logo

نقصان العقل والدين


بتاريخ : الأربعاء ، 28 محرّم ، 1442 الموافق 16 سبتمبر 2020
بقلم : تيار الاصلاح
نقصان العقل والدين

ساوى الله تعالى بين الرجال والنساء في العبادات فقال: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35]، وقال جل شأنه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97]، فليس يوجد تفاضل بين الرجل والمرأة في العبادات وعمل الصالحات، فالأجر والثواب يستوي فيه العاملون والعاملات، والتفاضل يعود للإخلاص والإحسان في العمل ذاته وليس لجنس العامل.

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر النساء، تصدقن ولو من حليكن فإنكن أكثر أهل جهنم»، فقالت امرأة ليست من علية النساء: وبم يا رسول الله نحن أكثر أهل جهنم؟ قال: «لأنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير، وما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب للب الرجل منكن» (1).

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا معشر النساء، تصدقن وأكثرن الاستغفار فإني رأيتكن أكثر أهل النار، قالت امرأة منهن: وما لنا يا رسول الله؟ قال: «تكثرن اللعن وتكفرن العشير وما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي اللب منكن»، قالت: يا رسول الله، وما نقصان العقل والدين؟ قال: «أما نقصان العقل: فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل فهذا نقصان العقل وتمكث الليالي لا تصلي وتفطر في رمضان فهذا نقصان الدين» (2).

قال النووي: قال الامام أبو عبد الله المازري رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: «أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل»، تنبيه منه صلى الله عليه وسلم على ما وراءه، وهو ما نبه الله تعالى عليه في كتابه بقوله تعالى: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: 282]، أي: إنهن قليلات الضبط.

اختلف الناس في العقل ما هو؟ فقيل: هو العلم، وقيل: بعض العلوم الضرورية، وقيل: قوة يميز بها بين حقائق المعلومات، هذا كلامه.

قلت: والاختلاف في حقيقة العقل وأقسامه كثير معروف لا حاجة هنا إلى الإطالة به.

واختلفوا في محله؛ فقال أصحابنا المتكلمون: هو في القلب، وقال بعض العلماء: هو في الرأس؛ والله أعلم.

وأما وصفه صلى الله عليه وسلم النساء بنقصان الدين لتركهن الصلاة والصوم في زمن الحيض فقد يستشكل معناه وليس بمشكل؛ بل هو ظاهر، فإن الدين والإيمان والإسلام مشتركة في معنى واحد كما قدمناه في مواضع، وقد قدمنا أيضًا في مواضع أن الطاعات تسمى إيمانًا ودينًا، وإذا ثبت هذا علمنا أن من كثرت عبادته زاد إيمانه ودينه، ومن نقصت عبادته نقص دينه، ثم نقص الدين قد يكون على وجه يأثم به؛ كمن ترك الصلاة أو الصوم أو غيرهما من العبادات الواجبة عليه بلا عذر، وقد يكون على وجه لا إثم فيه؛ كمن ترك الجمعة أو الغزو أو غير ذلك مما لا يجب عليه لعذر، وقد يكون على وجه هو مكلف به كترك الحائض الصلاة والصوم.

فإن قيل: فإن كانت معذورة فهل تثاب على الصلاة في زمن الحيض وإن كانت لا تقضيها؛ كما يثاب المريض والمسافر ويكتب له في مرضه وسفره؛ مثل نوافل الصلوات التي كان يفعلها في صحته وحضره؟

فالجواب: أن ظاهر هذا الحديث أنها لا تثاب، والفرق أن المريض والمسافر كان يفعلها بنية الدوام عليها مع أهليته لها، والحائض ليست كذلك؛ بل نيتها ترك الصلاة في زمن الحيض؛ بل يحرم عليها نية الصلاة في زمن الحيض، فنظيرها مسافر أو مريض كان يصلي النافلة في وقت ويترك في وقت غير ناو الدوام عليها، فهذا لا يكتب له في سفره ومرضه في الزمن الذي لم يكن يتنفل فيه والله أعلم (3).

