logo

أرجوك... لا تقتل براءتها.


بتاريخ : الخميس ، 10 شعبان ، 1436 الموافق 28 مايو 2015
بقلم : تيار الإصلاح
أرجوك... لا تقتل براءتها.

من نعم الله، سبحانه وتعالى، علينا نعمة الزواج الذي جعله من آياته للمتفكرين في خلقه، سبحانه وتعالى، فقال عزّ من قائل: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21].

وبعث لنا محمدًا، صلى الله عليه وسلم، نبيًا ورسولًا وهاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وجعله قدوة لنا في التمسك بالآداب والقيم، وفي الالتزام بمنهج الله تعالى، حيث قال سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب:21].

وكان، صلى الله عليه وسلم، خير نبي لخير أمة، وخير قائدٍ لجنوده، وخير مربٍّ لأولاده، وخير زوجٍ لزوجاته، حيث علم الأزواج كيف تكون العشرة الطيبة فقال: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي»(1).

وكان هو نفسه، صلى الله عليه وسلم، مثال الزوج الصالح، فقد كان رحيمًا بزوجاته، عليمًا بطبائعهن، مقدرًا ومراعيًا لحاجاتهن، كبنات حواء، فلم يكن عنيفًا ولا قاسيًا ولا جبارًا ولا متسلطًا، بل كان الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والقلب الرحيم، العطوف الشفيق، كريم النفس والأخلاق، فهو صلى الله عليه وسلم يعلم أن الزوجة المسلمة تملك قلبًا رقيقًا، ووجدانًا حنونًا عطوفًا، وعندما تخطئ تلك الزوجة في حق زوجها، ثم يعاملها هو بالحسنى، ولا ينهرها ولا يضربها، فإنها تبادر إلى الاعتذار وإلى الاعتراف بالخطأ، وإلى العزم على عدم العودة، وذلك جزاء المعاملة الحسنة من الزوج.

ولا أدل على ذلك من مواقف النبي، صلى الله عليه وسلم، مع زوجاته، فعن أنس، رضي الله عنه، قال: كان النبي، صلى الله عليه وسلم، عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام، فضربت، التي النبي، صلى الله عليه وسلم، في بيتها، يد الخادم، فسقطت الصحفة فانفلقت، فجمع النبي، صلى الله عليه وسلم، فِلَق الصحفة، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة، ويقول: «غارت أمكم»، ثم حبس الخادم حتى أتي بصحفة من عند التي هو في بيتها، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كسرت صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت(2).

إني كلما أعيش هذا الموقف فإني أتخيل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كأنه تبسَّم تبسُّمِ المغضب عندما فعلت السيدة عائشة، رضي الله عنها، ذلك، ثم عاش حالتها النفسية، فعلم أن في نفوس النساء الغيرة الطبيعية على أزواجهن، فاستطاع النبي، صلى الله عليه وسلم، أن يتعامل مع الموقف وأن يبين ذلك قائلًا: «غارت أمكم».

إن مثل هذه المواقف إذا حدثت في يومنا هذا، لهدمت بيوت وأسر وزيجات، أو على أقل تقدير لكان الضرب والنهر.

إن الخطأ وارد من الزوجة، وهو أمر طبيعي متأصل في النفس البشرية، إذًا يجب أن تعلم كيف نتعامل مع أخطاء الزوجة حتى لا نقتل براءتها.

إن تأنيب الزوجة على كل هفوة، ونهرها على كل خطأ، فضلًا عن ضربها عند كل مشكلة، لهو أمر مريع مؤذن بتحول تلك البراءة في قلب ووجدان المرأة إلى قسوة وشدة، بل إلى بغض وكره، فأرجوك لا تقتل براءتها.

اخفض الجناح معها، وأظهر البشاشة لها، فالابتسامة تحيي النفوس وتمحو ضغائن الصدور، واستمع إلى نقد زوجتك بصدر رحب وبشاشة خلق، وأحسن إليها بالنفقة بالمعروف ولا تبخل عليها، وتذكر أن زوجتك تود الحديث معك في جميع شئونها فأرعِ لها سمعك، فهذا من كمال الأدب، ولا تعُد إلى دارك كالح الوجه عابس المحيّا.

إن ما بينك وبين زوجتك أسمى أن تدنسه لحظه غضب عارمة، فآثر السكوت على سخط المقال، فإن العفو عن الزلات أقرب إلى العقل والتقوى.

إن الزوج العزيز هو الذي يعز زوجته، والزوج الكريم هو الذي يكرم زوجته، والزوج اللئيم هو الذي يهين زوجته، فما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم.

