logo

فاظفر بذات الدين تربت يداك


بتاريخ : الثلاثاء ، 6 جمادى الأول ، 1439 الموافق 23 يناير 2018
بقلم : تيار الاصلاح
فاظفر بذات الدين تربت يداك

عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تُنكَح المرأة لأربع؛ لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك»(1).

وعن جابر أنه تزوج امرأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أتزوجت يا جابر؟»، قال: قلت: نعم، قال: «بكرًا أم ثيبًا؟» قال: قلت: بل ثيبًا، قال: «فهلا بكرًا تلاعبك؟»، قال: قلت: يا رسول الله، كن لي أخوات فخشيت أن تدخل بيني وبينهن، قال: «فذاك إذًا، إن المرأة تنكح على دينها، ومالها، وجمالها، فعليك بذات الدين تربت يداك»(2)، قال أبو عمر في هذا الحديث أن الحسب غير المال، ألا ترى أنه فصل بينهما بالواو الفاصلة كما فصل بين الجمال والدين(3).

قال الإمام ابن حجر: «والحسب في الأصل الشرف بالآباء وبالأقارب، مأخوذ من الحساب؛ لأنهم كانوا إذا تفاخروا عدوا مناقبهم ومآثر آبائهم وقومهم وحسبوها، فيحكم لمن زاد عدده على غيره، وقيل: المراد بالحسب هنا الفعال الحسنة، وقيل المال، وهو مردود؛ لذكر المال قبله، وذكره معطوفًا عليه، وقد وقع في مرسل يحيى بن جعدة عند سعيد بن منصور: على دينها ومالها وعلى حسبها ونسبها، وذكر النسب على هذا تأكيد، ويؤخذ منه أن الشريف النسيب يستحب له أن يتزوج نسيبة، إلا إن تعارض نسيبة غير دينة وغير نسيبة دينة فتقدم ذات الدين، وهكذا في كل الصفات(4) .

قوله: «وجمالها» يؤخذ منه استحباب تزوج الجميلة؛ إلا إن تعارض الجميلة الغير الديِّنة والغير الجميلة الدينة، نعم لو تساوتا في الدين فالجميلة أولى، ويلتحق بالحسنة الذات الحسنة الصفات، ومن ذلك أن تكون خفيفة الصداق.

قوله: «فاظفر بذات الدين» في حديث جابر: «فعليك بذات الدين»، والمعنى أن اللائق بذي الدين والمروءة أن يكون الدين مطمح نظره في كل شيء، لا سيما فيما تطول صحبته، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بتحصيل صاحبة الدين الذي هو غاية البغية(5).

وفيه الترغيب في صحبة أهل الدين في كل شيء؛ لأن من صاحبهم يستفد من أخلاقهم، ويأمن المفسدة من جهتهم.

قال القرطبي: معنى الحديث أن هذه الخصال الأربع هي التي ترغب في نكاح المرأة، لا أنه وقع الأمر بذلك؛ بل ظاهره إباحة النكاح لقصد كل من ذلك، لكن قصد الدين أولى».

قال: «ولا يظن أن هذه الأربع تؤخذ منها الكفاءة؟ أي: تنحصر فيها؛ فإن ذلك لم يقل به أحد، وإن كانوا اختلفوا في الكفاءة ما هي؟(6).

قال القاضي: عادة الناس أن يرغبوا في النساء ويختاروها لإحدى أربع خصال عدها، واللائق بذوي المروءات وأرباب الديانات أن يكون الدين مطمح نظرهم فيما يأتون ويذرون، سيما فيما يدوم أمره ويعظم خطره، فلذلك حث المصطفى صلى الله عليه وسلم بآكد وجه وأبلغه، فأمر بالظفر بذات الدين، الذي هو غاية البغية ومنتهى الاختيار، والطلب الدال على تضمن المطلوب لنعمة عظيمة وفائدة جليلة(7).

قوله: «تربت يداك»: وهي كناية عن الفقر، وهو خبر بمعنى الدعاء، لكن لا يراد به حقيقته، وبهذا جزم صاحب العمدة، زاد غيره أن صدور ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم في حق مسلم لا يستجاب لشرطه ذلك على ربه، وحكى ابن العربي أن معناه: استغنت، ورُدَّ بأن المعروف: أترب إذا استغنى، وتَرِب إذا افتقر، ووُجِّه بأن الغنى الناشئ عن المال تراب؛ لأن جميع ما في الدنيا تراب، ولا يخفى بُعده، وقيل معناه: ضعف عقلك، وقيل: افتقرت من العلم، وقيل: فيه تقدير شرط؛ أي: وقع لك ذلك إن لم تفعل، ورجحه ابن العربي(8).

