الزيارة بين النساء بين المشروع والممنوع
لا شك أن الزيارة للإخوان في الله والأصدقاء والأقارب؛ تقربًا إلى الله، وطاعةً له سبحانه، وحرصًا على بقاء المودة والمحبة، وعلى صلة الرحم، من أفضل القربات، ومن أجل الطاعات، وقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: «يقول الله: وجبت محبتي للمتزاورين فيَّ، والمتجالسين فيَّ، والمتحابين فيَّ، والمتباذلين فيَّ» (1)، وقال عليه الصلاة والسلام: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله، اجتمعا على ذلك، وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال؛ فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها؛ حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا؛ ففاضت عيناه» (2).
هذا الحديث العظيم يدل على فضل التحاب في الله، ومن جملة التحاب في الله التزاور لتثبيت المودة، والتعاون على الخير، والتواصي بالحق.
فإن الهوى داع إلى التحاب فِي غير الله؛ لما فِي ذلك من طوع النفس أغراضها من الدنيا، فالمتحابان في الله جاهدًا أنفسهما فِي مخالفة الهوى حَتَّى صار تحابهما وتوادهما في الله من غير غرض دنيوي يشوبه، وهذا عزيز جدًا.
ولن يتحابا في الله حَتَّى يجتمعا فِي الدنيا فِي ظل الله المعنوي، وهو تأليف قلوبهما على طاعة الله، وإيثار مرضاته وطلب ما عنده، فلهذا اجتمعا يوم القيامة في ظل الله الحسي (3).
وفي الصحيح: «أن رجلًا زار أخا له في قرية أخرى، فأرصد الله له، على مدرجته، ملكًا فلما أتى عليه، قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه من نعمة تربها؟ قال: لا، غير أني أحببته في الله عز وجل، قال: فإني رسول الله إليك، بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه» (4)، فهذا يدل على فضل التزاور في الله للقريب والصديق، ثم في زيارة القريب صلة رحم أيضًا، وفي الحديث الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام: «من أحب أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أجله؛ فليصل رحمه» (5)، فصلة الرحم من أفضل القربات، وقطيعتها من أقبح السيئات (6).
ولما ترك الناس الزيارات، فاتهم خير كثير؛ ففضائل التزاور كثيرة، وآثارها غزيرة، لا سيما إذا كانت الزيارات لله، ويبتغى فيها الأجر من الله، فهي من القربات العظيمة، والأعمال الصالحة، فقد حث الشرع الحنيف على التزاور بين المسلمين، ومن فضائل الزيارات ما يلي:
1- الزيارات في الله سبب لنيل محبة الله تعالى؛ قال صلى الله عليه وسلم: «قال الله تبارك وتعالى: وجبت محبتي للمتحابِّين فيَّ، والمتجالسين فيَّ، والمتزاورين فيَّ، والمتباذلين فيَّ» (7).
2- الزيارات في الله سبب لدخول الجنة؛ فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من عاد مريضًا أو زار أخًا له في الله، ناداه منادٍ: أن طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلًا» (8).
3- الزيارات في الله تقوِّي المحبة في الله بين المسلمين، وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم منزلة المتحابين في الله، فقال صلى الله عليه وسلم: «قال الله عز وجل: المتحابون في جلالي لهم منابر من نور، يغبِطهم النبيون والشهداء» (9).
4- والمحبة في الله من أسباب الحصول على حلاوة الإيمان؛ كما في الحديث: «ثلاث من كُنَّ فيه، وجد بهن حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يُقذف في النار» (10).
وقد نقل البغوي رحمه الله عن الحسن البصري رحمه الله أنه قال: استكثروا من الأصدقاء المؤمنين؛ فإن لهم شفاعة يوم القيامة (11).
ولقد جرت العادة أن تخصص المرأة فترة لاستقبال صديقاتها، أو زيارتهن على اختلاف في طريقة الزيارة أهي دورية منظمة أم عفوية؟ ولو سئلت غالبية النساء عن الهدف من هذه الزيارة؟ لكان أحسن ما يفصحن به: إنه التلاقي لقتل الوقت والتسلية ودفع السأم والملل عنهن.
