logo

نصائح للأسرة في العيد


بتاريخ : الثلاثاء ، 26 شوّال ، 1444 الموافق 16 مايو 2023
بقلم : تيار الاصلاح
نصائح للأسرة في العيد

العيد فسحة واسعة من الفرح، وفرصة رائعة لنبذ الحزن والهموم والغموم؛ لأن فرحة العيد شيء فطري ينبع من الأعماق، تأتي دون أي تخطيط مسبق، إذ تأتي مثل نسمة ربيع هادئة تهب على القلب وتسعده، وتشعل فيه قناديل الفرح، كما أن فرحة العيد هي أكثر ما يربط الإنسان بطفولته؛ لأن الطفولة هي الأكثر ارتباطًا بهذه الفرحة التي تزينها ملابس العيد الجميلة، ومعايدات الجدات، وفرح الآباء والأمّهات، والرحلات الجميلة، ففي العيد تجتمع كل أسباب الفرح، ويتهيأ القلب ليرسم الضحكة في كل معالم الجسد ليعيش فرحة العيد بكامل تفاصيلها دون أي تعكير لصفوها.

وتتميز فرحة العيد بأنها متجددة لا يشوبها الملل، مهما تكررت أو طال بها العمر أو الأمد، ففي العيد يفرح الكبار والصغار، ويبتهج الأبناء والبنات، وتفوح من البيوت روائح السعادة والسرور، وأجمل ما تتجلى به فرحة العيد عند اجتماع الأهل والأحباب والأقارب لتبادل معايداتهم وضحكاتهم، وليتباهوا بما حضروه من فرح جديد وملابس جميلة وهندام أنيق، فللعيد نكهة التميز التي تمنح إحساسًا رائعًا لا يمكن أن يولد إلا في العيد، وعند سماع تكبيراته التي تصدح بها المآذن.

عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بعاث، قالت: وليستا بمغنيتين، فقال أبو بكر: أمزامير الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك في يوم عيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا بكر، إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا» (1).

قال القاضي: إنما كان غناهما بما هو من أشعار الحرب والمفاخرة بالشجاعة والظهور والغلبة، وهذا لا يهيج الجواري على شر، ولا إنشادهما كذلك من الغناء المختلف فيه، وإنما هو رفع الصوت بالإنشاد، ولهذا قالت: وليستا بمغنيتين، أي ليستا ممن يغنى بعادة المغنيات من التشويق والهوى، والتعريض بالفواحش، والتشبيب بأهل الجمال وما يحرك النفوس ويبعث الهوى، والغزل كما قيل: "الغناء رقية الزنا"، وليستا أيضًا ممن اشتهر وعرف بإحسان الغناء الذي فيه تمطيط وتكسير، وعمل يحرك الساكن، ويبعث الكامن، ولا ممن اتخذ ذلك صنعة وكسبًا، والعرب تسمى الإنشاد غناء، وليس هو من الغناء المختلف فيه، بل هو مباح، وقد استجازت الصحابة غناء العرب الذي هو مجرد الإنشاد والترنم، وأجازوا الحداء وفعلوه بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي كل هذا إباحة مثل هذا وما في معناه، وهذا أو مثله ليس بحرام (2).

وقال الطيبي: وهذا اعتذار منه عليه الصلاة والسلام بأن إظهار السرور في يوم العيدين شعار أهل الدين، وليس كسائر الأيام (3).

فالعيد منحة إلهية تأتي بعد عمل الطاعات، فيأتي لينفض غبار الأيام والتعب عن القلب، ومهما كان القلب حزينًا إلا أنه لا بد له وأن يشعر بجلالة قدوم العيد، ولا بد أن يشعر هيبة حضوره، خصوصًا أن الفرح في العيد سُنّة يجب عدم تضييعها أبدًا مهما كانت الظروف قاسية، وحتى وإن لم يجلب الشخص ملابس جديدة، حتى إن كان مغتربًا أو بعيدًا أو أن فرحته ناقصة، إذ يجب أن يفرح الإنسان بالعيد حتى لو كانت فرحة العيد بينه وبين نفسه، فهذه الفرحة الجميلة تجوب القلوب والشوارع والبيوت، وتقفز من عيون الناس ليلتقطها كل متفائل يحب الحياة، لهذا يقولون دومًا عن العيد بأنّه فرحة، قال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58].

