احتراف التواصل بين الأزواج
العلاقة الجسدية بين الأزواج في الفكر الإسلامي هي عبارة عن عاطفة جياشة ومشاعر راقية حقيقية، لا تنتهي بانتهاء لحظة الالتقاء الجسدي العملي، وإنما هي تقوم على أساس من المشاعر السامية، التي تجعل من التقاء جسدين كأنهما التقاء روحين ونفسين، يشتركان في حياة واحدة، وآمال واحدة، وكذلك آلام واحدة، ويبنون معًا مستقبلًا واحدًا، والمولى عز وجل قد عبر عن هذه العلاقة بين الزوج وزوجته تعبيرًا بليغًا جدًا، قال تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة:187]، فاللباس ألصق شيء ببدن الإنسان، فكما أن اللباس ألصق شيء بالجسد، فكذا الزوج والزوجة، كذا الروح والجسد لكليهما، فهما روح واحدة، وجسد واحد، وفي لحظة معينة يذوب أحدهما في الآخر فلا يعرف لهما حدود.
"إن اللقاء الجسدي، كجزء من الزواج، إذا لم يتم بين النفوس والقلوب أولًا، سيتحول إلى عذاب متبادل، يُعذب فيه كل طرف الآخر بدلًا من أن يمتعه؛ لأن تزاوج القلوب والنفوس يحول التواصل الجسدي إلى لغة للتعبير عن الحب بين الزوجين، يعبر فيها كل طرف للآخر بلغة الجسد عن حبه، عندما تعجز لغة الكلمات عن التعبير، أو استكمالًا للغة العيون، أو تسهيلًا للغة الآمال والأحلام والأفعال.
اللقاء الجسدي هنا ليس وظيفة أداء لواجب، أو تخلصًا من رغبة جسدية فاترة، بقدر ما هو أثر حقيقي مثالي لتوحد الأرواح في مشاعرها وعواطفها.
لذا فعلى كل زوجين أن يبحثا أولًا في الزواج النفسي، وكيف يطمئن كل طرف إلى الآخر وينجذب إليه؟ وكيف تلتقي الأرواح قبل الأجساد" [دراسات في النفس الإنسانية، محمد قطب، ص198-199، بتصرف].
إن النواحي العاطفية المحيطة بالعلاقة الجسدية الغليظة بين الزوجين بالغة الأهمية في تعميق العلاقة النفسية والوجدانية بينهما؛ وذلك لما في هذه الجوانب العاطفية من إزكاءٍ للشهوة، وجلب للسعادة، وبالتالي فهي تضيف روحًا من البهجة والمودة والرحمة على تلك العلاقة الزوجية.
وقد أشار القرآن الكريم إلى مثل هذه الأمور بقوله تعالى: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء:21]، "ويدع الفعل (أفضى) بلا مفعول محدد، يدع اللفظ مطلقًا، يشع كل معانيه، ويلقي كل ظلاله، ويسكب كل إيحاءاته، ولا يقف عند حدود الجسد وإفضاءاته؛ بل يشمل العواطف والمشاعر، والوجدانات والتصورات، والأسرار والهموم، والتجاوب في كل صورة من صور التجاوب، يدع اللفظ يرسم عشرات الصور لتلك الحياة المشتركة آناء الليل وأطراف النهار، وعشرات الذكريات لتلك المؤسسة التي ضمتهما فترة من الزمان، وفي كل اختلاجة حب إفضاء، وفي كل نظرة ود إفضاء، وفي كل لمسة جسم إفضاء، وفي كل اشتراك في ألم أو أمل إفضاء، وفي كل تفكر في حاضر أو مستقبل إفضاء، وفي كل شوق إلى خلف إفضاء، وفي كل التقاء في وليد إفضاء" [في ظلال القرآن، سيد قطب (1/606)].
نعم إنها اختلاجة حب، نظرة ود، لمسة جسم، إنصات محب، قبلة مشتاق، هذه هي الجوانب العاطفية التي تزكو بالعلاقة الجسدية، وتعلو بها إلى أعلى المراتب، واسمع إلى ابن القيم وهو يطرق مسامعنا بهذه الكلمات الماتعة الرائعة، في كتابه المبدع (روضة المحبين): «فإن صادف ذلك وجهًا حسنًا، وخلقًا دمثًا، وعشقًا وافرًا، ورغبة تامة، واحتسابًا للثواب، فذلك اللذة التي لا يعادلها شيء، ولا سيما إذا وافقت كمالها، فإنها لا تكمل حتى يأخذ كل جزء من البدن بقسطه من اللذة، فتلتذ العين بالنظر إلى المحبوب، والأذن بسماع كلامه، والأنف بشم رائحته، والفم بتقبيله، واليد بلمسه، وتعتكف كل جارحة على ما تطلبه من لذتها وتقابله من المحبوب، فإن فقد من ذلك شيء لم تزل النفس متطلعة إليه، متقاضية له، فلا تسكن كل السكون" [روضة المحبين ونزهة المشتاقين، لابن القيم، ص217].