ومن أضاع وقته فقد أضاع جزءًا لا يعوض من حياته، وجديرٌ أن تطول عليه حسرته، وهل الوقت للمرأة وحدها؟ أين حق الزوج والأولاد؟ ومتى تؤدي حقوق مجتمعها وأمتها الإسلامية؟
صحيحٌ أن الحياة مليئة بالمتاعب والصعاب وفي اللقاء تسلية ومؤانسة؛ لكن هل التسلية غاية من تشعر أنها على ثغر من ثغور الإسلام، فلا يؤتى من قبلها؟ أم هي غاية العابثات؟ أمَا وإن الترويح ضروري بين الفينة والأخرى فليكن على غير حساب الأخريات وأوقاتهن.
إن ما نعنيه أن نراعي واقعنا على أسس إسلامية لنستطيع النهوض من كبوتنا، وإلا ستبقى آمالنا سرابًا وأمانينا حلمًا نرجو أن يتحقق، وهيهات أن يتحقق بدون عمل وجهد وجهاد، قال تعالى: {والَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69].
إن العقوبات التي يوقعها الله في أمتنا ما هي إلا لتخاذلنا عن نصرة ديننا وعدم القيام بواجبنا، والانهزامات التي أصابتنا قد ساهمت بها المرأة من حيث لا تدري، يوم بدأ دورها ينحسر وتخلت عن القيام بواجبها كما ينبغي في التربية والتنشئة والتعليم.
وهذه الحقيقة المؤلمة التي تدمي القلب وتحز في النفس، تدفعنا في الوقت نفسه إلى الاستفادة من أوقاتنا للقيام بمهمتنا التي سنسأل عنها: «والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها» (12).
قال ابن بطال: كل من جعله الله أمينًا على شيء، فواجب عليه أداء النصيحة فيه، وبذل الجهد في حفظه ورعايته؛ لأنه لا يسأل عن رعيته إلا من يلزمه القيام بالنظر لها وصلاح أمرها (13).
عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كانت الآخرة همه: جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه: جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدِّر له» (14).
ولقد قال تعالى مبينًا مدى الضيق والضنك، والعيش النكد الذي يكون به الغافل المعرض عن ذكر الله، وذلك في الدنيا قبل الآخرة: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا ونَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وكَذَلِكَ اليَوْمَ تُنسَى (126)} [طه: 124- 126].
فلنجعل غايتنا رضا الله تعالى، وسبيلنا اتباع شريعته، عندها: نشعر أنه لا فراغ يثقل على النفس ويجلب الهم والحزن، بل أوقاتنا معمورة بذكر الله وطاعته، والحياة كلها تصبح عبادة وقُربة، واستفادة من كل لحظة في حياة الإنسان عملًا بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناءك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك» (15).
وإن كان ابن الجوزي قد عجب من أهل زمانه وإضاعتهم للوقت فقال: رأيت عموم الخلائق يدفعون الزمان دفعًا عجيبًا، وإن طال الليل فبحديثٍ لا ينفع أو بقراءة كتاب فيه غزاة وسمر، وإن طال النهار فبالنوم وهم في أطراف النهار على دجلة، أو في الأسواق نشبههم بالمتحدثين في سفينة وهي تجري بهم وما عندهم خبر، ورأيت النادرين قد فهموا معنى الوجود، فهم في تعبئة الزاد للرحيل، إلا أنهم يتفاوتون، وسبب تفاوتهم قلة العلم وكثرته بما ينفق في بلد الإقامة (16).
فماذا نقول نحن عن الناس في زماننا؟ وقد أصبح العبث الفارغ أساس حياة أكثرهم، والتبرم بالحياة سببًا في أمراض نفسية غريبة، وصار الضيق والهلع من المجهول شبحًا يطارد ضعاف النفوس والإيمان؟
فكم من زيارة دلت على خير في الدنيا والآخرة مسحت بها المسلمة آلام أختها المصابة، تقوي عزيمتها، تشد أزرها وتدفعها إلى الصبر، تحس عندها حسن الظن بالله وقرب الفرج، تشاركها أفراحها، تعلمها ما تجهله من أمور الدنيا والدين، تتناصح وإياها وتتشاور لما فيه خيرها وخير المسلمين.