قال أحمد بن منصور: يكفرن العشير ويكفرن الزوج كلام واحد، أي: يكفرن إحسان الزوج، قال: وكفر النعمة من أكبر المعاصي، ولو كان خروجًا من الإيمان لم يمكن الزوج من التمسّك بها وموارثتها (4).

ويجب أن يعلم أن شرح هذا الحديث وسبب قوله لا ينفك عن ذكر آية الدّين (الاستشهاد) وهذا الكلام ليس مجرد تخرص؛ بل هو تفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد جاء في الحديث: «أما نقصان العقل: فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل»، أي أن نقصان العقل عند المرأة إنما يتعلق بأمر الاستشهاد عند الدّين، قال الله عز وجل: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282].

فليس المراد إذن سفه المرأة، ولذلك لما أشكل هذا الأمر على الصحابيات لم يترددن في الاستفسار، فلما أعرب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معنى نقصان العقل انتفى الإشكال لديهن، إذ أن نقصان العقل باعتبار نقصان شهادتها في مجال البيوع ليس بمشكل لديهن، فالمرأة لم تكن تتعاطى التجارة مثل تعاطي الرجل؛ بحيث يمكنها استحضار تفاصيل العقود والانتباه إلى دقائقها كما يفعل الرجل.

فالمعلوم أن المرء لا يضبط الأمور التي لا يهتم بها أو لا يشتغل بها، فالمعاملات المالية والمعاوضات وغيرها ليست من شأن المرأة عادة، فيصعب عليها حفظها وضبطها، ليس كغيرها من الأعمال المنزلية مثلًا، أو كل ما يخص المرأة فإنك تجدها أقوى ذاكرة من الرجل، وهذا طبع يشملهما معًا ذكرانًا وإناثًا.

فالنقص إذن ليس في القدرات الفكرية كما يدعى البعض، بل هو نقص في الضبط فقط لأجل عدم الاهتمام، إذ المعلوم أن الاستحضار الذهني لا بد فيه من الانتباه، لذلك لو كان الرجل غير مهتم بأمر البيوع والتجارة فسيكون ضبطه لتفاصيل العقود ضعيفًا، وهذا أمر طبيعي، ثم إن الآية جاءت مخاطبة صاحب الدّين لبيان حكم توثيقه لعقد من العقود المالية ليحافظ على دينه، أي أنها ليست عن (الشهـادة) التي يعتمد عليها القاضي في حكمه بين المتنازعين، ومن هنا فإن هذا الحكم لا يضع معيارًا عامًا لشهادة المرأة، فالشهادة لها معايير أخرى يطمئن لها القاضي تحقق صدق الشهادة؛ وهي ثلاث أوصاف معتبرة عند الفقهاء: العدالة، نفي التهمة أي ألا يكون بينه وبين المشهود عليه أي خصومة، التيقظ أي أن يكون ضابطًا لما شهد به، وهذه الأوصاف لا تفرق بين ذكر ولا أنثى .

ولمزيد بيان فإن مجمل الشهادات تتساوى فيها شهادة المرأة مع الرجل، بل وتتساوى معه في شهادات لا دخل لها بالعاطفة التي تعرف بها المرأة غالبًا أو قلة الخبرة؛ بل الذي يهم فيها هو الذكاء والحفظ، ومثال ذلك المسائل الدينية، حيث تقبل رواية المرأة للحديث كالرجل تمامًا، وكذلك غيره من العلوم؛ بل وتقبل شهادة المرأة منفردة، وذلك في المسائل التي لا تجوز فيها إلاّ شهادة النساء، كالولادة والرضاعة وعيوب النساء وغيره.

ثم نعود ونقول: إن قوله صلى الله عليه وسلم ليس فيه احتقار للمرأة؛ بل هو تعجب من قدرتها في التغلب على الرجل الذكي جدًا وإشارة إلى قوة تأثيرها.

