logo

طفلك ليس أنت


بتاريخ : الجمعة ، 17 محرّم ، 1437 الموافق 30 أكتوبر 2015
بقلم : تيار الإصلاح
طفلك ليس أنت

يحاول كثير من الآباء والأمهات تعليم أبنائهم الصحيح والإيجابي وتعريفهم به؛ وذلك حتى يشب الطفل ويكبر على مثل هذه المعاني، وتلك الأهداف الصحيحة والإيجابية، ثم يحدث أن هذا الطفل يفعل خلاف ما علَّمه والداه، ويتمرد

على ذلك، فيظن الآباء والأمهات أن الطفل قد أخطأ، وأنه لا يريد الالتزام بالآداب والنظام والتربية التي رسمها له والداه، ثم يلجئون إلى التعنيف، سواء بالضرب أو التوبيخ، وهذا خطأ فادح؛ ذلك لأن الطفل ليس مخطئًا، إنما المخطئ هو الوالدان؛ ذلك لأن الوالدين يتعاملان مع الطفل على أنه نسخة مكررة منهما، أي من عالم الكبار، فيقيسان كل ما يقوم به الطفل بمقياس عالم الكبار، فإذا ما أخطأ الطفل، ظن الوالدان أنه أخطأ عن عمد، وأنه لا يريد أن يكون إنسانًا سويًا، وغير ذلك، وذلك خطأ؛ لأن الوالدين لم يفهما عالم الطفل.

أحيانًا حينما يخطئ الطفل لا يخطئ لأنه يريد مخالفة أوامر والديه، وإنما يفعل الخطأ لأنه يريد أن يستكشف وأن يجرب، وأن يفعل أمرًا آخر غير ما اعتاد عليه، فليس الفعل بدافع المخالفة فيسمى خطأ، وإنما بدافع حب الاستكشاف والاستطلاع فلا يسمى خطأ، وإنما يسمى تجربة؛ وبناءً عليه، ينبغي على الوالدين التعامل مع الطفل على أنه بريء.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كل مولود يولد على الفطرة»(1)، فالطفل صفحة بيضاء مولود على الفطرة السليمة النقية، ووالداه يعلمانه الصحيح والطيب والمفيد؛ وعليه، فحينما يفعل الطفل الخطأ يجب التعامل معه على أنه لا يعلم أن هذا خطأ، وبالتالي توجيهه نحو الفعل الصحيح بأسلوب سهل رقيق رفيق.

إن هذا التعامل مع الطفل سيقوي العلاقة والحب بين الطفل ووالديه، وسيقلل من التوتر بين الطفل ووالديه؛ وعليه، سيلجأ دائمًا وأبدًا إلى والديه إذا ما ألمَّ به أي أمر من الأمور، وسينشأ هذا الطفل على مصارحة والديه بكل ما يمر به خلال فترات عمره؛ وبالتالي فإن كل هذا سيعود على الطفل بنتائج حسنة في دراسته، وتواصله مع الآخرين، وذكائه الاجتماعي واللغوي؛ ذلك لأن التعامل مع الطفل خلاف هذا المفهوم السابق يورث الطفل نتائج سيئة وسلبية تتمثل في ضعف التحصيل الدراسي، والانطوائية، والتوحد، والعصبية الزائدة وتأخر النطق، وإذا ما وجد طفل بهذه الصفات السلبية فلا ينبغي على الوالدين أن يعتقدا أنهما والدان سيئان، أو غير مؤهلين لمراعاة طفلهما، فليس المطلوب من كل والد ووالدة أن يكونا ملمين بكل أنواع وطرق التربية والأمراض النفسية والعصبية، وإنما يكفي الوالدين أن يفهما الطفل وعالمه، وما يجيش في داخله، وما يفكر فيه.

فالطفل ليس نسخة مصغرة من عالم الكبار، وبالتالي يقوم الوالدان بإنزال كل تصوراتهما وخلفياتهما على الطفل، وتكون النتيجة الخطأ، وكذلك الطفل لا يعيش في عالم محير، به كثير من الألغاز التي يعجز الوالدان عن فهمها، وإنما الطفل يعيش في عالم بسيط سهل، إذا استطاع الوالدان معرفته فإنهما سيتفهمان تصرفات طفلهما، وسيتعاملان معه بكل انسيابية وسهولة.

