logo

الزوج المسافر


بتاريخ : الثلاثاء ، 20 شعبان ، 1438 الموافق 16 مايو 2017
بقلم : تيار الاصلاح
الزوج المسافر

من أهم مقاصد الزواج عفة الزوج والزوجة عن الحرام، والذرية التي تتربى في ظل الأسرة المستقرة، فكما أن له حقًا في اتصاله بها كذلك هي لها حق في الاتصال به، وإن كان الحياء يكفها عن المطالبة به بطريق مباشر في غالب الأحيان، فهي مثله مخلوق بشري، تتحرك فيه الغريزة، والزواج هو الفرصة المشروعة لتلبية ندائها، ومن هنا لم يرض النبي صلى الله عليه وسلم عمن عزم ألا يتزوج.

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أُخبِروا كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال: «أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله، إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني»(1).

وعن عبد الله بن عمرو قال: أنكحني أبي امرأة ذات حسب، فكان يتعاهد كنته، فيسألها عن بعلها، فتقول: نعم الرجل من رجل لم يطأ لنا فراشًا، ولم يفتش لنا كنفًا منذ أتيناه، فلما طال ذلك عليه ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «القني به»، فلقيته بعد، فقال: «كيف تصوم؟» قال: كل يوم، قال: «وكيف تختم؟»، قال: كل ليلة، قال: «صم في كل شهر ثلاثة، واقرأ القرآن في كل شهر»، قال: قلت: أطيق أكثر من ذلك، قال: «صم ثلاثة أيام في الجمعة»، قلت: أطيق أكثر من ذلك، قال: «أفطر يومين وصم يومًا» قال: قلت: أطيق أكثر من ذلك، قال: «صم أفضل الصوم صوم داود؛ صيام يوم وإفطار يوم، واقرأ في كل سبع ليال مرة» فليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذاك أني كبرت وضعفت، فكان يقرأ على بعض أهله السبع من القرآن بالنهار، والذي يقرؤه يعرضه من النهار، ليكون أخف عليه بالليل، وإذا أراد أن يتقوى أفطر أيامًا وأحصى، وصام مثلهن كراهية أن يترك شيئًا فارق النبي صلى الله عليه وسلم عليه(2).

وعن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء متبذلة، فقال لها: «ما شأنك؟»، قالت: «أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا»، فجاء أبو الدرداء فصنع له طعامًا، فقال: «كل؟»، قال: «فإني صائم»، قال: «ما أنا بآكل حتى تأكل»، قال: «فأكل»، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، قال: «نم»، فنام، ثم ذهب يقوم فقال: «نم»، فلما كان من آخر الليل قال سلمان: «قم الآن»، فصليا، فقال له سلمان: «إن لربك عليك حقًا، ولنفسك عليك حقًا، ولأهلك عليك حقًا، فأعط كل ذي حق حقه»، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «صدق سلمان»(3).

إن كلًا من الزوجين حين يبتعد أحدهما عن الآخر يحس بالفراغ، وينتابه القلق، ويتعطش للاطمئنان على نصفه الآخر، ويغذي هذا الشعور أمران؛ أحدهما يحتاجه الجسد، والآخر يحتاجه القلب، وإذا طال أمد البعد قوي ألم الفراق، وربما أورث مرضًا أو أمراضًا، وعند طلب العلاج قد يكون الزلل إن لم يكن هناك عاصم من دين وحصانة من أخلاق؟ وقد جاء في المأثور عن عبد الله بن دينار قال: خرج عمر بن الخطاب من الليل فسمع امرأةً تقول:

تطاول هذا الليل واسْودَّ جانبُه

وأَرَّقنــي ألَّا خليـــل ألاعبــــــــــــــــــــــــــــــه

فوالله، لــــــولا الله أنـــي أراقبــــــــــــــــــه   

لَحُرِّك من هذا السرير جوانبه

فسأل عمر رضي الله عنه ابنته حفصة: «كم أكثر ما تصبر المرأة عن زوجها؟»، فقالت: «ستة أشهر، أو أربعة أشهر»، فقال عمر: «لا أحبس الجيش أكثر من هذا»(4).