أما المخالطة العشوائية التي لا يأبه لها كثير من النساء: فما هي إلا مظهر من مظاهر انهزام المرأة وتخاذلها عن القيام بواجباتها الأسرية، وهروب من التبعات المنزلية، لتمضي مع صويحباتها فترة لهو ولغو، وهي حالة مرضية من حيث الهدف والمضمون.
فحري بنا أن نسعى حثيثًا للعلاج قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله، {ويَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا ويْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إذْ جَاءَنِي وكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإنسَانِ خَذُولًا (29)} [الفرقان: 27- 29].
ولما للمرأة من مكانة عظيمة في توجيه الناشئة وغرس العقيدة الصافية في نفوس الأبناء، كان لا بد من محاولة جادة للاستفادة من وقتها وعدم إضاعته سدى في مجاملات تافهة، ومظاهر فارغة.
لقد كانت المرأة أما وزوجة خير عون على الخير لما تطلعت نحوه، وشر دافع نحو الخراب والدمار لما سعت إليه، كانت مطية للأفكار الهدامة في القرن العشرين، وستكون مشعل نور للأجيال إن تمسكت بعقيدتها ودينها.
وقفات قبل الخروج:
1- لتكن زيارتك خالصة لله تعالى، لا رياء ولا سمعة، ولا لتحقيق مصلحة دنيوية بحتة ولا لضياع الأوقات فيما يعود عليك بالندم والحسرات، فإنك موقوفة بين يدي الله تعالى، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أن رجلًا زار أخًا له في قرية أخرى، فأرصد الله تعالى على مدرجته ملكًا، فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية قال: هل لك عليه من نعمة تربها عليه؟ قال: لا غير أني أحببته في الله قال فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه» (17).
كون الزيارة خالصة لوجه الله لا يعنى عدم وجود منافع متبادلة بين الزائر والمزور خلال الزيارة، فالمهم أن تكون الزيارة مفيدة في طاعة الله؛ كإطعام الضيف وتبادل النصائح.
2- تذكري فضل الزيارة وما أعد الله عز وجل للمتزاورات من الأجر العظيم كما بينا سابقًا.
3- احرصي على زيارة أهل الخير والصلاح اللاتي يذكرنك بالله تعالى، ويشحذن الهمة للمسارعة في الخيرات قال الله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الكهف: 28]، فالله غايتهم، يتجهون إليه بالغداة والعشي، لا يتحولون عنه، ولا يبتغون إلا رضاه، وما يبتغونه أجل وأعلى من كل ما يبتغيه طلاب الحياة.
اصبر نفسك مع هؤلاء، صاحبهم وجالسهم وعلمهم، ففيهم الخير، وعلى مثلهم تقوم الدعوات، فالدعوات لا تقوم على من يعتنقونها لأنها غالبة ومن يعتنقونها ليقودوا بها الأتباع ومن يعتنقونها ليحققوا بها الأطماع، وليتجروا بها في سوق الدعوات تشترى منهم وتباع! إنما تقوم الدعوات بهذه القلوب التي تتجه إلى الله خالصة له، لا تبغي جاهًا ولا متاعًا ولا انتفاعًا، إنما تبتغي وجهه وترجو رضاه (18).
وقال صلى الله عليه وسلم: «إنما مثل الجليس الصالح، والجليس السوء، كحامل المسك، ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحًا خبيثة» (19).
والمقصود منه النهي عن مجالسة من تؤذي مجالسته في دين أو دنيا، والترغيب في مجالسة من تنفع مجالسته (20).
وفيه إرشاد إلى الرغبة في صحبة الصلحاء والعلماء ومجالستهم؛ فإنها تنفع في الدنيا والآخرة، وإلى الاجتناب عن صحبة الأشرار والفساق؛ فإنها تضر دينًا ودنيا، قيل: مصاحبة الأخيار تورث الخير، ومصاحبة الأشرار تورث الشر؛ كالريح إذا هبت على الطيب عبقت طيبًا، وإن مرت على النتن حملت نتنًا، وقيل: إذا جالست الحمقى علق بك من حماقتهم ما لا يعلق لك من العقل إذا جالست العقلاء؛ لأن الفساد أسرع إلى الناس (21).
