logo

نفور الأبناء من المنزل


بتاريخ : الأحد ، 29 محرّم ، 1446 الموافق 04 أغسطس 2024
نفور الأبناء من المنزل

 

العملية التربوية عملية معقدة جدًا، ومُهمة أيضًا جدًا؛ إذ هي بناء للعقول، وتزكية للنفوس، وتهذيب للأخلاق، وإثراء للعلوم والفهوم، وحل للمشكلات، ومعالجة الأزمات، ومنع الاضطرابات، وتجاوز العقبات، وتلاشي النكبات والأزمات، جنبًا إلى جنب مع بناء الأبدان والأجسام، فهي عملية بناء متكامل بناء عقدي، وبناء علمي، وبناء خلقي، وبناء نفسي، وبناء جسدي. 

ولو كان هذا البناء يتم دون معوقات لكان صعبًا مضنيًا، فكيف إذا كان مع كل هذا العناء يقابله تحديات كبيرة جدًا، ووسائل هدم هائلة جدًا؛ في المدرسة والمعهد والجامعة، وفي البيئة والوسط والجوار، في رفقاء السوء، وكذا مخططات الأعداء والمتربصين، وفي وسائل الإعلام التي تعرض فيها الشهوات، وتثار فيها الشبهات، وفي الفن الهابط الذي يثير الغرائز، ويؤجج المشاعر، ويدعو للفواحش، ويروج للخيانات الزوجية والأخلاق الردية، والتصرفات غير السوية، ويصدِّر للشباب قدوات تنادي بأعلى صوتها أن القيمة ليست في العلم، ولا التدين، ولا الأخلاق ولا المروءة ولا الشرف، وإنما يعلو المجد كل ساقط ومنحرف، ويحصد المال كل تافه فاسق، أو بلطجي فاجر، أو لاعب فارغ.

وأما العلم والعلماء، والجادون والمخلصون فلا نكاد نرى لهم وجودًا كبيرًا على الشاشات، ولا في المقابلات ولا بين القدوات.. زد على هذا كله مداخل ووساوس الشيطان، وأهواء النفس الأمارة بالسوء.

إنه بحر متلاطم من المغريات والتحديات والمعوقات غرق فيه كثيرون، وهرب آخرون من خوض لججه، وقدم كثير من الآباء والأمهات استقالة تربوية، تركوا على إثرها أبناءهم ليواجهوا أمواجه ويقاسوا أهواله كما يقاسي اليتامى أهوال الحياة بعد موت أبيهم أو أمهم.. وهؤلاء أيضًا يتامى لكنهم يتامى تربية وإن كان آباؤهم أحياء.

واعلم أن الله عز وجل يحسن المكافأة لعبده على ما كان منه من رعايته لولده، فكما أحسن إلى ولده في الصغر، يجعلُ الله إحسانه نعمةً عليه حتى بعد موته، بل إن الذي يربي في الصغر، ويحسن تربية أولاده يرى بأم عينيه قبل أن يموت حسن العاقبة في ولده، ولهذا تجد من ربى ابنه على مكارم الأخلاق، ومحاسن العادات، وعلى ما يُرضي الله عز وجل إذا كبِر ورق عظمه، ووهن وأصابه المشيب والكبر، وجد ابنه بجواره يساعده ويقوم على شأنه، ويحفظ أمواله ويكون أمينًا، راعيًا، حافظًا، على أتم الوجوه وأحسنها، وهذه هي ثمرة العمل الصالح، وثمرة من ربى وتعب على تربية أبنائه.

أما من ضيع أبناءه فإن الله يريه في الحياة قبل الموت شؤم ما كان منه من التقصير، فيصيبه الكبر ويرق عظمه، ويجد من تعب الحياة وشظفها، فيأتي أبناؤه ليكيدوا له ويؤذوه ويذلوه ويروه سوء العذاب في الدنيا قبل الآخرة، وهذا كله من عواقب سوء التربية، نسأل الله السلامة والعافية.

