logo

وفرقوا بينهم في المضاجع


بتاريخ : الأربعاء ، 8 شعبان ، 1441 الموافق 01 أبريل 2020
بقلم : تيار الاصلاح
وفرقوا بينهم في المضاجع

عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع»(1).

إن من محاسن الإسلام الجليلة حرصه على العفة والطهارة، وغرس ذلك في الناشئة من أتباعه، ومن ذلك أمره بالتفرقة بين الأولاد في المضاجع، فالتفرقة في المضاجع بين الأولاد واجبة، حسب القدرة والاستطاعة، وعلى المسلم أن يجتهد في تحقيق ذلك؛ أي: بين البنين والبنات، وبين البنات بعضهن مع بعض، والبنين بعضهم مع بعض، يفرق بينهم في المضاجع؛ لأنه يخشى من الشر إذا بلغوا عشر سنوات.

والتفريق بين المضاجع له أهميته وضرورته في التربية الأسرية، وقد يغفله البعض عن جهل أو تجاهل، وعلى الآباء أن يجتهدوا في توفير أماكن النوم المستقلة للأولاد والبنات، وأن يتم تهذيب الصغار أخلاقيًا، وإعدادهم لمرحلة المراهقة التي هي من أصعب المراحل؛ حيث تراودهم أفكار وتساؤلات عدة، وتنمو لديهم الغريزة الجنسية بشكل متنامٍ قد يكون غير ملحوظ الاتجاه؛ لذا لا بد من سد أبواب الفساد قبل حصوله.

والعلة من التفريق نص عليها صاحب عون المعبود عند شرحه لهذا الحديث نقلًا عن المناوي؛ حيث قال: «فرقوا بين أولادكم في مضاجعهم التي ينامون فيها إذا بلغوا عشرًا؛ حذرًا من غوائل الشهوة وإن كن أخوات»(2).

وهذا التفريق شامل للجنسين معًا، وأدنى مراتبه أن يحال بينهم باللباس، قال صاحب مواهب الجليل: «معنى التفرقة في المضاجع قال المواق: قال اللخمي: أن يجعل لكل واحد منهم فراش على حده، وقيل: أن يُجْعَلَ بينهم ثوبٌ حائل ولو كان على فراش واحد»(3).

ثم نقل عن ابن حبيب قوله: «وأرى أن يفرق بينهما جملة، وسواء كانوا ذكورًا، أو إناثًا، أو ذكورًا وإناثًا»(4).

وقال تقي الدين السبكي رحمه الله: «التفريق في المضاجع يصدق بطريقين؛ أحدهما: أن يكون لكل منهما فراش، والثاني: أن يكونا في فراش، ولكن متفرقين غير متلاصقين، والثاني أعم من الأول، فينبغي الاكتفاء به؛ لأنه لا دليل على حمل الحديث على الأول وحده»(5).

وظاهر هذا الحديث أنه عام بين الذكور والذكور وبين الإناث والإناث؛ إذ الشهوة حاصلة حتى بين الجنس الواحد، والتفريق يقتضي الفصل والمباعدة؛ إذ إن النائم لا يسيطر على حركات جسمه.

وهذا الحديث يتناول حكم الأولاد دون سن البلوغ، وأما إذا بلغوا الحلم ولو قبل سن العاشرة فحكمهم عندئذ حكم الكبير، فإذا أمِر الوالد بالتفريق بين أولاده وهم دون البلوغ فإن ذلك يتأكد بل يلزم إذا بلغوا، قال أبو عبد الله الخرشي في شرح مختصر خليل: «قد علمت أن حكم التفرقة الاستحباب، فإذا لم تحصل التفرقة وتلاصقا بعورتيهما من غير حائل بينهما فإنه مكروه، والمخاطب بذلك الولي...، وأما ملاصقة البالغين لعورتيهما من غير حائل بينهما فحرام»(6).