فالعيد جعل للفرح والسرور لا لتجديد الهموم والأحزان، قالت عائشة رضي الله عنها: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسترني، وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد، فزجرهم عمرُ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «دعهم، أمنًا بني أرفدة» (4).

قال ابن حجر: فيه تعليل الأمر بتركهما، ... أي يوم سرورٍ شرعي، فلا ينكر فيه مثل هذا، كما لا ينكر في الأعراس (5).

قال ابن عابدين: سمّي العيد بهذا الاسم لأنّ لله تعالى فيه عوائد الإحسان، أي: أنواع الإحسان العائدة على عباده في كل عام، منها: الفطر بعد المنع عن الطعام، وصدقة الفطر، وإتمام الحج بطواف الزيارة، ولحوم الأضاحي وغير ذلك، ولأنّ العادة فيه الفرح والسرور والنشاط والحبور غالبًا بسبب ذلك (6).

ففي العيد يستروح الأشقياء ريح السعادة، ويتنفس المختنقون في جو من السعة، وفيه يذوق المُعدمون طيبات الرزق، ويتنعم الواجدون بأطايبه.

ففي العيد تسلس النفوس الجامحة قيادها إلى الخير، وتهش النفوس الكزة إلى الإحسان، وفي العيد تنطلق السجايا على فطرتها، وتبرز العواطف والميول على حقيقتها.

ورغم ما يفترض في العيد من الشعور بالسعادة وهدوء النفس واجتماع العائلات، فإن البعض يشعر بالملل والإحباط فيه، كما تنشأ أحيانًا الخلافات الزوجية والأسرية قبله وأثناءه، ويتحول وقت السرور إلى غضب وعصبية وضيق، ولهذا نستعرض أسباب المشكلات والمشاعر السلبية التي قد تسلب فرحة العيد، ونقدم أفكارًا ونصائح للأسرة في العيد.

أسباب الخلافات في أيام الأعياد:

هناك العديد من الأسباب والأحوال التي تؤدي إلى وقوع الخلافات، وضيق النفوس في أيام العيد، وأهمها:

الضغوطات المالية: نتيجة كثرة الطلبات والمشتريات والتجهيزات، مما يدفع بالبعض إلى تحمل الديون لشراء الملابس والحلوى، أو السفر والتنزهات، وإعداد العزائم المبالغ فيها.

ولا شك أن التسابق في الشراء، والإسراف والمبالغة في المظاهر يؤدي إلى ضغط كبير مادي ومعنوي يضيع روح العيد القائمة على المحبة والبساطة والراحة والاستجمام بعد شهر الصبر والاجتهاد في العبادات.

وشراء الملابس الجديدة، والاهتمام بالبيت، أو التحضير للتنزهات من الأمور الجميلة التي تعزز مشاعر السعادة بالعيد، ولكن المشكلة في الإسراف والتفاخر، واللجوء للاستدانة وإرهاق ميزانية الأسرة، مع الأخذ في الاعتبار غلاء الأسعار وجشع التجار واستغلال هذه المناسبات.

إهمال الشريك والأولاد: العيد فرصة رائعة لتجمع الأسر والعائلات وصلة الأرحام، ولكن البعض يفضل مساحته الشخصية وأنشطته الفردية، أو تجمعات الأصحاب على حق الأهل، مما يُشعر الشريك والأبناء، أو الوالدين والإخوة بعدم أهميتهم، وضياع حقهم، ويتسبب في شعورهم بالحزن وخيبة الأمل.

مشكلات النوم والأكل: التغيير المفاجئ في النظام الغذائي قد يتسبب في متاعب للمعدة، وسوء الهضم، كما يسبب عدم انتظام النوم الإرهاق وسرعة الغضب، أو ضياع يوم العيد في النوم تعويضًا للسهر الطويل.

تعارض الرغبات: كأن ترغب الزوجة في قضاء العيد وسط أهلها وبصحبة زوجها وأولادها، ولكن زوجها في المقابل يريد الشيء ذاته مع أهله، ويصر كل منهما على أحقية أهله بأول يوم، أو أن يرغب الأطفال في الذهاب إلى مدينة الملاهي بينما يفضل الوالدان الراحة في البيت ومشاهدة التلفاز.

