logo

تبادل الاتهامات بين الزوجين


بتاريخ : الأحد ، 9 ربيع الأول ، 1445 الموافق 24 سبتمبر 2023
بقلم : تيار الاصلاح
تبادل الاتهامات بين الزوجين

لا يقتصر الزواج على كونه علاقةً بين الرجل والمرأة تترتب عليها التزامات وحقوق للطرفين، بل هو أكبر من ذلك، فهو ارتباط وثيق وتآلف بين القلوب والعقول لتحقيق الراحة والاستقرار الداخليّ والأسري لهما، فالعلاقة الزوجيّة تختلف عن باقي العلاقات في جديّتها وأهميّتها للفرد والمجتمع، والتي بدورها تفرض على الأزواج السعي والاجتهاد لعلاجها ودعمها وجعلها علاقةً صحيّةً ومُستقرّة، كما أنّ نجاحها يُعتبر إنجازًا عظيمًا يجعل المرء فخورًا بنفسه ومثلًا يقتدي به باقي الأزواج من حوله، وهو أمر يتطلب الوعي والنضج والاجتهاد، وتقديم التضحية والتنازل للرقيّ بها، والتحلّي بحسٍ عالٍ من المسؤوليّة، وأداء الواجبات على أكمل وجهٍ أيضًا، واحترام مشاعر الشريك والحفاظ عليها أيضًا.

ويمرّ الزوجان بعددٍ كبيرٍ من المشاكل التي من شأنها أن تؤثر سلبًا على زواجهما وتؤدي إلى تبادل الاتهامات والتهرّب من تحمل كامل المسؤولية.

أسباب تبادل الاتهامات بين الزوجين:

الدفاع عن النفس:

عندما تقع مشكلة في الحياة الزوجية، وبغض النظر عن السبب، يلجأ الشريكين إلى تبادل التهم فيما بينهما، فهذه الوسيلة هي عبارة عن دفاع عن النفس بحال كان الشخص نفسه هو المذنب، وحماية الذات بحال أنه مظلوم، من منطلق خير وسيلة للدفاع هي الهجوم، فإن إلقاء اللوم يمكن أن يبعد الشبهات عن المذنب ويبرّئه من كلّ تلك التهم.

عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت امرأة رفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: كنت عند رفاعة، فطلقني، فبت طلاقي، فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير، وإن ما معه مثل هدبة الثوب، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك»، قالت: وأبو بكر عنده وخالد بالباب ينتظر أن يؤذن له، فنادى: يا أبا بكر، ألا تسمع هذه ما تجهر به عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ (1).

 فرغبة المرأة للرجوع إلى زوجها الأول مع حرصها على ألا تكون هي المخطئة، كل ذلك دفعها لتتهم زوجها بأنه ضعيف لا يشبع رغبتها ولا يقوم بحقوقه الزوجية كاملة، وهذا ما جعل عبد الرحمن بن الزبير يبين كذبها ويفند ادعائها كما جاء في رواية البخاري، فعن عكرمة: أن رفاعة طلق امرأته، فتزوجها عبد الرحمن بن الزبير القرظي، قالت عائشة: وعليها خمار أخضر، فشكت إليها وأرتها خضرة بجلدها، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنساء ينصر بعضهن بعضًا، قالت عائشة: ما رأيت مثل ما يلقى المؤمنات؟ لجلدها أشد خضرة من ثوبها، قال: وسمع أنها قد أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء ومعه ابنان له من غيرها، قالت: والله ما لي إليه من ذنب، إلا أن ما معه ليس بأغنى عني من هذه، وأخذت هدبة من ثوبها، فقال: كذبت والله يا رسول الله، إني لأنفضها نفض الأديم، ولكنها ناشز، تريد رفاعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإن كان ذلك لم تحلي له، أو: لم تصلحي له حتى يذوق من عسيلتك» قال: وأبصر معه ابنين له، فقال: «بنوك هؤلاء» قال: نعم، قال: «هذا الذي تزعمين ما تزعمين، فوالله، لهم أشبه به من الغراب بالغراب» (2).

فالزوج (عبد الرحمن بن الزبير) يبرئ نفسه مما نسب إليه، فيفصح عن رغبة زوجته فيقول كذبت والله يا رسول الله، إني لأنفضها نفض الأديم، ولكنها ناشز، تريد رفاعة.