وفي هذا القول من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة تأويلات:

أحدها: أن تربت هاهنا بمعنى استغنت، وإن كان في اللغة بمعنى افتقرت، فتصير من أسماء الأضداد؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز أن يدعو على من لم يخالف له أمرًا، مع أن دعاءه مقرون بالإجابة.

والثاني: أن معناه: تربت يداك إن لم تظفر بذات الدين؛ لأن مَن لم يظفر بذات الدين سُلِبَ البركة فافتقرت يداه.

والثالث: أنها كلمة تخف على ألسنة العرب في خواتيم الكلام، ولا يريدون بها دعاءً ولا دمًا؛ كقولهم: ما أشعره قاتله الله، وما أرماه شلت يداه(9).

قال القرطبي: معنى الحديث أن هذه الخصال الأربع هي التي يرغب في نكاح المرأة لأجلها، فهو خبر عما في الوجود من ذلك، لا أنه وقع الأمر بذلك؛ بل ظاهره إباحة النكاح لقصد كل من ذلك، لكن قصد الدين أولى، قال: ولا يظن من هذا الحديث أن هذه الأربع تؤخذ منها الكفاءة، أي تنحصر فيها، فإن ذلك لم يقل به أحد فيما علمت، وإن كانوا اختلفوا في الكفاءة ما هي»(10).

وقال الإمام النووي: «الصحيح في معنى هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بما يفعله الناس في العادة، فإنهم يقصدون هذه الخصال الأربع، وآخرها عندهم ذات الدين، فاظفر أنت أيها المسترشد بذات الدين، لا أنه أمر بذلك، قال شمر: الحسب: الفعل الجميل للرجل وآبائه.

وفي هذا الحديث الحث على مصاحبة أهل الدين في كل شيء؛ لأن صاحبهم يستفيد من أخلاقهم وبركتهم وحسن طرائقهم، ويأمن المفسدة من جهتهم»(11).

بين عالَم القيم وعالَم الأشياء:

فعالم القيم يعود إلى عالم الروح وطبيعتها وأشواقها، وعالم الأشياء يعود إلى عالم الجسد وطبيعته ومتطلباته.

وطبيعة عالم الأشياء تفرض عليه أن يكون من الوسائل، مما يجعله وسيلة لعالم القيم، يُتّخَذُ لبلوغها، ويُبذَل لأجلها، وهو عالم متطور متجدد، متغير النوع والملامح بين جيل وجيل، ومجتمع وآخر.

وأما عالم القيم فهو عالم المبادئ والمقاصد، فهو على وجه العموم عالم الاستقرار والثبات والرسوخ.

وما أكثر الناس الذين يقفون أمام عالم الثبات والرسوخ عاجزين عن الالتزام به، والثبات عليه، ويفتنون بعالم الأشياء، فلا يفكرون إلا به، ولا يزالون يلهثون وراء مظاهره ومتغيراته، ويكونون من عبيده وأسراه، فهو مطمح أبصارهم، وغاية أمنياتهم.

وإن من أهم ما يستفاد من التمييز بين هذين العالمين؛ أن صورة الجمال الظاهرة لا يدَ للإنسان في صنعها، ولا قدرة له على تغييرها وتبديلها، وربما كان له قدرة محدودة على تحسينها وتجميلها.

إن جمال القيم وسموها لا حد له ولا غاية، ولا أمد له ولا نهاية، أفما يحسن بكلا الجنسين إذن أن يوجِّه كل عنايته إلى الاهتمام بجوانبه التي لا يحيط بها أحد، ولا ينقطع عن بحبوحة ساحاتها المدد، وهي تزداد مع الأيام وتنمو، بينما تتناقص الأخرى وتضعف، وتسير في طريقها نحو التلاشي والزوال، كما تذبل الوردة المتفتحة التي تخلب الأنظار، بعد أيام معدودة، وتفقد أريجها المتضوّع، ثم تكون هشيمًا يابسًا، ليس له من الوردة إلا اسمها ورسمها.

إن عالم الأشياء إن لم يهيمن عليه عالم القيم ويقوده كان أشبه بالمال في يد السفيه، أو السلاح في يد المجنون.

التوازن بين عالم القيم وعالم الأشياء:

والإنسان تبعًا لذلك يتنازعه عالم الأشياء وعالم القيم، عالم الدنيا وعالم الآخرة؛ فإما أن يغلبه هذا أو يغلبه ذاك، وهو في صراع دائم ومكابدة دائبة، حتى يستقر أمره على أحد الاتجاهين فينحاز إليه، ويسير في سبيله، أو يبقى في تجاذبٍ مدى حياته، وصراع في كل مواقفه وحركاته، فأولى له ثم أولى، فلا اقتحم العقبة، وما أدراك ما العقبة.