ومن أهل العلم من علق التفريق بإثغار الصبي، أي بسقوط أسنانه ونبات غيرها، وهذا يكون في السابعة، فيكون الأمر بالتفريق معطوفًا على الأمر بالصلاة لا على الضرب لتركها، قال ابن رشد في المقدمات الممهدات: «يفرق بين الصبيان في المضاجع، قيل: لسبع سنين إذا أمروا بالصلاة، وقيل: لعشر إذا أدبوا عليها، وهو ظاهر الحديث، ولا يجتمع رجلان ولا امرأتان متعريين في لحاف واحد، للنهي الوارد في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو نهيه عن مكامعة الرجل الرجل بغير شعار، ومكامعة المرأة المرأة بغير شعار، ومن هذا ما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تباشر المرأة المرأة ولا الرجل الرجل»(7)»(8).

وقال الشوكاني في نيل الأوطار: «وفي الباب عن أبي رافع عند البزار بلفظ قال: وجدنا في صحيفة في قراب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته فيها مكتوب: «بسم الله الرحمن الرحيم، وفرقوا بين الغلمان والجواري والإخوة والأخوات لسبع سنين، واضربوا أبناءكم على الصلاة إذا بلغوا، أظنه، تسع سنين»، والحديث يدل على وجوب أمر الصبيان بالصلاة إذا بلغوا سبع سنين، وضربهم عليها إذا بلغوا عشرًا، والتفريق بينهم لعشر سنين إذا جعل التفريق معطوفًا على قوله: «واضربوهم» أو لسبع سنين إذا جعل معطوفًا على قوله: «مروهم» ويؤيد هذا الوجه حديث أبي رافع المذكور(9).

والراجح على ظاهر الحديث هو اعتبار السن المذكورة في الحديث بخصوصها دون ما قبلها وما حولها، على خلاف بين أهل العلم في كون العبرة بشروعه فيها، أم بإتمامه إياها، قال الحطاب في مواهب الجليل: «الذي يفهم من هذه النصوص كلها أن المراد ببلوغه السبع دخوله فيها، وكذلك المراد ببلوغ العشر دخوله فيها، لا إكمال السبع وإكمال العشر»(10).

وهذا الحكم إنما يخاطب به الأولياء، وعلى ذلك فإن كان أحد الأولاد ابن عشر سنين والآخرون دون ذلك، فالولي مخاطب بهذا الحكم في حق ابن العشر وحده، فلا يُجمع في فراش واحد بينه وبين غيره ممن هو دون العاشرة.

إن الله تعالى امتن علينا بنعمة الذرية، وانتدبنا لنأخذ بحُجَز أهلينا عن النار فقال: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم:6]، وذلك من حقّ أهلينا علينا، وتمام رعايتنا لهم، وكلنا راع ومسئول عن رعيته، ولأداء أمانة الرعاية لا بدّ للأبوين من الحرص والعمل على تعليم الأبناء، وتربيتهم التربية الصحيحة؛ ومنها العناية المنزلية في المأكل والمشرب، وتفقد نومهم واستيقاظهم.

والمضجع: هو المكان الذي يستلقي فيه الإنسان للنوم، وهو مستوحى من المعنى اللغوي.

سد الذرائع:

فما أدى إلى مفسدة مقطوع بها، أجمعت الأمة على سدِّه ومنعه وحسمه، وقد عبَّر ابنُ القيم عن هذا القسم بقوله: «لا يجوز الإتيان بفعل يكون وسيلة إلى حرام وإن كان جائزًا، وقد ضرب العلماء له أمثلة منها: وأمر عليه الصلاة السلام أن يفرَّق بين الأولاد في المضاجع، فلا ينام الذكر مع الأنثى في فراش واحد؛ لأن ذلك قد يكون بابًا من تلبيس إبليس عليهما، فيتحد الفراش وهما لا يشعران؛ قال عليه السلام: «وفرقوا بينهم في المضاجع».

وعمومًا فإن الوسائل لها أحكام المقاصد، فما أدى إلى الحرام فهو حرام، وما أدى إلى الواجب فهو واجب، وما لا يتم ترك الحرام إلا به فهو واجب، ودرء المفاسد أولى من جلب المصالح.