ثم هو له من الأولاد ما يدل على كمال رجولته، فهم أشبه به من الغراب بالغراب، وأثبت النبي صلى الله عليه وسلم فيه الحكم بالدليل حيث استدل بشبههما له على كذبها ودعواها.

وعن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تضربن إماء الله»، فجاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، قد ذئر النساء على أزواجهن، فأمر بضربهن، فضربن، فطاف بآل محمد صلى الله عليه وسلم طائف نساء كثير، فلما أصبح، قال: «لقد طاف الليلة بآل محمد سبعون امرأة، كل امرأة تشتكي زوجها، فلا تجدون أولئك خياركم» (3).

وهذا اتهام متبادل بين الأزواج فلما ذئر النساء رخص في الضرب، ولكن استعمال الضرب لم يكن بحكمة تأديبية فقط، فقد كان فيه مبالغة شديدة وإفراط واضح، عندها كثرت الشاكيات، فوضح النبي صلى الله عليه وسلم بأن هذا ليس من شأن الأخيار.

ضعف الثقة بينهما:

إن الثقة التي تجمع بين الشريكين هي من العناصر الأساسية جدًا في العلاقة الزوجية، فبحال تزعزعت الثقة بين الزوجين، من الممكن أن يقوم أحدهما بإلقاء الاتهامات تجاه الآخر ذلك لأنه وببساطة لا يصدّق أبدًا كلامه.

عن عائشة رضي الله عنها: قالت هند أم معاوية لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أبا سفيان رجل شحيح، فهل عليّ جناح أن آخذ من ماله سرًا؟ قال: «خذي أنت وبنوك ما يكفيك بالمعروف» (4).

قال القرطبي: لم ترد هند وصف أبي سفيان بالشح في جميع أحواله؛ وإنما وصفت حالها معه، وأنه كان يقتر عليها وعلى أولادها، وهذا لا يستلزم البخل مطلقًا؛ فإن كثيرًا من الرؤساء يفعل ذلك مع أهله ويؤثر الأجانب استئلافًا لهم (5).

قال الصنعاني: الحديث فيه دليل على جواز ذكر الإنسان بما يكره إذا كان على وجه الاشتكاء والفتيا، وهذا أحد المواضع التي أجازوا فيها الغيبة (6).

 انعدام التواصل:

إن انعدام التواصل بين الزوجين يمكن أن يؤدي إلى تبادل الاتهامات بينهما، فكلاهما لا يفهم الآخر، ولا طريقة تفكيره ولا حتى نواياه ما يؤدي إلى تراشق اتهاماتٍ قد تكون باطلة أحيانًا.

عن عبد الله بن عمرو، قال: زوجني أبي امرأة فجاء يزورها، فقال: كيف ترين بعلك؟ فقالت: نعم الرجل من رجل لا ينام الليل، ولا يفطر النهار فوقع بي، وقال: زوجتك امرأة من المسلمين فعضلتها، قال: فجعلت لا ألتفت إلى قوله مما أرى عندي من القوة والاجتهاد، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «لكني أنا أقوم وأنام، وأصوم وأفطر، فقم ونم، وصم وأفطر»، قال: «صم من كل شهر ثلاثة أيام»، فقلت: أنا أقوى من ذلك، قال: «صم صوم داود عليه السلام، صم يومًا وأفطر يومًا»، قلت: أنا أقوى من ذلك، قال: «اقرأ القرآن في كل شهر»، ثم انتهى إلى خمس عشرة وأنا أقول: أنا أقوى من ذلك (7).