أما نقصان الدين؛ فقد بينه عليه الصلاة والسلام في قوله: «أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم» قلن: بلى، قال: «فذلك من نقصان دينها»، فنقصان الدين من نقصان العبادة، حيث أن لفظ الدين قد يطلق على العبادات؛ كالصوم والصلاة وغيرها، وليس القصد كما يفهمه البعض نقصان الدين بالكلية، بل هو كما شرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يتعلق بصومها وصلاتها حال الحيض، وهذا لا تعاب به المرأة أو تأثم عليه، بل هي مكلفة بذلك كما ذكر العلماء.

فليس المقصود إذن المعنى المشاع بين الناس؛ بل هو تشريع من الله عز وجل تخفيفًا ورفقًا بها، فمن رحمته سبحانه أن كلفها بعدم الصلاة حال الحيض؛ لأن الطهارة شرط في الصلاة وهي غير طاهرة، وكلفها بعدم القضاء؛ لأن في قضاءها مشقة عليها، فالصلاة تكرر في اليوم خمس مرات، والحيض قد تطول مدته، فأسقط عنها سبحانه الصلاة أداء وقضاء.

وكما ذكرنا فهذا النقص لا يعتبر عيبًا في المرأة، فمن النساء الصالحات من فاقت الرجال في أشياء كثيرة، كما قال أحد العلماء رحمه الله: وقد تكثر منها الأعمال الصالحات فتربو على كثير من الرجال في عملها الصالح وفي تقواها لله عز وجل وفي منزلتها في الآخرة.

ولنا في التاريخ الإسلامي ما يثبت ذلك، من نساء عالمات فقيهات صالحات معروفات برجاحة العقل والتفقه في الدين كأمنا عائشة رضي الله عنها، فهي كانت أفقه نساء عصرها، ولو كان الحديث يراد به سلب الأهلية العقلية عن المرأة لوجدنا أثر هذا المعنى على التصور الإسلامي بحيث تغيب المرأة مطلقًا عن ميادين الفكر والمعرفة وهو الأمر الذي نجد عكسه في كتب التراث الإسلامي، فلا يخفى على ناظر في تراجم العلماء ذكر تتلمذ أساطين الفقه والحديث على نساء عالمات فاضلات.

ونخلص إلى أن الإسلام كرّم المرأة وجعلها كالرجل في الإنسانية، قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70]، وفي التشريع، قال سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} [النساء: 124]، وقال أيضًا: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران: 195]، وهذا كما قدّره الله تعالى انطلاقًا من مبدأ العدل، وليس مبدأ المساواة.

والإسلام لا يهين المرأة ولا يحتقرها بل رفع مكانتها وأعلاها، وهذا ما يفهم في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد نبه النساء وأرشدهن إلى ما فيه خير لهن، وقد فهمن قصده وتدافعن بالصدقات ذلك اليوم، لحرصهن على الثواب وحسن فهمهن لحديثه صلى الله عليه وسلم (5).

إن كلمة «ناقصات عقل ودين» إنَّما جاءت مرة واحدة، وفي مجال إثارة الانتباه والتمهيد اللطيف لعِظَة خاصَّة بالنساء، ولم تجئ قطُّ مستقلَّة بصيغة تقريرية، سواء أمام النساء أم أمام الرجال (6).

يقول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: ولكن هذا النقص ليست مُؤاخَذةً عليه، وإنَّما هو نقص حاصل بشرع الله عز وجل، وهو الذي شرعه سبحانه وتعالى رفقًا بها وتيسيرًا عليها؛ لأنَّها إذا صامت مع وجود الحيض والنفاس أضرها ذلك.

إلى أن قال رحمه الله: ولا يَلزم مِن هذا أن يكون نقص عقلها في كل شيء، ونقص دينها في كل شيء، وإنَّما بيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم أنَّ نقصان دينها مِن جهة ما يحصل لها مِن ترك الصلاة والصوم في حال الحيض والنفاس.

