نفور الأبناء من البيت
يتهرب كثير من الشباب من الخروج أو الجلوس مع والديهم ويميلون بالمقابل لمرافقة الأصدقاء، وغالبًا ما تتسم علاقة هؤلاء بوالديهم بكثير من النفور أو الاقتصار على الأمور الرسمية.
وقد أكدت بعض الصياغات الخاصة بالمفهوم على دور أحد الأبوين في النفور، والذي يوصف بأشكال مختلفة «ببرمجة» أحد الأبوين، واتسام أحد الأبوين بالغضب المشوش، والأوصاف الأحدث التي أثرت على بحث كيلي وجونستون، قدمت تحليلًا أكثر تعقيدًا، حيث يقوم كل فرد من أفراد العائلة بدور، وأقرت وجهة النظر «القائمة على الأنظمة» أن الطفل قد يشعر بالنفور من أحد الأبوين بدون أي سلوك «منفر» من الطرف الآخر من الأبوين.
واستنادًا إلى دراسة تجريبية، فقد تم الاقتراح أيضًا بأن السلوكيات المنفرة من الآباء هي الأساس في حالات الطلاق الناتجة عن الخلاف المتزايد.
يتسم الأبوان المنبوذان، وعادةً الآباء، بافتقار الحميمية والتعاطف مع الطفل، والاشتراك في تربية خالية من المشاعر والسلوكيات الهامة، كما يتسمون بالسلبية والاكتئاب والقلق والانسحاب - وهي خصائص من شأنها أن تؤدي إلى تحفيز الشعور بالنبذ.
قد يقوم أحد الأبوين الذي ينحاز إليه الطفل -الطرف المنحاز إليه من الأبوين- بالمساهمة في إنتاج سلوكيات النفور، وذلك من خلال التقليل من شأن الطرف الآخر: وقد تكون هذه السلوكيات مقصودة ومتعمدة أو غير ذلك قد تعكس انعدام الوعي حول تأثير أفعالهم على أطفالهم.
وتحدث سلوكيات التنافر المباشرة عندما يقوم أحد الأبوين بالتقليل من شأن الطرف الآخر، وذلك بإبداء التعليقات المهينة حول الطرف الآخر أو إخبار الطفل بأن الطرف الآخر هو المسؤول عن الانفصال أو هو سبب المشكلات المالية.
أما سلوكيات التنافر غير المباشرة فهي تحدث عندما يفشل أحد الأبوين في دعم الوصول إلى الطرف الآخر أو التواصل معه، أو يقبل سلوك الطفل وملاحظاته السلبية تجاه الطرف الآخر من الأبوين ضمنيًا (1).
أسباب نفور الأبناء من البيت:
خصائص الشباب:
لا بد من ملاحظة الخصائص النفسية والبيولوجية التي يمر بها الشاب المراهق، والتي تكون عامة لدى جميع الشباب، ولا تقتصر على شعب دون الآخر، إنما تمر على جميع شباب العالم.
في فترة المراهقة يميل عادة إلى الاستقلالية، ويعمل على إثبات الذات وتعميق صلاته مع أصدقائه، في محاولة لإثبات الرجولة بما يسمى بالاستقلال عن محيط الأسرة واكتشاف العوالم الخارجية، وفي هذه المرحلة ينفصل الشاب بشكل تدريجي عن أسرته ومجتمعه بسبب هذه الخصائص، وتزداد هذه الأمور أو تقل حسب الترابط الأسري، فعندما تكون الأسرة غير مترابطة فهذا من شأنه أن يساعد الشاب على المضي في هذا الاتجاه، وبالتالي تصبح عملية متأصلة في نفس الشاب، وتصبح هي الأصل وليس أمرًا عارضًا، وهنا تنقلب المعادلة لأن هذه الأمور من العوارض وليس الأصول.
ابتعاد الوالدين:
بعض الشباب يعانون من ابتعاد آبائهم عنهم، وعدم سؤالهم عن أبنائهم بسبب انشغالهم بالعمل، أو بسبب السفر المتكرر، أو مرافقة الأصدقاء للاستراحات والمقاهي، فهذا الأمر يعزِّز من تعميق الفجوة بين الشاب وأسرته.