عن عبد الله بن عمرو، قال: أنكحني أبي امرأة ذات حسب، فكان يتعاهد كنته، فيسألها عن بعلها، فتقول: نعم الرجل من رجل لم يطأ لنا فراشًا، ولم يفتش لنا كنفًا منذ أتيناه، فلما طال ذلك عليه ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «القني به»، فلقيته بعد، فقال: «كيف تصوم؟» قال: كل يوم، قال: «وكيف تختم؟»، قال: كل ليلة، قال: «صم في كل شهر ثلاثة، واقرأ القرآن في كل شهر»، قال: قلت: أطيق أكثر من ذلك، قال: «صم ثلاثة أيام في الجمعة»، قلت: أطيق أكثر من ذلك، قال: «أفطر يومين وصم يومًا» قال: قلت: أطيق أكثر من ذلك، قال: «صم أفضل الصوم صوم داود صيام يوم وإفطار يوم، واقرأ في كل سبع ليال مرة» فليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذاك أني كبرت وضعفت، فكان يقرأ على بعض أهله السبع من القرآن بالنهار، والذي يقرؤه يعرضه من النهار، ليكون أخف عليه بالليل، وإذا أراد أن يتقوى أفطر أيامًا وأحصى، وصام مثلهن كراهية أن يترك شيئًا، فارق النبي صلى الله عليه وسلم عليه (8).

أي أنه لم يطأها ولم يجامعها ولم يجلس معها ولم ينم معها، وذلك كله بسبب اشتغاله بالعبادة اشتغاله بالصيام والقيام والاجتهاد في الطاعة حرصًا منه على أن يكون من السابقين في العبادة.

 سوء الظن:

عن عائشة رضي الله عنها قالت: ألا أحدثكم عني وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا: بلى، قال: قالت: لما كانت ليلتي التي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيها عندي، انقلب فوضع رداءه، وخلع نعليه، فوضعهما عند رجليه، وبسط طرف إزاره على فراشه، فاضطجع، فلم يلبث إلا ريثما ظن أن قد رقدت، فأخذ رداءه رويدًا، وانتعل رويدًا، وفتح الباب فخرج، ثم أجافه رويدًا، فجعلت درعي في رأسي، واختمرت، وتقنعت إزاري، ثم انطلقت على إثره، حتى جاء البقيع فقام، فأطال القيام، ثم رفع يديه ثلاث مرات، ثم انحرف فانحرفت، فأسرع فأسرعت، فهرول فهرولت، فأحضر فأحضرت، فسبقته فدخلت، فليس إلا أن اضطجعت فدخل، فقال: «ما لك؟ يا عائش، حشيًا رابية» قالت: قلت: لا شيء، قال: «لتخبريني أو ليخبرني اللطيف الخبير» قالت: قلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، فأخبرته، قال: «فأنت السواد الذي رأيت أمامي؟» قلت: نعم، فلهدني في صدري لهدة أوجعتني، ثم قال: «أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟» قالت: مهما يكتم الناس يعلمه الله، نعم (9).

قال الطيبي: يعني: ظننت أني ظلمتك بأن جعلت من نوبتك لغيرك، وذلك مناف لمن تصدى بمنصب الرسالة، وهذا معنى العدول عما هو مقتضى ظاهر العبارة، وهو ظننت أني أحيف عليك (10).

عن عمر قال: كنا معشر قريش قومًا نغلب النساء، فلما قدمنا المدينة، وجدنا قومًا تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم، قال: وكان منزلي في بني أمية بن زيد بالعوالي، فتغضبت يومًا على امرأتي، فإذا هي تراجعني، فأنكرت أن تراجعني، فقالت: ما تنكر أن أراجعك، فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه، وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل، فانطلقت فدخلت على حفصة، فقلت: أتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: نعم، فقلت: أتهجره إحداكن اليوم إلى الليل؟ قالت: نعم، قلت: قد خاب من فعل ذلك منكن، وخسر، أفتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله صلى الله عليه وسلم؟ فإذا هي قد هلكت، لا تراجعي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تسأليه شيئًا، وسليني ما بدا لك، ولا يغرنك أن كانت جارتك هي أوسم وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك - يريد عائشة.