المقارنة: مقارنة النفس والحال مع الغير من أقصر الطرق للتعاسة، كما أنها غير منطقية ولا واقعية، فلكل إنسان ظروفه، ولكل أسرة حالها، وكثيرًا ما تكون المظاهر خادعة، فكثرة النفقات، ونوعية الملابس والفسح لا تعبر بالضرورة عن قدر السعادة، لذا فإن النظر إلى مظاهر الفرح والاستمتاع لدى الآخرين والرثاء للذات، والتحسر على الحال يسبب الهم والتعاسة بلا سبب حقيقي.

تذكر الأحزان وزيارة المقابر، والاستسلام للذكريات الكئيبة، ويعتقد بعض الناس أن لزيارة المقابر يوم العيد فضل خاص، وهذا غير صحيح، كما أن العيد ليس الوقت المناسب للتفكير في مآسي الحياة.

فزيارة القبور مشروعة في كل وقت للاتعاظ وأخذ العبرة والدعاء للأموات، وتخصيصها بزمن معين يوهم لدى البعض بأن الزيارة في ذلك الزمن سنة مشروعة، فيعتقدون مشروعية ما لم يرد به الشرع، ولذا أفتى أهل العلم ببدعية تخصيص زيارة القبور بيوم العيد، والتعليل بأن فيه صلة للرحم تعليل عليل، وهل ضاقت الأرض بمكان يمكن أن توصل الرحم فيه إلا في المقابر.

السعادة الذاتية يوم العيد:

ولأن السعادة تنبع من الداخل، وعلى الشخص أن يهتم باستقراره النفسي وسعادته الشخصية أولًا حتى يستطيع إسعاد غيره، فهذه بعض الأفكار للسعادة الذاتية يوم العيد:

الشكر والامتنان لله على شهر رمضان، وعلى نعمة العيد، فالشعور بالامتنان هو أصل الرضا والسعادة، فيمتن الإنسان لله تعالى أن وفقه للصيام والعبادة وإتمام الشهر الكريم، وأنه كما أمر بالصيام فقد أمر بالفطر رحمة وحكمة وتقديرًا، ويمتن لنعم الله حوله، ويركز على ما لديه لا على ما ينقصه، ويستشعر عظيم فضل الله عليه في كل أحواله.

زكاة الفطر: شرع الله زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين ليستغنوا بها عن السؤال يوم العيد، ويشتركوا مع الأغنياء في فرحة العيد.

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات (أخرجه أبو داود (1609).).

صلاة العيد، وهي من أكبر أسباب السعادة في هذا اليوم، فالخروج في الصباح الباكر والسير في الطرقات مع ترديد تكبيرات العيد، ومشاهدة فرحة الصغار والكبار، ومظاهر البهجة، وأداء الصلاة كلها أمور تشيع في النفس الفرحة، وتعم القلب بالسلام والطمأنينة.

السعادة الأسرية:

إن فن إدخال السرور على قلوب المسلمين لا يدركه إلا الأنقياء من عباد الله والأصفياء منهم، ولا تستطيعه إلا النفوس الكبيرة العظيمة، أما من ابتلي بداء السلبية أو الأنانية فلا يرى إلا نفسه وخاصته، فلا يمكن لأمثاله تحصيل شيء من هذا الخلق السامي.

إدخالُ السرور على المسلم عبادةٌ من العبادات التي قد تهون في عين العبد مقارنة بالصلاة والصيام والحج ولكنها عند الله ليست بهينة بل هي ثقيلة في الميزان، فعن جعفر بن يزيد، عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال: قال عليه الصلاة والسلام: «ما من مؤمن أدخل على مؤمن سرورًا إلا خلق الله من ذلك السرور ملكًا يعبد الله ويمجده ويوحده، فإذا صار المؤمن في لحده جاء السرور الذي أدخله عليه فيقول له: أما تعرفني؟ فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا السرور الذي أدخلتني على فلان أنا اليوم أونس وحشتك وألقنك حجتك وأثبتك بالقول الثابت، وأشهد بك مشهد القيامة وأشفع لك من ربك وأريك منزلك من الجنة» (كنز العمال (16409).).