 ولا يلزم من هذا أن تكون أيضًا دون الرجال في كل شيء، وأنَّ الرجل أفضل منها في كل شيء، نعم جنس الرجال أفضلُ من جنس النساء في الجملة؛ لكن قد تفُوقُه في بعض الأحيان في أشياء كثيرة، فكم من امرأة فاقت كثيرًا من الرجال في عقلها ودِينها وضبطها، وقد تكثُر منها الأعمال الصالحات، فتربو على كثير من الرجال في عملها الصالح، وفي تقواها لله عز وجل، وفي منزلتها في الآخرة، وقد تكون لها عناية ببعض الأمور، فتضبط ضبطًا كثيرًا أكثر مِن ضبط بعض الرجال في كثير مِن المسائل التي تُعنَى بها وتَجتهد في حفظها وضبطها (7).

قال الشوكاني: لم ينقل عن أحد من العلماء أنه رد خبر المرأة لكونها امرأة، فكم من سنة قد تلقتها الأمة بالقبول عن امرأة واحدة من الصحابة، هذا لا ينكره من له أدنى نصيب من علم السنة (8).

ونقل القرآنُ عن النساء ما يُفيد رجاحة عقلهن؛ كقوله تعالى عن ابنة شُعيب، وهي تُحدِّث أباها عن موسى عليه السَّلام: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص: 26]، وهي لم تَرَ موسى مِن قبلُ، فدل ذلك على رجاحة عقلها، وصدْق فراستها.

ومن ذلك رجاحة عقل أم سلمة رضي الله عنها؛ ففي صُلح الحديبية لما فَرَغَ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من كتابة المعاهدة، قال للمسلمين: «قوموا، فانحروا، ثم احلقوا» وقالها ثلاثًا، فلم يقُم أحد، فغضب الرسول صلى الله عليه وسلم ودخَل على أم سلمة، فذكر لها ما لَقِيَ مِن الناس، فقالت: يا رسول الله، أتحبُّ ذلك؟ اخرج، ثم لا تكلِّم أحدًا كلمة حتى تنحر بُدْنَكَ، وتدعو حالقك فيحلقك، فقام الرسول صلى الله عليه وسلم وخرج فلم يكلم أحدًا حتى نحر بُدْنه، ودعا حالقه فحلقه، فلمَّا رأى الناسُ ذلك قاموا فنحروا إبلهم، وجعَل بعضُهم يحلق لبعض، حتى كاد بعضُهم يقتل بعضًا غمًّا (9).

 والتاريخ يزخر بنسوة اشتهر عنهن رجاحة العقل والحكمة والفهم والعلم، ومنهن:

الشفاء بنت عبد الله القرشية: وكانت مثالًا في العلم ورجاحة العقل؛ قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «علِّمي حفصةَ رُقْيَة النَّملة، كما عَلَّمْتِها الكتابة» (10)، وكان الخلفاء مِن بعد النبي صلى الله عليه وسلم يحرصون على استشارتها.

فاطمة بنت محمد السمرقندي: عالمة فقيهة محدثة، أَخَذَت عن جملة الفقهاء، وأخذ عنها الكثيرون، وتصدرت للتدريس، وكان زوجُها الكاساني ربَّما يهمُّ بالفتيا، فتُعرِّفه الصواب ووجه الخطأ.

ست الوزراء بنت عمر التنوخية: محدِّثة ذات أخلاق فاضلة، حدَّثَت بدمشق ومصر، وهي آخر مَن حدَّث بالمسند بالسَّماع، وحدَّث عنها كثير من العلماء، كالصالحي والذهبي (11).

وغير هؤلاء الكثير ممن كانت لهن صفحات مضيئة في تاريخ الإسلام، واشتهرن برجاحة العقل والفهم العميق؛ مما يشهد لما تقدم من استبعاد احتمال أن يكون مقصد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون نقصان عقل المرأة هو نقص في القدرات العقلية بوجه عام، أو أنها فاقدة الأهلية من الناحية العقلية، وإنما يصدق هذا الادعاء في حق الحضارة الغربية، التي كانت ولا زالت تعتبر المرأة متاعًا رخيصًا، وأداة للهو والتسلية، فلا تحترم كرامتها، ولا تحفظ عليها إنسانيتها.