قال: وكان لي جار من الأنصار، فكنا نتناوب النزول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فينزل يومًا وأنزل يومًا، فيأتيني بخبر الوحي وغيره، وآتيه بمثل ذلك. وكنا نتحدث أن غسان تنعل الخيل لتغزونا، فنزل صاحبي، ثم أتاني عشاء، فضرب بابي، ثم ناداني، فخرجت إليه، فقال: حدث أمر عظيم، قلت: ماذا؟ أجاءت غسان؟ قال: لا، بل أعظم من ذلك وأطول، طلق النبي صلى الله عليه وسلم نساءه، فقلت: قد خابت حفصة وخسرت، قد كنت أظن هذا كائنا، حتى إذا صليت الصبح شددت عليّ ثيابي، ثم نزلت فدخلت على حفصة وهي تبكي، فقلت: أطلقكن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: لا أدري، ها هو ذا معتزل في هذه المشربة، فأتيت غلامًا له أسود، فقلت استأذن لعمر، فدخل ثم خرج إلي، فقال: قد ذكرتك له، فصمت، فانطلقت حتى انتهيت إلى المنبر فجلست، فإذا عنده رهط جلوس يبكي بعضهم، فجلست قليلًا ثم غلبني ما أجد، ثم أتيت الغلام، فقلت: استأذن لعمر، فدخل ثم خرج إلي، فقال: قد ذكرتك له، فصمت، فوليت مدبرًا، فإذا الغلام يدعوني، فقال: ادخل فقد أذن لك، فدخلت، فسلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو متكئ على رمل حصير، قد أثر في جنبه، فقلت: أطلقت يا رسول الله نساءك؟ فرفع رأسه إلي، وقال: «لا»، فقلت: الله أكبر، لو رأيتنا يا رسول الله وكنا معشر قريش قومًا نغلب النساء، فلما قدمنا المدينة وجدنا قومًا تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم، فتغضبت على امرأتي يومًا، فإذا هي تراجعني، فأنكرت أن تراجعني، فقالت: ما تنكر أن أراجعك، فوالله، إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه، وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل.

فقلت: قد خاب من فعل ذلك منهن وخسر، أفتأمن إحداهن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله صلى الله عليه وسلم؟ فإذا هي قد هلكت، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، قد دخلت على حفصة، فقلت: لا يغرنك أن كانت جارتك هي أوسم منك، وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، فتبسم أخرى، فقلت: أستأنس يا رسول الله، قال: «نعم»، فجلست فرفعت رأسي في البيت، فوالله، ما رأيت فيه شيئًا يرد البصر، إلا أهبا ثلاثة، فقلت: ادع الله يا رسول الله أن يوسع على أمتك، فقد وسع على فارس والروم، وهم لا يعبدون الله، فاستوى جالسًا، ثم قال: «أفي شك أنت يا ابن الخطاب، أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا»، فقلت: استغفر لي يا رسول الله، وكان أقسم أن لا يدخل عليهن شهرًا من شدة موجدته عليهن، حتى عاتبه الله عز وجل (11).

التصرفات المشبوهة:

كثيرًا ما يحيط الزوج نفسه بهالة من السرية والغموض تخلق الشكوك عند الزوجة وتغذيها، وفي بعض الأحيان قد يتقصّد الزوج استثارة غيرة الزوجة من باب المزاح أو حتى كنوع من اختبار مشاعرها، هذا الاختبار الطفولي قد يخلق قناعةً لدى الزوجة باتهام زوجها.

تحريض الآخرين للزوجة:

بمجرد أن تشعر الزوجة بشيء غريب في سلوك زوجها وتصرفاته؛ ستجد ألف من يؤكد له أنه خائن، وليس من النادر أن تتعرض الزوجة للتحريض من صديقاتها أو أهلها بشكل يشبه غسيل الدماغ، يغذي لديها الشكوك الوهمية ويدفعها بالنهاية لمواجهة زوجها باتهام الخيانة دون أن تمتلك دليلًا ملموسًا أو حتى مقنعًا.

الشك المرضي:

الشكّ المرضي قد يرتبط بالعديد من المشاكل النفسية واضطرابات الشخصية، حيث تعاني الزوجة في هذه الحالة من الشك المفرط دون أن يكون هناك ما يدعو للشك فعلًا، وتبني شكوكها على أتفه التفاصيل، ليس فقط مع زوجها؛ بل مع صديقاتها وأهلها وجيرانها وأبنائها.

أزمة الملل الزوجي:

تمر جميع الزيجات بمراحل متباينة من حيث استقرار العلاقة وقوة المشاعر فيها، وقد لا تجيد الزوجة تفسير بعض هذه المنعطفات في الحياة الزوجية، وتفسر فتور المشاعر أو الإهمال كدليل على الخيانة الزوجية أو إشارة خطر إلى قرب وقوع الخيانة.

