logo

المساواة بين الرجل والمرأة في الإسلام


بتاريخ : الاثنين ، 7 ربيع الأول ، 1444 الموافق 03 أكتوبر 2022
بقلم : تيار الاصلاح
المساواة بين الرجل والمرأة في الإسلام

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} [الحجرات: 13]، ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه خلق الناس من ذكر وأنثى، ولم يبين هنا كيفية خلقه للذكر والأنثى المذكورين ولكنه بين ذلك في مواضع أخرى أنه خلق ذلك الذكر -الذي هو آدم- من تراب، وقد بيَّن الأطوار التي مر بها ذلك التراب، كصيروريته طينًا لازبًا، وحمأً مسنونًا، وصلصالًا كالفخار.

وبيَّن أنه خلق تلك الأنثى التي هي حواء من ذلك الذكر الذي هو آدم فقال: {يَا أَيُهَا النَّاسُ اتقوا رَبَّكُمُ الذي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَآءً} [النساء: 1]، وقال تعالى: {هُوَ الذِّي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف: 189]، وقال تعالى: {خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [الزمر: 6].

قد دلت هذه الآيات القرآنية المذكورة على أن المرأة الأولى كان وجودها الأول مستندًا إلى وجود الرجل وفرعًا عنه، وهذا أمر كوني قدري من الله، أنشأ المرأة في إيجادها الأول عليه.

عن ابن عباس قال: خلقت المرأة من الرجل، فجعل نهمتها في الرجل، وخلق الرجل من الأرض، فجعل نهمته في الأرض، فاحبسوا نساءكم (1).

ولو أنه جعل بني آدم كلهم ذكورًا وجعل إناثهم من جنس آخر -من غيرهم- إما من جان أو حيوان، لما حصل هذا الائتلاف بينهم وبين الأزواج، بل كانت تحصل نفرة لو كانت الأزواج من غير الجنس، ثم من تمام رحمته ببني آدم أن جعل أزواجهم من جنسهم، وجعل بينهم وبينهن مودة: وهي المحبة، ورحمة: وهي الرأفة، فإن الرجل يمسك المرأة إما لمحبته لها، أو لرحمة بها، بأن يكون لها منه ولد، أو محتاجة إليه في الإنفاق، أو للألفة بينهما، وغير ذلك (2).

وقد جاء الشرع الكريم المنزل من الله ليعمل به في أرضه بمراعاة هذا الأمر الكوني القدري في حياة المرأة في جميع النواحي، فجعل الرجل قائمًا عليها، وجعلها مستندة إليه في جميع شؤونها كما قال تعالى: {الرِجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: 34].

فمحاولة استواء المرأة مع الرجل في جميع نواحي الحياة: لا يمكن أن تتحقق؛ لأن الفوارق بين النوعين كونًا وقدرًا أولًا، وشرعًا منزلًا ثانيًا: تمنع من ذلك منعًا باتًّا.

ولقوة الفوارق الكونية والقدرية والشرعية بين الذكر والأنثى: صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن المتشبه من النوعين بالآخر.

وقد ثبت في صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال» (3).

قال الطبري: فيه من الفقه أنه لا يجوز للرجال التشبه بالنساء في اللباس والزينة التي هي للنساء خاصة، ولا يجوز للنساء التشبه بالرجال فيما كان ذلك للرجال خاصة (4).

ولا شك أن سبب هذا للعن هو محاولة من أراد التشبه منهم بالآخر، لتحطيم هذه الفوارق التي لا يمكن أن تتحطم.

ولو تذكر الناس هذه الحقيقة، لتضاءلت في حسهم كل الفروق الطارئة، التي نشأت في حياتهم متأخرة، ففرقت بين أبناء «النفس» الواحدة، ومزقت وشائج الرحم الواحدة، وكلها ملابسات طارئة ما كان يجوز أن تطغى على مودة الرحم وحقها في الرعاية، وصلة النفس وحقها في المودة، وصلة الربوبية وحقها في التقوى.

واستقرار هذه الحقيقة كان كفيلًا باستبعاد الصراع العنصري، الذي ذاقت منه البشرية ما ذاقت، وما تزال تتجرع منه حتى اللحظة الحاضرة في الجاهلية الحديثة، التي تفرق بين الألوان، وتفرق بين العناصر، وتقيم كيانها على أساس هذه التفرقة، وتذكر النسبة إلى الجنس والقوم، وتنسى النسبة إلى الإنسانية الواحدة والربوبية الواحدة.

