لا تدري، من حيث تشعر أو لا تشعر.

ولذلك فنحن لم نعد في هذه الأزمنة المتأخرة نرى الفتاة العذراء التي تخجل أن يقع بصرها على رجل؛ بل هي، من شدة حيائها، ترمي ببصرها إلى الأرض لترى خطواتها وهي تمشي، لم نعد نرى هذه الفتاة التي كان أمثالها معروفًا حتى في عهد الجاهلية، فضلًا عن عهد الإسلام الأول الأنور الأطهر، من أجل ذلك جاء في الصحيح، في شمائل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه كان أشد حياءً من البكر في خِدرها، هذه البكر التي شُبه سيد البشر عليه الصلاة والسلام في حيائه بها، لم نعد نسمع بها في زمننا هذا.

ذلك لأنه غلب على النساء التشبه بالرجال، ولا شك أن لهذا أسبابًا كثيرة، من أهمها، ابتداءً، سيطرة الحكام الكفار على كثير من البلاد الإسلامية، فنشروا فيها عاداتهم، وتقاليدهم، وأذواقهم، وأخلاقهم المنحرفة عن الفطرة السليمة، فورثها جيل من الناس، وتلقاها أساتذة موجهون، زعموا، وأساتذات، ونشر هؤلاء جميعًا بين هذا الجيل الناشئ من فتيان وفتيات ما يسمونه بالمساواة بين النساء والرجال، فكان هذا من أسباب انتشار قلة الحياء في النساء، الذي جعل الكثيرات منهن مترجلات.

ومما لا شك فيه أن ترجل المرأة يجعلها تعتد بشخصيتها أمام زوجها، وقد تعلو عليه بصوتها، وربما تذله أمام بعض أقاربه وأقاربها، استعلاءً منها على زوجها.

أين هذا مما جاء في وصية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الرجال بالنساء؟ وعلل ذلك بقوله عليه السلام بعلة تنافى تمامًا هذه التربية التي نراها في العصر الحاضر، ألا وهو قوله عليه السلام: «استوصوا بالنساء خيرًا، فإنهن عوانٍ عندكم» (16)، الشاهد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما أمر بالاستيصاء بالنساء خيرًا في هذا الحديث علل ذلك عليه السلام بقوله: «فإنهن عوانٍ عندكم» أي: إنهن كالأسارى، الأسير لا يستطيع أن يعمل شيئًا مع سيده، كذلك المرأة المسلمة، المتخلقة بأخلاق الإسلام الصحيحة، هي أمام زوجها كالأسير (17).

أصحبت النساء اليوم لسن بحاجه إلى توصية الرجال بهن؛ بل انقلبت الآية، فأصبحت النساء بحاجة إلى أن يوصين بالرجال خيرًا؛ لأنهن أصبحن مستقلاتٍ في أعمالهن، في تصرفاتهن، وكثيرًا ما نسمع من بعضهن: أنه ما فيه فرق بيني وبين زوجي، فهو زوج وأنا زوجة، وهو شريك وأنا شريك معه في الحياة.

إن واقع الأمة اليوم، في هذا المقتل الجوهري، على جانب من الخطر عظيم، فلقد رأينا أن قضية اللباس بما ترمز إليه من دلالات سيمائية؛ هي حرب حضارية تُشن على الإسلام؛ لتدمير مواقعه الوجدانية في بنية التدين الاجتماعي.

إن ذلك يعني سحب البساط من تحت كل أشكال العمل الديني التجديدي في البلاد الإسلامية، وجعله يضرب في الفراغ سدى.

إن هذا الخطر الخلقي الداهم ليس له علاقة بتفسيق الشباب فقط، ولكنه مدمر لبنية التدين كلها! إنه استراتيجية عالمية خبيثة لغزو العالم الإسلامي على مستويات متعددة، واحتلال الوجدان الإنساني فيه، وتدمير شخصيته على المستويين النفسي والاجتماعي معًا! وذلك أخطر أنواع الاحتلال، وأشد وجوه الاستخراب.