فلا ينظر إلى ما يحدثه نومهم بجانب بعض من الألفة بقدر نظرنا إلى مفسدة ذلك بما قد يؤديه من إثارة كوامن النفس الشهوانية؛ باستعداء الشيطان على نفسية الطفل والوسوسة إليه.

سن التفريق:

وهو سن التمييز الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث وهم أبناء عشر، ذلك أنّ هذا السنّ مظنة بلوغ أحد الجنسين، وهو الفتاة، ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺸﺎﻓﻌﻲ ﺭﺤﻤﻪ ﺍﷲ: «ﺃﻋﺠﻝ ﻤَﻥ ﺴﻤﻌﺕ ﺒﻪ ﻤﻥ ﺍﻟﻨساء ﻴﺤﻀﻥ نساء ﺘﻬﺎﻤﺔ؛ ﻴﺤﻀﻥ ﻟﺘﺴﻊ ﺴﻨﻴﻥ»(11).

 حدود التفريق:

وهذا مستنبط من الغاية التي شرع لأجلها هذا الأمر، فيكون بجعل كل واحد من البنين وكل واحدة من البنات في مكان مستقل، أو في فراش مستقل، ولو كانوا في غرفة واحدة؛ لأن وجود كل واحد مع الآخر في فراش واحد قد يكون وسيلة لوقوع الفاحشة.

قال تقي الدين السبكي رحمه الله: «التفريق في المضاجع يصدق بطريقين، أحدهما: أن يكون لكل منهما فراش، والثاني: أن يكونا في فراش، ولكن متفرقين غير متلاصقين، والثاني أعم من الأول، فينبغي الاكتفاء به؛ لأنه لا دليل على حمل الحديث على الأول وحده»(12).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: «السؤال: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «وفرقوا بينهم في المضاجع»، هل هذا الحديث عام يتناول جميع الناس؛ مثلًا: الإخوة في الله من غير النسب أو الابن ووالده وغير ذلك؟».

الجواب: «نعم، أي: بين البنين والبنات، وبين البنات بعضهن مع بعض، والبنين بعضهم مع بعض، يفرق بينهم في المضاجع؛ لأنه يخشى من الشر إذا بلغوا عشر سنوات».

السائل: «وهل الكبار فوق العشرين سنة يجوز لهم أن يرقدوا تحت غطاء وفراش واحد؟»، الشيخ: «الكبار الذين هم فوق العشرين سنة لا يكونوا في فراش واحد، خطر عليهم جدًا، فإن الإنسان النائم قد لا يشعر بشيء»(13).

الغاية من التفريق:

العلة من التفريق نص عليها صاحب عون المعبود عند شرحه لهذا الحديث نقلًا عن المناوي حيث قال: «فرقوا بين أولادكم في مضاجعهم التي ينامون فيها إذا بلغوا عشرًا حذرًا من غوائل الشهوة وإن كن أخوات»(14).

انعكاسات عدم التفريق بين الأولاد في المضاجع:

1-  اعتياد البنت على مجاورة الولد، وهو الشر المستطير.

2 - تخنث الولد إذ لا يدرك معاني الرجولة وجسده يلاصق جسد إخوانه.

3-  حصول بعض مظاهر الشذوذ الجنسي.

4 - الاطلاع على العورات(15).

إن التربية جهد مبذول، وتحتاج لنفس طويل وصبر وتأنٍّ وبرمجة يوميّة لنرى النتائج الإيجابية بعد حين من الزمن، والتجاهل مفسدة في كل شيء، وفي تربية أبنائنا وتوجيههم يعدُّ قاتلًا للسلوك الإيجابي، قاتلًا للقدرات الكامنة في شخصيّة الطفل، أو تمييع الشخصية وانحطاطها دينيًا وأخلاقيًا.