واستقرار هذه الحقيقة كان كفيلًا كذلك باستبعاد الاستعباد الطبقي السائد في وثنية الهند والصراع الطبقي، الذي تسيل فيه الدماء أنهارًا، في الدول الشيوعية، والذي ما تزال الجاهلية الحديثة تعتبره قاعدة فلسفتها المذهبية، ونقطة انطلاقها إلى تحطيم الطبقات كلها، لتسويد طبقة واحدة، ناسية النفس الواحدة التي انبثق منها الجميع، والربوبية الواحدة التي يرجع إليها الجميع.

والحقيقة الأخرى التي تتضمنها الإشارة إلى أنه من النفس الواحدة {خَلَقَ مِنْها زَوْجَهَا} كانت كفيلة- لو أدركتها البشرية- أن توفر عليها تلك الأخطاء الأليمة، التي تردت فيها، وهي تتصور في المرأة شتى التصورات السخيفة، وتراها منبع الرجس والنجاسة، وأصل الشر والبلاء.. وهي من النفس الأولى فطرة وطبعًا، خلقها الله لتكون لها زوجًا، وليبث منهما رجالًا كثيرًا ونساء، فلا فارق في الأصل والفطرة، إنما الفارق في الاستعداد والوظيفة..

ولقد خبطت البشرية في هذا التيه طويلًا، جردت المرأة من كل خصائص الإنسانية وحقوقها، فترة من الزمان، تحت تأثير تصور سخيف لا أصل له، فلما أن أرادت معالجة هذا الخطأ الشنيع اشتطت في الضفة الأخرى، وأطلقت للمرأة العنان، ونسيت أنها إنسان خلقت لإنسان، ونفس خلقت لنفس، وشطر مكمل لشطر، وأنهما ليسا فردين متماثلين، إنما هما زوجان متكاملان.

والمنهج الرباني القويم يرد البشرية إلى هذه الحقيقة البسيطة بعد ذلك الضلال البعيد (5).

لم يأتِ في القرآن أبدًا أن الله يأمر بالتسوية، لكن جاء: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} [النحل: 90]، {وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ} [النساء: 58].

قال الشيخ: وأخطأ على الإسلام من قال: إن دين الإسلام دين المساواة، بل دين الإسلام دين العدل، وهو الجمع بين المتساويين، والتفريق بين المفترقين.

ولهذا كان أكثر ما جاء في القرآن نفي المساواة: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9]، {هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} [الرعد: 16]؟ وكذلك لا يستوي الذكر والأنثى، {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى} [آل عمران: 36].

إن قضية المساواة بين الجنسين مرفوضة تمامًا، وإن المساواة حاصلة في بعض الجوانب، وأما في كل الجوانب فلا.

إن المساواة حاصلة بينهما في قضية الجزاء الأخروي ثوابًا وعقابًا، والمرأة تساوي الرجل في الأخذ بحقها، وسماع القاضي لها، المرأة تساوي الرجل في تملكها لمالها وتصرفها فيه، المرأة تستوي معه في قضية التراضي في الزواج فلا تكره على ما لا تريد.

هناك مساواة في كثير من العبادات والمعاملات، تتوضأ مثل الرجل، وتغتسل كغسله، وتصلي كصلاته، وتصوم كصيامه، لكن هناك فروق في حال الحيض والنفاس.

إنها تزكي كما يزكي، وتحج كحجه، لكن هناك فرق في بعض أحكام الحج.

إنها تبيع كبيعه، وتتصدق كصدقته، وتعتق كما يعتق.

فإذًا، هناك استواء في مجالات كثيرة، وأحكام متعددة، ولكن فوارق بين الذكر والأنثى، ولذلك لعن الشارع المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال، وهذه الحكمة في اللعن لأجل أن التشبه إخراج الشيء عن الصفة التي وضعت عليها من قبل الحكيم الخبير، وتغيير لخلق الله.

والله تعالى قال: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى (21) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (22)} [النجم: 21- 22]؛ لأن النصيبين لا يستويان، ولذلك لما نذرت امرأة عمران ما في بطنها لمسجد بيت المقدس، يكون خادمًا فيه على ظنها أنه ذكر، فلما وضعتها أنثى، وقعت في مشكلة: {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى} [آل عمران: 36]، وهي صادقة في كلامها لا شك.