ولكن هل لهذا الإعفاف حد أو ميقات؟ الأقوال في ذلك كثيرة، يقوم أكثرها على الاجتهاد، لكن الأوفق أن يراعى في ذلك حال الزوج والزوجة، من وجود الداعي إليه والقدرة عليه وعدم المانع منه، فقد امتنع النبي صلى الله عليه وسلم عن نسائه شهرًا، وخَيَّرَهن بين البقاء معه والفراق، وينبغي ألا تزيد فترة البعد على أربعة أشهر، وهى المدة التي ضربها الإسلام لِلْمُولي من امرأته؛ أي الذي يحلف ألا يقربها، قال تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)} [البقرة:226-227]، فإنه يطالب بعد هذه المدة بأحد أمرين:

- الفيء؛ أي الرجوع عن حلفه، فيباشر زوجته.

- أو الطلاق؛ بل جعل أبو حنيفة الشهور الأربعة أجلًا لوقوع الطلاق، تطلق الزوجة بمجرد انقضائها إن لم يرجع إليها زوجها .

وإذا كانت الشريعة قد راعت مصلحة النفقة الزوجية للمرأة، وجعلت لها الخيار في طلب الفسخ لعدمها، وراعت كذلك حاجة المرأة الجنسية، وأوجبت الفراق بالإصرار على الإيلاء، فإن الذي ينبغي القول به أن كل تصرف من الزوج إذا اشتمل على مضرة، أو نفي مصلحة معتبرة شرعًا للمرأة موجب لإعادة النظر في استمرار العلاقة الزوجية بينهما، وذلك ضمانًا لحقوق المرأة الزوجية.

وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وحصول الضرر للزوجة بترك الوطء مقتض للفسخ بكل حال، سواء كان بقصد من الزوج أو بغير قصد، ولو مع قدرته وعجزه كالنفقة أولى، للفسخ بتعذره في الإيلاء إجماعًا»(5).

إن بُعد الزوج عن زوجته، حتى لو وافقت عليه حياءً أو مشاركة في كسب يفيدهما معًا، يختلف في أثره عليها، ولا تساوى فيه الشابة مع غيرها، ولا المتدينة مع غيرها، ولا من تعيش تحت رعاية أبويها مع من تعيش وحدها دون رقيب، وإذا كنت أنصح الزوجة بتحمل بعض الآلام، لقاء ما يعانيه الزوج أيضًا من بعد عنها فيه مصلحتهما معًا، فإني أيضًا أنصح الزوج بألا يتمادى في البعد، فإن الذى ينفقه حين يعود إليها في فترات قريبة سيوفر لها ولأولاده سعادة نفسية وعصمة خلقية لا توفرها المادة التي سافر من أجلها، فالواجب هو الموازنة بين الكسبين، وشرف الإنسان أغلى من كل شيء في هذه الحياة، وإبعاد الشبه والظنون عن كل منهما يجب أن يعمل له حسابه الكبير.

ولئن كان عمر رضى الله عنه بعد سؤاله حفصة أم المؤمنين بنته قد جعل أجل الغياب عن الزوجة أربعة أشهر، فإن ذلك كان مراعى فيه العرف والطبيعة إذ ذاك، أما وقد تغيرت الأعراف واختلفت الطباع، فيجب أن تراعى المصلحة في تقدير هذه المدة، وبخاصة بعد سهولة المواصلات وتعدد وسائلها.

ومهما يكن من شيء فإن المرأة إذا خافت الفتنة على نفسها بسبب غياب زوجها فلها الحق في رفع أمرها إلى القضاء؛ لإجراء اللازم نحو عودته أو تطليقها، حفاظًا على الأعراض، ومنعًا للفساد، فالإسلام لا ضرر فيه ولا ضرار.

فسفر الزوج بصورة متكررة يؤثر سلبًا على الحالة النفسية للزوجة والأطفال، ويزيد خطر إصابتهم بالكآبة، ووجد الباحثون أن مخاطر الإصابة بالتوترات النفسية والضغوطات العصبية زادت بنسبة أعلى بثلاث مرات بين زوجات الرجال الذين يسافرون باستمرار.

وبحكم الحالة التي تعيشها الزوجة، والمسئوليات الجسام التي تتحملها، تبدأ في الشعور بالتعب، ويمكن أن تدخل في حالة من الاكتئاب لكثرة الالتزامات الملقاة عليها، ولا تجد أي فرد من العائلة يعينها على مشقة الحياة.