ولو نظرنا إلى العلاقة بين هذين العالمين، من الوجهات النفسية والاجتماعية والواقعية، لرأينا أن ميزان عالم القيم عندما يثقل يخف في مقابلة ميزان عالم الأشياء، وعندما يثقل ميزان عالم الأشياء في اعتبارات الناس يكون ميزان قيمهم طائشَ الكِفَّةِ مختل الكيان، ولا تخرج عن هذه المعادلة إلا نوادر الأحوال والظروف التي لا يقاس عليها، والإسلام يطلب منا الموازنة الصحيحة بين العالمين، التي تعطي كل ذي حق حقه، وتقوم على المبدأ القرآني: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِين} [القصص:77].

وإذا كانت الموازنة الصحيحة بين عالم القيم وعالم الأشياء، والانحياز إلى عالم القيم، يدل على كمال عقل الإنسان ومبلغ رشده؛ فإن لنا أن نلحظ أن الأصل في الرجل أن ينحاز إلى عالم القيم فيعيش لها، ويجتهد في نصرتها، ويضحي في سبيلها، وهذا من بعض الحكم الإلهية في تحريم الحلي عليه والزينة والتشبه بالنساء.

كما أن المرأة تميل بفطرتها إلى عالم الأشياء، فتُعنى بها، وتحرص عليها، وتعجب ببهارجها، وتتطلبها وتتطلع إليها، وقد أشار الله تعالى إلى ذلك بقوله: {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِين} [الزُّخرُف:18].

وليس إلحاقنا للمرأة بالميل إلى عالم الأشياء وإيثاره نوعًا من التحكم لا مبرر له، وإنما هو نظر فطري أغلبي، تحكم به سنن الفطرة، ويؤيده الواقع، ولا ينكره إلا ذو نظر قاصر، ولا يكابر فيه إلا ذو هوًى متعصب.

وهذا الحديث يشير إلى هذا الواقع، واقع نظرة الناس وتعاملهم، كما الإشارة إلى ذلك، وليس المطلوب رفض هذا الواقع وإلغاءه، وإنّما التسامي فيه، ووضع الأمور مواضعها، ليكون الإنسان والواقع محكومَين بعالم القيم، تابعين لها، ولا شك أن مراعاة الواقع وتقديره مطلب شرعي مؤكد، على ألا يخل بما هو أجل وأعظم، وأولى وأرجح.

وهذا التوزع بين الرجل والمرأة هو من بديع فطرة الله تعالى في خلقه، التي قدرها بحكمته تقديرًا، ليعمر هذا الكون، ولتكتمل سنة الله في الابتلاء، ويؤهل كل مخلوق لأداء وظيفته في هذه الحياة، فتأخذ الدنيا حظّها من الفتنة والابتلاء، فيبتلى الإنسان بها، ذكرًا كان أو أنثى، كل بحسب موقعه واهتمامه، حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

ولا يعني ذلك أن أحد الجنسين إذا انحاز إلى عالم، أو غلب عليه، أن يُلغَى العالم الآخر من كيانه وحياته، وأن يكون بعيدًا عنه كل البعد، ولكننا نتحدث عن حالة الترجيح والإيثار، والانحياز والانسياق بنسب متفاوتة راجحة أو مرجوحة، وراء هذا العالم أو ذاك، وعن واقع الصراع الذي يعيشه الأفراد والمجتمعات في التجاذب بين هذين العالمين، والميل إلى أحدهما، والدوران في فلكه، وحمل لواء نصرته والدفاع عنه.

ويقول سيد قطب: «وفي مجال التربية للجماعة المسلمة يكشف لها عن البواعث الفطرية الخفية التي من عندها يبدأ الانحراف، إذا لم تضبط باليقظة الدائمة، وإذا لم تتطلع النفس إلى آفاق أعلى، وإذا لم تتعلق بما عند الله، وهو خير وأزكى.

إن الاستغراق في شهوات الدنيا، ورغائب النفوس، ودوافع الميول الفطرية هو الذي يشغل القلب عن التبصر والاعتبار، ويدفع بالناس إلى الغرق في لجة اللذائذ القريبة المحسوسة، ويحجب عنهم ما هو أرفع وأعلى، ويغلظ الحسّ، فيحرمه متعة التطلع إلى ما وراء اللذة القريبة، ومتعة الاهتمامات الكبيرة اللائقة بدور الإنسان العظيم في هذه الأرض، واللائقة كذلك بمخلوق يستخلفه الله في هذا الملك العريض.