4- عليك بالاستئذان من ولي أمرك؛ سواء كان أبًا أو أمًا أو زوجًا، وطاعة الأخير أوجب وألزم، فلا يحل للزوجة أن تخرج من بيتها إلا بإذن زوجها، وإذا خرجت المرأة بغير إذن زوجها اعتبرت عاصية لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
وطاعة الزوج ليست تسلطًا منه، ولا امتهانًا للمرأة، وانتقاصًا لشخصيتها، إنما هي من طاعة الله تعالى والقربات إليه التي تثاب عليها ويجب أن تعتز بها.
5- اختيار الوقت واليوم المناسب للزيارة، فلا يكن الوقت في الصباح الباكر أو في وقت الظهيرة بعد الغداء أو في وقت متأخر من الليل، فإن وقت الصباح الباكر وقت نوم عند بعض النساء ووقت عمل عند أخريات، ووقت الظهيرة بعد الغداء هو وقت القيلولة، ووقت نوم واستراحة لأفراد الأسرة العاملين، والوقت المتأخر من الليل هو وقت السكون والراحة أيضًا وهو وقت خاص بأفراد الأسرة.
ويندب أن يحدد الوقت بكونه وقت العصر حيث تكون النساء قد فرغن من عمل البيت؛ ولكن في بعض الأحوال تكون الزيارة في أوقات أخرى حسب الظروف؛ فمثلًا المسافرات أو المسافرون لزيارة أٌقاربهم في بلاد بعيدة مسموح بوصولهم في أي وقت لعدم التحكم في مسار السفر.
6- تحديد موعد مسبق للزيارة، عن طريق الهاتف إن استطعت، وتجنبي الزيارات المفاجئة التي قد تسبب الضيق والإزعاج لصديقتك، خاصة إذا كانت صديقتك أو بيتها في حال أو في هيئة تكره أن يراها أحد عليها.
7- البسي عند الزيارة المعتدل من الثياب الذي لا شهرة فيه ولا مخيلة ولا تكبر، واحذري من اللباس غير المحتشم الذي يؤدي إلى تكشف العورة، وكذلك تسريحات الشعر المشبوهة المقلد فيها نساء الغرب الكافرات.
8- لا تتطيبي عند الخروج من البيت فقد قال صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة تطيبت، ثم خرجت إلى المسجد، لم تقبل لها صلاة حتى تغتسل» (22)، هذا في حق من خرجت قاصدة بيت الله لأداء فرض من فرائض الله، فما بالك بمن خرجت متعطرة ومتطيبة إلى الزيارة؟ بلا شك أن التحريم هنا أشد والعقوبة أقسى وأعظم؟ قال صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة استعطرت ثم خرجت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية وكل عين زانية» (23).
9- التزمي بالحجاب الشرعي الذي هو عبادة وليس عادة، فالحجاب للمرأة المسلمة هو مجموعة الأحكام الإلهية التي تحفظ للمرأة كرامتها وعفتها وحياءها وأنوثتها وتحفظ لها دينها، وتغطية وجه المرأة وشعرها هو أحد هذه الأحكام الشرعية الإلهية.
ومن شروط الحجاب الشرعي:
1- أن يكون ساترًا لجميع البدن.
2- أن يكون كثيفًا غير رقيق ولا شفاف.
3- ألا يكون زينة في نفسه أو مبهرجًا ذا ألوان جذابة يلفت الأنظار.
4- أن يكون واسعة غير ضيق، ولا يجسم البدن، ولا يظهر أماكن الفتنة في الجسم.
5- ألا يكون الحجاب مشابها لملابس الرجال.
أثناء الزيارة:
1- تجنبي كثرة المزاح، فإنه إذا تجاوز الحد أورث مقتًا واحتقارًا لصاحبه، وقد يملأ القلوب بالأحقاد إذا كان مزاحًا ثقيلًا وجارحًا لكرامة الشخص ولمشاعره، وإياك والمزاح المحرم المشتمل على الكذب والبذاءة وفحش الكلام، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له، ويل له» (24).