تريد إنهاء الزواج:

في بعض الحالات تدرك الزوجة تمامًا أن زوجها لم يخنها، لكنها تتذرع باتهام الزوج لإنهاء الزواج دون أن تتحمل مسؤولية الانفصال، فقد لا تجد عيوبًا تجعلها تنفر من زوجها، فتلجأ للافتراء عليه واتهامه بالخيانة التي يصعب التثبت منها عمومًا.

الضغط النفسي الشديد:

من جهة تعاني الزوجة من الشك والغيرة القاتلة، وإن تأكدت من براءة زوجها لن ترتاح من شعور الذنب بسهولة، ومن جهة أخرى يقع الزوج المتهم ظلمًا تحت ضغط نفسي شديد، فهو يعرف براءته ويحاول الدفاع عن نفسه، وفي نفس الوقت يشعر بالإهانة لأنه متهم من أقرب الناس إليه بذنبٍ لم يقترفه، وقد يكتشف أنه مراقب وهناك من يتجسس عليه في كل لحظة.

الانفصال العاطفي:

قد يقود اتهام الزوجة لزوجها إلى فتور العلاقة الزوجية والانفصال العاطفي بين الزوجين، حيث لا يكون من السهل على الزوج قبول هذا الاتهام وهو من قلة الرجال المخلصين، كما لا يكون من السهل على الزوجة طرد الشكوك من رأسها خصوصًا مع وجود تحريض مستمر من أطراف خارجية، في نهاية المطاف يعيش الزوجان حياةً باردة، يستمر فيها الزواج على الورق وأمام الناس فقط (12).

آداب التعامل بين الزوجين:

يجب على الزوجين التحلّي ببعض الآداب والمبادئ الأساسيّة التي تدعم علاقتهما وتُحافظ عليها، وأبرزها ما يأتي:

1- الحفاظ على المودة والحب: يُعتبر الحب أحد عناصر الزواج الأساسيّة التي يجب على الزوجين رعايتها ودعمها والحفاظ عليها، وهو مفتاح الاستقرار العاطفي بينهما، وينعكس بشكلٍ كبيرٍ على صحّة علاقتهما ونُضجها مع مرور الوقت، ويحصدان ثماره الثمينة عندما يصلان للسعادة والمودّة والألفة التي هي مقاصد الزواج النبيلة، والتي يُمكنهما تحقيها باتّباع النصائح الآتية:

- التأكيد على المشاعر العميقة والصادقة التي يُكنها الزوجين لبعضهما، والاعتراف بها والتعبير عنها دون ترددٍ أو خجل، كقول كلمة "أحبك" بشكلٍ مُتكرر، أو إرسال الرسائل الرومانسيّة والعاطفيّة التي تُعزز العلاقة رغم بعد المسافة وتزيد المودّة بينهما.

- تجنّب رفع سقف التوقّعات وتأمل الحصول على الكثير من الشريك، والمُبالغة في الطلبات والرغبات والتوقّعات التي تُحبط المرء بالنهاية؛ لأنها تفوق طاقة شريكه وإمكانيّته، فتؤثّر بالنهاية على نظرته له، أو رضاه عنه وعن علاقته به.

- تبادل الحقوق والواجبات وإعطاء كل زوجٍ حقه من قبل شريكه؛ للحفاظ على توازن العلاقة، وتجنّب شعور أحدهما بإهمال الآخر، الأمر الذي قد يُباعد بين قلبيهما ويصنع فجوةً في العلاقة تؤثّر عليها في حال عدم إصلاحها ومِلئها.

- بناء الثقة بين الزوجين بطرقٍ صحيحة والحفاظ عليها؛ لأنّها أساس العلاقة وركيزتها القويّة التي يُمكنها إصلاح الكثير، في حين أن كسرها قد يُسبب فشل العلاقة ويُهدد نجاح الزواج.