قال ابن عبد السلام: «أمر للأولياء والصبي غير مخاطب، إذ الأمر بالأمر بالشيء ليس أمرًا بذلك الشيء «وفرقوا بينهم في المضاجع» أي: فرقوا بين أولادكم في مضاجعهم التي ينامون فيها إذا بلغوا عشرًا حذرًا من غوائل الشهوة وإن كن أخواته»، قال الطيبي: «جمع بين الأمر بالصلاة والتفرق بينهم في المضاجع في الطفولية تأديبًا ومحافظة لأمر الله كله وتعليمًا لهم، والمعاشرة بين الخلق، وألا يقفوا مواقف التهم فيجتنبوا المحارم»(16).

وفي دراسة ميدانية أجراها باحث أمريكي يدعى (الفريد كنسي) بعنوان (السلوك الجنسي لدى الأمريكيين) والتي شملت اثني عشر ألف مواطن أمريكي من مختلف شرائح المجتمع، خلصت إلى أن 22 % ممن سألهم عن أول تجربة لممارسة الجنس قالوا: إن أول تجربة جنسية لهم كانت في سن العاشرة، وأنها كانت في فراش النوم، وأنها كانت مع الأخ أو الأخت أو الأم.

وانتهت الدراسة التي أجريت في مطلع الأربعينيات إلى القول بأن الإرهاصات الجنسية تبدأ عند الولد والبنت في سن العاشرة .

لقد سبق الإسلام هؤلاء الذين لا ينظرون إلى الخطر إلا بعد وقوعه، فيبحثون عن أسبابه؛ ليجدوا أن أصل ذلك موجود في دين الإسلام، وأن رسول الإنسانية محمدًا عندما قال: «وفرقوا بينهم في المضاجع» كان ذلك بوحي من علام الغيوب سبحانه، لتعيش الأمة في مأمن من الوقوع في مثل ما وقع فيه هؤلاء.

ولما انتشرت ثقافة الغرب في بلاد المسلمين ظهر فيهم ذلك؛ لبعدهم عن منهج ربهم وتعاليم نبيهم؛ وفي دراسة أجراها الدكتور أحمد المجدوب (المستشار بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية بالقاهرة)؛ قال فيها: لقد اتضح لي من خلال دراسة ميدانية شاملة قمت بها على عينة من 200 حالة حول (زنا المحارم) أن معظم حالات زنا المحارم كانت بسبب النوم المشترك في نفس الفراش مع الأخت أو الأم أو...، وهو ما حذرنا منه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: «وفرقوا بينهم في المضاجع»(17).

لقد أعطى التشريع الإسلامي للطفل كامل حقوقه في كافة المراحل وكافة المجالات، ومن هذه الحقوق الحقوق التربوية للطفل بهدف بناء مجتمع أخلاقي سليم، وذلك من خلال أوامره لأولياء الأمور بمراعاة هذه الحقوق، وحثهم على تربية الأطفال وتنشئتهم نشأة إسلامية واجتماعية سليمة، وبالتالي هما مسئولان أمام الله ثم أمام المجتمع عن تنزيه أطفالهم عن مفاسد الأخلاق، وإبعادهم عن كل فعل يرتبط بالفاحشة، وتعويدهم على الأخلاق الحميدة، ومنها حفظ العورات والتحلي بالحياء، والشريعة الإسلامية واضحة فيما يرتبط بحق الطفل ضد كل ما يساعد على الانحرافات الأخلاقية والجنسية، ومنها الأمر النبوي بالتفريق بين الأبناء في المضاجع.

ويتضح في الحديث إعجاز الإرشاد النبوي لكونه أتى متزامنًا مع فترة البلوغ، ابتداءً من سن العاشرة والآثار الناجمة عنها والمرتبطة بهذه الفترة، حيث تبدأ التغيرات الجسدية في الظهور.

