logo

يا بني أقم الصلاة


بتاريخ : الثلاثاء ، 24 جمادى الأول ، 1438 الموافق 21 فبراير 2017
بقلم : تيار الاصلاح
يا بني أقم الصلاة

أول واجبات الرجل المسلم أن يحول بيته إلى بيت مسلم، وأن يوجه أهله إلى أداء الفريضة التي تصلهم معه بالله، فتوحد اتجاههم العلوي في الحياة، وما أروح الحياة في ظلال بيت أهله كلهم يتجهون إلى الله(1).

قال الله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:132].

إن ثَمَّة عبادة عظيمة، عبادة فعلها الأنبياء، وصبر عليها الصالحون، وشعر بأهميتها الأولياء، وأمر بها المتقون، إنها أمر الأبناء بالصلاة وحثهم عليها، والصبر على ذلك والاحتساب فيه، وتفقدهم في هذا الشأن العظيم وتتبعهم؛ لتعويدهم عليها، وتنشئتهم على حبِّها، وغرس قدرها في قلوبهم، وتأكيد مكانتها في نفوسهم، ذلك أنه ما من ناشئ إلا وينشأ على ما عوَّده عليه أبوه أو أخذه به مربُّوه، فمن عُوِّدَ منذ تمييزه أن يخف إلى الصلاة حال سماع مناديها، وأن يؤدِّيها حيث يُنَادى إليها، ويركع مع الراكعين، تعوَّد ذلك بعد بلوغه وسهل عليه.

ومن تُرِك له الحبل في هذا الجانب على الغارب منذ صغره، أو نشأ في أسرة لا تقيم لذلك وزنًا، عَسِرَ على وليِّه بعد كِبَرِه جبره على فعلها، وصَعُبَ عليه بعد ذلك القيام إليها، وثقلت عليه المحافظة عليها؛ قال صلى الله عليه وسلم: «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين»(2).

ولو تأمل متأملٌ هذا الحديث وتدبَّره، لوجد أن الأب ملزمٌ بأمر ولده بالصلاة في ثلاث سنوات أكثر من خمسة آلاف أمر، وهو تَكْرار كثير وتأكيد كبير، لو حصل وحُوفِظ عليه، كما أمر به المربِّي الأكبر عليه الصلاة والسلام، لكان كفيلًا بغرس مكانة الصلاة في سويداء قلب المأمور بها، ولكان كافيًا لتأكيد أهمية تلك العبادة في نفسه، وَلَتَيَقَّنَ أن عبادة يُؤْمر بها في ثلاث سنوات أكثر من خمسة آلاف أمرٍ فريضة مُحْكمة، وركن متين من أركان الدين، لقد كان من دأب أنبياء الله المرسلين وعباده الصالحين الأمر بالصلاة، ودعاء الله أن يعينهم وأبناءهم على إقامتها.

قال تعالى عن خليله إبراهيم عليه السلام: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} [إبراهيم:40]، وقال عن إسماعيل عليه السلام: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55)} [مريم:54- 55].

وكان من وصايا لُقْمان الحكيم لابنه أن قال كما جاء في القرآن: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان:17].

وبهذا الأمر العظيم أمر الله خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم، فقال سبحانه: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:132].

وهو أمر للأمة من بعد نبيِّها، واجب عليها امتثاله والاصطبار عليه؛ إبراءً للذمة وأداءً للواجب، وقيامًا بحق الرعية التي سيُسْأَلون عنها يوم القيامة؛ قال صلى الله عليه وسلم: «كلكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها»(3).

إنه لأمر عظيم، وإن التقصير فيه لخطير؛ قال عليه الصلاة والسلام: «ما من عبدٍ يسترعيه الله رعيةً فلم يحطها بنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنة»(4).

وأَنَّى لأبٍ لا يأمر أبناءه بالصلاة أن يكون قد نصح لهم، أو أدى ما عليه من واجب تجاههم؟! ومع هذا، فإن ثَمَّةَ أمورًا لو استحضرها كل أب، وهو يأمر أبناءه بالصلاة ويتعاهد قيامهم بها، لوجد نشاطًا في ذلك مضاعفًا، ولأدركته حماسة تدعوه للاستمرار، وتدفعه للصبر واستسهال ما في ذلك من صعاب، من ذلك أن أمر الأب لأبنائه بالصلاة مدعاةٌ لمحافظتهم عليها، وهو أكبر سببٍ لصلاحهم وهدايتهم، وهو الأمر الذي ينشده كل أب لأبنائه، ويتمناه كل والد لأولاده؛ قال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:45].

إن كثيرًا من الآباء يشكون من فساد أبنائهم في هذا الزمان، ويتألمون لخروجهم عن الطاعة وعصيانهم الأوامر، ووقوعهم في المناهي وارتكابهم للمعاصي، وارتكاسهم في المنكرات والموبقات، فإذا تتبَّعت طريقتهم في تربيتهم، وجدتهم لا يدرون شيئًا عن حالهم مع الصلاة؛ بل قد يكونون يعلمون أنهم لا يصلون، ومع ذلك لا يأبهون ولا ينكرون؛ بل قد يكونون ممن يشفقون عليهم إذا ناموا، فلا يوقظونهم، ومن ثَمَّ فكيف يرجون صلاحهم أو ينتظرون فلاحهم، وهم الذين أغفلوا أكبر أسباب الصلاح، وغفلوا عن أعظم مقومات الفلاح.

ومما يعين الأب على الاستمرار في أمر أبنائه بالصلاة أن يستحضر أنه بذلك دالٌّ على الخير داعٍ إلى الهدى، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «من دَل على خيرٍ فله مثل أجر فاعله»(5).

وقال صلى الله عليه وسلم: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور مَن تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا»(6).