ولما كانت هذه الرغائب والدوافع مع هذا طبيعية وفطرية، ومكلَّفة من قبل البارئ جل وعلا أن تؤدي للبشرية دورًا أساسيًا في حفظ الحياة وامتدادها، فإن الإسلام لا يشير بكبتها وقتلها، ولكن إلى ضبطها وتنظيمها، وتخفيف حدتها واندفاعها، وإلى أن يكون الإنسان مالكًا لها متصرفًا فيها، لا أن تكون مالكة له متصرفة فيه، وإلى تقوية روح التسامي فيه، والتطلع إلى ما هو أعلى.

ومن ثم يعرض النص القرآني، الذي يتولى هذا التوجيه التربوي، هذه الرغائب والدوافع، ويعرض إلى جوارها على امتداد البصر ألوانًا من لذائذ الحس والنفس في العالم الآخر، ينالها من يضبطون أنفسهم في هذه الحياة الدنيا عن الاستغراق في لذائذها المحببة، ويحتفظون بإنسانيتهم الرفيعة»(12).

والعجب بعد ذلك كل العجب من مؤمن يرى زينة الدنيا الظاهرة، ويعلم أنها محدودة زائلة، معلولة منغّصة، ويؤمن بنعيم الآخرة، ويعلم أنه باق لا يزول، دائم لا يفنى، لا غم فيه ولا كدر، ثم يتعلق قلبه بالدنيا ويؤثرها، ويغفل عن الآخرة، ولا يستعد لها، ولا يجتهد في طلبها.

وإذا كان هذا الحديث يذكر أربع خصال قد تُطلَبُ إحداها في المرأة، بحكم دوافع الرجال ورغباتهم، فإن التأمل في هذه الخصال يردها إلى التقسيم الذي ذكرناه؛ لأن الحسب والمال هما من نوع عالم الأشياء، وهما ملحقان بالجمال وتبع له.

وجمال المرأة، من جهة أخرى، يعود إلى ذاتها وفطرتها، بخلاف الحسب والمال فإنهما يفدان إليها، ويأتيانها من أسرتها أو البيئة المحيطة بها، فلا يد لها فيه ولا اختيار، ولا أثر لها في اصطناعه ولا اقتدار.

وأما الدين فهو الذي يمثل عالمَ القيم الثابتة الراسخة بأحلى صورها، وأجمل معانيها، وأرقى اعتباراتها.

الإسلام يحل لنا التمتع بالطيبات، ولا يرضى لنا تحريمها على أنفسنا، وهو دين المثالية الواقعية، الإيجابية البناءة، لم يهمل عالم الأشياء، ولم يتنكر لها، ولكنه في الوقت نفسه لم يسمح لها أن تتمادى على عالم القيم أو تطغى؛ بل جعلها محكومة بعالم القيم مقودة له، وهل الحياة كلها في مفهوم الإسلام إلا القيم، تُستخدَم الأشياء وسائل لإقامتها وتحقيقها، وتسخيرها لإسعاد الإنسان بها؟

ومن هنا فإن الانحياز لعالم الأشياء كما هي، تفكيرًا واهتمامًا وتحكيمًا، يجعلها تطوع القيم الصالحة، وتحرفها لتخدمها، وتسخرها لتبرر اتجاهها، كما يتيح لها أن تفرض القيم الفاسدة المُفسدة، الهابطة المُنحطة، التافهة العابثة، على حياة الإنسان وسلوكه؛ مما يحجم عالم القيم السامية في الإنسان، ويقتله أو يكبته، أو يجعله مظهرًا لا قيمة له، وصورةً لا حقيقة لها.

وإن من واقعية الإسلام، وإيجابيته واعتداله واتزانه، أنه لم يرفض عالم الأشياء ولم يحاربه، وإنما قدره بحدود تحمي القيم وتصونها، ولا تفرط بحقائقها ومثلها.

ومن هنا فإن من مقتضى مسئولية الرجل عن أسرته، وحق القوامة الذي وضعه الله في يده، وأوجبه عليه، أن يعتني بوجهتي المرأة النفسية والفكرية، وتطلعاتها السلوكية، ويغذي في نفسها عالم القيم، ويرفع همتها إلى آفاقه، ويرقى بها، ويتعهدها بالموعظة الحسنة بين الحين والآخر، لتبقى وجهتها في الحياة واضحة القصد والهدف، وتكون على بصيرة من أمرها في كل خطوة من خطوات حياتها، وهذا أمر يغفل عنه كثير من الرجال، ويغفلونه، وهو بالغ الأهمية والضرورة، كيلا تنزل المرأة عن الحد الأدنى في عالم القيم، فتهي علاقتها بها، وتستمر في ضعفها وفتورها، وتتحول من إرادة الآخرة إلى إرادة الدنيا وإيثارها، وتستمرأ الالتصاق بعالم الأشياء، والتعلق بها، وجمعها وتكديسها.

