logo

ارفق به


بتاريخ : الأربعاء ، 22 جمادى الأول ، 1437 الموافق 02 مارس 2016
بقلم : تيار الاصلاح
ارفق به

دائمًا ما يريد الآباء والأمهات لأبنائهم أن يكونوا في أفضل حال وفي أعلى المراتب، ويرون أن الوصول لهذه الدرجة لا يكون إلا بتكليفهم من الأمور والأعمال الكثير، والتي تكون في كثير من الأحيان فوق طاقتهم وقدراتهم؛ مما يكون له الأثر العكسي تمامًا لما يريده الآباء والأمهات.

إن من أهم أبجديات التعامل مع النفس البشرية مراعاة نقاط ضعفها، فالنفس البشرية لها نقاط ضعف تخور بسببها؛ بل إن النفس البشرية كلها بطبيعتها ضعيفة، قال تعالى:{وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28)} [النساء:28]، لذلك كان يراعي النبي صلى الله عليه وسلم هذا الضعف في النفس البشرية، فقد غضب النبي صلى الله عليه وسلم من معاذ رضي الله عنه عندما صلى بالناس وأطال القراءة في الصلاة؛ لأن هناك الشيخ الكبير والضعيف وصاحب حاجة يريد قضاءها، فعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: أقبل رجل بناضحين وقد جنح الليل، فوافق معاذًا يصلي، فترك ناضحه وأقبل إلى معاذ، فقرأ بسورة البقرة، أو النساء، فانطلق الرجل وبلغه أن معاذًا نال منه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فشكا إليه معاذًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا معاذ، أفتان أنت» ،أو «أفاتن»، ثلاث مرار «فلولا صليت بسبح اسم ربك، والشمس وضحاها، والليل إذا يغشى، فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة» [صحيح البخاري (705)].

فالنبي صلى الله عليه وسلم يعلمه أن لكل إنسان طاقة محدودة، وإن كُلِّف بما لا يطيق وفوق حدود طاقته فإنه يسأم ويمل، وقد يؤدي ذلك إلى كره العمل المكلف به؛ بل وقد يكره الشخص الذي كلفه بالعمل.

إن الآباء والأمهات حين يُحمِّلون الأبناء فوق طاقتهم فإنهم بذلك يفقدونهم توازنهم؛ مما يجعلهم يقعون في الأخطاء، وبالتالي يشعرون بعدم الرضا وعدم القدرة على إنهاء المهام التي تطلب منهم، أو القيام بالواجبات المنوط بهم أداؤها، ويترتب على ذلك عدم ثقة في النفس، فضلًا عن قتل روح الإبداع داخل الأبناء.

إن الطريقة الأفضل هي في تكليف الأبناء بما يطيقون؛ حتى ينجحوا في إنجاز ما كُلِّفوا به، وبالتالي تزداد عندهم الثقة في النفس؛ مما يدفعهم إلى الإنجاز والعمل والإبداع.

ويجب على الآباء والأمهات أن يراعوا المراحل العمرية التي يمر بها الابن، فإن لكل عمر حاجياته ومطالبه واهتماماته، فعندما يظن الآباء والأمهات أن من الأفضل حرمان أبنائهم من طفولتهم ومن احتياجاتهم حتى يكونوا على قدر المسئولية، فهذا فهم خاطئ يؤدي إلى انتكاسات خطيرة بعد ذلك؛ لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يراعي هذه الاهتمامات للأطفال، فعن أم خالد بنت خالد بن سعيد قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي وعليَّ قميص أصفر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سنه سنه»، قال عبد الله: وهي بالحبشية: حسنة، قالت: فذهبت ألعب بخاتم النبوة فزبرني أبي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعها» [صحيح البخاري (5993)].

فالنبي صلى الله عليه وسلم راعى اهتمامات الأطفال وميولهم، فعلى الآباء والأمهات إذا رأوا البراءة في تصرفات وسلوكيات الأطفال، أن يتركوا الأطفال ينغمسون في تلك اللحظة بالكلية، طالما أن هذا الفعل غير مشين، وأن يزيد صبر الآباء والأمهات عليهم.

