وعاشروهن بالمعروف
جعل المولى, عز وجل, للرجل حق القوامة على المرأة, فهي تحت يده؛ لذلك أمره المولى, عز وجل, بالمعاشرة بالمعروف واستيفائها لكل حقوقها, من غير ظلم ولا إعضال, فاتقوا الله في النساء, لأنهن ضعفاء, فرفقًا بالقوارير,
وإنهن خلقن من ضلع أعوج, إذا جئت تقومه كسرته, فرفقًا بالقوارير, وهن من تركن بيوت آبائهن لأجل العيش في كنفك, فرفقًا, بالقوارير.
ولقد أمر المولى, عز وجل, الرجال بمعاشرة النساء بالمعروف حتى في حال الكراهة لهن, قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا } [النساء:19], والمقصود بالمعاشرة: المخالطة، والمصاحبة، وينبغي أن تكون هذهالمعاشرة بالمعروف, »أي طيبوا أقوالكم لهن، وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم كما تحب ذلك منها، فافعل أنت بها مثله، كما قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:228]«(1).
ثم ختَم الله الآية الكريمة بقوله: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء:19]؛ ليُبَيِّن أنَّه لا يصحُّ للرجال أن يسترسلوا في كراهية النِّساء إن عرضت لهم أسبابُ الكراهية؛ بل عليهم أن يُغَلِّبُوا النظرَ إلى المحاسن، ويتغاضوا عن المكارِه.
فمعنى الآية:إن وُجِد سببُ سوء المعاشَرة, وهو: الكراهية, فكرهتم صحبتهنَّ وإمساكهن، فتثبَّتوا ولا تتعجَّلوا في مفارقتهن بالطلاق، فإنَّه عسى أن تكرهوا شيئًا، ويجعل الله لكم في الصبر عليه خيرًا كثيرًا في الدنيا والآخِرة.
فجَعل الله العشرة بالمعروف فريضةً على الرجال حتى في حالةِ كراهية الزوج لزوجته، وجعَل للزوج في ذلك خيرًا كثيرًا.
سكينة ومودة:
»واعلم أنه ليس حسن الخلق معها كف الأذى عنها؛ بل احتمال الأذى منها والحلم عند طيشها وغضبها, اقتداءً برسول الله, صلى الله عليه وسلم, فقد كانت أزواجه تراجعنه الكلام وتهجره الواحدة منهن يومًا إلى الليل, وأن يزيد على احتمال الأذى بالمداعبة والمزاح والملاعبة, فهي التي تطيب قلوب النساء«(2).
وقال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21].
وفي هذه الآية, يُبَيِّن الله تعالى أنَّ مِن آياته العظيمة أن جَعَل بين الزوجين المودَّةَ والرحمة، وبيَّن أن النكاح مبنيٌّ على هذه الأصول: السكن، والمودَّة، والرحمة.
والسكينة هي الطمأنينة، والأُنس، والاستقرار؛ أي: لتألفوا بها، وتطمئِنُّوا إليها، فجعَل الله المرأة سكنًا للرجل يأوي إليها، ويطمئن بها، ويستقر عندَها، فبيَّن أنَّ البيوت ينبغي أن تُبْنَى على الطمأنينة والسكينة، وهو ما يؤدِّي إلى الاستِقْرار في الحياةِ الزوجية.
ثم بيَّن سبحانه أنَّ العلاقة بيْن الرجل وزوجه مبنيةٌ على المحبَّة، والمودة، والأُلْفة، فإنِ انتفى الحبُّ فلتكن العلاقة مبنيَّة على الرَّحْمة بها، والعطف عليها.
خيركم خيركم لأهله:
قال تعالى: {وَلا تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} ]البقرة:237]، حتى ولو كان نَقصًا في أحدِ الزوجين فإنّ النبي, صلى الله عليه وسلم, يقول: «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ»(3)، ويقول صلى الله عليه وسلم: »استوصوا بالنساء خيرًا«(4), وهذه الوصية من النبي, صلى الله عليه وسلم، أن نستوصي بالنساء خيرًا؛ لأنهن عوان عندنا، وأسيرات، فلا بد من إحسان العشرة معهن، ولذلك إذا طغى الزوج، أو بغى، أو كان فظًا، أو غليظًا، أو سيئ المعاملة، أو نابي الألفاظ، أو مقصرًا في النفقة، أو مقطبًا في وجه زوجته، أو لا يكلمها، ولا يعطيها اهتمامًا، ولا عطفًا، ولا حنانًا، فإنه بالتالي يكون مخالفًا، والمخالفة خطيرة، ولذلك ينبغي الرجوع إلى الكتاب والسنة.
وقد حث الإسلام على الالتزام بهذا الأمر، وجعل أكثر الرجال خيرية خيرهم لنسائهم، فقد قال عليه الصلاة والسلام: »أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم«(5).
وجاء في حديث ابن عباس, رضي الله عنه, عن النبي, صلى الله عليه وسلم, قال: »خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي«(6).
فالخيرية في طبقات الرجال من كان خيرًا لأهله؛ لأنه إذا كان معاشرًا بالمعروف لأقرب الناس إليه، ومن كانت خلطته دائمًا معها وهي زوجته وهو معها بشر وحسن خلق وحسن معاشرة, فمن باب أولى أن تكون علاقته مع الناس البعيدين حسنة، ومع الناس الذين يجدهم بين الفينة والفينة حسنة، ولذلك تجد القاعدة فعلًا مطردة، إذا كانت معاشرة الرجل مع زوجته حسنة، في الغالب تجد أن معاشرته مع جميع الناس حسنة.
ومما يؤكد وجوب المعاشرة بالمعروف للزوجة: التأسي بالنبي, صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله تعالى قال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21].
وماذا كان يفعل صلى الله عليه وسلم مع نسائه؟ كان جميل العشرة، دائم البشر، يداعب أهله، ويتلطف معهم، ويوسعهم نفقة، ويضاحك نساءه، حتى إنه كان إذا صلى العشاء، يدخل منزله يسمر مع أهله قليلًا قبل أن ينام، يؤنسهم بذلك, صلى الله عليه وسلم، ولذلك كره السمر بعد العشاء إلا مع الأهل أو الضيف وما شابه ذلك من الحاجة، ولذلك فإن مسامرة الرجل لأهله من السنة، وسمره مع زوجته من السنة.
وكان الصحابة, رضوان الله عليهم, من أفضل البشر بعد النبي, صلى الله عليه وسلم, في معاملة أزواجهن, فعن عنِ العِرباضِ بن سارية, رضي الله عنه, قال: سمعتُ رسولَ الله, صلَّى الله عليه وسلَّم, يقول: »إنَّ الرجلَ إذا سقَى امرأته مِن الماء أُجِر«، قال: فأتيتُ امرأتي فسقيتُها، وحدثتُها بما سمعتُ مِن رسول الله, صلَّى الله عليه وسلَّم«(7).
هذههي نظرة الإسلام العميقة للعلاقة الزوجية، اختصرتها هذه القاعدة القرآنية المحكمة: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء 19]، وكذلك: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة 228], فهي علاقة قائمة على المعاشرة بالمعروف، وعلى الصبر على ما قد يبدر من الطرفين من تقصير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تفسير ابن كثير (2/ 212).
إحياء علوم الدين للغزالي (2/43).
صحيح مسلم, (2672).
صحيح البخاري (5186), صحيح مسلم (1468).
مسند الإمام أحمد (10106).
سنن الترمذي (3895).
صحيح الترغيب والترهيب, للألباني (1963).