أنواع الدوافع المذكورة في هذا الحديث:

ثم إن الدوافع المذكورة في هذا الحديث هي تعبير نبوي دقيق عن أنواع من الدوافع لا عن أفراد منها، وهذه الأنواع يمكن النظر إليها من زوايا متعددة:

أ- فهي من زاوية: منها ما يدخل تحت إرادة الإنسان واختياره، ومنها ما لا يدخل تحت إرادة الإنسان واختياره.

ب- وهي من زاوية أخرى: منها ما يكون من عالم القيم، ومنها ما يكون من عالم الأشياء، أو يتبع لها، فما يكون من عالم القيم: هو الدين، والحسب، والجمال الباطن، وهو جمال الروح والنفس، وجمال الخلق والمعاني الإنسانية الفطرية، وهو الجمال الحقيقي، الذي يرقى ويبقى، وإليه الإشارة في الحديث الشريف: «انظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما»(13).

وحديث: «الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف»(14).

وأما ما يكون من عالم الأشياء فهو المال بأنواعه، وجمال الصورة الظاهرة، مجردًا عن جمال الخُلُق والمعاني الإنسانية الكريمة.

ج- وهي من زاوية ثالثة: منها الأصيل الثابت، وهو ما يكون من قيم الحق والخير، وهو ما لا غنى للإنسان عنه بحال من الأحوال، ومنها النسبي المتغير، وهو ما يكون من عالم الأشياء، وقيم الباطل والشر، أو ما يشبه ذلك من سفساف الأمور، وقد يغني بعض ذلك عن بعض.

وإن أكثر الرجال، إلا من شذ وانحرف، وفسدت فطرته، وغلبته شهواته، واتبع هواه، وانساق وراء نزوة الشباب وطيشه، أكثر الرجال لا يتطلبون في المرأة، لتكون شريكة حياتهم، جمال الصورة الظاهرة فحسب؛ وإنما يريدون جمال الصورة دالًا على جمال الروح الباطنة، التي تشرق على الظاهر، فتعطيه روعة الحسن الباهر، لا صورته التي تخدع بها الأصباغ والألوان؛ بل قد رأينا كثيرًا من غير المتديّنين يطلب في المرأة، التي يريدها شريكة حياته، أن تكون متدينة عفيفة، مصونة صالحة.

وأما من يرجح جمال الظاهر فحسب فهو مختل الموازين، أحوج ما يكون إلى تصحيح نظرته إلى الحياة الدنيا وعلاقته بها، وكثيرًا ما يصطدم بالواقع، وتربيه مدرسة الحياة، وتلقّنه درسًا لن ينساه؛ لأنها قائمة على سنن ثابتة لا تتغير، ولا تحابي أحدًا.

الكفاءة في الزواج:

ويشير هذا الحديث إلى قضية الكفاءة في الزواج، ويمكن أن يعد أصلًا لمن اعتبرها، مراعاة للواقع النفسي والاجتماعي الذي يحكم الناس، مع حث الإسلام على تسامي الإنسان عن ذلك، إعلاء للكفاءة في الدين، والتميز بقيمه، ولكن الإسلام بواقعيته التشريعية لا يفرض المثالية فرضًا، وإنما يحث عليها، وينهض الهمم إليها، ويراعي مشاعر الناس بما لا يتعارض مع مبادئه وقيمه، ويسمو بهم إلى آفاقه الكريمة باليسر والرفق، لا بالشدة والعنف.

ولك بعد ذلك، أيها العاقل، أن توازن بين العالمين، ثم تختار، ولك الخيار فيما تختار، ولكنك تكشف باختيارك عن ذاتك، وتعلن للملأ عن حقيقة انتمائك، فحذار أن تخدع نفسك، أو تغالط الآخرين.

إن لك أن تختار بين مطلب الجمال الحسّي فحسب، الذي هو من عالم الأشياء، أو مطلب الدين، الذي هو من عالم القيم، وعليك أن تدرك مغزى اختيارك، وآثار انتمائك لأحد العالمين والتحاقك به.

وإذا كان حب الجمال مطلبًا فطريًا، وعطاءً وهبيًّا، فإن حقيقته أن يكون جمال القيم والمعاني، لا جمال الصورة الظاهرة، أو الزينة الفاخرة.

ومن ثَمّ فإن للجمال صورة حسية ظاهرة، وحقيقة معنوية باطنة، هي بمثابة روحه وحقيقته، لها القيمة الكبرى، وعليها، في حقيقة الأمر، المعول.

من إشارات هذا الحديث ولوازم معناه أن على العاقل، ذكرًا كان أم أنثى، أن يحرص على العمل الطيب، الذي ينفعه ويرفعه، ويدلّل على طيب عنصره، ونفاسة معدنه.

