logo

التواصل الاجتماعي بين الأسرة والتكنولوجيا


بتاريخ : الأربعاء ، 25 شعبان ، 1437 الموافق 01 يونيو 2016
بقلم : تيار الإصلاح
التواصل الاجتماعي بين الأسرة والتكنولوجيا

إن الله، عز وجل، عندما خلق آدم، عليه السلام، خلق له من ضلعه زوجه حواء، ليسكن إليها ويتآلف معها، وبث من آدم وحواء خلقًا كثيرًا، رجالًا ونساءً، انتشروا في الأرض وسعوا فيها، ليتعارفوا ويتواصلوا فيما بينهم، حتى

يتعايشوا ويتآلفوا.

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].

بعد أن بين المولى، عز وجل، كيف بدأ الخلق، وضح بعدها أهمية التواصل بين الناس وصلة أرحامهم، والآية تحمل على معنيين كلاهما يبين عظم هذا الأمر:

المعنى الأول: واتقوا الله الذي تساءلون به كما تساءلون بالأرحام، فكان يقال: أنشدك بالله والرحم.

والمعنى الثاني: واتقوا الله الذي تساءلون به واتقوا الأرحام أن تقطعوها.

فالإسلام دين التواصل والصلة والاجتماع والتعارف والتآلف، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13].

وقد عاشت الأسرة المسلمة في سنيها الأولى على هذا التواصل وذلك التآلف حتى أيامنا القريبة تلك، حتى جاء القرن العشرين، الذي حدثت فيه ثورة اتصالات لم يكن يتخيلها مخلوق على وجه الأرض، فقد قربت وسائل الاتصال الحديثة بين الأشخاص المتباعدين جغرافيًا، وجعلت العالم يبدو بحق كقرية صغيرة من حيث سهولة التواصل وتبادل المعلومات والخبرات، وإن كانت هذه القرية الصغيرة اتصالًا، لا تزال عالمًا متنائيًا متنافرًا أفكارًا وقيمًا

ولكن المفارقة المدهشة في ثورة الاتصالات أنها قربت المتباعدين وأبعدت المتقاربين، فالمرء يتواصل بانسيابية واستمتاع مع أشخاص من أقاصي الأرض، ويخصص لذلك أوقاتًا غالية، ولكنه يستثقل أن يمر على أمه للاطمئنان عليها، أو أن يمنح أبناءه ساعة من نهار يتعارفون خلالها، أو أن يفارق مقعده ليتنزه مع أصدقائه الحقيقيين.

والمرأة قد يكون لديها عشرات الصديقات من دول مختلفة، فهذه صديقة من الهند، وتلك أخرى من السند، وثالثة من القطب الشمالي، تبني جسور تواصل وتفاهم مع أشخاص مختلفين، ولكنها تضيق ذرعًا ببناء جسر مع جارة قريبة لها ولو بإلقاء السلام، أو تهنئة بالعيد، فجسر التواصل محبب وسهل في العالم الافتراضي، ومع الأشخاص الإلكترونيين، ولكن حاجز الفرقة والانعزال للمقربين مكانيًا، في ذلك العالم الحقيقي الممل التقليدي، الذي لا تديره "الكليك"، وليس فيه خيار "الظهور دون اتصال".

في الحقيقة هذا أمر في غاية الخطورة على الفرد والمجتمع، فالإنسان إذا عاش بتلك الطريقة فسيصبح إنسان توحدي، وفي الحقيقة هناك أطفال كثيرة قد أصيبوا بهذا المرض بسبب تلك التكنولوجيا الحديثة، حيث أن الطفل أمامها يتلقى فقط، ولا يُعمل عقله أبدًا، وبالتالي تجد الطفل بعد سنتين وثلاث سنوات وهو لا ينطق بحرف واحد، كذلك الشاب تجده متفوق في دراسته عنده ذهن حاضر، ولكنه إذا أعطى عقله لهذه الأجهزة جل وقته فإنه يصبح معطل العقل، لأنه كان يتلقى من غير إعمال فكر وتطبيق لما يتلقاه، وبالتالي تقل قدراته الفكرية.