الاحتمالات الواردة في فهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ناقصات عقل ودين»، وهذه الاحتمالات هي:

أ- نقص فطري عام في مستوى الذكاء والاستيعاب والفهم، وفي جميع العمليات العقلية المعروفة؛ وهذا الاحتمال مستبعد بالاستقراء والملاحظة والتاريخ العريض الذي يشهد لهن بعكس ذلك.

ب- نقص فطري في بعض القدرات العقلية الخاصة؛ مثل الفهم العميق، وقوة التحليل، والإدراك الشامل، وهذا أيضًا مستبعد لنفس الأسباب.

ج- نقص عارض مؤقّت نتيجة للتغيّرات الطبيعية في حالة الحيض أو الحمل أو غير ذلك من عوارض النساء، أو نقص عارض طويل المدى، وهو يطرأ على المرأة نتيجة ظروف الحياة العامة كالانشغال الدائم بالحمل والولادة والرضاعة وتربية الأولاد ومراعاة الزوج ومراعاة البيت، مما قد يؤدّي في بعض الأحيان إلى نقصان الوعي التام بالحياة الخارجية، وضعف الإدراك الشامل للأمور العامة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الداخلية والخارجية.

ويحاول أعداء الإسلام ومن لف لفهم قديمًا وحديثًا الطعن على الإسلام من خلال نصوص يحاولون طيّ أعناقها وليّ زمامها، وإفراغها من محتواها، بل ويتعاملون مع هذه النصوص بمنطق (لا تقربوا الصلاة) ولا يكملون الآية حتى يستقيم المعنى وتتضح الصورة.

وقد يسلك المسلك ذاته بعض أبناء جلدتنا ممن لا فقه لديهم، ولا علم شرعي يرشدهم ويهديهم.

ومن ذلك الطعن ما ينسبونه خطأ وجهلًا من أن الإسلام قد أهان المرأة وحقر من شأنها، مستشهدين في ذلك بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «النساء ناقصات عقل ودين» فيقفون عند هذه الجملة من الحديث ولا يكملون الحديث إلى نهايته، ولو أنهم أكملوه لاتضح لهم المعنى ولاستقام لهم الفهم.

فالحديث لا يعدوا كونه توصيفًا لطبيعة المرأة فهو يمدحها برقة العاطفة وفيضان المشاعر، فتسبق العاطفة عندها المشاكلات العقلية المنطقية.

وقدد سئل فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله عن معنى أن النساء ناقصات عقل ودين؟ فكانت هذه إجابة فضيلته:

ما هو العقل أولًا؟:

العقل من العقال، بمعنى أن تمسك الشيء وتربطه، فلا تعمل كل ما تريد، فالعقل يعني أن تمنع نوازعك من الانفلات، ولا تعمل إلا المطلوب فقط.

إذن فالعقل جاء لعرض الآراء، واختيار الرأي الأفضل، وآفة اختيار الآراء الهوى والعاطفة، والمرأة تتميز بالعاطفة، لأنها معرضة لحمل الجنين، واحتضان الوليد، الذي لا يستطيع أن يعبر عن حاجته، فالصفة والملكة الغالبة في المرأة هي العاطفة، وهذا يفسد الرأي.

ولأن عاطفة المرأة أقوى؛ فإنها تحكم على الأشياء متأثرة بعاطفتها الطبيعية، وهذا أمر مطلوب لمهمة المرأة.

إذن فالعقل هو الذي يحكم الهوى والعاطفة، وبذلك فالنساء ناقصات عقل، لأن عاطفتهن أزيد، فنحن نجد الأب عندما يقسو على الولد ليحمله على منهج تربوي فإن الأم تهرع لتمنعه بحكم طبيعتها، والإنسان يحتاج إلى الحنان والعاطفة من الأم، وإلى العقل من الأب.