ولكن الواقع أن غرق المرأة المعاصرة في التطلع إلى عالم الأشياء، والافتتان بها وإيثارها، جعلها تسلك سبيلًا آخر، إلى إثبات وجودها، وتحقيق ذاتها، إنه سبيل الوصول إلى المال بسعيها الخاص وجهدها، وفي أحوال كثيرة على حساب القيم المطلوبة منها، والتي هي مسئولة عنها؛ فجنحت إلى طريق التعليم والدراسة، لا حبًّا بالعلم ورفعته، وحرصًا على تزكية النفس به، وإنما للحصول على الشهادة؛ لأنها سلم الوصول إلى الوظيفة والمرتب، وهي سبب المال الذي يغري الرجال بالإقبال عليها، ويجعلهم يحرصون على الاقتران بها، ولم تَدْرِ أن ذلك يغري بها أصحاب الطمع والجشع، الذين لا حظ لهم من الأخلاق والقيم، وإنما كل تفكيرهم أن يجعلوها مطية ذلولًا لأهوائهم ونزواتهم؛ مما يجعلها تفقد قيمتها الحقيقية، وتبتعد أكثر فأكثر عن عالم القيم، وتغرق أكثر فأكثر في عالم الأشياء، واللهاث وراءها.

مفهوم التدين:

وينبغي أن نلحظ باهتمام من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «فاظفر بذات الدين تربت يداك» أن المقصود بذات الدين غير ما يفهم الناس من كلمة (متديّنة)، فالتدين في مفهوم الناس لا يفهم منه إلا صورة جزئية من التمسك ببعض الأعمال والأحكام، وربما كان الإنسان مقصرًا بما هو أهم منها وأرجح؛ مما يعطي صورة مشوهة عن الدين والتدين، وهو، وللأسف، ما يئن منه الواقع ويشتكي على كل صعيد، ولكن ذلك لا يبرر الانصراف عن أصل المبدأ، وهو طلب المرأة ذات الدين، وطلب الرجل صاحب الدين والخلق.

وأما عندما نقول: فلان ذو دين، فهذا يعني أنه يأخذ الدين بصورة شمولية جامعة، بها يستحق المدح والثناء.

وقد نصت آيات بينات من كتاب الله تعالى على أهم صفات التدين المطلوب في المرأة المسلمة، منها قوله تعالى: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ} [النساء:34].

وقوله تعالى: {مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} [التحريم:5].

وقوله سبحانه: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب:35].

فالتدين المطلوب المحمود في الرجل هو نفسه التدين المطلوب المحمود في المرأة، وإذا كان خير ما يطلب في المرأة أن تكون ذات دين وإيمان، وعمل صالح وإحسان، وإذا كان الزواج جمعًا لقلبين على شمل واحد، وإخلاصًا من الطرفين في إبرام عقد إنساني كريم، تحوطه شريعة الله وتباركه، وتصونه وتحميه، ويُتوخى منه إقامة الحياة الإنسانية على أقوم صراط وأهدى سبيل، فإن صلاح الدين، هو المطلب المشترك والمشترط، في الطرف الآخر أيضًا وهو الرجل، لحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض»(15)، وذلك في مقابل ما جاء في الحديث الذي نتحدث عنه: «فاظفر بذات الدين تربت يداك».

ولعلك تلاحظ، أخي القارئ الكريم، بالمقارنة بين الحديثين أن الرجل يختص بزيادة تطلب فيه وتُقصد، ألا وهي: الخلق، لأن حُسن الخُلُقِ أصل كبير في استقامة العلاقات الإنسانية واستقرارها، ونموها وازدهارها، إذ هو ميزان العقل الناضج الراجح، الرشيد الحصيف، ويترتب عليه تمييز الباعث في كل الأمور، وحسن الاختيار في المواقف، ومعرفة قدر ما يؤخذ أو يترك من عالم الأشياء على أساس من أحكام القيم ومبادئها، ومن ثم فإنه يُعد هنا تعبيرًا على وجه الخصوص عن حسن السياسة التي يتمتع بها الرجل لعالم الأشياء، ورزانته في التعامل معها، وحكمته في تصريفها.

وواضح من كل ما سبق أن عالم الأشياء لا يرفض لذاته؛ إذ عندما ذكر الحديث بعض مظاهر عالم الأشياء، من المال والحسب والجمال، ورغبة الناس بها، فقد نص على ما هو شائع في الواقع، ولا يعني ذلك الرفض لهذا الواقع وإنكاره من حيث هو، وإنما ينكر ويرفض عندما يطغى، ليزاحم عالم القيم، ويكون في نظر الناس بدلًا عنه، أو أرجح منه، أو يراد له أن يكون كذلك.