إنها حواس خمس ينبغي لكل عضو من أعضائها أن ينال حظه من اللذة، فالنظر هو الذي يبعث المشاعر الأولى بين الزوجين، إلا فيما ندر، فالنظر رسول القلب، وعن طريقه ينجذب الرجل نحو المرأة، فيجب على المرأة أن تتزين لزوجها، وأن تجعل جسدها وبيتها وما حولها مرموقًا جذابًا ومثيرًا كذلك لزوجها، فتكون بحق إذا نظر إليها سرته، وبعثت في قلبه الفرح والطمأنينة، ولعل النبي صلى الله عليه وسلم عندما كان يرجع بالجيش ويقترب من المدينة، يبعث من يخبر أهل المدينة بقدوم الجيش؛ وذلك حتى تمتشط الشعثاء، وتستحد المغيبة.
فعلى كل امرأة أن تكون ذا فطنة في اكتشاف ما يلفت اهتمام زوجها، وما يحبه من اللباس وأنواع الزينة عليها، والتي تدعو الزوج إلى الرغبة فيها.
وكما أن الرجل يحب أن تتزين له امرأته، فكذا المرأة تحب أن يتزين لها الرجل، فيكون نظيفًا، مهندمًا، ذا رائحة طيبة، فقد كان صلى الله عليه وسلم أنظف الناس وأطيب الناس، لا تُشم منه إلا رائحة طيبة.
وأما اللمس، فهو يحمل معاني الود والمحبة، كما أنه يعطينا شعورًا بالطمأنينة والقرب والألفة، "فجلد المرأة وجلد الرجل كلاهما يحتاج اللمس، لكن هرمون الأستروجين الذي يجعل جلد المرأة أرق ينتج لديها حاجة لمس أكثر.
نعم، الرجل يحتاج اللمس بكل صوره، لكن المرأة، بخلقة الله، تحتاجه أكثر، والدراسات الكثيرة تؤكد أن الزوجة التي تتلقى صورًا عديدة من اللمس المعبرة عن المودة والحب؛ تصبح تجاعيدها أقل، ودورتها الشهرية أكثر انتظامًا، وقابليتها للإخصاب أقوى، وقدرة تحملها لضغوط الحياة أعلى.
فاللمس بشكل عام في الحياة الزوجية مهم جدًا، فالمرأة تحتاج صورًا عديدة من اللمس العام، ومن قال أن المرأة تحتاج للمسة الخاصة وفقط؟، المرأة تحتاج صورًا عديدة من اللمس العام، طبطبة الكتف احتياج، مسحة الرأس احتياج، التربيت على الظهر احتياج، أو غيرها من اللمسات، كلها احتياجات إذا لم تتوافر لا تدخل المرأة لحظتها الخاصة مرتاحة، ذلك لأن الجلد عامة، وجلد المرأة خاصة، مخلوق يتغذى طوال اليوم على اللمس بأنواعه المختلفة.
إن مشكلتنا مع اللمس أننا لا نملك ثقافة لمسية، ولا ندرك الأثر الفعال في إثارة المشاعر، سواء كان الإنسان لامسًا أو ملموسًا" [الزواج المثالي، فن دفلد، ص119-120، بتصرف واختصار].
وأما السمع فإنه يتأثر دائمًا بالصوت ونبرة الكلام، فهي وسائط الحب، "فصوت الزوجة وروعة إيقاعاته، مع قدرتها على التحدث بحديث الأنوثة والدلال، كل هذا من العوامل ذات التأثير الضخم على أحاسيس الرجل، فالزوجة التي تنتقي كلماتها، وتعرف متى تتكلم ومتى تصمت، وتعلم مواطن الضحك والتأوه والتهكم والهمهمة والأنين وما إليها من أصوات, هي المرأة التي تملك ثاني العوامل أهمية في إنعاش الزوج وإدخاله إلى دائرة جاذبيتها.
ذلك أن صوت الزوجة بالنسبة للزوج هو غذاء الحب, وهو يحمل بين طياته سحرًا عظيمًا وفريدًا، وهذا السحر كاف ليصل الزوج إلى قمة الشهوة الحسية" [حتى يبقى الحب، محمد بدري، ص 370)، باختصار].