وأكبر دليل على عاطفة الأم تحملها لمتاعب الحمل والولادة والسهر على رعاية طفلها، ولا يمكن لرجل أن يتحمل ما تتحمله الأم، ونحن جميعًا نشهد بذلك.

أما ناقصات دين فمعنى ذلك أنها تعفى من أشياء لا يعفى منها الرجل أبدًا.

فالرجل لا يعفى من الصلاة، وهي تعفى منها في فترات شهرية، والرجل لا يعفى من الصيام بينما هي تعفى كذلك عدة أيام في الشهر، والرجل لا يعفى من الجهاد والجماعة وصلاة الجمعة، وبذلك فإن مطلوبات المرأة الدينية أقل من المطلوب من الرجل.

وهذا تقدير من الله سبحانه وتعالى لمهمتها وطبيعتها؛ وليس لنقص فيها، ولذلك حكم الله سبحانه وتعالى فقال: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} [النساء: 32].

فلا تقول: إن المرأة غير صائمة لعذر شرعي فليس ذلك ذمًا فيها، لأن المشرع هو الذي طلب عدم صيامها هنا، كذلك أعفاها من الصلاة في تلك الفترة، إذن فهذا ليس نقصًا في المرأة ولا ذمًا، ولكنه وصف لطبيعتها.

فطبيعة المرأة التسرع في الحكم على الأشياء وكثرة النسيان (12).

تفسير العلم الحديث للحديث الشريف:

نحن نعلم من العلم الحديث أن الدماغ والقلب هما العضوان الرئيسيان المسؤولان عن التفكير والوعي والإدراك والفهم واتخاذ القرار والعواطف والعمليات الفكرية، فالدماغ يحوي مليارات الخلايا التي تعمل بشكل مستمر حتى أثناء النوم، وذلك للإشراف على عمل الجسم بالكامل، والقلب يقوم بالإشراف على عمل الدماغ؛ وهكذا.

وقد أثبت العلم الحديث أن دماغ المرأة أصغر من دماغ الرجل، وقلب المرأة أصغر من قلب الرجل؛ وبالتالي هناك زيادة في عدد خلايا الدماغ والقلب هذه الزيادة تقدر بعدة مليارات من الخلايا، إذن هناك نقصان في عدد خلابا القلب والدماغ بالنسبة للمرأة عن الرجل.

ويؤكد العلماء أن الاختلافات بين دماغ الرجل ودماغ المرأة كبيرة جدًا، وهي تشمل طريقة التفكير والسلوك وردود الأفعال والاهتمامات والنظرة إلى الأمور، وربما معظم حالات الطلاق تقع بين الرجل والمرأة بسبب عدم إدراك أحدهما لطريقة تفكير الآخر.

في بحث صدر عن جامعة هارفارد (2007) تقول الدكتورة Jill Goldstein هناك فروقات كبيرة جدًا بين عقل الرجل وعقل المرأة سواء في الحجم أو الوزن أو كيفية معالجة المعلومات، كذلك هناك فروقات في عدد خلايا كل منطقة من مناطق الدماغ، وبشكل عام دماغ المرأة أصغر من دماغ الرجل.

كما أكد علماء كنديون حديثًا أن دماغ المرأة أكثر نشاطًا من دماغ الرجل، ولذلك فإن دماغ الرجل أفضل من حيث الاستقرار والراحة والنوم، وهكذا نجد المرأة أكثر قلقًا وانفعالًا من الرجل، وحتى أثناء النوم فإن دماغ الرجل أكثر سكونًا، ولذلك لا بد للمرأة من أن تعوض ذلك من خلال الإكثار من أعمال الخير مثلًا مما يؤدي لزيادة استقرار الدماغ لديها.