وتلاحظ أن الزوج في حال تواجده في المنزل يعتمد أيضًا على الزوجة، ولا يكون له تأثير في الأسرة كما لو كان غائبًا، كما أن عمل الزوج بالخارج يفقد الزوجة أنوثتها، لقيامها بعمل الأم والأب في آن واحد، وسوف تزور الكثير من الأماكن لتنهي أعمالها واحتياجاتها؛ مثل: المدرسة، وسوق الخضار، وستتعامل مع عامل الغاز، ومقاول البناء، والكهربائي...، وكل أمر يحتاج إلى تعديل أو تصليح في المنزل.

انعدام الاستقرار:

فغياب الزوج عن الأسرة يُضاعف أعباء الزوجة حتمًا، وخصوصًا إذا ترك الزوج الغائب الأولاد في عهدة الزوجة، ويتأزّم الوضع أكثر في حال كان الأبناء في سن المراهقة، فمع كثرة المغريات يغدو ضبط سلوك الأولاد وممارسة الرقابة الوالدية أمرًا مهمًّا، ويصعب على المرأة القيام بالأمر وحدها، والصعوبة لا تتعلق بالمادة، فغياب الزوج يترك آثارًا نفسية سلبية جدًا على الزوجة والأولاد، ويترك فراغًا عاطفيًا لديهم.

يقول الشيخ جاد الحق علي جاد الحق، شيخ الأزهر الأسبق: «إن المبادئ التي يستند إليها‏ الحكم‏‏ تحرم شرعًا على الزوج الغياب عن زوجته سنة فأكثر بدون عذر مقبول متى تضررت، وعليه نقلها إليه أو الحضور إليها للإقامة معها»(6).

المقرر شرعًا أنه لا يجوز للزوج هجر زوجته، ومن أجل هذا أجاز بعض الفقهاء للزوجة التي يهجرها زوجها طلب التطليق للضرر، لما كان ذلك، فإذا كانت الزوجة متضررة من بُعد زوجها عنها؛ فإنه يحرم عليه شرعًا هجره لها مدة طويلة، ويجب عليه أن ينقلها إلى محل إقامته، أو أن يحضر للإقامة معها ولا يطيل غيبته عنها أكثر من سنة، وفاءً بحقها الشرعي عليه كزوجة، هذا فوق ما لها من النفقة الشرعية مدة غيبته عنها إذا لم يكن قد أنفق عليها أو وكل أحدًا بالإنفاق عليها.

فالواجب على الزوج أن يتقي الله في زوجته، وألَّا يغيب عنها غيبة طويلة يكون فيها خطر عليها من جهة الرذيلة والفساد الخلقي، ينبغي له أن يلاحظها وأن يعتني بها، وإذا أمكن أن يكون العمل في البلد التي هي فيه؛ حتى يكون عندها ويبيت عندها، يكون هذا هو الأصلح، وإذا لم يتيسر ذلك فينبغي له أن يلاحظها في الزيارة لها بين وقتٍ وآخر قريب؛ حتى لا يقع في أمر لا تحمد عقباه، وقد ورد عن عمر رضي الله عنه أنه حدد للجنود ستة أشهر، وهذا من باب الاجتهاد منه رضي الله عنه.

وقد ذكر العلماء أن هذا يختلف، فقد تكون الستة مناسبة، وقد يخشى على المرأة في أقل من ذلك، فينبغي للزوج أن يلاحظ حال زوجته وحال البلد التي هي فيه، وما حولها من الناس، فينبغي له أن يلاحظ سلامتها وأمنها إذا كانت الستة طويلة عليها وخطيرة، فينبغي له ألَّا يطول، وليتصل بها بين وقتٍ وآخر؛ كالشهر والشهرين، وأقل من ذلك، ومهما أمكن أن يكون قريبًا منها فهو الواجب، لا سيما في أوقات الخطر في هذه الأزمنة؛ لأنه كثر فيها الشر وقل فيها الأمن في غالب البلاد، وكثرت فيها الفواحش، ولا سيما المرأة إذا كانت وحدها فالخطر عليها عظيم، وإذا كانت عند أهلها المأمونين صار الأمر أقل خطرًا وأسلم، وعلى الزوج أن يلاحظ هذه الأمور وأن يتقي الله.

