تفكير الأبناء بين التوجيه والإلغاء
إن كثيرًا من الآباء والأمهات يسعون إلى تدمير أبنائهم، وقتل الإبداع في نفوسهم، ووأد التفكير في مهده داخل وجدانهم، كل هذا وهم لا يشعرون ولا يدرون أنهم قد ارتكبوا هذا الجرم؛ وذلك عندما يقوم الابن بطرح فكرة ما قد طرأت على خياله، أو يقوم بتقديم طلب ما يسعى إلى تحقيقه، أو يقوم بالتخطيط لأمر ما يسعى إلى القيام به، ثم يقوم الوالد والوالدة بالإجابة على الفور بالنفي، وغالبًا يكونا محقين في هذا، ولكن المشكلة هي في طريقة هذا النفي والإلغاء لخيال الابن وتفكيره وتخطيطه، ثم يتكرر هذا النفي والإلغاء في أكثر من موقف، مما يجعل الابن يشعر بالإحباط، وأنه لا يمكن له القيام بعمل نابع من داخله ومن تفكيره وخياله، وهذه هي الطامة الكبرى التي تقتل الإبداع في نفوس الأبناء.
لا شك أن الأبناء أصحاب خبرة بسيطة جدًا بالحياة، إن لم تكن معدومة في بعض الأحيان، وبالتالي فإن غالب الأبناء إذا ما فكروا بالقيام بعمل ما، أو خططوا للقيام بعمل ما، فإنهم ولا شك قد لا يحسنون التفكير ولا التخطيط، وهذا لا يستدعي من الآباء والأمهات إلغاء الفكرة تمامًا، وإنما توجيه هذه الفكرة بالطريقة المثلى، حتى يستطيع الأبناء أن يكملوا مشوار التفكير والإبداع والخيال، وكذلك يسير الآباء والأمهات في مسيرة التوجيه والتصويب والإرشاد.
وفي الحقيقة هناك بون شاسع بين الطريقة الأولى طريقة الإلغاء لتفكير الأبناء وإبداعهم وخيالهم وبين الطريقة الأخرى طريقة التوجيه والتصويب لتفكير الأبناء وإبداعهم وخيالهم، فالأولى تركز على السلبيات؛ فالفكرة قد ألغيت لأنها بها من السلبيات الكثير والكثير وبالتالي لا يمكن تطبيقها أبدًا، أما الطريقة الأخرى فهي تركز على الإيجابيات، فالفكرة التي طرحها الابن تدل على هذا الابن عنده ملكة التفكير والإبداع والخيال الواسع، فيسعى الوالد والوالدة إلى توجيهه وتصويب هذا التفكير، وفي هذا تشجيع للابن على التفكير مرة أخرى، وكأنه يقول لابنه: وماذا عندك أيضًا من أفكار جديدة؟.
فإذا ما قام الابن بطرح فكرة ما للتطبيق، وهذه الفكرة لا يمكن تطبيقها؛ لما فيها من العوار والخطأ الكثير والكثير، وتلك نتيجة طبيعية؛ لأنها نابعة من فهم الابن القاصر والغير واعي لكثير من مجريات الأمور وليس عنده خبرة بأمور الحياة، فإنه يجب على الآباء والأمهات أن يجيبوه بما يفيد تقبلهم لهذه الفكرة، ثم يخبروه بأن هذه الفكرة بها خلل في الناحية الفلانية، أو لا يمكن تقبلها لما بها من عوار واضح في الجزء الفلاني، وهو ما يمكن أن نجمله في جملة "نعم، ولكن"، أي نعم أؤيدك في تلك الفكرة التي طرحتها، ولكن بها بعض الأمور التي تمنع من تطبيقها، والأفضل من ذلك أن نجعل الجملة "نعم، و..." أي نعم أؤيدك في الفكرة التي طرحتها، وأرغب في أفكار جديدة عندك أفضل من تلك الفكرة يمكن تقبلها وتنفيذها.