لكل دماغ مهام مناسبة:

دماغ الرجل لديه القدرة على صنع ردود أفعال مناسبة في حالات الخوف أو الدفاع عن النفس أكثر من المرأة، كذلك فإن الذاكرة القصيرة لدى المرأة أقوى من الرجل، بينما يتفوق الرجل على المرأة في الذاكرة الطويلة الأمد؛ حيث يتمكن دماغ الرجل من ربط الأحداث والذكريات القديمة ببعضها بشكل أفضل، بينما المرأة تحتاج لمن يساعدها على ربط الأحداث الماضية، وربما هذا هو سبب أن شهادة المرأة تعدل نصف شهادة الرجل.

يحاول العلماء فهم حقيقة تفكير المرأة ومقارنتها بالرجل ليجدوا الكثير من الاختلافات التي تجعل لكل منهما ميزات عن الآخر، ولكن بالنتيجة فإن دماغ الرجل ودماغ المرأة يعملان بطريقة مثالية، ويؤدي كل منهما مهامه بشكل كامل، وهذا يدل على أن الله تعالى عادل في خلقه ولا يوجد تمييز لأحد الجنسين عن الآخر، إنما تكامل في الأعمال والمهام.

وصلات الدماغ لدى المرأة أقل:

عدد الوصلات بين خلايا الدماغ العصبية في دماغ المرأة أقل منها في دماغ الرجل، وهذه الوصلات بين خلايا الدماغ مهمة جدًا في سرعة التفكير وسرعة نقل المعلومات بين خلايا الدماغ، ولكن المرأة لديها في الدماغ مناطق مسئولة عن المشاعر أكبر من الرجل، وبالتالي تعتبر المرأة أكثر عاطفية وإثارة وقدرة على الإغراء وإثارة المشاعر، ويقول العلماء إن المرأة أكثر قدرة على التقاط الإشارات العاطفية أكثر من الرجل، ولذلك قال النبي الكريم: «وما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي ‏لب ‏منكن»، وهنا إشارة علمية إلى قدرة المرأة الهائلة في إثارة الرجل مع العلم أن دماغها أقل وأصغر.

دماغ الرجل يعتبر على مستوى عالٍ من التخصص حيث أن كل جزء من أجزائه مختص بعلاج قضية محددة، بينما نجد أن المرأة تستخدم أجزاء كبيرة من دماغها لعلاج قضية واحدة، وهذا يعتبر نقصانًا لعقل المرأة حيث تكون قدرتها على اتخاذ قرار سليم أقل من الرجل؛ وبخاصة عندما يتعلق القرار بعدة قضايا في نفس الوقت.

دماغ الرجل أكثر تعقيدًا:

دماغ الرجل قادر على معالجة مشاكل محددة ودقيقة بمعزل عن بقية المشاكل والهموم اليومية، بينما نجد المرأة لا تستطيع معالجة مشكلة واحدة بمعزل عن بقية المشاكل اليومية، وبالتالي تنخفض قدرتها على حل المشاكل الكبيرة.

إن دماغ المرأة أقل قدرة على التأقلم مع الظروف الصعبة مما يجعل المرأة تصاب باكتئاب وقلق أكثر من الرجل، وهذا نقصان في قدرة المرأة على حل المشكلات والتأقلم مع الظروف واكتساب مزيد من السعادة.

تبين دراسات الرنين المغناطيسي الوظيفي واختبارات الذكاء التي أجريت على الرجال والنساء أن الفص الجداري السفلي يحوي خلايا أقل عند المرأة، وبالتالي فإن قدرة المرأة على إجراء العمليات الحسابية والرياضيات أقل من قدرة الرجل.

وتبين الدراسات العلمية التي أجريت على دماغ رجل ودماغ امرأة بواسطة الرنين المغناطيسي أن الإجهادات والهموم اليومية والضغوط النفسية تؤثر أكثر على المرأة من الرجل، أي قدرة المرأة على تحمل الضغوط أقل من الرجل، وبالتالي تحتاج المرأة للقيام بأعمال تكميلية مثل إنفاق المال على الفقراء وإكرام الضيف؛ وهذا يمنحها قوة إضافية لتحمل الإجهادات النفسية، وهذا ما نصح النبي صلى الله عليه وسلم به النساء عندما قال: «يا ‏‏مَعْشرَ‏ ‏النساء تَصَدَّقْنَ وأكْثِرْن ‏‏الاستغفار» ... سبحان الله.