أسباب نفور الأبناء من المنزل:

يتهرب بعض الأبناء من البيت أو الجلوس مع والديهم، ويميلون بالمقابل لمرافقة الأصدقاء، وغالبًا ما تتسم علاقة هؤلاء بوالديهم بكثير من النفور أو الاقتصار على الأمور الرسمية، فما هي أسباب هذا النفور، وما الدوافع التي تجعل الابن يفضل عدم رؤية والده وينكفئ على ذاته ويفضل التواصل مع أصدقائه وزملائه؟ 

- من أهم الأسباب التي أدت إلى النفور ومن أكثرها شيوعًا هي المشاكل الزوجية، فتجد الأم والأب كل يوم في نزاع مستمر مما يؤثر على الأبناء، فتجد الابنة ترضى بالزواج من أي شاب يتقدم لها دون السؤال عنه هروبًا من المنزل، والابن يدخل إلى عالم الرزيلة والمخدرات والصحبة السوء بسبب هروبه من البيت الملغم بالشقاق والنزاع.

إن حدوث المشاكل بين الزوجين أمر طبيعي، ولكن استمراريتها بشكل يومي له أثر على جميع المراحل العمرية؛ فتسبب العدوانية لدى الطفل، وعدم القدرة على التعبير، وعدم معرفة التعامل مع الآخرين وكثير من المشاكل.

فمن العشرة بالمعروف إذا وقع الخلاف بين الرجل والمرأة أن يحدد الخلاف بينه وبين امرأته، وأن يبين لها الخطأ إن أخطأت بأسلوبٍ بعيدٍ عن التعنيف والتقريع، أما أن يبادرها بالهجوم مباشرة قبل أن يبين لها خطأها، فإن هذا مما يقطع الألفة والمحبة ويمنع من العشرة بالمعروف؛ لأنها تحس وكأنها مظلومة، والأفضل والأكمل أن الرجل إذا عتب على امرأته شيئًا أن يتلطف في بيان خطئها (1).

عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت عليّ غضبى» قالت: فقلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: «أما إذا كنت عني راضية، فإنك تقولين: لا ورب محمد، وإذا كنت عليّ غضبى، قلت: لا ورب إبراهيم» قالت: قلت: أجل والله يا رسول الله، ما أهجر إلا اسمك (2).

إن النقاش وكشف السوءات والعورات بين الزوج والزوجة خاصة أمام الأبناء والبنات هذا ممن لا ينبغي، لأنه يفسد الألفة والمحبة، ويحرص الزوج والزوجة على ألا يتناقشا في هذه المواضيع أمام الأولاد؛ لأنه ثبت طبيًا بقول أهل الخبرة أنه يؤثر في نفسيات الأولاد أعظم التأثير، فإن الابن إذا رأى الحياة نكدة في وجه أبيه وأمه، تشتت ذهنه وعزب عنه رشده، وأصبح في حيرة وتنتابه بعض الوساوس والأمراض، ويتسلط عليه الشيطان في أمور لا تُحمد عقباها وهذا معروف، حتى إن أهل الطب يقررون أن بعض الأمراض النفسية هي بسبب المشاكل الزوجية بين الزوجين أمام الأولاد -الأبناء والبنات- وهذا من أعظم ما يؤذي خاصةً البنات، فإن البنات ضعيفات، وينبغي أن يُتقى الله فيهن، فلا يؤذي الزوج زوجته أمام بناته، ويقول لها الكلمات الجارحة يؤذيها ويسبها، والعكس فلا تؤذي الزوجة زوجها أمام أبنائه وتحتقره وتنتقصه، على كلٍ أن يتقي الله، وأن يعلما أنهما موقوفان بين يدي الله، وأن الله عز وجل يحاسبهما على ما يكون منهما، وإذا كان بينهما خلاف أو نقاش فليكن في حال العزلة والانفراد (3). 

- إيذاء الأب للأم التي هي بالنسبة للأبناء مصدر الحنان والعطاء فهم يحبونها بالفطرة، فالأبناء يكرهون الأب عند قسوته على الأم وخصوصًا أنهم لا يستطيعون الدفاع عنها فيزداد الكره لأبيهم ورغبتهم في البعد عنه. 