لقد انطلق الخطاب القرآني للمرأة من مبدأ الخطاب الكلي للإنسان، منذ كان خطاب الوجود الأول للنفس الإنسانية! وذلك قول الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ القِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف:172]، فكان هذا التكليف الكوني العجيب: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب:72].

وأما ما خالفت المرأة الرجل فيه من أحكام فذلك راجع إلى الطبيعة التكاملية بين الذكورة والأنوثة، وليس إلى تنقيص خلقي تكويني في طبيعتها، فقد ينقص الرجل في شيء لتكمله المرأة، وقد تنقص المرأة في شيء ليكمله الرجل؛ سعيًا لتكوين الحاجة الفطرية الطبيعية بينهما، ورغبة في دوام الالتقاء وضمان استمرار الحياة (18).

إن تشريع اللباس الإسلامي إنما كان مذ كان في هذا السياق الكوني العظيم، فليس فيه إذن شكليات وهامشيات، إنه جوهر من جواهر الحياة، وعمق من أعماق الوجود الإنساني في الخطاب القرآني، إنه سيماء لحمل أمانة الاستخلاف في الأرض، قال عز وجل: {هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود:61]، ومن ثَمَّ كان ذلك أول قصد إبليس بالتدمير والتخريب في المجتمع الإنساني الأول! فاقرأ وتدبر هذه الآية العجيبة، قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ (27)} [الأعراف:26-27].

ذلك سر عجيب من أسرار اللباس في القرآن فتدبر، والمرأة إذ تكشف عن أطرافها ومفاتنها الجسمانية، بتسيب شهواني، فإنما معناه أنها تُبرز التمثال على حساب الطبيعة، وتمجد الفخار على حساب الروح! وتفر من تزيين حقيقة النفس إلى تزيين غلافها الخارجي فقط! فتخرج عن طبيعة الوجود البشري، الذي قام على المفهوم النفسي في القرآن كما تبين، وتتنصل عن ماهيتها الوجودية ووظيفتها الكونية.

والترجل في المرأة قد يكون شكليًا كما باللباس، أو طريقة الكلام، أو المشي، أو نحو ذلك من الشكليات الظاهرة، وقد يكون بدنيًا بتغيير خلق الله في نفسها، بالجراحات الطبية المحرمة التي تؤثر في طبيعتها الأنثوية، ووظيفتها الوجودية؛ وكل ذلك حرام بنص الأحاديث ومقاصد الشريعة.

ومن هنا حرم الإسلام حتى مجرد التشبه بالرجل بله الترجل، كما حرم على الرجل التشبه بالنساء سواء! وذلك كما في قوله عليه الصلاة والسلام: «لَعَنَ الله المتشبهات من النساء بالرجال، والمتشبهين من الرجال بالنساء» (19).

وقال في خصوص التشبه في اللباس: «لعن الله الرجلَ يلبس لبسةَ المرأة، والمرأةَ تلبس لبسةَ الرجل» (20)، فالأنوثة إذن مقصد إسلامي وجودي وتشريعي، وكل خَرْم له هو خَرْم لحقيقة التدين ولحقيقة الحياة.

إن الحياء ضد الفحش والتفحش، وضد البَذَاء، وجمالية الحياء هي من المقتضيات الفطرية للأنوثة، والحياء بطبيعته يميل إلى التخفي؛ لأن به يحفظ وجوده في النفس وفي المجتمع.

التخفي سر بقاء الحياء، والحياء سر بقاء الجمال! وإنما جمال الوردة ما لم تقطف، فإذا قطفت فركتها الأيدي ففقدت بهاءها، فلا جمال بعد، ومن هنا كانت الوردة الأجمل هي تلك المحصنة بين خضرة الأوراق وتيجان الأشواك! والحياء عمومًا مبدأ إسلامي كلي، عام في كل شيء، سواء كان في الأقوال، أو في الأفعال، أو في الألبسة، أو في التصرفات وسائر الحركات.

وهو معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم الجامع المانع: «ما كان الفحش في شيء قط إلا شَانَه، ولا كان الحياء في شيء قط إلا زَانَه» (21).