والكفار يقولون: الذكر كالأنثى.

والله جعل فروقًا، فجعل القوامة للرجل، والنفقة عليه، هذه مقابل هذه: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34]، أي: لأن الرجال أفضل من النساء، والرجل خير من المرأة؛ ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال وكذلك الملك الأعظم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» (6)، وكذا منصب القضاء وغير ذلك.

فالرجل أفضل من المرأة في نفسه، وله الفضل عليها والإفضال، فناسب أن يكون قيمًا عليها، كما قال الله تعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} الآية [البقرة: 228] (7).

قال الإمام: اتفقوا على أن المرأة لا تصلح أن تكون إمامًا ولا قاضيًا، لأن الإمام يحتاج إلى الخروج لإقامة أمر الجهاد، والقيام بأمور المسلمين، والقاضي يحتاج إلى البروز لفصل الخصومات، والمرأة عورة لا تصلح للبروز، وتعجز لضعفها عند القيام بأكثر الأمور، ولأن المرأة ناقصة، والإمامة والقضاء من كمال الولايات، فلا يصلح لها إلا الكامل من الرجال، ولا يصلح لها الأعمى، لأنه لا يمكنه التمييز بين الخصوم (8).

أما المرأة فإنها راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، فحصر وظيفتها في بيت زوجها (9).

وقال النبي عليه الصلاة والسلام: «كل نفس من بني آدم سيد، فالرجل سيد أهله، والمرأة سيدة بيتها» (10).

قال الفخر الرازي: واعلم أن فضل الرجال على النساء حاصل من وجوه كثيرة: بعضها صفات حقيقية وبعضها أحكام شرعية؛ أما الصفات الحقيقية فاعلم أن الفضائل الحقيقية يرجع حاصلها إلى أمرين: إلى العلم وإلى القدرة.

ولا شك أن عقول الرجال وعلومهم أكثر، ولا شك أن قدرتهم على الأعمال الشاقة أكمل، فلهذين السببين حصلت الفضيلة للرجال على النساء في العقل والحزم والقوة، وإن منهم الأنبياء والعلماء، وفيهم الإمامة الكبرى والصغرى والجهاد، والأذان، والخطبة، والولاية في النكاح؛ فكل ذلك يدل على فضل الرجال على النساء (11).

قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء} [النساء: 34]، فهو قيم على المرأة، قال ابن كثير: هو رئيسها وكبيرها، والحاكم عليها، ومؤدبها إذا اعوجت (12).

فهناك رجال أفضل من نساء، ونساء أفضل من رجال، وهناك نساء في الجنة مراتبهن أعلى من مراتب رجال، ولكن القضية بالنسبة للدنيا، في المعيشة، فإن الرجل سيد المرأة لا يستويان في السيادة أبدًا.

السيادة والقوامة فيها تكليف للرجل بأن ينفق: {وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34]، والله قال: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: 228].

إذًا، هو يعلوها من ناحية تكاليف الدنيا والموقف، ومن ناحية المنزلة الدنيوية الرجل يعلو، ولا ينكر هذا إلا كافر {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}، {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء}.

وهذا هو الموضع الثاني وهو قضية درجة الرجل وهو: الذكورة؛ لأنها من جهة الخلقة أكمل وأقوى ولا شك، والأنوثة أضعف من الذكورة في الجملة، لا ينكره إلا مكابر.

وقد ذكر الله تعالى في كتابه: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى (21) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (22)} [النجم: 21- 22]؛ لماذا؟ لأنهم يعرفون أن الأنثى أضعف، ومن جهة الخلقة فيها نقص أكثر، {وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ مَا يَكْرَهُونَ} [النحل: 62]، {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ} [الزخرف: 17].

ولقد بين القرآن هذا التفاوت بين الجنسين في مواضع كثيرة، منها: قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ} وهم الرجال {عَلَى بَعْضٍ} وهن النساء، ومنها: قوله تعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}، وذلك لأن الذكورة في كمال خلقي، وقوة طبيعية، وشرف وجمال، والأنوثة نقص خلقي، وضعف طبيعي، كما هو محسوس مشاهد لجميع العقلاء، لا يكاد ينكره إلا مكابر في المحسوس، وقد أشار جل وعلا إلى ذلك بقوله: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف: 18]؛ فالأنثى تنشأ في الحلية، أي: الزينة -من أنواع الحلي والحلل- لتجبر بذلك نقصها الخَلْقي (13).