- إهمال الأبناء فلا اهتمام بتعليمهم ولا نفسياتهم ولا آلامهم، والاعتماد على الغير في تربيتهم، فيعيشون كالأيتام لا يحملون أي مشاعر تجاه الوالدين نتيجة بعدهم، وينتج عن ذلك زيادة كره الأبناء لهم والنفور من المنزل.

- سخرية الوالدين بالأبناء والاستهزاء بقدراتهم، فشخصياتهم تتكون منذ الصغر وتتشكل من خلال مواقف عدة، فالسخرية بهم والانتقاص من قدرهم مع الأيام تتراكم فتسبب الكره والبغضاء وتنتج شخصية مريضة وسلبية، كما أن بعض الآباء يعاملون الأبناء بجفوة وربما يقومون بضربهم ظنًا منهم أنهم يربونهم على الخشونة.

ويستعمل البعض مع أبنائهم كلمات غير مرغوب فيها على مسامع الطّفل، مثل كلمة "فاشل" أو "غبي"، وغيرهما من المصطلحات التي تترسّخ في أذهانهم، وتجعل شخصيّاتهم تأخذ منحىً سلبيًّا على المستوى النفسي، حيث يشعرون بعدم الثقة بالنفس، ما ينعكس على علاقتهم بالآخرين عند الكبر.

وللأسف بعض الآباء يستهزئون بأبنائهم أمام الغرباء أو حتى الأقارب، ويظنون أن هذا سيكون مجرد موقف عابر لن يتأثر به الطفل ولن تتأثر به شخصيته، أو ربما يظنون أن هذا سيصلح من شأنه لكن في الحقيقة أن الابن تتولد لديه مشاعر كراهية ونفور تجاه أبويه يكون من الصعب تغييرها.

- إجبار الأبناء على كلية أو تخصص أو وظيفة أو زواج والذي يولد الكراهية في قلوب الأبناء عند تقييد حريتهم وإكراههم على العمل، وهذا السلوك إذا كان بشكل متصل ومتتابع يبعث الكراهية في قلوب الأبناء تجاه ذويهم، ويكون دافعًا أساسيًا للنفور من البيت والبحث عن تحقيق هوياته وآماله بعيدًا عن الأسرة والتسلط والقهر والاجبار مع عدم مراعاة ميوله وتطلعاته واهتماماته.

- التفاضل بين الأبناء وعدم العدل بينهم، ولا يقتصر هذا على العطايا فحسب؛ بل يجب العدل بينهم بالمشاعر، فبعض الآباء يميز واحدًا من أبنائه عن غيره من أخواته؛ فيتولد بذلك البغض والكراهية بين الأبناء.

إن التفضيل يؤدي إلى مفاسد، أولها: أن يكون ضرر التفضيل على الوالد نفسه؛ فإنه ينشأ الأولاد على حقد وكراهية للوالد، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى بقوله في الحديث الصحيح لـ بشير بن سعد الأنصاري والد النعمان بن بشير: «أتحب أن يكونوا لك في البر سواء؟» قال: نعم... (4)، أي إذا كنت تريدهم أن يكونوا لك في البر سواء فاعدل بينهم، وكن منصفًا فيما تسدي إليهم. 

كذلك أيضًا من المفاسد التي تترتب على عدم العدل بين الأولاد هي: أنها توغر صدور بعضهم على بعض؛ ولذلك حصل ما حصل بين يوسف وإخوته؛ لأنهم قالوا: {لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا} [يوسف: 8]؛ ولذلك لا ينبغي أن يكون الوالد أو الوالدة في التصرفات والأعمال على تفضيل ولدٍ على ولد، وإنما يكون كلٌ منهما على تقوى الله عز وجل، فيجب أن يحسنوا إلى الجميع، سواءً كان ذلك التفضيل من الجانب المعنوي، أو الجانب الحسي المادي، فإذا أعطى الابن شيئًا، يعطي الأنثى كذلك.

