الزينة وضوابطها
إن الله عز وجل أمر بني آدم بالتزين إذا أرادوا الذهاب إلى بيوت الله تعالى، قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:31]، ومعلوم أن المطالب بالذهاب
إلى المسجد والصلاة فيه وجوبًا هم الرجال، فالله عز وجل أمر الرجال بأخذ الزينة والاهتمام بالمظهر، أما في النساء فإن المولى عز وجل لم يوجه لهن مثل هذا النداء؛ بل وجه إليهن ما يفيد ضبط هذه الزينة، قال تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} [النور:31]، وقال تعالى: {غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} [النور:60]، فالمولى عز وجل لم يأمرهن بالتزين، وإنما أمرهن بضبط تلك الزينة، وحصرها على الزوج والمحارم فقط، كما في الآية الأولى.
وذلك لأن المرأة، بطبعها، قد جبلت على حب الزينة والتزين، والاهتمام بمظهرها، ودائمًا تحاول المرأة الظهور كأنها ملكة متوجة، فهي إن كانت بين قريناتها تريد أن تُرى الأجمل، وإن كانت في مناسبة عائلية بين النساء فهي تريد أن تكون الأنيقة والمتألقة، فالمرأة بطبعها تريد أن تكون فعلًا جميلة.
ولقد اهتم الإسلام بهذا الجانب اهتمامًا بالغًا؛ وذلك لأن هذا التشريع الرباني يعلم أن المرأة تهفو نحو الزينة؛ لذلك فقد أباح لها الذهب والحرير، ومعلوم أن الذهب والحرير محرم على الرجال، وكذلك أوجب عليها الإسلام التزين لزوجها، وجعله حقًا من حقوقه؛ بل جعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا التزين الجالب لسرور الزوج معيارًا ومقياسًا للمرأة الصالحة الخيرة.
كل هذا في التشريع الرباني؛ تلبية لرغبة المرأة، واستجابة لنداء الأنوثة بداخلها، ومكنون الأناقة في وجدانها، ومع هذا فإن التشريع الرباني لم يترك للمرأة الحبل على الغارب في مسألة الزينة؛ بل وضع لها الضوابط التي تحميها من مزالق الطريق، وتمنعها من التخبط في ظلمات الجاهلية الأولى، كما قال تعالى: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب:33].
لكن، وللأسف، بعض بنات المسلمين اليوم، وبعض نسائهم، لم يعدن منضبطات بتلك الضوابط التي وضعها الإسلام لزينة المرأة، فمع نظرة خاطفة لشوارع المسلمين اليوم، ترى كل ما هو مخالف لشرع المولى عز وجل، من تزين للمرأة في أبهى صور التزين، التي، في بعض الأحيان، لا يجوز إظهارها إلا للزوج!.
إن هذا الأمر لينبئ أن معيار الصواب والخطأ في مفاهيم هؤلاء النساء ليس شرع ربنا عز وجل؛ وإنما هو بيوت الأزياء وموديلات الموضة، التي تنبع أفكارها من بيوت الأزياء العالمية، التي تترأسها المؤسسة اليهودية الحاقدة على تلك الأمة.
لذلك كان لزامًا أن نوضح للمرأة المسلمة أن الزينة ليست على إطلاقها، وإنما لها قيود، فقد تكون الزينة فعلًا مباحًا حلالًا، لا غضاضة فيه ولا ملامة، وقد تكون الزينة حرامًا، وقد تكون الزينة واجبة.
الزينة المباحة:
وهي كل زينة رغب فيها الشرع الحنيف، فقد سمح للمرأة بلبس الحرير، ولا شك أنه من أفضل زينة المرأة، وكذلك رغب المرأة في العطر والتطيب ولبس الحلي، والاهتمام بالمظهر الخارجي كالاهتمام بالشعر وتمشيطه، وغير ذلك مما تتجمل به المرأة؛ لكن كل ما سبق مقرون ومرتبط ومقيد بأن يكون أمام المحارم فقط، وكذلك ألا يكون فيه إظهار لعورة المرأة التي لا يجوز إظهارها أمام محارمها، وإلا كانت هذه الزينة من الزينة المحرمة.
