بين القمر وموج البحر
عندما خلق الله عز وجل الإنسان من ذكر وأنثى جعل لكل منهما خصائص وصفات تميزه عن الآخر، وجعل التشكيل الجسدي للرجل يختلف عن التشكيل الجسدي للمرأة؛ وتبعًا لذلك فإن التشكيل النفسي للمرأة يختلف عن التشكيل النفسي للرجل، قال تعالى:{وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} [آل عمران:36]، فلو كان الذكر كالأنثى ما كانت هناك فائدة من ارتباط الرجل بالمرأة؛ لأن طبيعية علاقة الرجل بالمرأة إنما هي علاقة تكاملية، وطبيعة يتآزر فيها كل منهما بالآخر، وإلا لأصبحت علاقة تنافسية وطبيعة طردية لا تقارب فيها ولا التقاء أبدًا.
ومن طبيعة الإنسان أنه ليس على حال ثابت في كل وقت، وإنما تتقلب به الأحوال، وتتغير الأمزجة بتغير الظروف والأحوال، فأحيانًا يكون الرجل في خير حال، وأحيانًا أخرى يكون في مزاج سيء، غير قادر على التواصل الجيد في حياته الزوجية، والمرأة أحيانًا تكون حسنة المزاج معتدلة الطباع، وأحيانًا أخرى تكون غير ذلك.
وهذه الأحوال المتقلبة لا شك أن الزوجين يمران بها، قد يكونان معًا في هذه الظروف، وقد يكون كل واحد منهما يمر بمثل هذه الظروف السيئة، والطرف الآخر لا يمر بها، لكن الأهم هو فهم طبيعة ونفسية كل من الرجل والمرأة في خلال هذه الظروف السيئة، وكذلك الجيدة منها.
إن الرجل عندما يرى زوجته للمرة الأولى ويحدث القبول بينهما، ويوطن نفسه على أن هذه هي زوجته، فإنه يشعر بالحب حينها، وهذا الحب يدفعه ويجعله يشعر أن هذه المرأة بحاجة إلى رعايته وخدمته، وهذا يولد عنده القدرة والإمكانية على تخطي الصعاب وتلبية الطلبات، وتكون عنده رغبة قوية للعطاء، وهو لا يريد بذلك مقابل، وإنما بدافع شعوره باحتياج هذه المرأة إلى الرعاية، لذلك فإننا نرى الشاب المقبل على الزواج يتحمل المشاق والصعاب لتلبية طلبات زوجته، ويسعى بكل جهد وقوة لمحاولة تجهيز عش الزوجية على النحو الذي رسماه معًا، هو وزوجته، وهو عندما ينجح في ذلك، ويشعر أنه قد أسعد زوجته فإنه يشعر بسعادة عظيمة لسعادتها.
والمرأة عندما تعرف زوجها، وتعلم أن الله قد كتبه لها، فإنها تهب نفسها كلها لزوجها، تسعى لإرضائه، وتخشى أن تحزنه بكلمة أو إشارة، فهي تفرح أيما فرح عندما تشعر أنه يلبي طلباتها، وأن هناك من يرعاها ويقوم على شئون حياتها، فهذا عندها بالدنيا كلها.
وبعد هذا الجو الرائع والجميل للحياة الزوجية، تحدث حالات فتور، فيحتاج الرجل أن يبتعد حينًا عن زوجته التي أحبها، وهذه المرحلة، مرحلة البعد، كأنها تجديد للحب، وتنشيط لاشتياق الزوج إلى زوجته، ثم يعود إليها مرة أخرى وقد ارتفع معدل الحب في قلبه، وزاد منسوب الشوق واللهفة في نفسه، وهذه المرحلة التي يبعد فيها الزوج إنما هي مرحلة جبلية خلق الله عز وجل عليها الرجل، فهذا البعد إنما يحدث بطريقة تلقائية لا دخل لاختيار الرجل فيها، كأنه شعور غريزي عند الرجل، وليس هذا البعد بسبب خطأ من المرأة أو خطأ من الرجل، وإنما نفسية الرجل تتأرجح بين حاجته للاستقلال وحاجته للاقتران بزوجته.