إن الآباء والأمهات لن يستطيعوا الصبر على الأبناء والرفق بهم إلا من خلال معرفة نفسية الأبناء وخصالهم واهتماماتهم، وهذا ما يدفع الآباء والأمهات إلى الصفح والصبر على الأبناء والرفق بهم والتماس العذر لهم، وبالتالي يستطيع الآباء والأمهات أن يوازنوا بين ما يطلبونه من الأبناء وبين قدرات وطاقات الأبناء على القيام بهذا التكليف، والمرحلة النفسية التي يمرون بها، وحينها يكون التجاوب والنجاح في إتمام ما كلفوا به من أعمال.

ففي مرحلة المراهقة يسعى الأبناء إلى لفت النظر وجلب الانتباه نحوهم؛ كي يعلنوا عن أنفسهم، وربما احتوت تلك التصرفات على بعض الأمور غير المرضية، فيكون الأفضل هو تقبلها وتوجيه الابن برفق إلى الفعل الصحيح، وأيضًا دفعه إلى الاستقلال الفكري، وذلك من خلال تقدير الأبناء والثقة فيهم، وعندها لن يفقد الآباء والأمهات أعصابهم من تصرفات المراهقة؛ ذلك لأن الغضب من تصرفات الأبناء إنما يأتي من المشاعر السلبية ومن عدم الثقة في الأبناء، أو اعتقاد عدم أهليتهم، أو عنادهم لما يريد الآباء والأمهات، وهذا لا شك يفسد العلاقة بين الآباء والأمهات وبين الأبناء، فضلًا عن أنه لن يوجد تعاون بين الآباء والأمهات وبين الأبناء من أجل مناقشة الخطأ، ومحاولة تصحيحه وتصويبه.

إن الآباء والأمهات حين يقومون بانتقاد تصرفات الأبناء في مرحلة المراهقة ينبغي عليهم ألا يغفلوا عن أنهم يمرون بمرحلة حرجة تسمى المراهقة، ومن أهم مميزات هذه المرحلة هو التوجه نحو الاستقلالية، فهي المرحلة التي استقل فيها الإمام الشافعي؛ فكان صاحب فتوى في سن السادسة عشر، وهي المرحلة التي استقل فيها الطفيل بن عمرو الدوسي؛ فأزاح القطن عن أذنه واستمع لرسول الله صلى الله عليه وسلم وانقاد للحق، ولم يسمع لوساوس قومه.

كذلك ينبغي على الآباء والأمهات إن أرادوا أن يحكموا على تصرفات الأبناء حكمًا صحيحًا، أو أن يكلفوهم تكليفًا ما، أن يضعوا أنفسهم موضع أبنائهم، وليتذكروا أنفسهم حينما كانوا في نفس مرحلة أبنائهم العمرية، فماذا سيكون تصرفهم؟، وما هو رد فعلهم إن كلفوا بهذه التكاليف؟

إن الأبناء لا يريدون الحياة إلا ربيعًا، ولا يحبون الأيام إلا زهورًا، إنهم السهولة قبل أن تتوعر، وهم البراءة قبل أن تقتل، وهم الحياة قبل أن توأد، يسخط عليهم الآباء والأمهات بسبب ضجيجهم وأخطائهم، التي يعود أكثرها إلى ضعفهم البشري الذي خلقهم الله عز وجل عليه؛ فهم يحتاجون إلى حلم وصفح ورفق.

جاء عن علي زين العابدين بن الحسين أن غلامه كان يصب له الماء بإبريق مصنوع من الخزف، فوقع الإبريق على رِجْل زين العابدين فانكسر الإبريق، وجُرِحت رجل زين العابدين، فغضب وتغير وجهه.

فقال الغلام: سيدي، يقول الله تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ}.

فقال زين العابدين: لقد كظمت غيظي.

فقال الغلام: ويقول تعالى: {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ}.

فقال زين العابدين: لقد عفوت عنك.

فقال الغلام: ويقول الله تعالى: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.

فقال له زين العابدين: أنت حر لوجه الله. [موسوعة الأخلاق والزهد والرقائق (1/ 330-331)].