وعندها يصبح عندنا مجتمعًا خاملًا، لا ينتج أفكارًا فضلًا عن المنتجات المادية.

إن مواقع التواصل الاجتماعي مثل "الفيس بوك" و"تويتر" وغيرهما من تلك المواقع، لا شك أنها مفيدة، وأنها تزيد من قدرات بعض الناس حتى في مجال التواصل، ولكن ذلك بشرط التقنين لاستخدام تلك المواقع.

فكثير من مستخدمي تلك المواقع يأتي من عمله أو دراسته مهرولًا إلى منزله، ويدخل سريعًا إلى غرفته، بدون أن يسأل أو يطمئن على أهل بيته من والد ووالدة وزوجة وأولاد، لكي يهرع إلى تلك المواقع، فهذه الحالة، وما أكثرها تلك الأيام، لا شك أنها قد تأثرت تأثرًا سلبيًا بالغًا بتلك المواقع، حتى أصبح التواصل الإلكتروني أفضل عنده وأحب إليه من التواصل الحقيقي الواقعي وليس الافتراضي الذي ربما يكون مزيفًا، بل في أحيانًا كثيرة يكون كذلك.

أما من يستخدم تلك المواقع لأجل الثقافة والتزود من المعلومات، وكذلك تبادل الأفكار والمعلومات، وإثراء الحوار والمناقشات، وكل هذا بدون تعدي على حقوق الأسرة من الاستماع إلى أفرادها والاجتماع بها وصلة الأرحام لكل العائلة، وإضفاء جو من العائلية على الأسرة، وعدم شعور أي فرد فيها بسرقة تلك المواقع لأي فرد من أفراد الأسرة، حينها وحينها فقط نكون قد استطعنا أن نستفيد من تلك التكنولوجيا، وكذلك لم نضر بأسرتنا المسلمة، بل زدنا ترابطًا وتماسكًا وكذلك ثقافة وفكرًا.

بعض التوصيات:

أجرت الباحثة إلهام بنت فريح بن سعيد العويضي دراسة على عينة مكونة من 200 أسرة سعودية في إطار رسالة الماجستير (أثر استخدام الإنترنت على العلاقات الأسرية بين أفراد الأسرة السعودية).

وخلصت الدراسة إلى عدد من النتائج:

1- يعد تأثير استخدام الإنترنت على العلاقات الأسرية بين أفراد الأسر في مجتمع الدراسة تأثيرًا محدودًا ويسيرًا.

2- نصف المبحوثين تقريبًا ينظمون استخدامهم للإنترنت بمستوى متوسط كما أنهم يخضعون لرقابة متوسطة.

3- ارتفاع نسبة أفراد العينة الذين يرون أن الإنترنت ذات تأثير سلبي على المجتمع السعودي دينيًا وأخلاقيًا.

4- توجد فروق ذات دلالة معنوية بين جنس الزوجين وبين تأثير استخدام الإنترنت على العلاقة بينهما.

5- توجد فروق ذات دلالة معنوية بين مدة استخدام الزوج للإنترنت وبين تأثير ذلك الاستخدام على العلاقة فيما بينه وبين زوجته.

6- اتضح وجود علاقة ارتباطيه طردية معنوية بين مدة استخدام الأبناء للإنترنت وبين تأثير ذلك الاستخدام على العلاقة بين الوالدين والأبناء من وجهة نظر الوالدين.

كما قدمت بعض التوصيات:

1- ضرورة توعية أفراد المجتمع بشكل عام والشباب منهم بشكل خاص بما يمكن القيام به من خلال الشبكة وتوجيههم ناحية الاستغلال الأمثل لها بما يعود عليهم وعلى مجتمعاتهم بالنفع.

2- يتضح ضرورة التأكيد على دور الآباء والأمهات في رعاية ووقاية الأبناء من مخاطر الإنترنت من خلال التوجيه والمتابعة والرقابة والتنظيم.

3- إجراء المزيد من الأبحاث في مجال تأثير الإنترنت على الأسرة والمجتمع.

ــــــــــــــــــــ

 المصدر : مجلة البيان.