فالتفريق بين الأبناء في المضاجع حق كفلته الشريعة الإسلامية للأبناء؛ سواء كانوا ذكورًا وإناثًا، أو إناثًا فقط، أو ذكورًا فقط، وإن كانا في حجرة واحدة، أي أن التفريق يكون بالتفريق بين الأخ والأخت، وبين الأخت والأخت، وبين الأخ والأخ وبين البنت والخادمة، أو الولد والخادمة، على سبيل اجتناب الفاحشة؛ حيث تظهر العورات أثناء النوم، ووارد حدوث التصاق الأبدان؛ مما قد يثير الشهوة الجنسية لدى أحد الطرفين.

قال زكريا الأنصاري: «التفريق في المضاجع يصدق بطريقتين: أن يكون لكل منهما فراش، وأن يكونا في فراش واحد ولكن متفرقين غير متلاصقين».

ولهذا وإن كان التفريق من الصعب بمكان نظرًا لضيق المكان، فمن باب أولى ألا يلتحفوا بلحاف واحد، وأن تكون عوراتهم مستورة؛ حتى نحقق لهم التربية الإسلامية التي أمرنا بها المولى عز وجل، واهتم بتوصيلها رسوله الكريم، وحتى لا نسمح بنمو شهوات عشوائية أو غير مهذبة في نفوس الأطفال، حيث يبدأ النمو الجنسي في المرحلة العمرية والتي حددها رسول الله بعشر سنوات، وقد ذكر بعض علماء النفس أن الشهوة والميل الجنسي والإرهاصات الجنسية قد يبدأ مع بعض الأبناء والبنات في سن مبكر.

أما إذا كان المكان السكني واسعًا، ولكل فرد حجرة نومه الخاصة به، فهنا على الوالدين، وخاصة الأمهات، متابعة ومراقبة الأطفال مع الخادمات التي تجهل أمور ديننا، أو حتى عاداتنا وتقاليدنا، وإبداء الاعتراض على أي من المخالفات لتحقيق الأمان لأطفالنا، وإبعادهم عن الفواحش والتفكير في الرذيلة والعياذ بالله، ولتحقيق التماسك الأسري.

العبرة من التفريق في المضاجع:

لم يدع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى التفريق في المضاجع بشكل مجرد، وإنما كانت دعوته صلى الله عليه وسلم لها مغزى كبير وعظيم الأثر، فالتفريق قاعدة تربوية إسلامية من حق كل طفل، ويجنب أطفالنا الوقوع في الفاحشة، ويحد من انتشار الشذوذ الجنسي وزنا المحارم، والتي يتجاهلها الكثيرون من أولياء الأمور سواء عن قصد أو دون قصد، لأنها تتم في إطار من السرية؛ بسبب النوم المشترك في نفس الفراش مع الأخت أو الأخ والتصاق أجسادهم، الأمر الذي قد يغريهم بالمداعبات، وتبدو الظاهرة وكأنها قليلة ظاهريًا، ولكنها في الواقع منتشرة وبكثرة، والجرائد والمجلات والمواقع الالكترونية تنقل لنا العديد من هذه المشاكل والاستشارات الخاصة بها، وتبين مدى انتشارها وخاصة مع انتشار الوسائل التكنولوجية الحديثة، من الدش والانترنت وقدرة الأطفال على تصفح مواقع الويب، وانتشار الأفلام الإباحية أمامهم، والألعاب الالكترونية المليئة بالإيحاءات الجنسية؛ فيوسوس الشيطان في نفوسهم بتطبيق ما يشاهدوه، ولأن الأطفال بحكم براءتهم وسنهم الصغير لا يعرفون حدود ما يجوز وما لا يجوز.

فهنا يكون اللوم كله على الأهل والوالدين؛ لعدم امتثالهم لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في التفريق بين الأبناء في المضاجع.

ومع عدم التفريق ووقوع الفاحشة يتعرض الطرف المجني عليه للصدمة النفسية، والكثير من المشاكل النفسية التي تؤثر عليه في حياة الطفولة وحياته في المستقبل أيضًا، مسببة له عقدًا نفسية، ومشاعر من عدم التوازن والحيرة والقلق والغضب من المعتدي عليه، أو الغضب من الأهل نتيجة عدم قدرتهم على توفير الحماية اللازمة له؛ وتجنيبه مثل هذه الاعتداءات.