وقد تكون هناك موجبات خاصة استثناها بعض العلماء من العدل، فقالوا: إذا كان أحد الأولاد يتعلم أو يقوم على أمر من الأمور المختصة به، يحتاجها لصلاح دينه أو دنياه، فلا بأس أن يخص بالعطية، إذا كان عنده عمل ومحتاج إليه، قالوا: لأنه من العدل أنه عندما يتفرغ للعلم أن يعان على تعلمه؛ لأنه تفرغ لهذا العلم الذي فيه نفعه، ونفع العباد، وهكذا إذا تفرغ لكي يتعلم حدادةً أو صناعةً أو نحو ذلك؛ فإن والده إذا أراد أن يعطيه من أجل هذا التعلم فله أن ينفق عليه على قدر حاجته، ولا يلزم بإعطاء الأنثى مثل ما يعطيه أو نصف ما يعطيه؛ لأن الأنثى لا تعمل كعمله، فلو أعطى الأنثى مثل ما يعطيك؛ فإنه في هذه الحالة قد ظلم الذكر؛ لأن الأنثى أخذت من دون وجه ومن دون استحقاق، وعلى هذا فإن الواجب على الوالدين، أو من حق الأولاد على الوالدين العدل، سواءً كان ذلك في الجانب المعنوي، أو الجانب المادي، وكان بعض العلماء يقول: ينبغي على الوالد والوالدة أن يراعيا أحاسيس ومشاعر أولادهم، فلا يحاول الوالد أن يميل إلى ولدٍ أكثر من الآخر أثناء الحديث، أو يمازحه ويباسطهُ أكثر من الآخر، وإنما يراعي العدل في جميع ما يكون منه من التصرفات لمكان الغيرة (5).

كل هذه الأسباب كفيلة أن تنفر الأبناء من المنزل مما يؤدي إلى ضياعهم، فمن الممكن أن يتجه الأبناء إلى أصدقاء السوء هربًا من المنزل، بالإضافة إلى المشاكل النفسية التي سوف تؤثر عليهم مستقبلًا، لذا على الوالدين أن يعاملوا أبناءهم معاملة حسنة، وأن تكون العلاقة بينهم علاقة صداقة لكسب قلوبهم، وبذلك عند حدوث أي مشكلة للأبناء سوف يتجهون لذويهم لانعدام الحواجز بينهم.

التفرقة في المعاملة بين الأبناء تدفع الابن إلى الشعور بالكره أو النفور من والديه، وبخاصة إذا كان هذا التمييز يعود لأسباب خارجة عن إرادة الطفل المنبوذ، كما أن التمييز بين الأبناء يؤدي بالضرورة إلى توتر العلاقة بين الأخوة.

- فساد أخلاق الوالدين، حيث يظنون أن أبناءهم في المراحل الأولى لا يدركون فيطلقون العبارات السيئة، أو يتصرفون بانحراف أو بشكل سيئ أمام أبنائهم ما يجعلهم يشعرون بالتناقض بين نصائح آبائهم وبين أفعالهم، ومن ثمّ يشعرون بالنفور منهم، ويرفضون تنفيذ أوامرهم.

الأب والأم اللذان يتسمان بالبخل العاطفي أو المادي يُفسدان مراحل الطفولة والشباب لدى الأبناء، فما يشعر به الأبناء من قسوة وبخل يجعلهم ينفرون من آبائهم.

- عدم التقدير: فسعي الآباء إلى الكمال يجعلهم يضاعفون المسؤولية والحمل على أبنائهم، ولا يقبلون بأي تقصير أو خطأ مهما كان بسيطًا ويمكن تجاوزه، وفي المقابل لا يبدون إعجابهم بإنجازات أبنائهم التي ربما تكون عظيمة في نظر الابن وهنا تتهيأ عقلية الطفل ونفسيته للنفور من أبويه.

- التعامل عن بعد مع الأبناء: خصوصًا من الأب مع الأبناء، نظرًا لاعتقاد الأب بأن دوره هو توفير ما يحتاجه الطفل في البيت من طعام وملابس. 

مراحل نفور الأولاد:

تختلف مراحل نفور الأبناء من المنزل ومن الوالدين من شخص إلى آخر، حسب طبيعة كل واحد وتربيته والبيئة التي نشأ ويعيش فيها، والتقاليد والعادات التي تربّى عليها، ومن أهم هذه المراحل: 

الصدمة: في هذه المرحلة تبدأ العلاقة بين الأب والابن في التوتر، ويلاحظ الأب تمرّد ابنه وعصيانه، وغالبًا ما تنتهي هذه المرحلة بالإنكار، حيث إن الأب يأبى أن يُقر بفشله في تربية هذا الابن، ويدفعه الشعور بالصدمة إلى تجاهل الأمر مبدئيًّا أو إنكاره تمامًا.

