التشجيع المشروط
لقد جعل المولى تبارك وتعالى لعباده المؤمنين جائزة عند انطلاقهم إلى الجهاد في سبيله عز وجل، سواء كانت لهم الدائرة أو عليهم، وذلك تشجيعًا لهم على الجهاد في سبيل الله والإقدام في المعركة، فينطلق الإنسان المؤمن في سبيل الله وهو رابح في أي الحالتين، قال تعالى: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ} [التوبة:52]، وقد وعدهم المولى عز وجل بالغنائم مع الفوز بالجنة كذلك، وذلك إذا جاهدوا في سبيل الله، وأخلصوا نية الجهاد لله عز وجل، لا لعصبية أو غيرها، قال تعالى: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ} [الفتح:20].
وكذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع مُسلمة الفتح، حينما شجعهم على الإسلام وثبّتهم عليه، وذلك من خلال تأليف قلوبهم على الإسلام بالمال.
وأيضًا كان النبي صلى الله عليه وسلم يستخدم التشجيع والتعزيز على السلوك الحسن عن طريق الدعاء، ففي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الخلاء، فوضعت له وضوءًا قال: «من وضع هذا»، فأخبر، فقال: «اللهم فقهه في الدين».
فالتشجيع والتحفيز والمكافأة والجوائز، مقابل الأعمال الحسنة الطيبة، من الأمور الجيدة التي تساعد على تحسين سلوك الأبناء، ولكن بشرط ألا يكون هذا العمل من الأعمال الواجبة التي ينبغي على الابن القيام بها.
إن التشجيع والتحفيز والمكافأة أمر طيب؛ بل هو عنصر مهم من عناصر التربية، ولكن ينبغي أن يكون هذا التشجيع المشروط بمكافأة ضمن حدود معينة؛ لأنه إذا ما تجاوز هذه الحدود تحول هذا التشجيع إلى عنصر مدمر ومفسد للتربية تمامًا.
فالتشجيع المشروط بجائزة على فعل واجب، أو الكف عن سلوك سيء أمر خطير جدًا؛ ذلك لأن التشجيع سيتحول إلى شرط للقيام بالعمل الواجب، أو الكف عن العمل المنهي عنه، وبالتالي سيمتنع الابن عن أداء الواجب عند غياب الحافز، وكذلك لن يكف عن الأمر غير الحسن عند غياب المكافأة، وبذلك يصبح الدافع في أفعاله هو المكافأة.
"لا يجوز إثابة الطفل على عمل يجب عليه أداؤه؛ لأن ذلك يجعله شخصًا نفعيًا ماديًا، لا يؤدي عملًا إلا إذا أخذ مقابلًا، ويتحول التشجيع أو المكافأة إلى رشوة حقيقية، ندفعها للطفل لنضمن بها قيامه بالسلوك الطيب، أو التوقف عن السلوك المعيب، وبذلك تفقد الأعمال في نظره قيمتها الذاتية، وتتحدد قيمتها لديه بمقدار ما يجنيه من ربح بسببها، ويكون التطور المنطقي لهذه الحالة أن يفقد الطفل ذلك الحماس الدافع إلى الأعمال إذا ما توقفت الرشوة، أو تعرضت للتخفيض"(1).
وأما الجهاد في سبيل الله، ونشر دين الحق، وذود المؤمنين عن دينهم وعرضهم وأرضهم ومالهم وأهلهم إذا اعتدى عليهم معتدٍ، هذا الجهاد جعل الله تبارك وتعالى المكافأة عليه خالصة للذي يخلص من عباده في جهاده، وإلا فهناك من يخرج مع المجاهدين في سبيل الله وهو غير داخل في نطاق تلك الجائزة والمكافأة؛ كمن يقاتل عصبية أو حمية أو غير ذلك، وهذا الإخلاص لا يعلمه إلا المولى عز وجل؛ لذلك جعل المولى عز وجل هذا التشجيع المشروط قبل العمل الواجب لعلمه سبحانه بما تُكِنُّ الصدور.
أما الآباء والأمهات في تعاملهم مع أبنائهم فإنهم لا يعلمون مكنونات صدور الأبناء، وهل سيقوم بهذا العمل لأنه يعلم أنه يجب عليه ذلك، أم أنه يقوم به فقط لأجل الحصول على المكافأة، وبالتالي مع تكرار المرات وتعداد المواقف يتحول الواجب إلى عمل نفعي بحت.
وفي المقابل، لا يعني عدم جعل التشجيع والمكافآت شرطًا للقيام بالعمل الواجب أن نحرم الأبناء من المكافأة والتشجيع على العمل التطوعي، فلا يوجد مانع من التشجيع على مثل هذه الأعمال بكلمة مدح، أو بدعاء جميل، أو بهدية رمزية، لكن هذا لا بد وأن يكون بعد التأكد من أن الابن قد بذل ما يقدر عليه، وأنه فعل هذا الأمر لأنه عمل طيب وحسن، وفيه منفعة له أو لغيره، وأنه يعلم أن خلاف هذا العمل لا ينبغي له القيام به، ثم يجب ربط الهدية والمكافأة بما قام به، فنقول: "أحسنت فيما قمت به، لقد اجتهدت وأبليت حسنًا فيما قمت به من عمل، وتستحق تقديرًا على هذا العمل الطيب".
وكذلك لا بأس بمكافأة الأبناء على الأعمال الواجبة إذا بذلوا فيها جهدًا وأتقنوها، ولكن بشرط ألا تكون المكافأة سابقة على العمل؛ أي: لا تكون شرطًا للقيام بالعمل؛ بل تكون مكافأة على اجتهاده وإتقانه، لا مكافأة على الواجب الذي أداه، ويجب تنبيه الابن إلى ذلك.
فتشجيع الأبناء أمر مطلوب لتحفيزهم، ولالتزام السلوك الطيب، ومحاولة تغيير السلوك المعيب وغير المرغوب فيه، ولكن بشرط ألا يكون هذا العمل الطيب من الأعمال الواجبة على الأبناء، مع أنه لا بأس بإثابة الأبناء على الأعمال الواجبة التي يتقنوها ويحسنوا إنجازها، ولكن تكون الإثابة على الإتقان لا على العمل نفسه، وتكون الإثابة بعد الانتهاء من العمل وليست تشجيعًا مشروطًا يوضع قبل العمل، وكذلك لا بأس من التشجيع المشروط على الأعمال التطوعية، التي لا يجوز القهر على أدائها، مع التيقن التام من أن الأبناء قد بذلوا جهدًا طيبًا في أداء هذه الأعمال الطيبة، وعلمهم بفضل تلك الأعمال، وأنه لا يجب الإتيان بنقيضها.
ــــــــــــ
(1) سياسات تربوية خاطئة، محمد ديماس، ص50-51، بتصرف.