2- من الأدب أنك إذا تحدثت فليكن صوتك لطيفًا خفيضًا، وليكن جهرك بالكلام على قدر الحاجة، فإن الجهر الزائد عن الحاجة يخل بأدب المتحدث، ويدل على قلة الاحترام للمتحدث إليه، قال تعالى: {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان: 19]، أي اخفض منه ولا ترفعه عاليًا إذا حادثت الناس، فإن الجهر الزائد بالصوت منكر وقبيح قال ابن زيد: لو كان رفع الصوت خيرًا ما جعله الله للحمير (25)، وقال عاصم بن بهدلة الكوفي: دخلت على عمر بن عبد العزيز فتكلم رجل عنده فرفع صوته، فقال عمر: مه، كف، بحسب الرجل من الكلام ما أسمع أخاه أو جليسه (26).
إذا أشكل عليك شيء من حديث محدثتك، فاصبري عليها حتى تنتهي من الحديث ثم استفهمي منها بأدب ولطف وتمهيد حسن للاستفهام ولا تقطعي عليها كلامها أثناء الحديث، فإن ذلك يخل بأدب الاستماع، ويحرك في النفس الكراهة.
3- حاولي وأنت في بيت أختك أو صديقتك أن لا تتفقديه تفقد الفاحص الممحص، بل غضي بصرك في أثناء قعودك، قاصرة نظرك على ما تحتاجين إليه فحسب، ولا تفتحي مغلقًا من خزانة، أو صندوق، أو صرة ملفوفة، أو شيء مستور، فإن هذا خلاف أدب الإسلام والأمانة التي خولتك بها أختك أو محبتك دخول بيتها والمقام عندها.
4- حذار حذار حذار من الوقوع في فاكهة المجالس (الغيبة) قال الإمام النووي: فأما الغيبة فهي ذكرك الإنسان بما فيه مما يكره، سواء كان في بدنه، أو دينه، أو دنياه، أو نفسه، أو خلقه، أو خلقه، أو ماله، أو ولده، أو والده، أو زوجه، أو خادمه، أو مملوكه، أو عمامته، أو ثوبه، أو مشيته، أو حركته وبشاشته وعبوسه وطلاقته، أو غير ذلك مما يتعلق به، سواء ذكرته بلفظك أو كتابك، أو رمزت أو أشرت إليه بعينك أو يدك أو رأسك أو نحو ذلك، اقرئي كلام الإمام النووي مرة أخرى وقارني بينه وبين أغلب الأحاديث في الزيارات والمجالس النسائية، وتأملي قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات: 12].
5- اعلمي أن المجالس لها احترامها وحقها، فلا يحسن بالمرأة أن يصدر منها ما ينافي الذوق فيها، وما يبعث على الكراهة والاشمئزاز وذلك كأن تتجشأ في المجلس، أو تتثاءب، أو تتمخط، أو تبصق في حضرة غيرها ومن هذا القبيل تخليل الأسنان، وإدخال الأصبع في الأنف، وكثرة التنحنح، والقهقهة، والتمطي، والعبث بالشعر، ونحو ذلك فالذي يليق بالمرأة إذا جلست في المجلس أن تكون ذات هيبة وأدب ووقار، فذلك أكمل لأدبها، وأدعى لاحترامها وتبجيلها.
6- عليك بإصلاح ما قد يتلفه أطفالك من متاع أو أثاث في بيت المزارة أثناء الزيارة (إذا كان بالإمكان إصلاحه وقتئذ) وتنظيف أو إزالة ما قد يحدثه أطفالك من فوضى أو قذارة في بيتها حتى لا تشعر أنك ضيفة ثقيلة عليها أنت وأطفالك.
7- التحلي بخلق الإيثار، وهو أن تؤثري غيرك بالشيء مع حاجتك إليه قال الله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9]، والمؤثرة على نفسها تاركة لما هي محتاجة إليه فقد كان قيس بن سعد بن عبادة من الأجواد المعروفين حتى إنه مرض مرة، فاستبطأ إخوانه في العيادة، فسأل عنهم؟ فقالوا: إنهم كانوا يستحيون مما لك عليهم من الدين فقال: أخزى الله مالًا يمنع الإخوان من الزيارة ثم أمر مناديًا ينادي: من كان لقيس عليه مال فهو منه في حل فما أمسى حتى كسرت عتبة بابه، لكثرة من عاده إنه خلق الإيثار، وهو من أفضل أخلاق العباد وأشرفها وأعلاها.