وهذه بعض الأفكار لزيادة المحبة والسعادة بين الزوجين في العيد:

التفاهم وتلمس الأعذار، وعدم أخذ الكلمات والتصرفات على محمل سيء، وإذا كان إحسان الظن والتفهم من أهم قواعد الاستقرار الزوجي بشكل عام، فإن أثرها يتجلى في يوم هام ومميز كيوم العيد.

ومن آثار التفاهم ألا يُحمّل أي طرف الآخر بما يفوق طاقته، وألا يتهمه بالتقصير لعجزه عن تلبية طموحات مالية أو أعمال معينة، أو أن يقارن بينه وبين الآخرين.

تخصيص الوقت، والاستعداد الجيد، بعيدًا عن الكلام النظري، فإن الحب يحتاج إلى مساحة من الوقت، وفرصة للظهور والنماء، وبدون أن يخصص كلا الزوجين وقتًا للآخر فإن علاقتهما ستتدهور بشكل حاد.

وبعد شهر رمضان المبارك، وما فيه من صبر وقيود على العلاقة الحميمة، وتضاؤل لمظاهر المرح والتقارب الجسدي والعاطفي بين الزوجين، فإن العيد يأتي فرصة للإشباع والتعبير عن الاشتياق.

وعلى كل زوج الانتباه لاحتياجات شريكه، وأن تعي الزوجة أهمية الاستعداد للقاء زوجي جميل، بالاهتمام بنفسها، وإضفاء لمسات على البيت وغرفة النوم، وتنظيم وقت الأطفال وشغلهم بأنشطة آمنة ومفيدة، حتى تستطيع توفير الجو المناسب للصفو مع زوجها.

وعلى الزوج أن يُقدم الاهتمام بزوجته ليلة العيد ونهاره على الأصدقاء، وأن يُشعرها باشتياقه وتفضيله لها.

التهادي: نبهنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى تأثير الهدية على العلاقات بشكل عام، وما أجمل أن يتهادى الزوجان في العيد، ولا يُشترط التكلف؛ وإنما أن تعبر الهدية عن المحبة والتقدير.

الكلمات الرقيقة: إذا كانت الكلمة الطيبة صدقة، فهي بين الزوجين أعظم وأهم، وللكلمة سحر خاص، وكثيرًا ما تسد الكلمات الجميلة النقص في أمور كثيرة، ولها صور متعددة بين الزوجين، مثل المباركة على العيد، والتعبير عن السعادة بالتواجد سويًا، والإعراب عن الشكر لكل الأعمال التي قام بها الآخر لإسعاد الأسرة، وكلمات الغزل والمحبة والاشتياق، والتي تحلو مسموعة ومباشرة، كما تحلو مكتوبة وعبر الرسائل.

إسعاد الأبناء في العيد:

تنطبع ذكريات العيد في عقول الصغار، ولا ينسى الأبناء أطفالًا وبالغين سعادة الأسرة وطقوسها المميزة في العيد، ومن الأفكار المميزة لإدخال السرور على الأبناء:

تزيين البيت، وخاصة عندما يشاركون في تحضير الزينات، وتعليق البالونات، وكتابة العبارات السعيدة.

مشاركتهم في زكاة الفطر وتشجيعهم على العطاء، مما يعودهم على السعادة بإسعاد الغير، والشعور بروح العيد التي لا تقتصر على اللعب والمرح، وإنما العطف والرحمة بالناس.

ويمكن تشجيع الأطفال على الاختيار من بين ألعابهم وقطع ملابسهم لإعطائها لطفل محتاج، وتعزيز إحساسه بالغير، ومدحه على الكرم والعطاء.

أخذ آرائهم في التخطيط لليوم، وإشعارهم أن أراءهم مهمة، وتفكير الأسرة مجتمعة في التخطيط الأمثل لأيام العيد، مما يعودهم على الحوار الراقي، وتبادل وجهات النظر، واحترام رغبات الآخرين واحتياجاتهم.