بل يقال: إن بعض ما جبل الله عليه الأنثى هو نوع من الكمال في حقها، وإن كان نقصًا في حق الرجال، ألا ترى أن الضعف الخَلْقي والعجز عن الإبانة في الخصام عيب ناقص في الرجال، مع أنه يعد من جملة محاسن النساء التي تجذب إليها القلوب (14).

هذا هو حكم الله القدري: أن الذكر ليس كالأنثى، وهذا حكم الأعلم بالحِكَمِ والمصالح ـ، هذا كلام الذي خلق الخلق، وعَلِمَ ما بينهم من التفاوت والاختلاف: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14]، وقد تفرع على ذلك: اختلاف بين الذكر والأنثى في جملة من الأحكام الشرعية، وإن كانا في الأصل سواء.

وهذا الاختلاف في الأحكام الشرعية بين الذكر والأنثى راجع إلى مراعاة طبيعة المرأة من حيث خلقتها، وتركيبها العقلي والنفسي، وغير ذلك من صور الاختلاف التي لا ينكرها العقلاء والمنصفون من أي دين، وليعلم المؤمن هاهنا قاعدة تنفعه في هذا الموضع وفي مواضع كثيرة، وهي: أن الشرع لا يمكن أن يفرق بين متماثلين، ولا يجمع بين متناقضين، وشأن المؤمن الحق أن لا يعارض الشرع بعقله القاصر، بل شأنه أن يتلمس الحكم من وراء ذلك التفريق، أو هذا الجمع.

ومن توهم من الجهال والسفهاء أنهما سواء فقد أبطل دلالة القرآن والسنة على ذلك:

أما القرآن فإن القاعدة التي نحن بصدد الحديث عنها دليل واضح على هذا، وأما السنة فإن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال ـ كما ثبت ذلك في البخاري من حديث ابن عباس (15).

فلو كانا متساويين لكان اللعنُ باطلًا، ومعاذ الله أن يكون في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لغو أو باطل.

صور من التفريق بين الرجل والمرأة:

وعَودًا على هذه القاعدة: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى}، فلنتأمل شيئًا من حِكَمِ الله تعالى في التفريق بين الذكر والأنثى في بعض الأحكام الشرعية، ومن ذلك:

1- التفريق في الميراث:

فلا يستريب عاقل أن سنة الله اقتضت أن يكون الرجل هو الذي يكدح ويتعب في تحصيل الرزق، وهو الذي يطلب منه دفع الميراث، والمشاركة في دفع الدية -عند قيام المقتضي لذلك- فالذكر مترقب دومًا للنقص من ماله، بعكس الأنثى فهي دومًا تترقب الزيادة في مالها: حينما يدفع لها المهر، وحينما ينفق عليها من قبل وليها.

يقول العلامة الشنقيطي: وإيثارُ مترقب النقص دائمًا على مترقب الزيادة دائمًا -لجبر بعض نقصه المترقب- حكمتُه ظاهرة واضحة، لا ينكرها إلا من أعمى الله بصيرته بالكفر والمعاصي (16).

2- التفريق في الشهادة:

وهذا نصت عليه آية الدين: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: 282]، كما دلت عليه السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبين أن سبب هذا هو نقصٌ في عقلها.

وهذا التفريق -لمن تأمله- عين العدل، يقول الشيخ السيد رشيد رضا: مبينًا هذا المعنى: إن المرأة ليس من شأنها الاشتغال بالمعاملات المالية ونحوها من المعاوضات، فلذلك تكون ذاكرتها فيها ضعيفة، ولا تكون كذلك في الأمور المنزلية -التي هي شغلها- فإنها فيها أقوى ذاكرة من الرجل، يعني أن طبع البشر ذكرانًا وإناثًا أن يقوى تذكرهم للأمور التي تهمهم ويكثر اشتغالهم بها، ولا ينافي ذلك اشتغال بعض النساء الأجانب في هذا العصر الأعمال المالية فإنه قليل لا يعول عليه، والأحكام العامة إنما تناط بالأكثر في الأشياء وبالأصل فيها (17) انتهى.