وقوله صلى الله عليه وسلم: «تربت يداك» معناه: لصقتا بالتراب، وهو خبر بمعنى الدعاء، والمقصود منه الحث والتحريض.

لماذا الدين؟

والسؤال المهم، الذي يتبادر إلى الأذهان: لماذا حث النبي صلى الله عليه وسلم على مطلب الدين، وأكد عليه من بين سائر المطالب؟

إن مطلب الجمال مطلب فطري لا ينكر، ومطلب الحسب مطلب اجتماعي، لا خلاف في أهميته، ومطلب المال مطلب فطري وشخصي، لا يمارى في أهميته وأثره، وأما مطلب الدين فهو مطلب شرعي جامع، يغني عما سواه، ولا غناء عنه بما سواه، وكان هذا المعنى كافيًا في ترجيح مطلب الدين على ما سواه، فكيف إذا اجتمع مع ذلك حقائق أخرى جعلت الموازنة بين هذه المطالب من أصلها جائرة مختلة، لا تقف في وجه مطلب الدين ولا تدانيه؟! وأهم هذه الحقائق:

1- إن مطلب الدين مقصود لذاته، وهو مطلق غير محدود، بخلاف المطالب الأخرى، فهي وسائل لا مقاصد، وهي خادمة لا سيدة، محدودة غير مطلقة.

2- أن مطلب الدين خير محض، بخلاف المطالب الأخرى، فهي لا توصف بذلك؛ لأنها وسائل وأدوات، يمكن أن تستخدم في الخير أو الشر.

3- أن مطلب الدين يحقق للإنسان سعادة الدنيا والآخرة، وهو من علامات سعادة العبد، وحسن عاقبته بإذن الله، ولا يتحقق ذلك في المطالب الأخرى، إلا إذا سخرت لسعادة الآخرة.

4- أن مطلب الدين في مقدور الإنسان ذكرًا كان أو أنثى أن يتحقق به، ويرقى في مدارجه، بخلاف المطالب الأخرى.

5- أن الوقوف مع مطلب الدين وقوف مع القيم الثابتة الراسخة، الباقية النافعة، الموصولة بالله تعالى، فهي تمنح الإنسان السكينة والرضا والطمأنينة، بخلاف المطالب الأخرى التي هي من أعراض الدنيا الفانية، وليس وراءها إلا متاعب الدنيا وأكدارها، يقول الله تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} [الكهف:46].

ويجمع ذلك كله قول الله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِين} [القصص:77](16).

الاهتمام بالدين:

1- الدين مصدر الثقة المتبادلة: يقول الغزالي: «فهذا هو الأصل؛ أي: الاختيار بناءً على الدين، وبه ينبغي أن يقع الاعتناء، فإنها إن كانت ضعيفة الدين في صيانة نفسها أزرت بزوجها، وشوشت بالغيرة قلبه، وتنغص بذلك عيشه، فإن سلك سبيل الحمية والغيرة لم يزل في بلاء ومحنة، وإن سلك سبيل التساهل كان متهاونًا بدينه وعرضه، ومنسوبًا إلى قلة الحمية والأنفة، وإذا كانت مع الفساد جميلة كان بلاؤها أشد؛ إذ يشق على الزوج مفارقتها فلا يصبر عنها ولا يصبر عليها»(17).

هذا هو الدافع الأول؛ أن يكون الدين مصدر ثقة الطرفين في الآخر، فالرجل أو المرأة المتدينة حقيقة تتمثل فيهما أخلاق الحياء والوفاء والأمانة، فمن ثَمَّ كلما ألقى الشيطان القلق في روع أحدهما أطفأ نيرانه برد الثقة والدين عند الطرف الآخر.

2- متاع الروح والجسد معًا: يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «إنما الدنيا متاع، وليس من متاع الدنيا شيء أفضل من المرأة الصالحة»(18)، وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض»، لماذا مدح النبي صلى الله عليه وسلم المرأة الصالحة، وحض على الزواج من الرجل الصالح؟

لأن هذه الزوجة الصالحة تقدم لك ما تبتغيه من حاجة عاطفية وحاجة غريزية؛ فبها يكون المتاع الدنيوي، وهي مع ذلك تُحْسِن معاملتك ومعاملة أهلك وأقاربك، تقرب من تقربه، وتبعد من تكرهه؛ وهذا هو متاع النفس، فجمعت لك هذه الزوجة نعيم البدن ونعيم الروح، وهذه اللؤلؤة المصونة التي تخاف الله تحفظ عرضك إن غبت عنها، ولا تذكرك أمام أحد إلا بما يسرك.

ومن كانت هذه صفاتها فإن زوجها، ولا شك، سيكون في قمة السعادة، وسيرى زوجته منة الله الرائعة، التي وهبها الله له لتؤنس حياته بالحب، حتى وإن رأى بعض عيوبها، فإنه لا يراها ذات أهمية تذكر؛ بل يرى أن من واجبه أن يغفرها في مقابل الكثير من الخصال الحسنة فيها(19).