8- الإصلاح بين المؤمنات: كما نجعل من زياراتنا مجالًا خصبًا للإصلاح بين الناس، فإن عمل الشيطان على إثارة العداوة بين المسلمات نزيلها بالإصلاح بينهن، فإن إزالة الخصام دليل سمو النفس التي تعمل على إشاعة المودة بين الآخرين، ليحل الوفاق محل الشقاق، والصلة مكان القطيعة، لذا كانت درجة من يصلح بين الناس أفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة التطوع لا الواجبة.
عن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟» قالوا: بلى، قال: «إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة» (27)، ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «هي الحالقة: لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين» (28).
ذلك أن الإفساد بين الآخرين يؤدي إلى القطيعة التي حرمها الشرع كما جاء في الحديث الشريف: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام» (29).
وقال صلى الله عليه وسلم منفرًا من الشحناء والقطيعة ومبينًا سخط الله تعالى على المتقاطعين حتى يصطلحا: «تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين، ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئًا، إلا رجلًا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال: انظروا هذين حتى يصطلحا ثلاثًا» (30).
فإن حصلت جفوة بين المسلمات نسارع إلى الإصلاح بينهن للتغاضي عن هفوة المخطئة، فإذا بالعيش صافيًا بعد كدر، والوداد عاد بعد الجفاء.
والواجب أن تقبل عذر من تعتذر، لا أن تشيح بوجهها بعيدًا عن أختها، إصرارًا على مواصلة القطيعة، وعدم قبول العذر: إذ من شرار الناس من لا يقبل عثرة، ولا يقبل معذرة كما بين الرسول صلى الله عليه وسلم: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبئكم بشراركم؟» قالوا: بلى إن شئت يا رسول الله، قال: «إن شراركم الذي ينزل وحده، ويجلد عبده، ويمنع رفده، أفلا أنبئكم بشر من ذلك؟» قالوا: بلى إن شئت يا رسول الله، قال: «من يبغض الناس ويبغضونه»، قال: «أفلا أنبئكم بشر من ذلك؟» قالوا: بلى إن شئت يا رسول الله، قال: «الذين لا يقبلون عثرة ولا يقبلون معذرة ولا يغتفرون ذنبًا»، قال: «أفلا أنبئكم بشر من ذلك؟» قالوا: بلى يا رسول الله: قال: «من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره» (31).
***
---------
(1) أخرجه أحمد (22030).
(2) أخرجه البخاري (660)، ومسلم (1031).
(3) فتح الباري لابن رجب (6/ 48).
(4) أخرجه مسلم (2567).
(5) أخرجه البخاري (5986)، ومسلم (2557).
(6) فضل زيارة الأقارب والإخوان/ الإمام ابن باز.
(7) سبق تخريجه.
(8) أخرجه الترمذي (2008).
(9) أخرجه الترمذي (2390).
(10) أخرجه مسلم (43).
(11) تفسير البغوي (6/ 120).
(12) أخرجه البخاري (893).
(13) شرح صحيح البخاري لابن بطال (7/ 322).
(14) أخرجه الترمذي (2465).
(15) أخرجه الحاكم (7846).
(16) صيد الخاطر (ص: 142).
(17) تقدم تخريجه.
(18) في ظلال القرآن (4/ 2268).
(19) أخرجه مسلم (2628).
(20) فيض القدير (2601).
(21) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (8/ 3136).
(22) أخرجه ابن ماجه (4002).
(23) صحيح الجامع (2700).
(24) أخرجه أبو داود (4990).
(25) الدر المنثور في التفسير بالمأثور (6/ 525).
(26) تاريخ دمشق لابن عساكر (25/ 224).
(27) أخرجه الترمذي (2509).
(28) أخرجه الترمذي (2509).
(29) أخرجه البخاري (6077).
(30) أخرجه مسلم (2565).
(31) أخرجه الطبراني (10775).