وقال عليه الصلاة والسلام: «والله، لَأَنْ يهدي الله بك رجلًا واحدًا خيرٌ لك من أن يكون لك حُمْر النَّعم»(7).

ثم إن في حرص الولد على الصلاة طول حياته، ومحافظته عليها دلالة على صلاحه، وهذا أكبر مكسب يمكن لأبٍ أن يستثمره في حياته؛ ليستمر به أجره بعد وفاته؛ قال صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له»(8).

وتصور يوم تموت أنَّ وراءك ابنًا أو عِدة أبناء قد بذلت الجهد في إصلاحهم، وعوَّدتهم على الصلاة، فاستمروا بعد وفاتك ثلاثين أو أربعين سنة يحافظون على الصلاة، ويركعون ويسجدون، كم سيكون لك من الأجر بكل ركعة لهم وبكل سجدة؟! كم ستكسب من الحسنات بكل تسبيح منهم وتهليل ودعاء واستغفار؟! فاللهَ اللهَ بالأمر بالصلاة، فربَّما رفع الله درجتك وغفر لك بسبب ذلك فلا تفرط؛ قال صلى الله عليه وسلم: «إن الرجل لترفع درجته في الجنة، فيقول: أَنَّى لي هذا؟ فيُقال: باستغفار ولدك لك»(9).

ومما يدفع الأب للاستمرار في أمر أبنائه بالصلاة أن يتصور كم له من الأجر حين ينقذ إنسانًا من النار، فكيف إذا كان هذا الإنسان هو ابنه أو ابنته؟! إننا لنحرص على وقاية أبنائنا وحمايتهم من الأمراض والأسقام، ونبذل ما نملك لإنقاذهم من عوارض الدنيا وأخطارها، أفلا نملك من الرحمة لهم ما يُصبِّرنا على أمرهم، بما فيه نجاتهم من الجحيم، وفكاك رقابهم من النار؟! وكيف لا نفعل وقد أمرنا ربنا جل وعلا بإنقاذهم؛ حيث قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6].

وهل ينجو من النار تارك للصلاة؟! لا والله؛ قال سبحانه: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47)} [المدثر:38 -47].

ومما يدفع الأب للصبر على أمرِ أبنائه بالصلاة أن يستحضرَ أن ذلك من أسباب الجمع بينه وبينهم برحمته في جنة عرضها السماوات والأرض؛ قال تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور:21].

وما أحوجنا، في هذا المقام العظيم، لنكون في أنفسنا محافظين على الصلاة، ومتابعين لأولادنا في أدائها، ما أحوجنا إلى صدق الالتجاء إلى الله بأن يجعلنا وأولادنا من أهل الصلاة والمحافظة عليها، ومن أعظم الدعاء في هذا المقام دعاء إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام : {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} [إبراهيم:40].

ولا شك أن العناية بتربية النشء التربية الإسلامية الصحيحة؛ على إقامة الصلاة وتقوى الله في الأقوال والأفعال، من أمارات التوفيق وعلامات السداد .

وقد قال الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه:132]؛ أي: حث أهلك على الصلاة، وأزعجهم إليها، من فرض ونفل، والأمر بالشيء أمر بجميع ما لا يتم إلا به، فيكون أمرًا بتعليمهم ما يصلح الصلاة ويفسدها ويكملها(10).

قال أبو بكر الرازي: «إنما يؤمر بذلك على وجه التعليم والتأدب ليعتاده ويتمرن عليه، فيكون أسهل عليه بعد البلوغ وأقل نفورًا منه، وكذلك يجنب شرب الخمر، ولحم الخنزير، وينهى عن سائر المحظورات؛ لأنه لو لم يمنع في الصغر لصعب عليه الامتناع في الكبر»(11).

قال الشيخ ابن باز: «والعناية بأهل البيت، لا تغفل عنهم يا عبد الله، عليك أن تجتهد في صلاحهم، وأن تأمر بنيك وبناتك بالصلاة لسبع، وتضربهم عليها لعشر، ضربًا خفيفًا يعينهم على طاعة الله، ويعودهم أداء الصلاة في وقتها، حتى يستقيموا على دين الله ويعرفوا الحق، كما صحت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم»(12).

الأساليب المعينة على تأديب الأولاد وتربيتهم على الصلاة، وتعظيم قدرها :

- ضرورة وجود القدوة العملية، متمثلة في تمام حرص الأبوين على الصلاة في مواقيتها .

- حرص الأب على اصطحاب أبنائه معه إلى الصلاة، وحرص الأم على أمر بناتها للقيام بالصلاة معها في البيت .

- التذكير بأهمية الصلاة، وبيان أنها ركن عظيم من أركان الدين، ولا يتم الدين إلا بها .

- الترغيب في إقامة الصلاة في مواقيتها، وبيان أن الله وعد على إقامة الصلاة بالجنة، فمن أراد أن يكون في عهد الله فليصل، ومن أراد ألَّا يكون في عهده ويعرض نفسه لسخطه وعذابه وأليم عقابه فليدع الصلاة.

- استغلال كافة الوسائل المتاحة؛ من النصح السهل الرقيق، وتوفير الكتيبات وشرائط الكاسيت التي تتحدث عن أمر الصلاة، وتبين علو شأنها ومنزلتها .

- تحريض الأبناء على مصاحبة المحافظين على الصلاة، مع غرس الدوافع الإيجابية في نفوسهم، التي تدفعهم إلى التنافس الشريف على إقامة الصلاة، والمسارعة في الخيرات .

- التشجيع المادي والأدبي، المتمثلان في الهدايا العينية، وعبارات الثناء والتشجيع ونحو ذلك.