فيضطر الابن إلى الانفكاك عن محيط الأسرة أسوة بوالده الذي سبقه في هذا، ولم يمنح أسرته الوقت والاهتمام الكافي، ويجد الشاب الحرية وعدم رقابة الوالد الذي من المفترض أن يكون قريبًا من أبنائه.
يبدأ الشاب في هذه المرحلة في البحث عن وسائل الترفيه مثل الرياضة أو الرحلات البرية أو الذهاب للمقاهي والأندية، وهذه بحد ذاتها من مطالب النمو النفسي، لكن معظم الشباب لا يقفون عند هذه المطالب فقط؛ بل يتجاوزوها لحد الانفصال التام عن مجتمعاتهم.
بعض الآباء يساهمون في تعميق هذه الفجوة مع أبنائهم بالتعامل غير الواعي معهم، فالشباب يحتاج لنوع من التعامل، فالقسوة في التعامل والرقابة الزائدة تجعل الشاب يحاول الهروب من هذا الواقع والابتعاد عن الأسرة خوفًا من التصادم المستمر مع الأب والأم، لذلك يميل إلى الخروج مع أصدقائه.
طريقة التعامل:
من المفترض على الآباء أن يعلموا بأن أبنائهم يحبون أن يتعامل معهم آباؤهم بطريقة تتناسب مع عقلياتهم، فيجب على الأب أن يتعامل مع الابن بعقليته، كما يجب على الابن بالمقابل أن يحترم ما يريده الوالد، وإذا تم ذلك سيعيش الأب والابن في انسجام عائلي وأسري جميل، ومتى ما وجدت فجوة بين الأب والابن حول أسلوب التعامل، سيبحث الابن عن صديق يتواصل معه ويبثه همومه وأحلامه بدلًا عن العائلة.
الأب هو من يحمل صفة المسؤولية؛ لذلك عليه أن ينظر لابنه نظرة مختلفة، وأن يتعامل معه بواقع العصر، حتى يستطيع أن يكسب ابنه، ومتى ما وجد الانسجام في التعامل فإنه سيحدث التوافق في جميع أمور الحياة.
حب الأب لابنه يجعله كثير النصائح والتوجيهات التي ينتج عنها حدوث الملل، فحب الأب الشديد لابنه يجعله يملي عليه أن يفعل كذا وكذا، فالأب هو الموجِّه لأسرته يدفعه لتوجيه الابن، لكن ينبغي أن يكون بطريقة سلسة ومباشرة، وللأسف بعض الآباء ينصح أبناءه أمام زملائه وإخوانه مما يدفعه للشعور بالحرج، وهذه من الأشياء التي على الآباء مراعاتها مع عدم تكرار النصح المباشر، وعلى الأبناء أن يعلموا أن جلوسهم مع والديهم يحقق لهم سعادة يؤجرون عليها.
لغة العصر:
إن الانفتاح الذي حصل في المجتمع هو السبب في حدوث الفجوة بين الآباء والأبناء، فالحياة التي عاشها الآباء قبل ثلاثين أو أربعين سنة لم يكن بها مثل هذا الانفتاح، فالابن الآن يرى أن هناك فجوة بين تفكيره وتفكير والده؛ خاصة إذا كان الابن يدخل على مواقع النت ويشاهد وسائل الإعلام، بخلاف الوالد الذي لم يعش مثل هذه الأشياء، فالأبناء يحسون بوجود فجوة بين تفكيرهم وتفكير والديهم، ويرونهم من أصحاب "العقليات القديمة"، لذلك لا يمكن أن يتفاهموا معهم اعتقادًا بأن الآباء لا يفعلون سوى إصدار الأوامر وعلى الأبناء التنفيذ، وكثير من الآباء لا يقبلون أن يناقشهم أبناءهم في أوامر أصدروها من باب إبداء الرأي.
المشاكل الزوجية:
فتجد الأم والأب كل يوم في معركة مما يؤثر على الأبناء، فتجد الابنة ترضى بالزواج من أي شاب يتقدم لها دون السؤال عنه هروبًا من المنزل، والابن يدخل إلى الأحداث بسبب هروبه من الواقع إلى المشكلات، إن حدوث المشاكل بين الزوجين أمر طبيعي فهو جزء مهم في التربية يتعلم من خلاله الأبناء أن من الطبيعي عند حدوث خلاف بين أي طرفين كل شيء يرجع لطبيعته، ولكن استمراريتها بشكل يومي لها أثر على جميع المراحل العمرية فتسبب العدوانية لدى الطفل، وعدم القدرة على التعبير، وعدم معرفة التعامل مع الآخرين وكثير من المشاكل.