الرفق والهدوء، فمن الطبيعي أن يصدر عن الأطفال أخطاء، وأن تقع بينهم مشاحنات، وأن يحدثوا ضوضاء وفوضى، والصراخ والعصبية عليهم لن يقللا من هذا كله، وإنما سيشعلان البيت توترًا، فيرتبط العيد لديهم بالعقاب والتوبيخ. ما يحتاجه الأطفال هو شغل أوقاتهم، وإعطائهم الفرصة للعب والمرح، والصبر عليهم مع توجيههم.

الملابس الجديدة، وهي من الأمور المميزة للعيد، ولا يلزم أن تكون جميع الملابس جديدة، أو أن تكون باهظة الثمن، "لينفق ذو سعة من سعته".

العيدية والهدية، للعيدية فرحة خاصة لدى الأطفال بالذات، وهي فرصة لتعليمهم العد والعملات النقدية المختلفة، وتقدير أهمية المال، وقيمة الادخار، وكيفية الشراء، كما أن لهدايا وألعاب العيد إحساس مميز يزيد الفرحة في قلوب الصغار.

إن العيد سُميَ عيدًا لأَنه يعود كل سنة بفرحٍ مُجدَّد – كما يقول أهل اللغة- وهو فرصة لشحن النفس بالسعادة والامتنان، وغرس الذكريات الجميلة مع شريك الحياة والأهل والأبناء، فلا تضيعه في الإحباط والتحسر على ما فات، واستمتع بتفاصيله، وأدخل عليه بعض الحيوية والابتسامة والمشاعر الجميلة ليصبح بحق عيد سعيد (7).

النظرة الصحيحة للعيد:

هذا ما أرجو أن تكون الإجابة عليه في هذه الكلمات اليسيرة، وحتى نلمّ شعث الحديث ونجمع شتاته نعرض له في عدة قضايا:

القضية الأولى: العيد تأكيد لتميز المسلم عن المشرك والكافر، واستغنائه بالشرع المبارك عن عادات الشعوب البائدة وتقاليد الأمم الماضية: «قد أبدلكم بهما خيرًا منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطر» (8)، «هذا عيدنا» نعم! هذا عيدنا، خير مما هم فيه من اللهو واللعب مع الغفلة والإعراض، أما عيدنا فهو مزيد اتصالٍ بالله؛ فهو نفحة قدسية ورحمة إلهية. نفتتحه بالتكبير والذِّكر والصلاة والشكر لله على تمام عدة الصيام: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185].

القضية الثانية: خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة متخفّيًا، حتى إذا وافاه العيد في المدينة لم يشأ أن يقتل البسمة أو يرضَّ الشفاه أو يطبق الأفواه، بل أعلن فرحة العيد، وأظهر سروره به مع أنه يلاقي ما يلاقي من كيد الأعداء ومكرهم؛ لكنها العزائم القوية والنفوس الكبيرة؛ حيث تجد متسعًا للفرح برحمة الله وفيضه؛ وإن عظمت فيها الجراح وتتابعت عليها الضربات.

قال ابن مسعود رضي الله عنه: أريحوا القلوب؛ فإن القلب إذا أُكره عمي، ويقول أبو الدرداء رضي الله عنه: إني لأستجمُّ نفسي بالشيء من الباطل -غير المحرم- فيكون أقوى لها على الحق (9).

القضية الثالثة: في مشروعية الفرح بالعيد في هذين اليومين بعث للأمل في الأمة، وإحياء للتفاؤل فيها، فَفَرْحة العيد تلقي في روعنا أن أيام الحزن مهما امتدت سيأتي بعدها يوم فيه يغاث الناس وفيه يعصرون، سيأتي يوم تشرق الدنيا بعز الإسلام وعلو أهله؛ فالعسر يتبعه اليسر، والشدة يتلوها الفرج، وبعد الحزن يأتي الفرح.

يأتي العيد فنفرح وتشرق نفوسنا بالأمل، ونتعلم من هذا الفرح أن أمتنا لا زالت قوية متينة؛ فهي تستطيع أن تفرح مع أنها مثخنة بالجراح، وسيأتي يوم تُشفى من جراحها وتضاعف فرحتها بالعيد.