2- التسامح والتجاوز عن الأخطاء: يُخطئ مُعظم الأزواج ويتسببون في بعض الفوضى في مُختلف الأوقات والمواقف، حيث إن الخطأ صفةً بشريّة طبيعيّة، لكن العلاقة الزوجية الناجحة تتطلب التجاوز عن بعض الأخطاء البسيطة، ومُسامحة الشريك بدافع الحب الكبير والمودّة، وللحفاظ على صحة العلاقة أيضًا، إضافةً لمشاعر الالتزام الداخليّة الكبيرة التي يُحسّ بها الفرد والتي تجعله يُقدّم مصلحة الأسرة على رغباته الخاصة ومشاعره، لكن إلى جانب التسامح والصفح التي تُعد صفاتً نبيلة فيه، فلا بد من توضيح الأمر للطرف الآخر والحوار الإيجابي الهادف بينهما الذي يُبين له عواقب بعض الأفعال التي قد لا يتمكن الزوج من مغفرتها، والتي قد تؤثر على العلاقة في النهاية لضمان فهم كل منهما للآخر، واحترامه مشاعره وقربه منه.

3- إعطاء الزوجين مساحةً فرديةً خاصة: رغم أن العلاقة الزوجيّة علاقة تناغمٍ ومزيج يجمع الطرفين ويؤلف قلبيهما، ويجعلهما يُكملان بعضهما البعض، لكن كل منهما قد يشعر بالضيق أحيانًا ويرغب بمساحةٍ خاصة مع نفسه، ويحتاج للحصول على بعض الاستقلالية والجلوس وحيدًا بعيدًا عن ضجيج الأطفال والعائلة، وهو أمرٌ يجب على الطرف الآخر احترامه وعدم الانزعاج منه، فهو يحدّ من شعورهما بالاختناق ويُساعد على تجديد العلاقة وكسر الملل والروتين الذي يُرافق تقدّمها ومرور الوقت عليها، إضافةً لحاجتهما لتشارك الوقت مع الزملاء والأصدقاء والترفيه عن نفسيهما والحفاظ على علاقاتهما الشخصيّة مع الآخرين، والتي لا تؤثّر على علاقتهما الزوجيّة طالما أنها معقولة وغير مُبالغ بها.

4- المشاركة في تحمل المسؤولية واتخاذ القرار: تتطلب الحياة الزوجيّة الصحيّة والناجحة تشارك الزوجين اتخاذ القرار، والعمل معًا لتحقيق سعادة الأسرة وخدمة مصلحتها بشكلٍ مُتناغم وتحقيق مبادئ المساواة والاحترام والعدل بينهما، ويُقصد بذلك قيام كل منهما بواجباته على أكمل وجهٍ بما يُناسب إمكانياته وقدراته، وعدم فرض أحدهما السيطرة ومحاولته قيادة العلاقة والتحكّم بشريكه والتعامل معه بشكلٍ غير صحيح، وإنما الاتفاق والانسجام، وعدم إظهار أي إساءة للطرف الآخر بأي شكلٍ آخر تحت ذريعة المحافظة على المصلحة الأسرية، وتشاركهما رعاية الأسرة والأطفال بجميع الجوانب بحبٍ معًا، حيث إن التعاون وتحمّل المسؤولية بصدقٍ ومودّة هو أساس نجاح الزواج واتزانه.

5- إدارة الخلافات والعقبات بوعيٍّ وهدوء: يتعرض الزوجين في حياتهما التي تمر بمراحل مُختلفة، وتزداد مسؤولياتها بمرور الوقت، وبوجود الأطفال إلى العديد من الضغوطات والصعوبات، التي تُعتبر مُجرّد مُنكّهات تُغيّر روتين الحياة وتوطّد العلاقة بينهما إذا ما نظرا لها على أنها مجرد عقبات ستزول بالودّ والاتفاق، وتحليا بالوعي والنضج، واتفقا على أساليب صحيحة لإدارة خلافات العلاقة وتجاوزها بأقل خسائر، حيث إن هنالك فن خاص يتحلى به فئة من الأزواج يُعرف بفن إدارة المشكلات الأسريّة بحيث يُسيطران عليها بحكمةٍ وصبر، ولا يسمحان لها بأن تأخذ حيّزًا أو تشغل مكانةً كبيرة في حياتهما، كأن يتنازل أحدهما للآخر ويتحمله عندما يشعر بالغضب والاستياء ويتصرف بعقلانيّة بعيدًا عن العناد، الأمر الذي يخدم مصلحة العلاقة، ويُحقق سعادة وراحة الأسرة، ويُحافظ على بيئة صحيّة ووديّة تسودها.