الغضب: بعد تكرار الصدمات والمواقف التي تُؤكّد للأب نفور الابن منه، يبدأ الأب في الخروج من دائرة الإنكار والصدمة، ويظهر غضبه تجاه تصرفات ابنه، وتبدأ حدة العلاقة بينهما تزداد تدريجيًّا، وغالبًا ما تنتهي هذه المرحلة باليأس من الابن وفقدان الأمل في إصلاح ما فسد في العلاقة. 

المساومة: يبدأ الأب بعدما وضحت ملامح العلاقة بينه وبين ابنه بمساومة الابن على تلبية طلباته واحتياجاته مقابل تقديم الطاعة والانصياع للأوامر وتنفيذها، وربما يحدث أن الابن هو الذي يساوم والده على الطاعة، وأيًّا كان الطرف الذي يقدم المساومة ففي النهاية غالبًا ما تنتهي تلك المرحلة- أيضًا- بالفشل، وزيادة الخلافات بين الطرفين ويعود الأب للشعور باليأس من جديد.

الحزن والتسليم: بعدما بات الوضع بين الأب وابنه أمرًا واقعًا لا بُد منه ولا مفر، يلجأ الأب إلى الاعتراف وقبول ما وصلت إليه الأمور، لكن يلجأ الكثير من الآباء إلى محاولة تغيير هذا الوضع، فغالبًا ما تنتهي تلك المرحلة بالرغبة في البحث عن مخرج آمن من تلك الأزمة، ورغبة حقيقية في الإصلاح والتغيير.

الإصلاح: هنا يبحث الأب ويبذل ما في وسعه لمعرفة الأسباب وكيف يمكن أن يتعامل مع تلك الأزمة حتى لا تتفاقم ويستحيل حلها، بعدما أتعبه طول الشقاق والخلاف بينه وبين ابنه، ويسعى جديًّا إلى احتضانه من جديد وتقليص المسافات بينهما (6).

 ضبط انفعالات الآباء في مواجهة أخطاء الأبناء:

يحرص كلّ أب وأم على إقامة أسرة مستقرة وسعيدة، خالية من نفور الأبناء من المنزل والتحدث والتفاعل مع الأسرة، وفي سبيل ذلك لا بُد من وضع ضوابط تحمي العلاقة بين الطرفين من الدخول في نفق مظلم، ومن هذه الضوابط:

- تضع الأم نصب عينيها حقيقة أن الأطفال ليس لهم أي ذنب فيما تعانيه من ضغوط تجعلها متوترة وعصبية.

- عدم إهانة الطفل أو ضربة ضربًا مبرحًا أو الغضب على الصغيرة والكبيرة أمامه.

- لا بُد من أن ندرك أن أطفالنا لا يزالون في مرحلة استكشاف العالم من حولهم، ومن الطبيعي في هذه المرحلة أن يتمتعوا بالنشاط والانطلاق ويكون لديهم الكثير من الفضول والرغبة في الحركة المستمرة والنشاط.

- تجهيز مكان مناسب لهم بعيدًا عن الأشياء القابلة للكسر أو مصادر الخطر على حياتهم كي يلعبوا بأمان ودون أن تكون أعصاب والديهم متوترة ومشدودة.

إذا فشل الوالدان مرة أو اثنتين في التحكم في أعصابهم، يجب ألا ييأسوا أو يعتقدا أنهما فاشلان لكن يتدربا على الاتزان والهدوء.

من المهم أن تتبين الأم الجوانب الإيجابية في أولادها وتثني عليهم حين يفعلون شيئًا صحيحًا أو تلاحظ أنهم تعلموا من خطأهم ولم يكرروه، وتخبر والد الطفل أمامه أنه تصرف بطريقة صحيحة وتتباهى به معه كي تشجعه على الاستمرار في السلوك الجيد (7).

ومن الضروري أن يبتعد كل من الأب والأم عن التورط في شجارات عائلية أمام أعين أبنائهم.