إن تكبيرنا في العيد يملأ نفوسنا اعتزازًا، ونؤمن أنه ليس من أحد أكبر من الله ولا أقوى منه وهو الكبير المتعال، ونحن المكبرون جند الله، والأرض لله يورثها من يشاء من عباده؛ والعاقبة للمتقين.

إنه الأمل المشرق كلما أشرق العيد.. فأبشروا وأملوا فعمر الإسلام أطول من أعمارنا، وأُفقه أوسع من أوطاننا، وما كان لعدو أن يحيط بالإسلام فيطفئ نوره: {وَيَأْبَى اللَّهُ إلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: 32].

القضية الرابعة: العيد فاصل ضروري في حياة المسلم، يُرَوِّح به عن نفسه من ثقل العمل المتتابع الجاد، ليعود إلى الجادة مرة أخرى أجود ما يكون وأكمل رغبة ونشاطًا، إلا أن هذا الترويح الذي يزاوله المسلم في العيد لا يصح أن يخرج به عن حدود الشرع، وأن يوقعه في الأَشَر والبطر فيضل ويخزى.

- لا يصلح أن تلهينا فرحة العيد فنغفل في زحمتها عن ذكر الله وعن الصلاة.

- ولا يصح أن يكون فرحنا بالعيد على حساب أذية الآخرين وإلحاق الضرر بهم، لا في أبدانهم ولا أولادهم ولا ممتلكاتهم ولا سياراتهم، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يحل لمسلم أن يروِّع مسلمًا» (10).

- لا يصح أن تتحول فرحة العيد إلى غناء ماجن وسهرات راقصة، أو جلسات غنائية لاغية يُستجلب بها غضب الله بعد أن كان الناس يتقلبون في روضات رضاه، فنكون كما قال الله تعالى: {كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا} [النحل: 92]

- لا يصح أن يكون العيد فرصة اختلاط بين الرجال والنساء، أو تكشّف وسفور وغزل ممقوت؛ والله تعالى يقول: {قُل لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30]، ويقول أيضًا: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: 31].

قال بعض أصحاب سفيان الثوري: خرجت مع سفيان رحمه الله يوم العيد فقال: إن أول ما نبدأ به يومنا هذا غض البصر (11).

- لا يصح أن نبذّر في العيد تبذيرًا، في موائد ينقطع منها البصر، أو مسابقات تذهب الممتلكات وتوقع النفس في الحسرات، إنه حين يتحول العيد إلى مثل هذه التصرفات المنحرفة والأحوال الغافلة، فإنها تصبح بذلك مجالس لهو ولعب وغفلة لا يجوز للمسلم أن يسهم فيها أو يمتّع ناظريه بحضورها؛ لأن الله حكم وقضى فقال: {وَإذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68].

ولأن جلوسك مع الغافلين ولو للفرجة فيه إعانة على الباطل، عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه دُعي إلى وليمة، فلما جاء ليدخل سمع لهوًا فرجع، فقيل له في ذلك، فقال: «من كثر سواد قوم فهو منهم، ومن رضي عمل قوم كان شريكًا لمن عمله» (12).

هذا عيدنا؛ ذكر ودعاء، وأنس وصفاء، وروح وهناء، وحب ووفاء، وعلو وأمل.

إن العيد مظهر من مظاهر الدين، وشعيرة من شعائره المعظمة التي تنطوي على حكم عظيمة، ومعان جليلة، وأسرار بديعة لا تعرفها الأمم في شتى أعيادها، فالعيد في معناه الديني شكر لله على تمام العبادة، لا يقولها المؤمن بلسانه فحسب، ولكنها تعتلج في سرائره رضًا واطمئنانًا، وتنبلج في علانيته فرحًا وابتهاجًا، وتسفر بين نفوس المؤمنين بالبشر والأنس والطلاقة، وتمسح ما بين الفقراء والأغنياء من جفوة.

والعيد في معناه الإنساني يوم تلتقي فيه قوة الغني، وضعف الفقير على محبه ورحمة وعدالة من وحي السماء، عنوانها الزكاة والإحسان، والتوسعة.

ويتجلى العيد على الغني المترف، فينسى تعلقه بالمال، وينزل من عليائه متواضعًا للحق وللخلق، ويذكر أن كل من حوله إخوانه وأعوانه، فيمحو إساءة عام بإحسان يوم.