- استخدام الأسلوب النبوي في معالجة أمر الصلاة، كما تقدم في حديث أبي داود، من أمرهم بالصلاة إذا بلغوا سبع سنين، ثم ضربهم عليها إذا بلغوا عشرًا، مع مراعاة الحكمة في الضرب، حيث يغلب على الظن نفعه، وتوظيف الشدة والتعنيف في الوضع الصحيح .

- استخدام أسلوب الهجر والمجافاة عند ترك الصلاة، أو التهاون بشأنها، وهو نوع من العقاب الشرعي المؤثر .

- الإكثار من الدعاء والتضرع إلى الله أن يهديهم صراطه المستقيم، وأن يجعلهم من المصلين المتقين، وهذا في الواقع من أعظم أساب صلاح الذرية، وإن غفل عنه كثير من الناس.

- ألا يمل الوالدان من تكرار التذكير والنصح والتأديب، حتى وإن كرر الأولاد التهاون والتفريط، وألا ييأسا من هداية الأبناء، فلا أحد يدري هل أتى أوان الكلمة التي تنفع أو لا؟

وكان أبو هريرة رضي الله عنه إذا خرج للصلاة مر ببيوت أهله، يصيح ويخرجهم معه إلى المسجد، وهو يقرأ: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:132].

إن أولادنا أمانة عندنا، وهبها الله تعالى إيانا، وكم نتمنى جميعًا أن يكونوا صالحين، وأن يوفقهم الله في حياتهم، دينيًا ودنيويًا.

ولنعلم أن أولادنا في حاجة لأمور كثيرة؛ هم في حاجة للحب، وفي حاجة للتقدير، وفي حاجة للحرية، وفي حاجة للنجاح.

الطفولة ليست مرحلة تكليف، وإنما مرحلة إعداد وتدريب وتعويد؛ للوصول إلى مرحلة التكليف عند البلوغ فيسهل على الطفل أداء الواجبات والفرائض.

مراحل تعليم الصلاة:

أولًا: مرحلة ما بين الثالثة والخامسة (الطفولة المبكرة):

إن مرحلة الثالثة من العمر هي مرحلة بداية استقلال الطفل وإحساسه بكيانه وذاتيته، ولكنها في نفس الوقت مرحلة الرغبة في التقليد، فلندعه على الفطرة يقلد كما يشاء، ويتصرف بتلقائية ليحقق استقلاليته عنا من خلال فعل ما يختاره ويرغب فيه، وبدون تدخلنا، فإذا وقف الطفل بجوار المصلي ثم لم يركع أو يسجد فلندعه ولا نعلق على ذلك، ولنعلم جميعًا أنهم في هذه المرحلة قد يمرون أمام المصلين، أو يجلسون أمامهم أو يعتلون ظهورهم، أو قد يبكون، كما أننا لا يجب أن ننهرهم في هذه المرحلة عما يحدث منهم من أخطاء بالنسبة للمصلي.

وفي هذه المرحلة يمكن تحفيظ الطفل سور: الفاتحة، والإخلاص، والمعوذتين.

ثانيًا: ما بين الخامسة والسابعة (مرحلة الطفولة المتوسطة):

في هذه المرحلة يمكن بالكلام البسيط اللطيف الهادئ عن نعم الله تعالى، وفضله، وكرمه، المدعم بالعديد من الأمثلة، وعن حب الله تعالى لعباده ورحمته؛ يجعل الطفل من تلقاء نفسه يشتاق إلى إرضاء الله، وفي هذه المرحلة يكون التركيز على كثرة الكلام عن الله تعالى، وقدرته، وأسمائه الحسنى، وفضله، وفي المقابل، ضرورة طاعته، وجمال الطاعة ويسرها وبساطتها وحلاوتها وأثرها على حياة الإنسان، وفي نفس الوقت لا بد من أن يكون هناك قدوة صالحة يراها الصغير أمام عينيه، فمجرد رؤية الأب والأم والتزامهما بالصلاة خمس مرات يوميًا، دون ضجر أو ملل، يؤثّر إيجابيًا في نظرة الطفل لهذه الطاعة، فيحبها لحب المحيطين به لها، ويلتزم بها كما يلتزم بأي عادة وسلوك يومي.

ولكن حتى لا تتحول الصلاة إلى عادة، وتبقى في إطار العبادة، لا بد من أن يصاحب ذلك شيء من تدريس العقيدة، ومن المناسب هنا سرد قصة الإسراء والمعراج، وفرض الصلاة، أو سرد قصص الصحابة الكرام وتعلقهم بالصلاة.

ومن المحاذير التي نركِّز عليها دومًا الابتعاد عن أسلوب المواعظ والنقد الشديد، أو أسلوب الترهيب والتهديد؛ وغني عن القول أن الضرب في هذه السن غير مباح، فلا بد من التعزيز الإيجابي، بمعنى التشجيع له حتى تصبح الصلاة جزءًا أساسيًا من حياته.

وبالنسبة للبنات، فنحببهم بأمور قد تبدو صغيرة تافهة ولكن لها أبعد الأثر، مثل حياكة طرحة صغيرة مزركشة ملونة تشبه طرحة الأم في بيتها، وتوفير سجادة صغيرة خاصة بالطفلة.

ويمكن إذا لاحظنا كسل الطفل أن نتركه يصلي ركعتين مثلًا حتى يشعر فيما بعد بحلاوة الصلاة، ثم نعلمه عدد ركعات الظهر والعصر فيتمها من تلقاء نفسه.