6- تبادل الاحترام بين عائلة الزوجين: تُعتبر عائلة الشريك جزءًا أساسيًّا في حياة كل من الزوجين، وحلقة ربطٍ تدعم وتُعزز استقرار العلاقات الأسريّة وتوطدها، وبالتالي لا بد من وجود بعض القواعد والآداب التي تُنظّم طريقة التعامل معهم، وتُرضي الشريك وتُسعده أيضًا، ومنها ما يأتي:

- الحفاظ على التناغم بين الزوجين وفصل علاقتهما: ولا يُقصد بفصل علاقتهما هنا الانعزال أو الابتعاد عن العائلة بل يعني جعل الحياة الزوجيّة بما تحمله من مشاعر حميمية وخلافات عابرة تخص الزوجين فقط، وعدم إدخال باقي أفراد الأسرة بها دون وجود ارتباط يجمعهم أو يخصّهم، وبالمقابل فهم موقع الطرف الآخر ومكانته لدى عائلته وحسن معاملته أمامهم وإظهار الاحترام له تحت أي ظرفٍ ورغم الخلاف أحيانًا.

- الاتفاق على بعض الحدود والواجبات: يُنصح بالاتفاق المُسبق بين الزوجين على الأمور الهامة التي تقتضي بعدم تدخّل الآباء وباقي أفراد الأسرة بها، والتي تشمل خصوصيات العلاقة، أو أساليب تربيّة الأطفال المُناسبة، وشؤون المنزل واختيار المواعيد المُناسبة للزيارات وغيرها؛ لضمان عدم حدوث خلافات بسببها لاحقاً.

- التواصل الودي والحفاظ على العلاقة الطيبة مع العائلتين: يجب على كلا الزوجين أن يُدركا أهميّة ومكانة العائلتين في حياتهما، وأن يتعاملا معهم بنضجٍ ومسؤوليّة واحترام، ويُفضّل أن يكون التواصل بشكلٍ مُباشر دون وجود وسيط سواء أكان الزوج أو الزوجة، وأن يحاول كليهما الاجتهاد في تقريب المسافة والتأليف بين القلوب؛ لتحقيق المودّة والمحبة بينهم والتي تنعكس على سعادة واستقرار الزوجين أيضًا (13).

- تجنب الانفعال: من المهم، وعندما يبدأ الزوجين بتبادل الاتهامات أن يتجنبا ردود الفعل الفورية؛ خصوصًا تلك التي تنتج عن الغضب والانفعال، فمثلًا، وبحال تعرّض أحدهما للاتهامات من الشريك الآخر، لا بدّ ان يحاول السيطرة على أعصابه، وأن يتجاهل ما سمع، ليعود ويناقشها فيما بعد أي بعد إثبات العكس وتبيان الحقيقة.

عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» (14).

فالنبي صلى الله عليه وسلم جعل للذي يملك نفسه عند الغضب من القوة والشدة ما ليس للذي يغلب الناس ويصرعهم.

إنما القوي من كظم غيظه عند ثوران الغضب، وقاوم نفسه وغلب عليها، فحول المعنى فيه من القوة الظاهرة إلى القوة الباطنة، ومن ملك نفسه عنده فقد قهر أقوى أعدائه وشر خصومه، لخبر أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك، وهذا من قبيل المجاز وفصيح الكلام؛ لأن الغضبان لما كان بحال شديدة من الغيظ وقد ثارت عليه ثورة الغضب وقهرها بحلمه وصرعها بثباته كان كمن يصرع الرجال ولا يصرعونه (15).

------------

(1) أخرجه مسلم (1433).

(2) أخرجه البخاري (5825).

(3) أخرجه ابن ماجه (1985).

(4) أخرجه البخاري (2211).

(5) فتح الباري لابن حجر (9/ 508).

(6) سبل السلام (2/ 319).

(7) أخرجه النسائي (2390).

(8) أخرجه البخاري (5052).

(9) أخرجه مسلم (974).

(10) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (3/ 968).

(11) أخرجه مسلم (1479).

(12) أسباب اتهام الزوجة لزوجها بالخيانة/ منتديات حلوها.

(13) آداب التعامل بين الزوجين/ موضوع.

(14) أخرجه البخاري (6114).

(15) فيض القدير (5/ 358).