التفريق في المضاجع يساعد على تنظيم علاقات الفرد الحسية بالآخرين، والمجتمع الذي يعيش فيه، ابتداءً من أقرب الناس إليه، وهم أخوته، واحترام الحدود الفاصلة بينهم، كما يساعده ذلك في التحكم في تعاملاته مع أبناء جيله، والتحكم في دوافعه الغريزية والحصانة الذاتية لديه؛ فلا يتأثر بما يقابله من شهوات، وهكذا لا يصبح فريسة سهلة للأمراض الجنسية.

التفريق في المضاجع يتيح لكل فرد الاحتفاظ بخصوصيات حياته، والتمتع بالاستقلالية؛ مما تؤثر على استقراره النفسي وإقباله على الحياة بنفس هادئة مطمئنة.

الأطفال أمانة أودعها الله في أيدي الآباء والأمهات، وعليهم أن يكونوا على قدر المسئولية في الحفاظ على هذه الأمانة، وتلبية حقوقهم؛ حتى يكون هؤلاء الأطفال فخرًا لمجتمعهم، وعنوانًا لتقدمه وتمسكه، يقول الله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء:11]، ويقول صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته» [أخرجه البخاري (893)]، كما ربط المولى عز وجل بين مصير الأهل ومصير الأبناء، فيقول جل شأنه: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم:6].

ولهذا على الأم الدور الأكبر في تعويد الطفل التزام الآداب الاجتماعية المستقاة من ديننا الحنيف، وتربيته على القيم والمثل الإسلامية، التي تقوم على العفاف والطهر، حذرًا من غوائل الشهوة، وحتى لا يكون للشيطان عليهم سبيل، ومن هنا على الأمهات أخذ موضوع التفريق بين الأبناء على محمل الجد، والتفريق بين البنات والذكور منذ الصغر في المضجع، حيث إن غالبية الأمهات لا ترى حرجًا في عدم التفريق، وكأن عقلها الباطن يرفض الاعتراف باحتمال وقوع الفاحشة بين أبنائها لكونهم إخوة.

ولا تعرف أن كثيرًا من المفاسد وقعت بسبب إهمال هذا الإرشاد النبوي: «وفرقوا بينهم في المضاجع».

وكذلك عليها تربية الأطفال على ستر عوراتهم؛ حتى يتربوا على الحياء؛ لأنه خلق طيب من أخلاق الإسلام، ففي الحديث: «إن لكل دين خلقًا، وإن خلق الإسلام الحياء»(18)، وعليها أن تغرس في نفوس الابن واجباته تجاه أخته وحقوقها عليه، والعكس، مع مراعاة عدم الإعلاء من الذكور على حساب الإناث، وعليها كذلك تنمية الضمير الحي في نفوس أطفالها، وخاصة فيما يتعلق بأي سلوك جنسي(19).

***

___________________

(1) أخرجه أبو داود (495).

(2) عون المعبود وحاشية ابن القيم (2/ 115).

(3) مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (1/ 414).

(4) المصدر السابق (1/ 413).

(5) قضاء الأرب في أسئلة حلب، ص248.

(6) شرح مختصر خليل، للخرشي (1/ 222).

(7) أخرجه ابن حبان (5583).

(8) المقدمات الممهدات (3/ 460).

(9) نيل الأوطار (1/ 369).

(10) مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (1/ 413).

(11) السنن الكبرى، للبيهقي (7/ 690).

(12) قضاء الأرب في أسئلة حلب، ص248.

(13) لقاء الباب المفتوح (4/ 32).

(14) عون المعبود وحاشية ابن القيم (2/ 115).

(15) التفريق بين الأبناء في المضاجع، الشبكة الفقهية.

(16) فيض القدير (5/ 521).

(17) وفرقوا بينهم في المضاجع، ملتقى أهل الحديث.

(18) أخرجه ابن ماجه (4182).

(19) التفريق في المضاجع حق تربوي إسلامي للطفل، موقع: وفاء.