فحب الرجل كالقمر، يذهب ويأتي، فعندما يظهر القمر وينتفع الناس بضوئه الجميل ومنظره البديع، فإنه يشعر بحاجته إلى الاختلاء بنفسه والذهاب بعيدًا لبعض الوقت، حتى يعود وتكون لديه القدرة على نفع الناس بضوئه ونظره، وكذلك الرجل، يكون مع زوجته في اشتياق ولهفة، ثم يشعر برغبة في البعد، فيبتعد، فيزداد لديه الحب والشوق فيعود ويقترب، وكأن لسان حاله: ابتعد غبًا تزدد حبًا.
أما المرأة فهي كموج البحر، ارتفاعًا وهبوطًا، فمشاعر المرأة وحب المرأة كموج البحر علوًا وانخفاضًا، فإذا ما شعرت المرأة أن معنوياتها مرتفعة، كانت أكثر قدرة على رؤية كل شيء جميل ورائع في حياتها، وتزداد ثقتها بنفسها، وحينها تكون الموجة عالية وقوية، أما حين تنكسر الموجة وتهبط وتنخفض وتكون معنويات المرأة منخفضة، فإن المرأة لا تتذكر إلا كل سيء في حياتها، وتتذكر كل ما فقدته في حياتها، وتتذكر المواقف الصعبة التي مرت بها، والمواقف التي كانت عاجزة فيها عن التصرف، فتقل ثقتها في نفسها، وحينها تكون في حاجة للكلام عن مشاكلها، وفي حاجة ماسة وشديدة لمن ينصت إليها.
إن المرأة عندما تكون في تلك الحالة، فهي مثل التي وقعت في بئر عميق مظلم، لا تدري ما تصنع، غير البوح عما بداخلها، وعندما ينصت إليها الزوج ويستمع إليها باهتمام، دون توجيه منه للتصرف الصحيح الذي كان ينبغي عليها أن تفعله، فإنه بتصرفه هذا يساعد المرأة على الصعود تدريجيًا من هذا البئر المظلم.
ومن الأخطاء الشائعة جدًا، التي يقع فيها الرجل، محاولة منع الزوجة من تقلبات المشاعر والأمزجة، وذلك بمحاولة إخراجها من هذا البئر المظلم عن طريق بيان كيفية التصرف في الموقف الحالي الذي تمر به المرأة، سواء أكان السبب الذي أدى إلى انخفاض معنوياتها من البيت، أو الجيران، أو الأصدقاء، أو الأقارب، يأخذ الزوج في شرح نظرياته حول كيفية التعامل مع مثل هذه المواقف، والمرأة لا تريد هذا إطلاقًا، هي لا تريد من يخرجها من هذا البئر العميق، وإنما هي تحتاج أن تشعر أن زوجها بجانبها، يحوطها ويرعاها ويهتم بها، وتحب أن تسمع منه كلمات الحنان والرعاية والاهتمام، مما يشعرها بالدفء والحب، وهذا هو الحافز الحقيقي والسريع جدًا لخروج المرأة من تلك الحالة التي تمر بها.
إن المرأة عندما ترتفع معنوياتها، وتزداد ثقتها بنفسها، فإنها تكون مصدرًا لا ينضب ومنبعًا لا يجف، للحب والحنان واللطف والعطف لزوجها، وعندما تقل ثقتها بنفسها، وتشعر عجزها عن التواصل مع الآخرين وعن مجابهة الحياة فإنها تحس بخواء داخلي، وتشعر بأنها في حاجة شديدة لمن يملأ هذا الفراغ الداخلي بالرعاية والحب والاهتمام، وذلك لا يكون إلا من زوجها.