كما أنه كان عامًا في كل إنسان، من حيث هو مسلم يحمل عقيدة معينة، وانتماءً حضاريًا متميزًا؛ ولذلك قرنه النبي صلى الله عليه وسلم بالإيمان في قوله: «إن الحياء والإيمان قُرِنَا جميعًا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر» (22)، ومثله قوله صلى الله عليه وسلم: «الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبَذَاءُ من الجفاء، والجفاء في النار»(23).

وعن أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي؛ أنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إني أحب الصلاة معك، قال: «قد علمت أنك تحبين الصلاة معي، وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي»، فأَمَرَتْ؛ فَبُنِيَ لها مسجد في أقصى بيتها وأظلمه، فكانت تصلي فيه حتى لقيت الله عز وجل (24).

كل هذا التخفي في العادات والعبادات إنما هو لحفظ جمالية الحياء، ذلك المقصد الذي يشكل سرًا من أسرار الجمال في الأنثى، وبهذه النصوص والمقاصد يدرك المتبصر مقدار المخالفة الشرعية، في جمالية الحياء والتخفي، بين مثال المرأة المسلمة وبين حالها في واقعها المعاصر.

 فانظر، رحمك الله، كم هي بذيئة حالة الاستعراض التي تمارسها المرأة اليوم على الملأ، في الشوارع والأماكن العامة، تقليدًا لعادات اليهود والنصارى! بل لقد وصل الجهل بمثل هذه الحقائق إلى أن صار كثير ممن ينتسبن إلى التدين والعفاف لا يجدن حرجًا في الخروج مع أزواجهن، مشيًا على هيئة من التغنج الفاضح، والتلاصق المخجل! خاصة الأزواج حديثي العهد بالزواج، وكأن كونهما مرتبطين بعَقد شرعي كاف لتسويغ حالة الاستهتار الخلقي التي يمارسانها على الملأ، من التخاصر والتمايل، فما بالك بمن دونهما من الساقطين والساقطات! لقد فقد الناس الإحساس بالحياء! وفسدت أذواقهم إلا قليلًا!

3:30وللدكتور عبد الوهاب المسيري تحليل دقيق للحركة النسوية في العالم العربي، يرجع به في نهاية المطاف إلى فضح الرغبة الغربية في تدمير نظام الأسرة الإسلامي؛ لما ذكرنا من اعتبارات، يقول: والعالم الغربي الذي ساند الدولة الصهيونية التي تحاول تفكيك العالم العربي والإسلامي سياسيًا وحضاريًا يساند بنفس القوة حركات التمركز حول الأنثى في بلادنا ... فالعالم الغربي الذي أخفق في عملية المواجهة العسكرية المباشرة مع العالم الثالث، اكتشف أن هذه المواجهة مكلفة وطويلة، ولا طاقة له بها؛ ومن ثم فالتفكيك هو البديل العملي الوحيد.

كما أدرك العالم الغربي أن نجاح مجتمعات العالم الثالث في مقاومته يعود إلى تماسكها، والذي يعود بدوره إلى وجود بناء أسري قوي، لا يزال قادرًا على توصيل المنظومات القيمية، والخصوصيات القومية إلى أبناء المجتمع؛ ومن ثم يمكنهم الاحتفاظ بذاكرتهم التاريخية، وبوعيهم بثقافتهم وهويتهم وقيمهم ... وإذا كانت الأسرة هي اللبنة الأساسية في المجتمع؛ فإن الأم هي اللبنة الأساسية في الأسرة؛ ومن هنا تركيز النظام العالمي الجديد على قضايا الأنثى! فالخطاب المتمركز حول الأنثى هو خطاب تفكيكي ...، وهو خطاب يهدف إلى توليد القلق، والضيق والملل، وعدم الطمأنينة في نفس المرأة، عن طريق إعادة تعريفها! بحيث لا يمكن أن تتحقق هويتُها إلا خارج إطار الأسرة! وإذا انسحبت المرأة من الأسرة تآكلت الأسرة وتهاوت! وتهاوى معها أهم الحصون ضد التغلغل الاستعماري والهيمنة الغربية! (25).

إن حركة العري الجنسية في الغرب اليوم ما هي إلا امتداد طبيعي للانتماء الحضاري اليوناني القديم! فهي تحمل في طياتها تقديس الشهوات، وعبادة الملذات.