ولا يظنن أحدٌ أن في ذلك انتقاصًا لقدرها، بل هو تنزيهٌ لها عن ترك مهمتها الأساسية في التربية والقرار في البيت، إلى مهمة أقل شأنًا وسموًا، وهي ممارسة التجارة والمعاملات المالية!

وقد أشار فريق من الباحثين إلى أن المرأة الحامل ينكمش عندها حجم الدماغ، ولا يعود لحجمه الطبيعي إلا بعد أشهر من وضعها.

وليعلم أن هذا الحكم -أعني كون شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل- ليس مطردًا في جميع الأبواب، بل إنها مثل الرجل في بعض الأحكام، كشهادتها في دخول شهر رمضان، وفي باب الرضاع، والحيض، والولادة، واللعان وغير ذلك من الأحكام.

ونحن بحمد الله مؤمنون بحكم الله وقدره، ولا تزيدنا البحوث الحديثة إلا يقينًا، ونقطع بأن أي بحث يخالف صريح القرآن فنتيجته غلط، وإنما أتي صاحبها من سوء فهمه.

وليس هذا التفريق بين الذكر والأنثى كله متحيّز إلى الرجل، بل جاءت أحكام تفرق بينهما تفريقًا تميزت فيه المرأة، ومن ذلك: أن الجهاد لا يجب على النساء لطبيعة أجسادهن، فسبحان العليم الحكيم الخبير.

فإن دلالة العدل تقتضي أن يتولى الرجل ما يناسبه من أعمال، وأن تتولى المرأة ما يناسبها من أعمال، بينما كلمة مساواة: تعني أن يعمل كلٌ من الجنسين في أعمال الآخر!

ومدلول كلمة العدل: أن تعمل المرأة عددًا من الساعات يناسب بدنها وتكوينها الجسمي والنفسي، بينما مقتضى المساواة: أن تعمل المرأة نفس ساعات الرجل، مهما اختلفت طبيعتهما!

وهذا كلّه عين المضادة للفطرة التي فطر الله عليها كلًا من الرجل والمرأة!

ولهذا لما أصرت بعض المجتمعات الغربية على هذه المصادمة للفطرة، وبدأت تساوي المرأة بالرجل في كل شيء ذاقت ويلاتها ونتائجها المرة، حتى صرخ العقلاء منهم -رجالًا ونساء- وكتبَوا الكتب والرسائل التي تحذر مجتمعاتهم من الاستمرار وراء هذه المصادمة، ومن ذلك:

ما قالته أفيسون زعيمة حركة كل نساء العالم تقول: هناك بعض النساء حطمن حياتهن الزوجية عن طريق إصرارهن على المساواة بالرجل، إن الرجل هو السيد المطاع، ويجب على المرأة أن تعيش في بيت الزوجية، وأن تنسى كل أفكارها حول المساواة.

وهذه هيلين أندلين، وهي خبيرة في شؤون الأسرة الأمريكية تقول: إن فكرة المساواة -التماثل- بين الرجل والمرأة غير عملية أو منطقية، وإنها ألحقت أضرارًا جسمية بالمرأة والأسرة والمجتمع.

أما رئيسة الجمعية النسائية الفرنسية رينيه ماري فتقول: إن المطالبة بالمساواة الكاملة بين الرجل والمرأة تصل بهما إلى مرحلة الضياع، حيث لا يحصل أحد من الطرفين على حقوقه.

وهذه كلمات قالتها امرأة من أشهر دعاة الحرية والمساواة بين الرجل والمرأة في منطقة الخليج: سأعترف اليوم بأنني أقف في كثير من الأشياء ضد ما يسمى بـ (حرية المرأة) تلك الحرية التي تكون على حساب أنوثتها، على حساب كرامتها، وعلى حساب بيتها وأولادها، سأقول: إنني لن أحمّل نفسي –كما تفعل كثيرات– مشقة رفع شعار المساواة بينها وبين الرجل، نعم أنا امرأة!