كذلك الزوج الصالح؛ فإن الزواج كالسفينة، والزوج قائدها، فلك أن تتخيلي، أيتها القارئة، أنك سلمت زمام سفينتك لقائد لا يعرف إلا المهالك والأخطار، فأين تذهبين؟!

والكثير من الزوجات قد اغتررن ببعض الرجال، وتزوجوهم على وهن دينهم، أملًا منهم في استقامتهم، فإذ بهذا الزوج يصر على ترك الصلاة والتقصير في حق الله تعالى؛ فتتحول حياتها إلى كآبة وحزن، فهي بين نار حزنها وألمها لما يفعله الزوج ونار تعلقها وحبها له، وكم من الشكاوى التي ترسل بها هذه الزوجة تشكو فيها حالها مع زوجها.

3- الزوجة أم للأبناء: بل وتبرز أهمية الدين في اختيار الزوج للمرأة على وجه الخصوص؛ لأن المرأة هي المدرسة التي يتطبع بها الأطفال لشدة تأثرهم بها، وذلك من وجهين:

الأول: أن الأطفال يقضون جل أوقاتهم مع الأم، فغالبًا ما يكون الأب في العمل.

 والوجه الثاني: أن التعلق العاطفي للأطفال بأمهاتهم في هذه السن يكون أقوى بكثير من الأب؛ فيكون التأثر أعلى، بالذات في السن الصغيرة التي تتكون فيها طباع الأطفال وشخصياتهم، التي لا يمكن أن تتغير مع مرور الأيام.

فمجتمعاتنا اليوم لا تحتاج إلى آباء وأمهات كأمثال بنوك الصرافة، حين يسافر الأب أو تعمل الأم وتترك أولادها بالمنزل، ويتحول الأب والأم من محضن تربوي ومدرسة شاملة لكل جوانب الشخصية إلى بنك لصرافة الأموال، فهذا هو ما أدى للفساد الأخلاقي الذي نراه في مجتمعنا اليوم.

علامات التدين:

هناك طرف من الناس يهتم بالتدين الظاهر؛ كالحجاب والملابس الشرعية للنساء، أو الهدي الظاهر بالنسبة للرجال، ويشدد على هذا الجانب ويجعله هو المعيار الأوحد على الدين.

وهناك طرف آخر ينظر إلى المضمون والأخلاقيات والسيرة بين الناس، ولا يولي الهدي الظاهر أدنى اهتمام كمعيار لاختيار الدين.

والحق دائمًا وسط بين طرفين، فالمعيار الصحيح للتدين يكون بالأخلاق والسيرة الحسنة بين الناس؛ لأنها هي أساس العشرة، ويعبر عن هذه الأخلاق وهذا التدين الهدي الظاهر، الذي ما هو إلا ترجمة عما تعمر به النفس من التدين والخير، فلا ننحاز إلى جانب على حساب آخر.

وقد يظن ظان أن الشرع جعل معيار الاختيار الدين فقط، ولم يهتم بالجمال والمال والنسب، ولكن هذا ليس بصحيح؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم في الحديث لم ينفِ الجمال والمال؛ بل جعلهما معياران مهمان، ولكن قدَّم عليهما الدين لأهميته القصوى وخطورته على الاستقرار والسعادة الزوجية، وليبين صلى الله عليه وسلم أن ما دونه أيسر منه، فلا يتهاون فيه مهما كانت الأسباب(20).

***

_____________

(1) أخرجه البخاري (5090)، ومسلم (1466).

(2) أخرجه النسائي (3226).

(3) التمهيد (19/ 167).

(4) فتح الباري (9/ 135).

(5) المصدر السابق.

(6) عمدة القاري (20/ 86).

(7) فيض القدير (3/ 270).

(8) فتح الباري (9/ 135).

(9) بحر المذهب (9/ 99).

(10) فتح الباري (9/ 136).

(11) شرح النووي على صحيح مسلم (10/ 52).

(12) في ظلال القرآن (1/ 373).

(13) أخرجه الترمذي (1087).

(14) أخرجه البخاري (3336)، ومسلم (2638).

(15) أخرجه الترمذي (1084).

(16) القول الأمتع في حديث «تنكح المرأة لأربع» نظرات نفسية، وتأملات اجتماعية، وتوجيهات تربوية، شبكة: صيد الفوائد.

(17) إحياء علوم الدين (2/ 37).

(18) أخرجه ابن ماجه (1855).

(19) حتى يبقى الحب، ص719.

(20) فاظفر بذات الدين، موقع: مفكرة الإسلام.