وبذلك صار للجسم/ الصورة سلطة كبيرة في بناء التصورات وصناعة القرارات، في السياسة والتجارة والإعلام! وتلك هي الوثنية في صورتها الجديدة!

وبهذه الخلفية الحضارية وُظِّفَتْ صورة المرأة، كاسية أو عارية، في الثقافية الإعلامية الغربية، فكانت بذلك رمزًا لترويج السلع والبضائع، والمنتوجات المختلفة، من خلال أبعاد صورتها الجسمانية، وما يتداعى عنها من غرائز جنسية، تستدعيها في نفسية المشاهد والمتلقي؛ ليكون بعد ذلك أحد المستهلكين للبضاعة التي مرت إلى عقله عبر قناة الجسد، جسد المرأة المشتهى! إن هناك شيئًا يمكن تسميته بعلم النفس التجاري! لكنه (علم) -إن صحت العبارة- نشأ في بلاد لا تعرف معنى لمفهوم الحرام! بل إنما تفتقت عنه عبقرية الشيطان اليهودي أساسًا؛ ولذلك فقد جاء يحمل كل خصائص الرأسمالية المتوحشة.

لقد استُغل السلاح النسوي استغلالًا خطرًا، في إعادة صياغة الأسرة؛ وفق المقياس الأوروبي وقيمه الحضارية، ونقض أصول بناء الأسرة في القرآن بالتدريج.

كل ذلك يحصل اليوم من خلال وسائل من أخطرها التطبيع على تداول الصورة العارية كموضة متحركة في بنية المجتمع العربي والإسلامي! (26).

فعلى المسلمات المتمسكات بدينهن إذا كنّ قد ابتلين بشيء من المخالطة لهذا المجتمع، أن يحاولن أن ينجون بأنفسهن من أن تتأثرن بشيء من هذا الانجراف الذي وقعت فيه كثيرات من النساء، بسبب ما ذكرناه من فساد التربية، وفساد المجتمع.

ويجب على الفتاة المسلمة أن تتق الله وتبتعد عن كل ما هو من خصائص الرجال وهيئتهم، وتترك التشبه بهم، ولا تتهاون في هذا الأمر، ولو كان هذا التصرف منها على سبيل العبث واللهو والمزح؛ لأن فيه مخالفة للشرع، ومخالفة للفطرة التي خلقها الله عليها، وينبغي عليها أن تعتني بأنواع الزينة، ووسائل التجميل المباحة، حتى تظهر أنوثتها وتتميز كل التميز عن الرجل، وأن تلزم الحياء وخفض الصوت، وكل ما يناسب رقة المرأة.

***

____________________

(1) أخرجه أبو داود (4099).

(2) جامع الأصول (10/656).

(3) فيض القدير (5/ 269).

(4) أخرجه مسلم (2740).

(5) أخرجه مسلم (2742).

(6) أخرجه البخاري (5886).

(7) أخرجه البخاري (7150).

(8) أخرجه النسائي (2562).

(9) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (10800).

(10) أخرجه أبو داود (4098).

(11) أخرجه البخاري (2751).

(12) أخرجه أحمد (6875).

(13) المسترجلة/ حمود بن إبراهيم السليم/ موقع المنهج.

(14) أخرجه أبو داود (4099).

(15) أخرجه البخاري (5885).

(16) أخرجه ابن أبي شيبة (562).

(17) سلسلة الهدى والنور، شريط (رقم:19).

(18) آية السيماء (ص:27).

(19) أخرجه أبو داود (4097).

(20) أخرجه أبو داود (4098).

(21) أخرجه ابن ماجه (4185).

(22) أخرجه الحاكم (58).

(23) أخرجه الترمذي (2009).

(24) أخرجه ابن حبان (2217).

(25) ما بين حركة تحرير المرأة، وحركة التمركز حول الأنثى: رؤية معرفية، مجلة المنعطف المغربية (عدد مزدوج: 15، 16).

(26) سيماء المرأة في حرب القيم بين النفس والصورة/ مجلة البيان (العدد:194).