ويلاحظ أن تنفيذ سياسة التدريب على الصلاة يكون بالتدريج، فيبدأ الطفل بصلاة الصبح يوميًا، ثم الصبح والظهر، وهكذا حتى يتعود بالتدريج إتمام الصلوات الخمس، وذلك في أي وقت، وعندما يتعود على ذلك يتم تدريبه على صلاتها في أول الوقت، وبعد أن يتعود ذلك ندربه على السنن، كلٌ حسب استطاعته وتجاوبه.

ويمكن استخدام التحفيز لذلك، فنكافئه بشتى أنواع المكافآت، وليس بالضرورة أن تكون المكافأة مالًا؛ بأن نعطيه مكافأة إذا صلى الخمس فروض ولو قضاءً، ثم مكافأة على الفروض الخمس إذا صلاها في وقتها، ثم مكافأة إذا صلى الفروض الخمس في أول الوقت.

ويجب أن نعلمه أن السعي إلى الصلاة سعي إلى الجنة، ويمكن استجلاب الخير الموجود بداخله(13).

ويراعى في هذه المرحلة تعليم الطفل بعض الأشياء وتدريبه عليها؛ مثل:

1- تعليم الطفل بعض أحكام الطهارة البسيطة؛ مثل أهمية التحرز من النجاسة؛ كالبول وغيره، وكيفية الاستنجاء، وآداب قضاء الحاجة، وضرورة المحافظة على نظافة جسمه وملابسه، مع شرح علاقة الطهارة بالصلاة.

2- تعليم الطفل الفاتحة وبعض قصار السور استعدادًا للصلاة.

3- تعليمه الوضوء، وتدريبه على ذلك عمليًا كما كان يفعل الصحابة رضوان الله عليهم مع أبنائهم.

4- وقبل السابعة نبدأ تعليمه الصلاة وتشجيعه أن يصلي فرضًا أو أكثر يوميًا؛ مثل: صلاة الصبح قبل الذهاب إلى المدرسة، ولا نطالبه في سن السابعة بالفرائض الخمس جملة واحدة.

5- أهمية اصطحاب الطفل إلى صلاة الجمعة بعد أن نعلمه آداب المسجد، فيعتاد الطفل إقامة هذه الشعائر، ويشعر بداية دخوله المجتمع واندماجه فيه.

ثالثًا: مرحلة ما بين السابعة والعاشرة (الطفولة المتأخرة):

في هذه المرحلة يلحظ بصورة عامة تغير سلوك الأبناء تجاه الصلاة، وعدم التزامهم بها، حتى وإن كانوا قد تعودوا عليها، فيلحظ التكاسل والتهرب وإبداء التبرم، إنها ببساطة طبيعة المرحلة الجديدة: مرحلة التمرد وصعوبة الانقياد والانصياع، وهنا لا بد من التعامل بحنكة وحكمة معهم، فنبتعد عن السؤال المباشر؛ لأنهم سوف يميلون إلى الكذب وادعاء الصلاة للهروب منها، فيكون رد الفعل إما الصياح في وجهه لكذبه، أو إغفال الأمر، بالرغم من إدراك كذبه، والأولَى من هذا وذاك هو التذكير بالصلاة في صيغة تنبيه لا سؤال.

يجب ألَّا ننسى التشجيع والتعزيز، والإشارة إلى أن التزامه بالصلاة من أفضل ما يعجبنا في شخصياتهم، وأنها ميزة تطغى على باقي المشكلات والعيوب، وفي هذه السن يمكن أن يتعلم الطفل أحكام الطهارة، وصفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وبعض الأدعية الخاصة بالصلاة، ويمكن اعتبار يوم بلوغ الطفل السابعة حدث مهم في حياة الطفل؛ بل وإقامة احتفال خاص بهذه المناسبة، يدعى إليه المقربون، ويزين المنزل بزينة خاصة، إنها مرحلة بدء المواظبة على الصلاة.

ولا شك أن هذا يؤثر في نفس الطفل بالإيجاب؛ بل يمكن أيضًا الإعلان عن هذه المناسبة داخل البيت قبلها بفترة؛ كشهرين مثلًا، أو شهر؛ حتى يظل الطفل مترقبًا لمجيء هذا الحدث الأكبر.

وفي هذه المرحلة نبدأ بتعويده أداء الخمس صلوات كل يوم، وإن فاتته إحداهن يقوم بقضائها، وحين يلتزم بتأديتهن جميعًا على ميقاتها نبدأ بتعليمه الصلاة فور سماع الأذان وعدم تأخيرها؛ وحين يتعود أداءها بعد الأذان مباشرة يجب تعليمه سنن الصلاة، ونذكر له فضلها، وأنه مخيَّر بين أن يصليها الآن أو حين يكبر.

وفي الحديث: «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع» يتعلم الطفل هذا الحديث، وهو الآن يعرف أنه قد بدأ مرحلة المواظبة على الصلاة، ولهذا ينصح بعض المربين أن يكون يوم بلوغ الطفل السابعة من عمره حدثًا متميزًا في حياته.

لقد خصص النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث سنوات متواصلة لتأصيل الصلاة في نفوس الأبناء، ونكرر طلب الصلاة من الطفل باللين والرفق.

وينشأ ناشئ الفتيان منا       على ما كان عوده أبوه

رابعًا : مرحلة الأمر بالصلاة والضرب على تركها:

من الضروري أن نكرر دائمًا، في مرحلة السابعة، على مسمع الطفل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي حدد مبدأ الضرب بعد العاشرة؛ تحذيرًا من التهاون في الصلاة، فإذا ما أصر بعد ذلك على عدم المداومة على الصلاة فلا بد أن يعاقب بالضرب، ولكن يظل الضرب معتبرًا بالشروط التي حددها لنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.

إذا نشأ الطفل في بيئة صالحة، واهتم والداه بكل ما ذكرنا، وكانا قدوة له في المحافظة على الصلاة، فإنه من الصعوبة ألا يرتبط الطفل بالصلاة ويحرص عليها، خاصة مع التشجيع المعنوي والمادي.