ثم تقول: هل يعني هذا أن أنظر إلى البيت –الذي هو جنة المرأة– على أنه السجن المؤبد، وأن الأولاد ما هم إلا حبل من مسد يشد على عنقي؟ وأن الزوج ما هو إلا السجان القاهر الذي يكبّل قدمي خشية أن تسبقه خطوتي؟ لا، أنا أنثى وأعتز بأنوثتي، وأنا امرأة أعتز بما وهبني الله، وأنا ربة بيت، ولا بأس بعد ذلك أن أكون عاملة أخدم خارج البيت نطاق الأسرة، ولكن– ويا رب أشهد!: بيتي أولاً، ثم بيتي، ثم بيتي، ثم العالم الآخر (18).

وبعد هذا كله: فماذا يقال عمن سوّى بين الذكر والأنثى، والذي خلقهما يقول: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى}.

وإنك لا تتعجب أن يقع الرد لهذا الحكم القدري من كفار! أو ملاحدة! وإنما تستغرب أن يقع هذا من بعض المنتسبين لهذا الدين، والذين يصرحون في مقالاتهم وكتاباتهم بأن هذا الحكم كان في فترة نزول الوحي يوم كانت المرأة جاهلة لم تتعلم، أما اليوم فقد تعلمت المرأة، وحصلت على أعلى الشهادات! نعوذ بالله من الخذلان.

وهذا الكلام خطير جدًا؛ قد يكون ردّةً عن الدين؛ لأنه ردٌّ على الله تعالى، فإنه هو الذي قدر هذا الحكم، وهو الذي يعلم ما ستؤول إليه المرأة إلى يوم القيامة.

ثم إن التاريخ والواقع يكذب هذه المقولة من جهتين:

الأولى: أن تكوين المرأة النفسي والبدني (الفسيولوجي) لم يتغير منذ خلق الله تعالى أمنا حواء من ضلع أبينا آدم، وإلى أن يرث الله ومن عليها! ولم يربط الله تعالى ذلك بعلمٍ تتعلمه، أو بشهادة تحصل عليها.

والجهة الثانية لبيان خطأ هذه المقولة:

أن هذا الحكم يدخل فيه أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن وعلى رأسهن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وهن -بلا ريب- أعلم نساء هذه الأمة، وأتقاهن، ومع ذلك لم تتعرض واحدهن منهن على هذه الأحكام الشرعية التي سمعنها مباشرة من زوجهن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، بل قابلن ذلك بالانقياد والتسليم، والرضى والقبول، وجرى على هذا الهدي من سار على نهجهن من نساء المؤمنين إلى يومنا هذا.

ولعلي أختم هذه القاعدة بهذه القصة الطريفة، التي سمعتها من أحد الباحثين، وهو يتكلم عن زيف الدعوى التي تطالب بفتح الباب للنساء لكي يمارسن الرياضة كما يمارسها الرجال، يقول هذا الباحث وفقه الله: إن أحد العدائين الغربيين المشهورين تعرف إلى امرأة تمارس نفس رياضة العدو، فرغب أن يتزوجها، وتمّ له ما أراد، لكن لم يمض سوى شهرين على زواجهما حتى انتهى الزواج إلى طلاق! فسئل هذا العدّاء: لماذا طلقتها بهذه السرعة؟! فقال: لقد تزوجت رجلًا ولم أتزوج امرأة!! في إشارة منه إلى القسوة في التمارين -التي تتطلبها رياضة العدو- أفقدتها أنوثتها، فأصبحت في جسم يضاهي أجسام الرجال.

وصدق الله العظيم: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى}، فهل من مُدّكر (19).

الفوارق بين الرجل والمرأة ليست ظلمًا للمرأة:

لماذا يتصور دائمًا أن ثمّة صراع ثنائي ينقسم فيه الجنسين إلى ظالم ومظلوم أو قوي وضعيف؟ فالمسألة ليست كذلك، المسالة هي أن كل من الجنسين له وظائفه المنوطة به، وخصائصه التي يمتاز بها عن الآخر، فليس الهدف من التفريق بينهما أن يبتغي أحدهم ما عند الآخر من خصائص ومميزات، بل الهدف أن يعيش الإنسان في انسجام تام مع طبيعته التي جُبل وفُطر عليها، وأن يؤدي ما عليه من واجبات، ويتحمل ما عليه من مسؤوليات، فالعلاقة بين الرجل والمرأة مبنية على التكامل والتوافق لا على التقابل والتنافر.