ولا بد من احترام المرحلة العمرية والبيئة الثقافية للأبناء، وتشجيعهم دائمًا على حب الوالدين، والفخر بما يقوم به الآباء مع أبنائهم.

من المهم- أيضًا- توفير بيئة سعيدة لهم قدر المستطاع، ما يساعدهم على تجاوز الأزمات في لحظات الخلاف.

علاج نفور الأولاد من المنزل:

وبعد معرفة الآباء والأمهات أسباب نفور الأبناء من المنزل عليهم البحث عن طرق ووسائل هذه المشكلة، ومن ذلك: 

= منح الأبناء مساحة خاصة بهم من الاستقلال والحرية، لكن تحت مراقبة الوالدين غير المباشرة.

- لا ينبغي على الوالدين تفسير غضب الأبناء على أنها كراهية لكن ربما موقف عابر.

- التزام الوالدان بتعاليم الإسلام، فالابن يحب من أبيه أن يكون صالحًا ديّنا، وتقيًا، ومتصدقًا، وعابدًا، فيستشعر معه معاني بر الوالدين، ومعاني القرب من الله سبحانه ويجعله قدوة له، فإذا كان الأب فاسقًا مجاهرًا بالآثام تصاغر مكانه في قلبه وانقلب الحب كرهًا، وجاء بابًا له في الهروب من البيت.

- إبقاء خطوط الاتصال مفتوحة مع الأبناء، فهم يحتاجون دائمًا إلى التحدث عن مشكلاتهم التي يمرون بها مع آبائهم وأمهاتهم، ويحتاجون إلى الاستماع إليهم جيدًا، لذلك يمكن للآباء النزول إلى مستوى الأبناء بالفهم والحوار. 

- العدل بين الأبناء، فقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالعدل بين الأبناء ومعهم، فقال: «فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم» (8)، وذلك لأن الابن لو استشعر الظلم من أبيه أو أمه نبت في قلبه تجاههما نبت البغضاء والكراهية، فالظلم يطرد المحبة من القلوب. 

إعطاء الابن الأهمية كإنسان وابن يستحق الحب والإحساس بالأمان وإن أخطأ التصرف. 

على الآباء اعتماد نهج المصارحة، لأنها تساعد الأبناء على تمييز الصواب من الخطأ.

ومن الممكن أن يدعو الآباء أصدقاء أبنائهم إلى البيت بين فترة وفترة للتحدث والتعرف إليهم. 

إطلاق الألقاب الحسنة على الابن منذ صغره، وعدم السخرية أو الاستهزاء به أو بقدراته؛ حتى لا يتراكم لديه الكره والبغضاء، فيخرج إلى المجتمع شخصًا سلبيًا ومريضًا نفسيًا. 

تخصيص يوم في الأسبوع للعائلة للقيام بنشاطات مفيدة ومشتركة، كما يمكن تحديد يوم في الشهر لإسعاد شخص معين من الأسرة.

إن على الآباء والأمهات دورًا كبيرًا في احتواء الأبناء حتى لا ينفروا من البيت يومًا ما، وقد جاء في تحفة المولود لابن القيم رحمه الله قال: قال بعض أهل العلم: إن الله سبحانه يسأل الوالد عن ولده يوم القيامة قبل أن يسأل الولد عن والده، فإنه كما أن للأب على ابنه حقًا فللابن على أبيه حق، فكما قال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} [العنكبوت: 8]، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6] (9).

-----------

(1) فقه الأسرة (5/ 4)، بترقيم الشاملة آليًا.

(2) أخرجه البخاري (5228)، ومسلم (2439).

(3) فقه الأسرة (5/ 5).

(4) أخرجه ابن ماجه (2375).

(5) فقه الأسرة (4/ 7)، بترقيم الشاملة آليًا.

(6) نفور الأبناء من المنزل.. أسباب ومراحل وعلاج/ المنتدى الإسلامي العالمي للتربية.

(7) كيف ينجح الآباء في ضبط انفعالاتهم/ بوابة الأهرام.

(8) أخرجه البخاري (2587).

(9) تحفة المودود بأحكام المولود (ص: 229).