وعليه، فلو تزينت المرأة تلك الزينة المباحة؛ كالتطيب مثلًا، لكنها خرجت بهذا الطيب إلى قوارع الطريق تحولت تلك الزينة من الزينة المباحة إلى الزينة المحرمة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة استعطرت، ثم خرجت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية»(1).
وللأسف فإن هذا من أكثر ما تستهين به المرأة في تلك الأيام، "فالطيب أيضًا رسول من نفس شريرة إلى نفس شريرة أخرى، وهو من ألطف وسائل المخابرة والمراسلة، ومما تتهاون به النظم الأخلاقية عامة، ولكن الحياء الإسلامي يبلغ من رقة الإحساس ألا يحتمل حتى هذا العامل اللطيف من عوامل الإغراء، فلا يسمح للمرأة المسلمة أن تمر بالطرق، أو تغشى المجالس مستعطرة؛ لأنها، وإن استتر جمالها وزينتها، ينتشر عطرها في الجو، ويحرك العواطف"(2).
بل يعتبر الطيب من أخف أنواع الزينة التي تظهرها بعض النساء؛ بل قد تتعجب إذا علمت أن تلك المرأة إذا نُصحت في هذا الأمر تعللت بأنها تفعل ذلك لأن رائحة العرق كريهة، وهي تريد ألا تظهرها، فضلًا عن أن الله جميل يحب الجمال.
وما علمت تلك المرأة أن رائحة العرق الكريهة تلك ربما كانت أحب إلى الله عز وجل من رائحة العطر، فالنبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، فضلًا عن أن تلك المرأة لو اهتمت بنظافة جسدها، لما ظهرت هذه الرائحة أبدًا، وقد قيل: الماء أطيب الطيب المفقود.
كذلك إن أسرفت المرأة في تلك الزينة المباحة تحولت تلك الزينة إلى زينة محرمة، فمن النساء من تشتري الثياب الفاخرة ولا تلبسها سوى مرة واحدة، ولا شك أن هذا من الإسراف والتبذير، والله تعالى يقول: {وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام:141] وقال تعالى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ}[الإسراء:27].
الزينة المحرمة:
وهي كل زينة نهى عنها الشرع الحنيف وحذر منها، أو أوجب على فاعلها عقوبة، ومنها النمص، ووصل الشعر، وتفليج الأسنان، ومشابهة الكفار والرجال، وجعل رأس المرأة كأسنمة البخت المائلة، وللأسف ما أكثر هذه الزينة تلك الأيام.
فقص الشعر على وجه التشبه بنساء الكفار زينة محرمة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من تشبه بقوم فهو منهم»(3).
وكذلك تشبه المرأة بالرجل في قص الشعر يعتبر من الكبائر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال»(4).
كذلك وصل الشعر والزيادة عليه هو من الزينة المحرمة؛ لما ورد في الصحيحين: «لعن الله الواصلة والمستوصلة»(5).
ومن الزينة المحرمة أيضًا، والتي تعتبر من تغيير خلق الله تعالى، النمص وتفليج الأسنان، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله الواشمات، والمستوشمات، والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله»(6).
الزينة الواجبة:
وهي زينة المرأة لزوجها؛ حيث أن تزين المرأة لزوجها فيه زيادة للمحبة، ودوام للوئام بينهما، وفيه استقرار لحياتهما الزوجية، ومودة وسكن؛ فإن الزوج إذا رأى زوجته دائمًا ما تهتم به وتريد أن تظهر دائمًا أمامه بأفضل الزينة، فإن هذا لا شك يُفرح الزوج ويُبهجه؛ بل ويعفه أيضًا، فقد كثرت الفتن والمغريات هذه الأيام.
لذلك فإن من الواجب على المرأة أن تتزين لزوجها، وهذا حقه، وكذلك حتى تفوز تلك المرأة الصالحة بحديث النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: «خير النساء التي تسره إذا نظر»(7).
______________________________________________
(1) صحيح الجامع الصغير وزيادته، للألباني (2701).
(2) الحجاب، للمودودي، ص261.
(3) صحيح الجامع الصغير، للألباني (6149).
(4) المصدر السابق (5100).
(5) صحيح البخاري (5934).
(6) صحيح البخاري (5931).
(7) السلسلة الصحيحة، للألباني (1838).