إهمال الأبناء:
فلا اهتمام بتعليمهم ولا نفسياتهم ولا آلامهم، والاعتماد على الخدم في تربيتهم، فيعيشون كالأيتام لا يحملون أي مشاعر تجاه الوالدين نتيجة بعدهم، وينتج عن ذلك زيادة كره الأبناء لهم والنفور من المنزل.
قال ابن القيم: فمَن أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سدى فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبَل الآباء، وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه؛ فأضاعوهم صغارًا....... إلى أن قال: وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله وترك تأديبه، وإعانته على شهواته، وهو بذلك يزعم أنه يكرمه وقد أهانه، ويرحمه وقد ظلمه، ففاته انتفاعه بولده، وفَوَّت على ولده حظه في الدنيا والآخرة ... إلى أن قال رحمه الله: وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء (2).
سخرية الوالدين بالأبناء والاستهزاء بقدراتهم:
ومن السلوكيات التربوية الخاطئة التي يتبعها الوالدان مع ابنهما هي السخرية عليه والحط من قدراته وصفاته، كأن يقوم الوالدان أو أحدهما بالتوبيخ عبر مجموعة من الألفاظ البذيئة التي تصف هذا الابن بالسلبية وتحقر من مستواه وتقلل من قدراته وأهمية وجوده، ولا تنظر لما يقوم به بعين الاهتمام، إضافة إلى عدم الاهتمام بهذا الطفل وبأي سلوك يقوم به والتقليل منه وعدم تعزيزه وتنميته، وتصيد أخطائه وتضخيمها والتركيز عليها دون النظر إلى الإيجابيات.
وقد تكون السخرية موجهة نحو صفات جسمية ليس للابن ذنب فيها كالبدانة أو النحافة، أو نحو أحد أعضاء الجسم، وقد تكون نحو سلوكيات معينة كطريقته في الطعام أو اللباس أو المشي، أو نحو اهتماماته وميوله، أو أصحابه، أو نحو تحصيله الدراسي، أو سماته النفسية والانفعالية واستجابته للمواقف الاجتماعية كالخجل والقلق والتردد وغيرها من الأمور التي تحتاج إلى متابعة الأسرة ومساندة الابن، الأمر الذي جعل البعض يدرج السخرية تحت فئة العنف النفسي نحو الأطفال، لما تتركه من بصمات على حياته المستقبلية، وتوقع الأذى النفسي فيه.
ويؤدي هذا النوع من التعامل السلبي مع الابن إلى نظرته السلبية لذاته، وبناء صورة مشوهه عن نفسه، فهو لا يستطيع إلا رؤية الأخطاء والعثرات وجوانب الضعف التي يسلط والداه عليها الضوء ويصفونهما بها، ولا يستطيع رؤية قدراته وإمكاناته مهما عظمت، حيث يميل سلوكه إلى التردد وعدم الثقة بالنفس، وأحيانًا الميل للعزلة والانسحاب تجنبًا للآخرين وانتقاداتهم، فهو يتوقع أن ينظر له الآخرون كما ينظر له والداه، بل لا يستطيع سوى النظر إلى ذاته إلا عبر المنظار الذي يراه فيه والداه وحكما به عليه، وتبدأ الفجوة بين ذاته المدركة وذاته الحقيقية بالاتساع.
التفرقة بين الأبناء وعدم العدل بينهم:
ولا يقتصر هذا على العطايا فحسب، بل يجب العدل بينهم بالمشاعر فبعض الآباء يميز واحدًا من أبنائه عن غيره من أخوته فيتولد بذلك البغض والكراهية بين الأبناء (3).