وإذا كان ولا بد من سفر فليجعلها في محل آمن عند أهلها، أو يكون عندها من المحارم أو النساء من يطمئن إليه؛ حتى يكون ذلك أقرب إلى السلامة، قد يكون في حاجة إلى طلب العلم، قد يكون في حاجة إلى طلب الرزق، ما عنده في بلاده مكسب، قد لا يتيسر له الستة، قد يكون العمل يحتاج إلى أكثر من ستة أشهر فيضطر إلى الزيادة، فينبغي له في هذه الحال أن ينقلها معه إذا أمكن، أو يجعلها في محل آمن(7).

الآثار النفسية لسفر الزوج:

لا شك أنها مشكلة حقيقية، علينا التوقف عندها لمعرفة أثرها وكيفية الخروج من هذا النفق المظلم، ومن التغيرات النفسية التي تحدث للزوج بسبب السفر:

1- العزلة:

حيث يجد نفسه في بلد غريب، يعيش في غرفته أو شقته وحيدًا، ويقضي ساعات طويلة، بعد الانتهاء من عمله، لا يكلم أحدًا ولا يكلمه أحد.

2- افتقاد الجو الأسري:

فلا زوجة تنتظره وتعد له الطعام وترعى احتياجاته، ولا أبناء يملئون البيت حيوية وحركة ومرحًا أو حتى صراخًا وعراكًا.

3- الحرمان العاطفي والجنسي والاجتماعي:

ففي حالة العزلة التي يعيشها لا يوجد أنيس، ولا توجد علاقة عاطفية حميمة، وحتى العلاقات الاجتماعية تكون غاية في الندرة.

4- كبت المشاعر مع ما يتبعه من مشكلات نفسية واجتماعية:

فالزوج المحروم هنا يحاول كبت احتياجاته حتى يستطيع أن يواجه حياته العملية الجديدة، وهذا الكبت لا يلغي هذه الاحتياجات، وإنما يدفعها إلى غياهب العقل الباطن (اللاشعور)؛ فتؤثر في الحالة النفسية والصحية بشكل غير مباشر، وربما تؤدي إلى اضطرابات نفسية أو جسدية.

5- تقلص الاهتمام بالأسرة في حدود احتياجاتها المادية:

فيصبح الدور الأبوي مختزلًا في دور الممول لهذه الأسرة، وتغيب الأدوار الأبوية الأخرى، من تربية وتوجيه ورعاية.

6- فقد العلاقة الطبيعية بالزوجة والأبناء، وبالتالي فقد التأثير فيهم:

وذلك بسبب بعده عنهم، وتراجع دوره الأبوي واختزاله.

7- حدوث فجوة بين مفاهيمه ومفاهيم زوجته وأبنائه:

نظرًا لاختلاف البيئة التي عاش فيها كل منهما.

8- احتمالات تحول مشاعره مع الوقت تجاه أخريات:

أو التورط في علاقات غير مأمونة، ويساعد على ذلك الإحساس بالوحدة والفراغ العاطفي، وغياب الرقابة الأسرية والاجتماعية على السلوك.

9- الشعور بغربة شديدة مع زوجته وأبنائه بعد العودة في إجازة أو بشكل نهائي:

لأنه مختلف عنهم في كل شيء، ولأنهم رتبوا حياتهم لسنوات طويلة بطريقتهم الخاصة بعيدًا عن تدخله.

التغيرات النفسية التي تحدث للزوجة بسبب سفر الزوج:

1- الحرمان العاطفي والجنسي والاجتماعي:

فغياب الزوج يعني غياب تلك العلاقة الحميمة، ويعني عزلة اجتماعية تفرضها أعراف وتقاليد وأخلاقيات على الزوجة التي غاب عنها زوجها.

2- كبت مشاعرها طول الوقت:

وما يتبع ذلك الكبت من ضعف المشاعر أو تشوهها أو تحولها إلى أعراض نفسية أو جسدية.

3- فقد الاهتمام بالأمور الأنثوية:

كالزينة، واستخدام العطور، والاهتمامات الشخصية الأخرى.

4- تحمل مسئولية البيت والأولاد بالكامل:

مع ما يتبع ذلك من شعور بالإرهاق، والعصبية الزائدة، وفقد السيطرة، والقلق الزائد.