وفي هذه المرحلة (بعد العاشرة) يجب على الوالد والوالدة، ومن يقوم بتربية الأولاد، أن يعلموهم أحكام صلاة الجماعة وصلاة السنن والوتر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أنس بن مالك رضي الله عنه صلاة الاستخارة رغم صغر سنه.

كما يجب الاهتمام بصلاتي الفجر والعشاء في هذه المرحلة، وتعويد الطفل على المداومة على كل الفرائض مهما كانت الأسباب، فإذا فاتته صلاة ناسيًا فليصلها متى ذكرها، وإن فاتته تكاسلًا فلنعلمه أن يسارع بالاستغفار، وأن يعمل بعض الحسنات؛ كالصدقات من مصروفه، وغير ذلك من أعمال الخير لعل الله يغفر له «وأَتْبع السيئة الحسنة تمحها»(14).

ولنتذكر أن المواظبة على الصلاة مثل أي سلوك نود أن نكسبه لأطفالنا، ولكننا نتعامل مع الصلاة بحساسية نتيجة لبعدها الديني، مع أن الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم حين وجهنا لتعليم أولادنا الصلاة راعى هذا الموضوع، وقال: «علموا أولادكم الصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر»، فكلمة (علموهم) تتحدث عن خطوات مخططة لفترة زمنية قدرها ثلاث سنوات، حتى يكتسب الطفل هذه العادة، ثم يبدأ الحساب عليها ويدخل العقاب كوسيلة من وسائل التربية في نظام اكتساب السلوك، فعامل الوقت مهم في اكتساب السلوك، ولا يجب أن نغفله حين نحاول أن نكسبهم أي سلوك، فمجرد التوجيه لا يكفي، والأمر يحتاج إلى تخطيط وخطوات وزمن كاف للوصول إلى الهدف.

كما أن الدافع إلى إكساب السلوك من الأمور الهامة، وحتى يتكون فإنه يحتاج إلى بداية مبكرة، وإلى تراكم القيم والمعاني التي تصل إلى الطفل حتى يكون لديه الدافع النابع من داخله، نحو اكتساب السلوك الذي نود أن نكسبه إياه، أما إذا تأخَّر الوالدان في تعويده الصلاة إلى سن العاشرة فإنهما يحتاجان إلى وقت أطول مما لو بدءا مبكرين؛ حيث إن طبيعة التكوين النفسي والعقلي لطفل العاشرة يحتاج إلى مجهود أكبر مما يحتاجه طفل السابعة، من أجل اكتساب السلوك نفسه، فالأمر في هذه الحالة يحتاج إلى صبر وهدوء وحكمة، وليس عصبية وتوتر.

ففي هذه المرحلة يحتاج الطفل منا أن نتفهم مشاعره، ونشعر بمشاكله وهمومه، ونعينه على حلها، فلا يرى منا أن كل اهتمامنا هو صلاته وليس الطفل نفسه، فهو يفكر كثيرًا بالعالم حوله، وبالتغيرات التي بدأ يسمع أنها ستحدث له بعد عام أو عامين، ويكون للعب أهميته الكبيرة لديه، لذلك فهو يسهو عن الصلاة ويعاند لأنها أمر مفروض عليه، ويسبب له ضغطًا نفسيًا، فلا يجب أن نصل بإلحاحنا عليه إلى أن يتوقع منا أن نسأله عن الصلاة كلما وقعت عليه أعيننا!!

ولنتذكر أنه لا يزال تحت سن التكليف، وأن الأمر بالصلاة في هذه السن للتدريب فقط، وللاعتياد لا غير؛ لذلك فإن سؤالنا عن مشكلة تحزنه، أو همٍّ أو خوف يصيبه سوف يقربنا إليه ويوثِّق علاقتنا به، فتزداد ثقته في أننا سنده الأمين، وصدره الواسع الدافئ، فإذا ما ركن إلينا ضمنَّا فيما بعد استجابته التدريجية للصلاة، والعبادات الأخرى، والحجاب.

خامسًا: مرحلة المراهقة:

يتسم الأطفال في هذه المرحلة بالعند والرفض، وصعوبة الانقياد، والرغبة في إثبات الذات، حتى لو كان ذلك بالمخالفة لمجرد المخالفة، وتضخم الكرامة العمياء، التي قد تدفع المراهق رغم إيمانه بفداحة ما يصنعه إلى الاستمرار فيه، إذا حدث أن توقُّفه عن فعله سيشوبه شائبة، أو شبهة من أن يشار إلى أن قراره بالتوقف عن الخطأ ليس نابعًا من ذاته، وإنما بتأثير أحد من قريب أو بعيد.

وفيما يلي برنامج متدرج؛ لأن أسلوب الحث والدفع في التوجيه لن يؤدي إلا إلى الرفض والبعد، فكما يقولون: "إن لكل فعل رد فعل، مساوٍ له ومضادٍّ له في الاتجاه".

هذا البرنامج قد يستغرق ثلاثة أشهر، وربما أقل أو أكثر، حسب توفيق الله تعالى وقدره:

المرحلة الأولى:

وتستغرق ثلاثة أسابيع أو أكثر، ويجب فيها التوقف عن الحديث في هذا الموضوع، الصلاة، تمامًا، فلا نتحدث عنه من قريب أو بعيد، ولو حتى بتلميح، مهما بعد، فالأمر يشبه إعطاء الأولاد الدواء الذي يصفه لهم الطبيب، ولكننا نعطيه لهم رغم عدم درايتنا الكاملة بمكوناته وتأثيراته، ولكننا تعلمنا من الرسول صلى الله عليه وسلم أن لكل داء دواءً، فالطفل يصاب بالتمرد والعناد في فترة المراهقة، كما يصاب بالبرد أغلبية الأطفال في الشتاء.