يقول عبد الوهاب المسيري: أن ثمّة مرجعية مادية تتغلغل في الحضارة تاركة خلفها امرأة ترى بأن وظيفتها كربّة منزل أو عنصر من عناصر الأسرة ليس له أي أهمية؛ وذلك لأنه ليس له مردود مادي أو ثمن، فتسعى خلف حياة تتمركز هي فيها ويبدأ الصراع الأبدي بين الذكور والإناث ومحاولة كل منهم الهيمنة على الآخر (20).

الآثار المترتبة على نفي تلك الفوارق:

ذكر محمود الدوسري: أن فكرة المساواة بين الرجل والمرأة فكرة علمانية، تدعو إلى تحلل المرأة من الضوابط الشرعية، واتُّخذت ذريعة للقضاء على التكاليف الشرعية؛ حيث إن الدعوة إلى المساواة التماثلية بين الرجل والمرأة إبطال لهذه التكاليف، ويترتب على ذلك عدّة آثار:

- تغريب المجتمع ومسخه: ليصبح مجرد صورة من المجتمعات الغربية فيفقد هويته وأصالته.

- إقصاء الدين عن الحياة: والاستعاضة عنه بالقوانين الوضعية تخالف الشريعة وتهدم ثوابتها وقيمها.

- ضياع حقوق الأولاد والرجال.

- جواز ولاية المرأة في الولايات العامة (21).

الآثار المترتبة على الإيمان بتلك الفوارق:

أولًا: عندما يكون هناك إيمان وتسليم بالفوارق بين الرجال والنساء ورضا بكل ما كتب الله لهم وميز به بعضهم على بعض ستنتظم حياة المجتمع الإنساني، وهذا عين العدل.

ثانيًا: لا يجوز لمسلم ولا مسلمة أن يتمنى ما خص الله به الآخر من الفوارق، لما في ذلك من السخط على قدر الله، وعدم الرضا على حكمه وشرعه، وليسأل العبد ربّه من فضله، كما قال تعالى: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [النساء: 32]، فإذا كان هذا النهي عن مجرد التمني، فكيف بمن ينكر الفوارق الشرعية بين الرجل والمرأة، وينادي بإلغائها، ويطالب بالمساواة ويدعو إليها؟

إنه يمكن أن تعرف في أي مجتمع أكثر الأشياء قيمة لديه وقداسة عنده من خلال قوة ما يشرع ويطبق فيه من قوانين وأنظمة تحمي ذلك الشيء وتصونه من الفساد والضياع.

فلا تَعتبِر المرأة ما شُرع لها في هذا الدين من حجاب وأمور أخرى أنه احتكارًا لها وتضييقًا لحريتها كما يصّور لها البعض، بل لأن هذا الدين يعتبرها شيء ذات قيمة وقداسة.

والإسلام سبق كل الحضارات القديمة والحديثة، بحضارته الفذة التي استطاعت أن ترسم ملامح التوازن بين متطلبات الجسد والروح والعقل والعاطفة، بحيث وضعت المرأة في مكانتها المناسبة التي تحقق لها سعادة الدنيا والآخرة، ولن يكون ثمة حل لما تعانيه المرأة في أي مكان إلا بشريعة رب العالمين (22).

-----------

(1) تفسير ابن كثير (2/ 206).

(2) تفسير ابن كثير (6/ 309).

(3) أخرجه البخاري (5885).

(4) شرح صحيح البخاري لابن بطال (9/ 140).

(5) في ظلال القرآن (1/ 574).

(6) أخرجه البخاري (4425).

(7) تفسير ابن كثير (2/ 292).

(8) شرح السنة للبغوي (10/ 77).

(9) أخرجه ابن حبان (4490).

(10) صحيح الجامع (4565).

(11) تفسير الفخر الرازي (10/ 88).

(12) تفسير ابن كثير (2/ 292).

(13) أضواء البيان (3/ 498).

(14) أضواء البيان 3/ 501).

(15) أخرجه البخاري (5885).

(16) أضواء البيان (3/ 500).

(17) تفسير المنار (3/ 104).

(18) رسائل إلى حواء (3/ 85).

(19) القاعدة العاشرة: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى) / الكلم الطيب.

(20) قضية المرأة بين التحرير والتمركز حول الأنثى.

(21) الفوارق بين الرجل والمرأة/ شبكة الألوكة.

(22) عمل المرأة وموقف الإسلام منه (ص: 236).