5- الاسترجال والخشونة:

وذلك لمواجهة ضغوط المجتمع، وأيضًا لإحكام السيطرة على الأبناء، خاصة الذكور، في مرحلة المراهقة، وفقد الكثير من حنان الأمومة ورقتها بسبب الانشغال بالمسئوليات والخوف على الأبناء، وبسبب لعب دور الأب والأم معًا.

6- المبالغة في الخوف على الأبناء وفرض الحماية الزائدة عليهم.

7- حدوث فجوة في الاهتمامات والمفاهيم بينها وبين الزوج:

وهذه الفجوة تزداد مع الوقت، وتصل إلى درجة الإحساس بالغربة الشديدة بينهما.

8- الإحساس بالضيق من تدخلات الزوج الغريبة على أسلوب إدارتها للأسرة.

9- احتمالات تحول المشاعر والإحساس بالغربة، وأحيانًا الضيق والنفور تجاه الزوج حين يعود.

10- بعض الحالات تنتهي بالطلاق في حالة عودة الزوج النهائية(8).

ومن جميل القول في ذلك ما ذكره الشيخ عطية صقر في تلك المسألة؛ حيث قال: «إن بُعْد الزوج عن زوجته، حتى لو وافقت عليه حياءً أو مشاركة في كسب يفيدهما معًا، يختلف في أثره عليها، ولا تساوى فيه الشابة مع غيرها، ولا المتدينة مع غيرها، ولا من تعيش تحت رعاية أبويها مع من تعيش وحدها دون رقيب، وإذا كنت أنصح الزوجة بتحمل بعض الآلام لقاء ما يعانيه الزوج أيضًا من بعد عنها فيه مصلحتهما معًا، فإني أيضًا أنصح الزوج بألا يتمادى في البعد؛ فإن الذي ينفقه حين يعود إليها في فترات قريبة سيوفر لها ولأولاده سعادة نفسية وعصمة خلقية لا توفرها المادة التي سافر من أجلها، فالواجب هو الموازنة بين الكسبين، وشرف الإنسان أغلى من كل شيء في هذه الحياة، وإبعاد الشبه والظنون عن كل منهما يجب أن يعمل له حسابه الكبير.

ولئن كان عمر رضي الله عنه بعد سؤاله حفصة أم المؤمنين بنته قد جعل أجل الغياب عن الزوجة أربعة أشهر، فإن ذلك كان مراعى فيه العرف والطبيعية إذ ذاك، أما وقد تغيرت الأعراف واختلفت الطباع، فيجب أن تراعى المصلحة في تقدير المدة، وبخاصة بعد سهولة المواصلات وتعدد وسائلها»(9).

أما عند عدم رضا الزوجة بذلك فإنه لا يجوز للزوج التغيب عنها إلا بإذنها ورضاها، ويستثنى من ذلك المدة التي حددها الفقهاء وأجازوا للزوج أن يتغيب فيها عن زوجته، حتى وإن لم ترض.

ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: «الواجب على الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، لقول الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19]، وحق العشرة حق واجب على الزوج لزوجته وعلى الزوجة لزوجها، ومن المعاشرة بالمعروف ألَّا يغيب الإنسان عن زوجته مدة طويلة؛ لأن من حقها أن تتمتع بمعاشرة زوجها كما يتمتع هو بمعاشرتها، ولكن إذا رضيت بغيبته ولو مدة طويلة فإن الحق لها، ولا يلحق الزوجَ حرجٌ، لكن بشرط أن يكون قد تركها في مكان آمن لا يخاف عليها، فإذا غاب الإنسان لطلب الرزق وزوجته راضية بذلك فلا حرج عليه، وإن غاب مدة سنتين أو أكثر، وإذا لم تسمح له بذلك فإن عليه أن يرجع إليها كلما مضت نصف سنة، إلا أن يكون معذورًا بمرض أو نحوه(10).