ثم التوقف لمدة لا تقل عن ثلاثة أسابيع عن الخوض في موضوع الصلاة، والهدف من التوقف هو أن ينسى الابن أو الابنة رغبتنا في حثه على الصلاة، حتى يفصل بين الحديث في هذا الأمر وعلاقتنا به أو بها؛ لنصل بهذه العلاقة إلى مرحلة يشعر فيها بالراحة، وكأنه ليس هناك أي موضوع خلافي بيننا وبينه، فيستعيد الثقة في علاقتنا به، وأننا نحبه لشخصه، وأن الرفض هو للفعال السيئة، وليس لشخصه.

فالتوتر الحاصل في علاقته بالوالدين بسبب اختلافهما معه أحاطهما بسياج شائك، يؤذيه كلما حاول الاقتراب منهما أو حاول الوالدان الاقتراب منه بنصحه، حتى أصبح يحس بالأذى النفسي كلما حاول الكلام معهما، وما نريد فعله في هذه المرحلة هو محاولة نزع هذا السياج الشائك، الذي أصبح يفصل بينه وبين والديه.

المرحلة الثانية: هي مرحلة الفعل الصامت:

وتستغرق من ثلاثة أسابيع إلى شهر، وفي هذه المرحلة لن توجه إليه أي نوع من أنواع الكلام، وإنما سنقوم بمجموعة من الفعال المقصودة، فمثلًا تعمد وضع سجادة الصلاة على كرسيه المفضل في غرفة المعيشة مثلًا، أو تعمد وضع سجادة الصلاة على سريره أو في أي مكان يفضله بالبيت، ثم يعود الأب لأخذها وهو يفكر بصوت مرتفع: أين سجادة الصلاة؟ أريد أن أصلي...

واستمر على هذا المنوال لمدة ثلاثة أسابيع أخرى أو أسبوعين، حتى تشعر أن الولد قد ارتاح، ونسي الضغط الذي كنت تمارسه عليه؛ وساعتها يمكنك الدخول في المرحلة الثالثة.

المرحلة الثالثة: المصاحبة:

قم بدعوته بشكل متقطِّع، حتى يبدو الأمر طبيعيًا وتلقائيًا، للخروج معك، ومشاركتك بعض الدروس بدعوى أنك تريد مصاحبته وليس دعوته لحضور الدرس، بقولك: حبيبي، أنا متعب، وأشعر بشيء من الكسل، ولكِنِّي أريد الذهاب لحضور هذا الدرس، تعال معي، أريد أن أستعين بك، وأستند عليك، فإذا رفض لا تعلق ولا تُعِد عليه الطلب، وأعِد المحاولة في مرة ثانية.

ويتوازى مع هذا الأمر أن تشاركه في كل ما تصنعه في أمور التزامك من أول الأمر، وأن تسعى لتقريب العلاقة، وتحقيق الاندماج بينكما، من خلال طلب رأيه ومشورته بمنتهى الحب والتفاهم.

اترك ابنك أو ابنتك يتحدثون عن أنفسهم، وعن رأيهم في الدروس التي نحكي لهم عنها، بكل حرية وبإنصات جيد منا، ولنتركهم حتى يبدءوا بالسؤال عن الدين وعن أموره.

ويجب أن نلفت النظر إلى أمور مهمة جدًا:

يجب ألا نتعجل الدخول في مرحلة دون نجاح المرحلة السابقة عليها تمامًا، فالهدف الأساسي من كل هذا هو نزع فتيل التوتر الحاصل في علاقتكما، وإعادة وصل الصلة التي انقطعت بين أولادنا وبين أمور الدين، فهذا الأمر يشبه تمامًا المضادات الحيوية، التي يجب أن تأخذ جرعتها بانتظام وحتى نهايتها، فإذا تعجلت الأمر وأصدرت للولد أو البنت ولو أمرًا واحدًا خلال الثلاثة أسابيع؛ فيجب أن تتوقف وتبدأ العلاج من البداية.

لا يجب أن نتحدث في موضوع الصلاة أبدًا في هذا الوقت، فهو أمر يجب أن يصل إليه الابن عن قناعة تامة، وإذا نجحنا في كل ما سبق، وسننجح بإذن الله، فنحن قد ربينا نبتة طيبة حسب ما نذكر، كما أننا ملتزمين، وعلى خلق، لذلك فسيأتي اليوم الذي يقومون هم بإقامة الصلاة بأنفسهم؛ بل قد يأتي اليوم الذي نشتكي فيه من إطالتهم للصلاة وتعطيلنا عن الخروج مثلًا!

لا يجب أن نعلق على تقصيره في الصلاة إلا في أضيق الحدود، ولنتجاوز عن بعض الخطأ في أداء الحركات أو عدم الخشوع مثلًا، ولنَـقصُـر الاعتراض واستخدام سلطتنا على الأخطاء التي لا يمكن التجاوز عنها؛ كالصلاة بدون وضوء مثلًا.

استعن بالله تعالى دائمًا، ولا تحزن، وادع دائمًا لابنك وابنتك ولا تدع عليهم أبدًا، وتذكر أن الأمر قد يحتاج إلى وقت، لكنه سينتهي بسلام إن شاء الله، فالأبناء في هذه السن ينسون ويتغيرون بسرعة، خاصة إذا تفهمنا طبيعة المرحلة التي يمرون بها، وتعامَلنا معهم بمنتهى الهدوء والتقبل وسعة الصدر والحب(15).

