ولا متخذات أخدان
عندما أسير في طرقات وشوارع مجتمعنا الإسلامي باحثًا عن كل ما يميز هذا المجتمع عن غيره، أجد بعض ما يميزنا نحن كمسلمين عن غيرنا من غير المسلمين، سواء كانوا في أوطاننا أو في غير أوطاننا، وكذلك إذا نظرت
باحثًا عن ما نتشارك به مع غيرنا من المجتمعات غير المسلمة، فإني أجد الكثير والكثير، لكن من أكثر الأشياء التي تحز في نفس المسلم هو رؤيته للفتاة المسلمة وقد تجردت من كل ما يميزها كمسلمة؛ لها كيانها الخاص، وشكلها الخاص، وطبعها الخاص، وخلقها الخاص، والذي تتميز بكل ما سبق عن أي فتاة أخرى غير مسلمة، حيث إن أكثر الفتيات المسلمات لم يتميزن عن غيرهن من غير المسلمات في أي شيء سوى غطاء للرأس، لا يمت إلى الحجاب بأي صلة.
ولم يصل الأمر إلى هذا الحد وفقط، فبعد تقليد الفتيات المسلمات لغيرهن في اللباس والمظهر والسمت، تعدى الأمر إلى الأخلاق، فأصبحت الفتيات المسلمات يقلدن الغرب في الأخلاق المذمومة، التي تأنف منها النفس السوية، وكذلك حرمها الإسلام ونهى عنها، ومن أشد تلك الأخلاق انتشارًا وظهورًا بين فتيات المسلمين هو الصداقة بين الشاب والفتاة.
إنني كمسلم لم أكن أتخيل في حياتي أن أرى هذا الكم الهائل من الفتيات اللاتي يقمن بعمل صداقات بين الشباب، تحت أي مسمى كان، فإذا ما سرت في الطريق لا يكاد يمر عليك دقائق معدودة إلا وتقع عينيك على مشهد لفتاة، في مقتبل العمر، وهي مبتسمة، تقف مع شاب تبادله الحديث، وقد يتطاول الأمر إلى أن يمسك كل منهما يد الآخر، ومن خلال هذا المشهد تستطيع أن تجزم بأن هذا الشاب ليس بأخيها أو أي من محارمها على الإطلاق.
إذًا هذه هي الصداقة بين الولد والبنت في شكلها الخارجي أمام الناس، حيث أصبحت الفتاة جريئة إلى الدرجة التي لا تبالي فيها بنظرات الناس إليها، ولا حتى احتمال أن يشاهدها أحد أقربائها، وهذه هي الطامة الكبرى، أن تصل الجرأة بالفتاة إلى هذا الحد الذي لا تخشى فيه الفتاة أحدًا.
إن الفتاة لم تصل إلى هذه الدرجة من الانحطاط الأخلاقي دون عوامل خارجية أثرت فيها وتأثرت هي بها، ففتاة تعيش في منزل لا ترى فيه الوالد إلا قبيل النوم، فهو في الصباح في العمل، ثم يأتي على موعد الغداء، وبعدها يستريح قليلًا، ثم يغادر إلى أصحابه يجلسون على المقهى حتى موعد النوم، وهكذا، والأم مشغولة بالمنزل وتنظيفه وترتيبه، ومتابعة المسلسلات والأفلام والأخبار وبرامج الطبخ وبرامج الرؤى والأحلام، فهي في وادٍ آخر تمامًا.
في مثل هذا المنزل الذي لا يقدر للتربية قدرها، ولا يعطي للفتاة المسلمة حقها من الرعاية والاهتمام والاحتواء، لا بد وأن تنساق خلف أي شيء يشبع داخلها هذا الشعور بفقدان الاهتمام والاحتواء والحب، الذي حُرمت منه بسبب إغفال والديها وإهمالهما إياها، وحينها تقع الفتاة ضحية لمن يلبي لها هذا الشعور، خصوصًا وأن الفتاة أصلًا لا تملك أي قاعدة تربوية تمنعها من الحديث مع غيرها من الشباب، فأساس الموضوع هو ضياع التربية الإسلامية في المنزل، فحلت محلها تلك المفاهيم الدخيلة على المجتمع المسلم، والتي ذاق ويلاتها المجتمع الغربي غير المسلم، وما الانحدار الأخلاقي الذي يعانون منه إلا نتاج لمثل تلك البدايات التي استطاعوا تصديرها إلينا.