وقال الشيخ ابن جبرين: «قد حدد بعض الصحابة غيبة الزوج بأربعة أشهر، وبعضهم بنصف سنة، ولكن ذلك بعد طلب الزوجة قدوم زوجها، فإذا مضى عليها نصف سنة وطلبت قدومه وتمكن لزمه ذلك، فإن امتنع فلها الرفع إلى القاضي ليفسخ النكاح، فأما إذا سمحت له زوجته بالبقاء، ولو طالت المدة وزادت على السنة أو السنتين فلا بأس بذلك، فإن الحق لها وقد أسقطته، فليس لها طلب الفسخ ما دامت قد رضيت بغيابه، وما دام قد أمن لها رزقها وكسوتها وما تحتاجه(11).

آلام الزوجة بغياب الزوج:

فتتألم الزوجة كل يوم بآلام مختلفة ومتنوعة, منها:

أولًا: التأثير السلبي المادي لعدم الاتصال الزوجي المشروع:

هناك تأثير مادي جسدي سلبي شديد لابتعاد الزوجة عن زوجها، لا يمكن إنكاره ولا إهماله ولا تجنب ذكره, فهو أصل من أهم منافع الزواج وأسبابه ونتائجه, ففيه الإحصان للزوجين معًا، وخاصة في ظل عصر محموم بإثارة الغرائز والشهوات، في كل مكان وبكل وسيلة, وينتج عن فقده وغيابه من المعاناة الكثير لكليهما معًا، وربما يكون أثره السلبي على الزوجة أكثر من الزوج رغم ظن الكثيرين عكس ذلك.

ثانيًا: التأثير المعنوي:

لا تحتاج الزوجة لزوجها لإشباع رغباتها المادية فقط؛ بل تحتاجه بجوارها يدعمها ويقويها ويساندها في أزمات حياتها، ويحتويها نفسيًا وعاطفيًا, فالزوجة تحتاج من زوجها لجلسات مطولة منه ليستمع إليها، حتى لو لم يقدم حلولًا لما تشتكي منه, فيكفيها منه أن يستمع لكل كلماتها، فتفرغ طاقتها، وتجدد نشاطها، وتزداد قدرتها على مواجهة الصعاب والمشكلات .

وغياب جلسات الاستماع هذه تضع الزوجة في صراعات داخلية، تشتد عليها بمرور الوقت، وتحتاج بالقطع إلى تفريغها مع زوجها, فهو موطن سرها وأنس حياتها, وتكمن هنا عند فقد هذا الاحتواء من الزوج خطورة ليس بعدها خطورة على الزوجة بالذات, فذئاب المجتمع، بواقعيه الحقيقي والافتراضي، لا يحصون من كثرتهم, وكلهم مستعد للتعاطف والاستماع, وكلهم مستعد لإظهار المساندة وإعطاء الدعم وإظهار الشفقة والاهتمام, ولكنهم كلهم، بلا استثناء، سيطلبون المقابل, وما أصعب المقابل وما أشقه حينما يُدفع مِن تَدَيُّن الزوجة وتقواها لله، ومن استقرار الأسرة وتماسكها, ولا يحسب رجل، إن ترك زوجته وحدها نهبًا لهؤلاء الذئاب، أنها ستقاوم ولن تتعثر, فالأمر سيكون تدريجيًا وببطء شديد, ولكن إن طال تقصير الزوج لن يكون محالًا, وما يمنع منه شيء قط إلا تقوى الله ومراقبته كما قالت من سمعها عمر رضي الله عنه.

ولقد يَسرت التقنيات الحديثة الموجودة حاليًا أمر الاتصالات, فأصبح بالإمكان أن يكون الزوج على علاقة يومية؛ بل ومباشرة طيلة اليوم مع زوجته وأبنائه بالكتابة والصوت والصورة, وبإمكانه متابعة كل حادث يطرأ على أسرته مهما كان صغيرًا أو تافهًا, ويمكنه مشاركتهم كل رأي، ومناقشة الأفكار في يسر وسهولة, ولكن لا بد من العلم أن هذا الباب، الانترنت، أيضًا له خطورته التي ذكرناها .