نصائح للوالدين :

1- على الأب والأم أن يرى ابنهما فيهما دائمًا يقظة الحس نحو الصلاة، فمثلًا:

(أ) إذا أراد ابنك أن يستأذن للنوم قبل العشاء، فليسمع منك وبدون تفكير أو تردد: لم يبق على صلاة العشاء إلا قليل، نصلي معًا ثم تنام بإذن الله.

(ب) وإذا طلب الأولاد منكم الذهاب للنادي أو زيارة أحد الأقارب وقد اقترب وقت المغرب فيسمعون منكم: نصلي المغرب أولًا ثم نخرج.

(ج) ومن وسائل إيقاظ الحس بالصلاة لدى الأولاد، أن يسمعوا منكم ارتباط المواعيد بالصلاة، فمثلًا: سنقابل فلانًا في صلاة العصر، وسيحضر لزيارتنا بعد صلاة المغرب.

2- الإٍسلام يحث على الرياضة التي تحمي البدن وتقويه، فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، ولكن يجب ألا يأتي حب أو ممارسة الرياضة على حساب تأدية الصلاة في وقتها، فهذا أمر مرفوض.

3- إذا حدث أن مرض الصغير بعد سن العاشرة فعلينا أن نعوده أداء الصلاة حسب استطاعته؛ حتى ينشأ ويعلم ويتعود أنه لا عذر له في ترك الصلاة، حتى لو كان مريضًا، وإذا كنت في سفر فعليك أن تعلم ولدك رخصة القصر والجمع، وتعلمه نعمة الله في الرخص، وأن الإسلام تشريع مملوء بالرحمة.

4- تدرج في تعليم ولدك النوافل بعد أن تعلمه الفرائض.

5- اغرس في ولدك الشجاعة في دعوة زملائه للصلاة، وألا يجد حرجًا في إنهاء مكالمة تليفونية، أو حديث مع شخص، أو غير ذلك، من أجل أن يلحق بالصلاة جماعة بالمسجد، وأيضًا اغرس فيه ألا يسخر من زملائه الذين يهملون أداء الصلاة؛ بل يدعوهم إلى هذا الخير.

6- حاول أن تجلس مع زوجتك كل يوم جمعة للقيام بسنن الجمعة؛ من قراءة سورة الكهف، والإكثار من الاستغفار، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ولينشأ الأطفال بينكما وأنتما على هذا الخير، ثم يشتركون معكما.

7- احرص أن يحضر معك أولادك هذه الصلوات، فيتعلق أمر الصلاة بقلبه، وردد أمامه أنك صليت الاستخارة.

8- استخدما كل الوسائل المباحة شرعًا لغرس الصلاة في نفوس أولادكما، من ذلك :

إذا كنت تعلم أولادك الحساب وجدول الضرب استخدم الصلاة لبيان ذلك؛ مثل: رجل صلى ركعتين ثم صلى الظهر أربع ركعات، فكم ركعة صلاها؟ وهكذا، وإذا كان كبيرًا فمن الأمثلة: رجل بين بيته والمسجد 500 متر وهو يقطع في الخطوة الواحدة 40 سم، فكم خطوة يخطوها حتى يصل إلى المسجد في الذهاب والعودة؟ وإذا علمت أن الله يعطي عشر حسنات على كل خطوة فكم حسنة يحصل عليها؟

9- أشرطة الفيديو والكاسيت التي تعلم الوضوء والصلاة وغير ذلك مما أباحه الله.

10- لفت الانتباه إلى أهمية الصلاة: فإذا أراد ابنك أن يستأذنك قبل العشاء لينام، ينبغي أن تذكره أنه بقي دقائق لأذان العشاء، قل له: يا بني تصلي، ثم تذهب للنوم.

إذا طلب الابن من أبيه الذهاب إلى نزهة، أو إلى زيارة أحد الأقارب قبيل وقت الغروب، يجب أن تقول له: نصلي المغرب أولًا، ثم نذهب.

ومن وسائل إيقاظ الحس بالصلاة لدى الأولاد: أن يسمعوا المواعيد جميعها مرتبطة بأوقات الصلاة: نتقابل بعد صلاة العصر، سنحضر لزيارتكم بعد صلاة المغرب...

حينما يربط الأب مواعيده ومواعيد أسرته مع فروض الصلاة، هذا يلقي في حس الصبي أن الصلاة شيء كبير جدًا، ومهم جدًا في حياة المسلم.

إذا كنت في سفر ينبغي أن تعلمه صلاة القصر والجمع، وأن هذه رخصة، وأن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه.

وعلى الأب أن يعلم ابنه النوافل بالتدريج؛ صلاة الضحى، صلاة الليل، صلاة الأوابين، صلاة الحاجة، صلاة الشكر، هذا أيضًا يُغرَس في الابن غرسًا في سن مبكرة.

وعلم ابنك الشجاعة من أجل أن يدعو زملاءه إلى الصلاة، لو كانوا في نزهة علمه أن يكون شجاعًا، لو قلت لهم: تعالوا لنصلي الظهر، هذا أيضًا يأتي بالتعليم، وعلم ابنك أيضًا ألا يجد حرجًا في إنهاء مكالمة أو في إنهاء حديث من أجل صلاة الجماعة في المسجد، اجعل الصلاة أهم شيء في حياته.

واهتم وأنت تعلم أولادك الصلاة بما يلي:

1- ترديد الآذان مع المؤذن والدعاء بعده.

2- دعاء الخروج من المنزل لأداء الصلوات في المسجد.

3- دعاء دخول المسجد والخروج منه.

4- دعاء دخول الخلاء والخروج منه.

5- التسبيح بعد كل صلاة، وغير ذلك من الأمور المبينة في الكتب الموسعة في شرح الصلاة وفرائضها وسننها وأعمالها القلبية.