إن إلغاء تفكير الأبناء ونفيه، هو في حد ذاته عقاب لهم على تفكيرهم ومحاولة إعمال خيالهم وتحريك الإبداع في نفوسهم، فالآباء والأمهات في كثير من الأحيان يعاقبون الأبناء على سلوكهم الجيد، وللأسف فإن الآباء غير واعين لهذا الأمر، وهذا من أشد الأمور التي تجعل الأبناء يهتمون بالأمور السلبية ويبتعدون عن الأمور الإيجابية.
ومما ينبغي التنبيه عليه أيضًا، أنه يجب على الآباء والأمهات أن يبينوا للأبناء أن الخطأ أمر وارد؛ بل ولازم للإنسان، حتى لا يتسرب اليأس إلى نفوس بعض الأبناء الذين يتميزون بقراءة مشاعر الآباء والأمهات رغم توجيههم للأبناء وعدم إلغاء فكرتهم، فيوضحوا لهم أن هذه الأخطاء إنما هي كائنة في طريق النجاح؛ كي نتعلم منها ونتجنبها في المستقبل؛ بل على الآباء والأمهات أن يعترفوا لأبنائهم أنهم يخطئون أحيانًا، وبذلك نوضح للأبناء أن الخطأ ليس في الخطأ نفسه، وإنما يكمن الخطأ في عدم التعلم من هذا الخطأ وتكراره.
فهذا الشعور عندما يصل إلى الأبناء لا يجعلهم يظنون، عند توجيه الآباء والأمهات لهم وتصويب أفكارهم، أنهم غير مؤهلين للقيام بما يفكرون به وما يرجونه، وإنما هذا وضع طبيعي يمر به أي إنسان، ولكن الفارق بين الإنسان الناجح والإنسان الفاشل هو التعلم من الخطأ.
"هناك حقيقة أولية بسيطة في هذه الحياة، وهي رغم بساطتها؛ بل بداهتها، منسية من قبل أكثر الآباء والمربين.
تلك الحقيقة هي أن معظم الناجحين قد تعرضوا لكثير من الفشل، ولكنهم ثابروا حتى أدركوا النجاح، أما الذين يتوقفون في مواجهة الصعوبات الحياتية، فإنهم يعجزون تمامًا عن مواجهة مستقبلهم.
إن الفشل يدل على وقوع خطأ ما، ولكن الناجحين لا يخشون الأخطاء، ويحاولون اكتشاف الخطأ حتى لا يقعون فيه مرة أخرى، وكم من تجارب فشل أنجبت عقولًا ونفوسًا جديدة نسيت الماضي وانشغلت بالعمل في المستقبل.
نعم قد نخطأ، ولكن التعلم من هذا الخطأ هو طريق النجاح الأكيد، والعمل الأسطوري الذي قام به "توماس أديسون" كان بعد بحثه للعثور على سلك رفيع يساعد على تشغيل أول مصباح كهربائي، كانت نتيجة البحث ألف خطأ قبل أن ينجح في التوصل إلى ما حققه من نجاح، وهذا ما دعاه لأن يقول: "العبقري شخص موهوب بنسبة واحد بالمائة، ومجتهد بنسبة تسعة وتسعين بالمائة". اللمسة الإنسانية في التعامل مع الأبناء، د. محمد محمد بدري ص233، بتصرف.
فأفكار الأبناء وخيالهم الواسع وإبداعهم، هو دليل قوي على ملكة ذهنية يجب على الآباء والأمهات والمربين الحفاظ عليها وتنميتها، وذلك لا يكون إلا من خلال توجيه هذه الأفكار وتصويبها لا إلغائها، ثم بيان أن هذه الأفكار التي تتم توجيهها وتصويبها ليس خطأها عيب فيها، وإنما هو دليل لسلوك طريق النجاح بهذه الأفكار والإبداعات، وأن النجاح دائمًا مليء بالكثير من الأخطاء التي ترشدنا إلى سلوك الطريق الصحيح.