وإن كنا لا نستطيع مصادرة القلوب، وأن نجعلها تقسم الحب بالتساوي، فيجب أن يظهر هذا في الأعمال المادية، من التسوية بين الأبناء في العطية، والابتسامة والقبلات وغيرها قدر الإمكان، وقد رفض الرسول أن يشهد على هبة والد لأحد أبنائه، وقال له: «فإني لا أشهد على جور» (4)، وهذا يعني أنه قد يكون في القلب حب زائد لولد دون آخر، بشرط أن يبقى شيئًا قلبيًا «اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك» (5).
والمفاضلة تختلف؛ فمنها المفاضلة في العطاء، والمفاضلة في المعاملة، والمفاضلة في المحبة، أو غير ذلك من المفاضلة والتمييز الذي ذمه الشرع وحرمه ومنعه، لما يسببه من أسباب وخيمة، وعواقب جسيمة، وهناك من الآباء والأمهات من لا يعدل بين أبنائه ظلمًا وجورًا، وإجحافًا وتعسفًا، فيقع في الحرام وقد لا يدري.
وكم هي المآسي والأحزان التي تعج بها بعض البيوت نتيجة للظلم والتمييز العنصري، والتفريق بين الأبناء، وعدم العدل بينهم، مما تسبب في وجود الكراهية والبغضاء بين الأخوة في البيت الواحد، والسبب هم الآباء، وعدم اتباع الكتاب والسنة في مثل تلك الأمور والمنحدرات الخطيرة التي تؤدي بالأسرة إلى الهاوية والعياذ بالله.
فظاهرة عدم العدل بين الأولاد لها أسوأ النتائج في الانحرافات السلوكية والنفسية، لأنها تولد الحسد والكراهية، وتسبب الخوف والحياء، والانطواء والبكاء.
السخرية والاستهزاء:
للأسف بعض الآباء يستهزئون بأبنائهم أمام الغرباء أو حتى الأقارب، ويظنون أن هذا سيكون مجرد موقف عابر لن يتأثر به الطفل ولن تتأثر به شخصيته، أو ربما يظنون أن هذا سيصلح من شأنه لكن في الحقيقة أن الابن تتولد لديه مشاعر كراهية ونفور تجاه أبويه يكون من الصعب تغييرها.
فساد الأخلاق:
يظن الآباء أن الأبناء خاصة في المراحل الأولى من عمرهم لا يدركون معنى الأخلاق وقيمتها، فيتصرفون بانحراف أو بشكل سيء أمام أبنائهم، ويطلقون عبارات وألفاظ تسيء لهم أمام أبنائهم، وتجعلهم يشعرون بالتناقض بين نصائح أباءهم وبين أفعالهم، ومن ثم يشعرون بالنفور منهم، ويرفضون تنفيذ أوامرهم.
إنّ منافذ اللّهو ومعاقل الفساد، وأوكار الـشرّ ومواطن الكسل، ومكامـن الخمول الّتي تستهوي شبابنا اليوم، تقضي على دوره الإيجابي في المجتمع، وليس هناك أكثر من سبل الشّيطان ومغاويه في الحياة، وليس أسهل من الوقوع في شركها حينما تنقاد النّفس مع شراع الشّهوات والملذّات المستهوية.
البخل:
الأب والأم اللذان يتسمان بالبخل العاطفي أو المادي يفسدان مراحل الطفولة والمراهقة لدى الأبناء، فما يشعر به الأبناء من قسوة وبخل يجعلهم ينفرون من آبائهم.
القسوة:
بالطبع إن العنف اللفظي أو الجسدي ضد الأطفال يشوه العلاقة بينهم وبين أباءهم، فبدلًا من أن يكون الأب والأم مصدر الأمان والحماية، يصبحان مصدر الخوف والفزع بالنسبة لأبنائهم مما يدفعهم حتمًا للنفور والرغبة الدائمة في البعد.
انعدام التقدير:
هذه آفة تربوية متشعبة الأضرار والمخاطر، فسعي الآباء للكمال يجعلهم يضاعفون المسؤولية والحمل على أبنائهم، ولا يقبلون بأي تقصير أو خطأ مهما كان بسيطًا ويمكن تجاوزه، وفي المقابل لا يبدون إعجابهم بإنجازات أبنائهم التي ربما تكون عظيمة في نظر الابن وكل ما يأمل به هو سماع كلمة "أحسنت"، لكن على العكس لا يجد سوى التوبيخ واللوم والاتهامات المتلاحقة، وهنا تتهيأ عقلية الطفل ونفسيته للنفور من أبويه.