كما يجب التحذير من أداء الصلاة بطريقة نقر الغراب، أو السرقة من الصلاة، كما تبين له حرمة ترك الصلاة وعقوبة تاركها.

إشارات تربوية:

- لقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على استخدام الرفق في كل شيء، وقال: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء»(16)، فليكن شعارنا هو الرفق والرحمة.

على كل من يوجه الأطفال أن يتجنب كثرة الأوامر.

- يجب أن يثاب الطفل على السلوك الطيب بجوائز معنوية؛ مثل إظهار الرضا، أو أخرى مادية.

- في حالة خطأ الطفل لا بد أن ينبه إلى خطئه برفق ولين ويتم التصحيح.

- إذا كرر الخطأ عدة مرات فيمكن حرمانه من بعض ما يحب، فإذا استمر فيمكن اللجوء إلى أسلوب الزجر؛ ولكن دون إهانة أو تحقير وبخاصة أمام الأقارب والأصدقاء؛ لأن ذلك يؤدي إلى الشعور بالنقص.

- في قوله تعالى حكاية عن لقمان: {يَا بُنَيَّ} يدل أنه على المربي أن يختار الألفاظ المحببة والمشوقة لدى المتربي، وأن يشعره بأنه يحبه، وأنه لا ينصحه إلا من باب حبه الكثير، وأنه حتى لو تشدد معه فهو كالطبيب المعالج، الذي تقتضي مصلحة مريضه أن يقوم باللازم، حيث استعمل القرآن الكريم في البداية لفظ {يَا بُنَيَّ}، الذي كما يقول العلماء يدل على نداء المحبة والإشفاق، وأن تصغير بني للتحبب، ولبيان زيادة الحب والعطف.

 ومن هنا فعلى المربين والمعلمين، حتى ولو كانوا آباءً للمتربين، أَّلا يستعملوا الألفاظ الجارحة، أو حتى الألفاظ العادية؛ بل يتفننوا في استعمال الكلمات الجميلة الراقية التي تدل على الاحترام والمحبة والإشفاق.

شروط العقوبة البدنية:

نتيجتها سريعة، فهي تؤدي إلى نظام ظاهري سطحي، يخدع ويغري الوالد بسرعة اللجوء إليها، وهذا خطأ، ولاستخدام ذلك شروط :

1- الضرب للتأديب كالملح للطعام، لا بد أن يكون قليلًا حتى لا يفقد قيمته.

2- أن يكون غير شديد ولا مؤذ.

3- لا تضرب وأنت في حالة الغضب الشديد خوفًا من إلحاق الضرر بالولد.

4- تجنب الأماكن الحساسة؛ كالرأس، والوجه، والصدر، والبطن.

5- لا تزد الضربات على ثلاث إذا كان الولد دون الحلم.

6- قم بذلك بنفسك ولا تتركه لأحد.

7- من الخطأ أيضًا عدم إيقاع العقاب بعد التهديد.

8- يجب نسيان ما يتعلق بالذنب بعد توقيع العقوبة مباشرة.

9- لا ترغم الطفل على الاعتذار بعد توقيع العقوبة مباشرة؛ لأن في ذلك إذلالًا له.

10- يجب ألا نطلب من الطفل عدم البكاء بعد العقوبة؛ لأنه ربما يبكي بسبب إحساسه بالألم.

الترغيب وليس الترهيب؟

لأن الهدف الرئيس لنا هو أن نجعلهم يحبون الصلاة؛ والترهيب لا تكون نتيجته إلا البغض، فإذا أحبوا الصلاة تسرب حبها إلى عقولهم وقلوبهم، وجرى مع دمائهم، فلا يستطيعون الاستغناء عنها طوال حياتهم؛ والعكس صحيح.

لأن الترغيب يحمل في طياته الرحمة، وقد أوصانا رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم بذلك قائلًا: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا مَن في الأرض يرحمكم من في السماء»، فليكن شعارنا ونحن في طريقنا للقيام بهذه المهمة هو الرحمة والرفق.

لأن الترهيب يخلق في نفوسهم الصغيرة خوفًا؛ وإذا خافوا منَّا فلن يُصلُّوا إلا أمامنا وفي وجودنا، وهذا يتنافى مع تعليمهم تقوى الله تعالى وخشيته في السر والعلَن، ولن تكون نتيجة ذلك الخوف إلا العُقد النفسية، ومن ثمَّ السير في طريق مسدود.

لأن الترهيب لا يجعلهم قادرين على تنفيذ ما نطلبه منهم؛ بل يجعلهم يبحثون عن طريقة لرد اعتبارهم، وتذكَّر أن المُحِب لمَن يُحب مطيع(17).

***

_______________

(1) في ظلال القرآن (4/ 2357).

(2) أخرجه أبو داود (495).

(3) أخرجه البخاري (893).

(4) أخرجه البخاري (7150).

(5) أخرجه مسلم (1893).

(6) أخرجه مسلم (2674).

(7) أخرجه البخاري (3701)، ومسلم (2406).

(8) أخرجه مسلم (1631).

(9) أخرجه ابن ماجه (3660).

(10) تفسير السعدي، ص517.

(11) الحاوي في تفسير القرآن الكريم (79/ 66).

(12) مجموع فتاوى ابن باز (6/ 46).

(13) كيف نرغب أطفالنا في الصلاة، موقع: الشبكة الإسلامية.

(14) أخرجه الترمذي (1987).

(15) كيف نرغِّب أطفالنا في الصلاة؟ أميرة حسين علوش، موقع: كنانة أونلاين.

(16) أخرجه الترمذي (4941).

(17) كيف نحبب الصلاة لأبنائنا، موقع: طريق الإسلام.