ولكي يفهم الوالدان عالم الطفل لا بد من إدراك بعض الحقائق عن الطفل(2):

الحقيقة الأولى: الطفل كيان إنساني سليم، وليس حالة تربوية منحرفة:

وهذا مأخوذ من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «كل مولود يولد على الفطرة»(3)، فلا بد حين يتعامل الوالدان مع الطفل أن يتعاملا بناءً على هذا المفهوم، وهو أن الطفل سليم النفس صحيح، لا يتعمد الخطأ ولا يدركه؛ لأن كل مولود يولد على الفطرة، فكل طفل قد أعطاه المولى عز وجل ملكات وقدرات يعيش بها، ويستطيع من خلالها التعايش في هذه الحياة الدنيا على هدى وصواب؛ وبالتالي، تتمثل وظيفة الوالدين مع طفلهما في تنمية وإنضاج هذه الملكات والقدرات التي وهبها له المولى عز وجل، وليس تقويم تلك الملكات والقدرات ومحاولة تسويتها، فتقتصر وظيفة الوالدين على تقديم يد العون والمساعدة للطفل لتنمية ملكاته وقدراته، ثم بعد ذلك توجيه الطفل بلين ورفق إلى الصحيح والنافع.

الحقيقة الثانية: الواجب عند الطفل يتحقق عبر اللذة وليس عبر الألم:

إن الوالدين إذا قاما بأمر طفلهما بفعلٍ ما، وخوفاه بالضرب أو غيره إذا لم يفعل، فإنهما بذلك قد يضبطان سلوك طفلهما لفترة معينة، لكن الاستمرار في تهديد الطفل بالألم إذا لم يفعل سيهدم بداخله قيمة احترام الواجب والالتزام به، فضلًا عن تلك الآثار السلبية التي ستتراكم في نفس وشخصية الطفل.

لكن حينما يطلب الوالدان من طفلهما القيام بعمل ما فيجب أن يربطا هذا العمل بمحفز، يحقق للطفل متعة منتظرة؛ كنزهة إلى الحديقة أو مكافأة مادية، أو غير ذلك من المتع التي يحبها الطفل، وحينها سيستجيب الطفل؛ بل سيقوم بهذا الواجب وهو يشعر بشيء من المتعة.

وليس كما يعتقد بعض الآباء أن ربط الواجب بالمحفزات، وخاصة المحفزات المادية، قد يوقعهم في تدليل أبنائهم؛ ذلك لأن الدلال هو منح المتعة بدون ربطها بالقيام بالواجب، وغالبًا ما يكون تقديم تلك المتعة استجابة لابتزاز يمارسه الطفل على والديه، أما حينما تعلق المحفز على القيام بالواجب فليس هناك تدليل؛ بل إن ذلك يربي في الطفل حب الواجب والقيام به؛ مما يجعله بعد مرور السنين يحب الواجب، ويتناسى تدريجيًا وجوب أخذ المحفز.

إن تفهم هذا الأمر عند الطفل سيجعل تعاملنا معه أثناء إلزامه بفعل الواجب تعاملًا إيجابيًا، وخاليًا من التوتر، فالواجب عند الطفل يتحقق عبر اللذة أساسًا وليس عبر الألم.

الحقيقة الثالثة: العناد عند الطفل نزوع نحو اختبار استقلاله، وليس رغبة في المخالفة:

ذلك لأن الطفل حينما كان جنينًا داخل بطن أمه كان يشعر أنه عضو من أعضائها، وحينما تحدث الولادة يحدث عند الطفل تشوش بسيط، فهو لا يعرف كيف يستخدم حواسه وأعضاءه، وكيفية إدراك حواسه وأعضائه؛ مما يجعله يحاول اختبار تلك الحواس والأعضاء، وهذا الاختبار يكون بالامتناع عن تنفيذ ما أمره به والداه؛ لأنها هي الوسيلة الوحيدة التي يستطيع تنفيذها، فهو لا يعرف كيف يستخدم حواسه وأعضاءه، وهو ما يسميه الوالدان عنادًا.

إن الطفل أمانة في أعناق والديه؛ لذا يجب عليهما أن يتعاملا معه بكل حرص ولين ورفق، وأن يحاولا فهم طفلهما، وفهم عالمه الصغير الذي يعيش فيه؛ حتى تزداد العلاقة بينهما، ويتعلق الطفل بوالديه أكثر وأكثر؛ وبذلك ينشأ الطفل نشأة صحيحة سليمة، متفوقًا في دراسته، متواصلًا مع أصحابه وأقرانه، يعيش في مجتمع يحبه ويتفاهم معه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) صحيح البخاري (1385).

(2) انظر: المفاهيم السبعة لفهم عالم الطفل، لماهر الملاخ، موقع: الطفل المسلم.

(3) صحيح البخاري (1385).