إن الإسلام حريص كل الحرص على عفة المجتمع المسلم وطهارته، ومن ثم فإنه يجفف منابع الفتنة ويمنع منها، فلا علاقة صداقة أو حب أبدًا بين الفتى والفتاة إلا في حدود الزواج لا غير، قال تعالى: {وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} [النساء:25]، أي أن الفتاة المسلمة يحرم عليها اتخاذ الصديق، فالإسلام حين حرم مثل تلك العلاقات إنما حرمها لأجل الضرر المترتب عليها، حيث إن علاقة الصداقة بين الفتى والفتاة هي أول خطوات الشيطان التي يبدأها معهما، فقد ثبت، عبر الكثير من التجارب، أنه كلما زاد تعلق الفتى بالفتاة والفتاة بالفتى كلما ازدادت الرغبة الجسدية بينهما، وهذا أمر غريزي في الإنسان، ومن الصعب؛ بل من المستحيل، مقاومته؛ لذا فالإسلام يمنع أي ارتباط بين شاب وفتاة من بدايته، طالما أنه خارج إطار الزواج.
أيضًا حرم الإسلام مثل تلك العلاقات؛ لأن أكثرها لا ينتهي بالزواج، فقد يحدث الحب بينهما ثم لا يكون الزواج، وحينها ينكسر قلب الفتاة، ويتسبب لها بالكثير من المتاعب النفسية، والتي قد تؤدي بدورها إلى الأذى الجسدي، فهي قد تفكر في إيذاء نفسها، والحوادث كثيرة في هذا الشأن، إذن فالإسلام يحميها في هذا الشأن.
ثم عندما تتزوج رجلًا آخر فإنها أيضًا ستظل تتذكر ذلك الحب الأول، وستظل تقارن بين هذا الحب الأول الوهمي وبين الزواج وما فيه من مشاكل ومنغصات طبيعية تمر بها الحياة، وحينها تسقط في براثن المشكلات مع زوجها، من أجل كل هذا حرم الإسلام مثل تلك العلاقة.
إن الفتاة المسلمة التي تربت في بيت ملتزم بتعاليم الإسلام، فالوالد يقدر حجم المسئولية الملقاة على عاتقه، فهو يعلم أنه واجب عليه أن يعلم أبناءه تعاليم دينهم، وأن يرسخ فيهم قيم هذا الدين وشمائله، وكذا الأم فهي تعلم أنها الجناحان للوالد في مهمته، وهي الرقيب على أبنائه في غيبته، فالزوجة القانتة الحافظة للغيب، تراعي أبناءها وتوجههم، وتحوط بناتها وترعاهن وتوجههن وتسمع منهن وتنصحهن، وتتقرب إليهن كأنهن صديقات، يتبادلن مع بعضهن أطراف الأحاديث، ويتحدثن في كل شيء، حتى في أدق التفاصيل التي في كثير من الأحيان تطلب الفتاة لها جوابًا، ولن يكون هذا الجواب الأمين والصحيح إلا في جعبة الأم، بدلًا من أن تسأل الفتاة زميلة لها ويكون الجواب على غير المراد، ثم يفتح باب الشر هذا السؤال.
إن فتاة تربت في مثل هذا البيت المسلم، قولًا وعملًا، لا شك أنها لن تكون مثل تلك الفتاة التي تركها أهلها بدون تربية إسلامية حقيقة، تفعل ما تشاء دون رقيب أو ناصح، إذن فلابد من استشعار كل من الوالد والوالدة حجم المسئولية الملقاة على عاتقهما؛ حتى يستطيعا أن يُخرِجا للمجتمع المسلم جيلًا يستطيع حمل أعباء هذا الدين، فنحن نريد رجالًا يكونون نبراسًا في مجتمعهم، ونريد نساءً يَكُنَّ منارة في التربية والأخلاق وتخريج الأجيال.