إيذاء الأم:
فالأبناء يحبون أمهاتهم بفطرتهم خصوصًا مع حنانها ورقتها وعطائها لهم، فإذا قسا الأب عليها أو آذاها تولدت الكراهية في قلوب الأبناء تجاه أبيهم، خصوصًا كونهم غير قادرين على ردعه عنها ودفع أذاه عن أمهم، فيكبر في صدورهم كرهه والرغبة في البعد عنه.
كل هذه الأسباب كفيلة أن تنفر الأبناء من البيت مما يؤدي إلى ضياعهم، فمن الممكن أن يتجه الأبناء إلى أصدقاء السوء هربًا من البيت، بالإضافة إلى المشاكل النفسية التي سوف تؤثر عليهم مستقبلًا، لذا على الوالدين أن يعاملوا أبناءهم معاملة حسنة، وأن تكون العلاقة بينهم علاقة صداقة لكسب قلوبهم، وبذلك عند حدوث أي مشكلة للأبناء سوف يتجهون لذويهم لانعدام الحواجز بينهم.
مراحل نفور الأبناء من آبائهم؟
في الغالب توجد خمس مراحل لحدوث النفور بين الأبناء وآبائهم، ولكن لا يشترط أن يبدأ كل الآباء من نفس المرحلة، وكذلك لا يشترط أن يتفقوا على مرحلة معينة للانتهاء عندها، فالأمر يختلف من شخص لآخر، وبحسب طبيعة العلاقة والثقافة السائدة داخل الأسرة أو المجتمع بشكل عام، وإليكَ هذه المراحل:
الصدمة: في هذه المرحلة تبدأ العلاقة بين الأب والابن في التوتر، ويلاحظ الأب تمرد ابنه وعصيانه، وغالبًا ما تنتهي هذه المرحلة بالإنكار حيث أن الأب يأبى أن يقر بفشله في تربية هذا الابن، ويدفعه الشعور بالصدمة لتجاهل الأمر مبدئيًا أو إنكاره تمامًا.
الغضب: بعد تكرار الصدمات والمواقف التي تؤكد للأب نفور الابن منه، يبدأ الأب في الخروج من دائرة الإنكار والصدمة، ويظهر غضبه تجاه تصرفات ابنه، وتبدأ حدة العلاقة بينهما تزداد تدريجيًا، وغالبًا ما تنتهي هذه المرحلة باليأس من الابن وفقدان الأمل في إصلاح ما فسد في العلاقة.
المساومة: يبدأ الأب بعدما وضحت ملامح العلاقة بينه وبين ابنه بمساومة الابن على تلبية طلباته واحتياجاته مقابل تقديم الطاعة والانصياع للأوامر وتنفيذها، وربما يحدث أن الابن هو الذي يساوم والده على الطاعة، وأيًا كان الطرف الذي يقدم المساومة ففي النهاية غالبًا ما تنتهي تلك المرحلة أيضًا بالفشل، وزيادة الخلافات بين الطرفين ويعود الأب للشعور باليأس من جديد.
الحزن والتسليم: بعدما بات الوضع بين الأب وابنه أمرًا واقعًا لا بد منه ولا مفر، يلجأ الأب إلى الاعتراف وقبول ما وصلت إليه الأمور، ولكن يلجأ الكثير من الآباء لمحاولة تغيير هذا الوضع، فغالبًا ما تنتهي تلك المرحلة بالرغبة في البحث عن مخرج آمن من تلك الأزمة، ورغبة حقيقية في الإصلاح والتغيير.
الإصلاح: هنا يبحث الأب ويبذل ما في وسعه لمعرفة الأسباب وكيف يمكن أن يتعامل مع تلك الأزمة حتى لا تتفاقم ويستحيل حلها، بعدما أتعبه طول الشقاق والخلاف بينه وبين ابنه، ويسعى جديًا لاحتضانه من جديد وتقليص المسافات بينهما (6).