إن المشكلة الأساسية في عدم المعاملة الحسنة مع الزوجة هو عدم قراءة نفس الزوجة قراءة صحيحة؛ فهي في بيت أبيها تعودت على أمور وعادات معينة، فيجب مراعاة ذلك ومحاولة تغييرها، إن كانت عادات سيئة غير حسنة، بأسلوب سهل بسيط، بالحكمة والموعظة الحسنة.

وقد تكون الزوجة صغيرة في السن، فهذه تحتاج إلى الدلال والمرح، أكثر من غيرها، فيجب على الزوج مراعاة ذلك، فعن عائشة، رضي الله عنها، قالت: «لقد رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يومًا على باب حجرتي والحبشة يلعبون في المسجد، ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، يسترني بردائه، أنظر إلى لعبهم»(3).

وقد تكون الزوجة ابنة حسب ونسب،وعندها فيجب معاملتها بما هي أهله، وليس في ذلك احتقار من شأن الزوج، بل هو إعلاءلمكانته عندها وعند أهلها.

إن نبينا، صلى الله عليه وسلم، هو من علم الدنيا كلها معنى احترام المرأة، والحفاظ عليها، واحترام مشاعرها، فعن صفية بنت حيي، أن النبي صلى الله عليه وسلم حج بنسائه، فلما كان في بعض الطريق، نزل رجل، فساق بهن، فأسرع، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: «كذاك سوقك بالقوارير»، يعني النساء،. 

فبينا هم يسيرون، برك بصفية بنت حيي جملها، وكانت من أحسنهن ظهرًا، فبكت، وجاء رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حين أخبر بذلك، فجعل يمسح دموعها بيده، وجعلت تزداد بكاء وهو ينهاها(4).

إنه لموقف جميل من الحبيب محمد، صلى الله عليه وسلم، مع زوجته حين مسح دمعتها بيده، ثم أمر الناس بالوقوف والنزول، علمًا بأنه لم يكن يريد أن ينزل.

ففي هذه القصة فوائد جمة وكثيرة، يستطيع كل زوجين أن يتعاملا مع هذا الموقف كدستور، ومنهج لحياتهم الزوجية، حتى تصبح سعيدة وجميلة.

فمسح الدموع بيد الزوج هو مواساة ودعمًا لعواطف ومشاعر الزوجة، علما بأن سبب البكاء قد ينظر إليه الزوج من ناحيته على أنه سبب تافه، فالدموع والبكاء من أجل بروك جمل يعد من أحسن الجمال، هذا هو السبب، ومع ذلك لم يحقر النبي، صلى الله عليه وسلم، مشاعر صفية وعواطفها، بل احترمها ودعمها وأنزل القافلة كلها من أجلها.

إن الدموع تكون غالية وثمينة إذا عرف كل طرف قدرها، وكم سمعنا عن دموع تنهمر من أزواج ومن زوجات، والطرف الآخر لا يقدر هذه الدمعة ولا يحترمها، بل ويتمني لو تنهمر من غير توقف.

إلا أن النبي، صلى الله عليه وسلم، مسح الدمعة بيده، وفي أثر تمرير اليد على الخد، معان كثيرة، فعلى الرغم من أنه مسافر، وذاهب إلى الحج، ونفسية المسافر دائمًا مستعجلة حتى يصل إلى مراده، ومع ذلك تريث النبي، صلى الله عليه وسلم، في التعامل مع عواطف المرأة ومشاعرها.

أيها الزوج، إن التعامل مع الزوجة ليس كالتعامل مع غيرها، لابد أن تراعي كل حركة، وكل سكنة، وكل كلمة تقولها لزوجتك، فربما تكسر قلبها بكلمة، وربما تنزع من قلبها حنانها تجاهك باستمرارك في تجاهلها، وربما أودعت قلبها بغضك وكرهك بنهرها وتأنيبها على كل صغيرة وكبيرة، وعندها تتحول تلك الزوجة، الحنونة الطيبة، رقيقة القلب، صافية الوجدان، محسنة الظن دائمًا، إلى وحش كاسر، وإلى قلب لا يحنو أبدًا، وإلى وجه يكاد لا يبتسم إليك، ولا حتى تصنعًا، فأرجوك لا تقتل براءتها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع:

  1. سلسلة الأحاديث الصحيحة، للألباني (285).
  2. صحيح البخاري (5225).
  3. صحيح البخاري (454).
  4. مسند الإمام أحمد (26866).

-         موقع: ملتقى الخطباء.

-         موقع: الإسلام.