إن الله تعالى خلق لكل جنس سواء الأنثى أو الذكر خصائص تتناسب مع المهام المطلوبة لضمان استمرار الحياة على الأرض، فالمرأة لها مهام صعبة وشاقة مثل إنجاب الأطفال وتربيتهم والاهتمام بنظافة المنزل والطعام والشراب والاهتمام بالرجل، لذلك لا بد من خلق هذه الأنثى بطريقة تناسب هذه المهام، فهي عاطفية تغلب الرجل بعاطفتها، وهي صبورة جدًا، وأكثر من الرجل قدرة على تحمل المصاعب والآلام لكي تتحمل آلام الولادة والحمل ومصاعب الإرضاع، ولذلك قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97].

ماذا يحدث لو أن الله تعالى خلق المرأة والرجل بنفس المستوى من التفكير والعقل والدماغ والقلب؟ سوف تصبح الحياة مستحيلة؛ لأن الرجل والمرأة سوف لن يكون لأي منهما القدرة على تحمل أعباء المنزل، ولن يكون هناك قدرة لدى المرأة على إثارة عاطفة الرجل أو جذبه للزواج والإنجاب، وسوف يختلفان على كل شيء، من الذي سيقوم بأعباء المنزل، من الذي سيربي الأولاد؛ وهكذا خلق الله المرأة بدماغها وقلبها وطبيعتها الخاصة والمميزة عن الرجل ليضمن للجنسين الاستمرار والحياة السعيدة.

فالمرأة عندما تتصدق بشيء من المال فإنها تتخلص من عقدة النقص وتشعر بسعادة غامرة، فقد أثبتت الأبحاث أن التصدق بالمال يزيد من إفراز هرمون السعادة وينشط مركز المكافأة في الدماغ، والصدقة تعوض المرأة عن نقصان إفراز هذا الهرمون.

أما العلاج الروحي فيتضمن الاستغفار، لأن المرأة -كما أثبتت الدراسات العلمية- أكثر تعرضًا للاكتئاب والإحساس بالذنب والخوف من المستقبل والحزن على الماضي، ولذلك فإن الاستغفار وهو اللجوء إلى الله تعالى يضمن للمرأة الإحساس بالسعادة، لأنها تشعر بعد الاستغفار وتكرار الاستغفار سوف تشعر بالتخلص من الذنب وتشعر بقرب الله تعالى وأن الله معها سوف يحفظها ويخلصها من الهموم، فيزداد إيمانها ويزداد إفراز هرمون السعادة، وسبحان الله، هذا ما ينصح به علماء النفس حيث ينصحون المرأة في حالة القلق بضرورة اللجوء إلى شخص قوي بجانبها مثل الزوج أو الأب، وذلك للتخفيف من حدة الاكتئاب، فكيف بمن يلجأ إلى الله ويستغفره ويشعر بالقرب منه؟ (13).

________________

(1) أخرجه الحاكم (8783).

(2) أخرجه مسلم (79).

(3) شرح النووي على مسلم (2/ 68).

(4) إكمال المعلم بفوائد مسلم (1/ 337).

(5) ناقصات عقل ودين/ مركز يقين.

(6) المرأة في موكب الدعوة (ص: 12).

(7) مجلة البحوث الإسلامية، (29/ 100- 102).

(8) نيل الأوطار (6/ 360).

(9) أخرجه البخاري (2731).

(10) صحيح الجامع (7475).

(11) شخصية المرأة المسلمة (ص:412- 414)، بتصرُّف واختصار.

(12) فتاوى الإمام الشعراوي في المرأة (ص: 37).

(13) سلسلة الافتراءات (9) النساء ناقصات عقل ودين/ أسرار الإعجاز العلمي.