عليك أن تنتبه جيدًا لما يجعل الابن الطبيعي ينفر من والديه، وعليك أيضًا مراجعة سلوكك وتصرفاتك داخل نطاق أسرتك وخارجها، فربما لا تلقِ بالًا لقول أو فعل وهو بكل تأكيد يكون السبب الأول والشرارة التي أشعلت الكره والنفور في نفس ابنك تجاهك.
ويجب أن تكون حذرًا تجاه عاطفة ابنك وعقليته فهو لا ينسى ما تقوله، ولا تأمره بفعل ما وتفعله أنت كي لا تفقد ثقته واحترامه لك.
لا تقلل من شأنه أمام الآخرين ولا تستهزئ به أو بمشاعره فهو مهما كانت طبيعته وشخصيته ما زال طفلًا يؤثر فيه التشجيع والتوبيخ.
وتذكر أنك أنت المسؤول الأول عن شكل العلاقة بينك وبين أبنائك، فقبل أن تغضب من ابنك الذي يعصيك أو يتعمد استفزازك ويتمرد عليك راجع علاقتك به أمام الناس، وهل تقدره حقًا؟ هل تشعره بتميزه وذكائه؟ هل ترفع دومًا من شأنه أمام الآخرين؟ هل تقدم له الدعم الذي يحتاجه حقًا؟ هل تكتفي بدعمه ماديًا أم أنك تدرك أهمية الدعم النفسي والمعنوي؟ هل تكلفه ما لا يطيق وتطلب منه الكمال والمثالية في كل شيء؟ أجب عن هذه الأسئلة بصدق أولًا ثم بعد ذلك أجب لماذا يتمرد عليك أو ينفر منك.
كيف أتعامل مع نفور ابني؟
إن كنت بالفعل أدركت أن علاقتك بابنك تمر بإحدى مراحل النفور المذكورة سابقًا، عليك الانتباه جيدًا لما يجب فعله وتنفيذه بجدية واهتمام:
تجاوز الصدمة: تجاوز الصدمة وابحث عن الحل في مرحلة الصدمة، حين تدرك أن هناك أمرًا غير مألوف في علاقتك بابنك ثم تتساءل في ذهول "أيعقل أن يحدث هذا؟ كم كنا قريبين!"، هذا يعني أنه ليس بالضرورة أن ينشأ الطفل على النفور، فربما كان حقًا أقرب ما يكون من أبويه ولكن حدثت بعض الأمور التي أفسدت العلاقة، وهنا ما دمت أدركت، فلا تنشغل كثيرًا بالوقوف مذهولًا ومصدومًا مما وصل إليه الوضع، وابحث عن السبب الذي أدى إلى ذلك واسع لإيجاد حل فوري للأزمة، فإدراكك السريع للصدمة وتجاوزك السريع لها يساعدك على تدارك الخطأ وتصحيحه قبل أن يتفاقم الأمر وينفر منك ابنك للأبد.
لا تساوم: إن كنت في مرحلة المساومة توقف عن ذلك فورًا، فأنت تزيد الأمر سوءًا لأنك لا تتقرب من ابنك ولا تقربه منك بمساومته على طاعتك ومحبتك، بالعكس فأنت تؤكد له بشكل غير مباشر أن تقبلك له ومحبتك له مشروط ومرهون فقط بتنفيذ أوامرك، فهو على أفضل الاحتمالات ربما يجاريك كي ينال ما يريده، وبذلك تكون قد أعددت منافقًا خالصًا، لذلك لا تساوم واسع للحوار والمناقشة بعطف ووضوح وكُن له الأب الذي يسعى هو لإرضائه والتقرب منه دون شرط.
كن إيجابيًا: يجب ألا تمكث كثيرًا في مرحلة اليأس والقبول والتسليم، وكن إيجابيًا ومبادرًا دائمًا، واعلم أن حرصك على كسب ابنك يجب أن يكون أهم لديك من حرصك على ضمان طاعته وتنفيذ أوامرك (7).
-------
(1) النفور من الآباء/ ويكيبيديا.
(2) تحفة المودود بأحكام المولود (ص: 229، 242).
(3) ما سبب نفور الأبناء من المنزل/ موقع مقالات إسلام ويب.
(4) أخرجه مسلم (1623).
(5) أخرجه الحاكم (2761).
(6) أسباب نفور الأبناء من الآباء وكره الأهل/ حلوها.
(7) المصدر السابق.