نصائح مفيدة:

وهناك عدة نصائح للزوج والزوجة لكي يتفادى كلاهما فقدان الآخر معنويًا، حتى وإن ظلت العلاقة الزوجية قائمة بينهما, وحتى لا تصل العلاقة بينهما بعد حرارة كبيرة إلى برود وجفاء وانفصال معنوي, ويصبح الزوج عبارة عن مخزن مالي متنقل، وتصبح الزوجة عبارة عن التزام ثقيل على نفس الزوج، وتؤدي مهمتها كمربية لأبنائه في غيابه فحسب, ومن هذه النصائح :

- الحرص بداية من الزوج والزوجة على عدم الافتراق، سواء في بلدهم أو في بلاد السفر, وليكن السفر بالأسرة مجتمعة هو أول الاقتراحات أو هو الهدف المنشود؛ ليعود التئام الأسرة بأسرع ما يمكن, ولتكون الوحدة في الغربة هي الأمر الاستثنائي الذي يمر عابرًا.

إن لم يكن هناك بد من الافتراق, فليكن الغياب لفترة أقصر من المعتاد، حتى لو كلف تكاليف مالية زائدة, حتى لا يكون غياب الرجل عن أسرته أمرًا واقعًا ومسلمًا به ومقبولًا لجمع المال, ثم يُخشى أن يصل إلى أن يكون أمرًا مطلوبًا من الزوج الابتعاد والسفر .

- لا بد من تأمين أمر الاتصال اليومي، وخاصة في ظل التقنيات الحديثة, ولا بد أن يدبر الزوج وقتًا كافيًا ليتحدث فيه مع زوجته وأبنائه بصورة شبه يومية؛ لكي يكون على صلة بهم لا تنقطع، ولكي لا يشعروا بغيابه عنهم ولا يعتادوه .

- سمعت بعض من ينصح الأزواج بعدم ذكر المتاعب بينهما؛ لكي لا يمل كل منهما حديث الآخر ويزهد فيه, ولكني أرى أن ينقل كل منهما لزوجه ما يشعر به من فرح وسعادة ومشكلات أيضًا, فمن يسمعهما إن لم يستمعا لبعضهما, ومع من يتركان سرهما ويدفنان أحزانهما إذا لم تتسع صدورهما كزوجين لها, ولقد رأينا من موقف من هما خير من كل أزواج الأرض موقفًا يدل على ذلك, حيث ذهب النبي صلى الله عليه وسلم مسرعًا إلى أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها ليبثها شكواه، ولتخفف عنه, وفعلت رضي الله عنها أصوب فعل للزوجة، فقالت له من الكلمات الطيبات النافعات ما يثلج صدره ويهدئ روعه.

- وعلى الزوجة أن تتفهم موقف زوجها، وأن تنتبه لردود أفعالها معه, فإن كان في لحظة ضيق وحدثها أنه يريد العودة وإنهاء العمل فلا تتحامل عليه وتتهمه بالضعف وعدم التحمل؛ فان ذلك يؤلمه أكثر من آلام ما يعانيه, فتوصيه بالصبر، وتخبره بشكرهم له وثنائهم عليه، وتؤمله بالفرج, ويجب عليهما أن يتبادلا الدعم, فإذا حانت لحظة ضعف منها يساندها، وهي كذلك؛ حتى يعبرا هذه المواقف المؤلمة ويجتمع شملهما .

إن أسوا ما يمكن أن يعانيه الزوجان هو ابتعادهما عن بعضهما, فالشرع الحنيف لم يسمح بافتراق الزوجين، حتى ولو كانا في فترة انفصال أثناء العدة الشرعية, فاجتماعهما في مكان واحد يسمح دومًا بتقاربهما وعودتهما لحياتهما الزوجية, فكيف بالتأثير الشديد للانفصال المكاني لمدة عام أو أكثر على علاقات زوجية ربما لم تثبت قواعدها بعد(12).

***

_______________

(1) أخرجه البخاري (5063)، ومسلم (1401).

(2) أخرجه البخاري (5052).

(3) أخرجه البخاري (1968).

(4) السنن الكبرى، للبيهقي (17850).

(5) الاختيارات الفقهية، ص247.

(6) غياب الزوج عن زوجته وأثره، فتاوى دار الإفتاء المصرية.

(7) مدة غياب الزوج عن زوجته، موقع الشيخ عبد العزيز بن باز.

(8) الزوج المسافر، طريق الإسلام.

(9) إعفاف الزوجة، فتاوى دار الإفتاء المصرية.

(10) فتاوى نور على الدرب، الشيخ محمد صالح العثيمين.

(11) فتاوى إسلامية (3/ 212).

(12) الاغتراب وشكوى الزوجة، موقع: المسلم.