والعيد في معناه النفسي حد فاصل بين تقييد تخضع له النفس، وتسكن إليه الجوارح، وبين انطلاق تنفتح له اللهوات، وتتنبه له الشهوات.

والعيد في معناه الزمني قطعة من الزمن خصصت لنسيان الهموم، واطراح الكلف، واستجمام القوى الجاهدة في الحياة.

والعيد في معناه الاجتماعي يوم الأطفال يفيض عليهم بالفرح والمرح، ويوم الفقراء يلقاهم باليسر والسعة، ويوم الأرحام يجمعها على البر والصلة، ويوم المسلمين يجمعهم على التسامح والتزاور، ويوم الأصدقاء يجدد فيهم أواصر الحب ودواعي القرب، ويوم النفوس الكريمة تتناسى أضغانها، فتجتمع بعد افتراق، وتتصافى بعد كدر، وتتصافح بعد انقباض؛ وفي هذا كله تجديد للرابطة الاجتماعية على أقوى ما تكون من الحب، والوفاء، والإخاء.

العيد في الإسلام سكينة ووقار، وتعظيم للواحد القهار، وبعد عن أسباب الهلكة ودخول النار، والعيد مع ذلك كله ميدان استباق إلى الخيرات، ومجال منافسة في المكرمات.

ومما يدل على عظم شأن العيد أن الإسلام قرن كل واحد من عيديه العظيمين بشعيرة من شعائره العامة التي لها جلالها الخطير في الروحانيات، ولها خطرها الجليل في الاجتماعيات، ولها ريحها المهابة بالخير والإحسان والبر والرحمة، ولها أثرها العميق في التربية الفردية والجماعية التي لا تكون الأمة صالحة للوجود، نافعة في الوجود إلا بها.

هاتان الشعيرتان هما شهر رمضان الذي جاء عيد الفطر مسك ختامه، وكلمة الشكر على تمامه، والحج الذي كان عيد الأضحى بعض أيامه، والظرف الموعي لمعظم أحكامه.

فهذا الربط الإلهي بين العيدين، وبين هاتين الشعيرتين كاف في الحكم عليهما، وكاشف عن وجه الحقيقة فيهما، وأنهما عيدان دينيان بكل ما شرع فيهما من سنن، بل حتى ما ندب إليه الدين فيهما من أمور ظاهرها أنها دنيوية كالتجمل، والتحلي، والتطيب، والتوسعة على العيال، وإلطاف الضيوف، والمرح واختيار المناعم والأطايب، واللهو مما لا يخرج إلى حد السرف، والتغالي، والتفاخر المذموم؛ فهذه الأمور المباحة داخلة في الطاعات إذا حسنت النية؛ فمن محاسن الإسلام أن المباحات إذا حسنت فيها النية، وأريد بها تحقق حكمة الله، أو شكر نعمته انقلبت قربات كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك» (13).

وليس السر في العيد يومه الذي يبتدئ بطلوع الشمس وينتهي بغروبها، وإنما السر فيما يعمر ذلك اليوم من أعمال، وما يغمره من إحسان وأفضال، وما يغشى النفوس المستعدة للخير فيه من سمو وكمال؛ فالعيد إنما هو المعنى الذي يكون في العيد لا اليوم نفسه.

هذه بعض معاني العيد كما نفهمها من الإسلام، وكما يحققها المسلمون الصادقون؟ فأين نحن اليوم من هذه الأعياد؟ وأين هذه الأعياد منا؟ وما نصيبنا من هذه المعاني؟ وأين آثار العبادة من آثار العادة في أعيادنا؟

إن مما يؤسف عليه أن بعض المسلمين جردوا هذه الأعياد من حليتها الدينية، وعطلوها عن معانيها الروحية الفوارة التي كانت تفيض على النفوس بالبهجة، مع تجهم الأحداث، وبالبشر مع شدة الأحوال؟ فأصبح بعض المسلمين -وإن شئت فقل: كثير منهم- يلقون أعيادهم بهمم فاترة، وحس بليد، وشعور بارد، وأسرة عابسة، حتى لكأن العيد عملية تجارية تتبع الخصب والجد، وتتأثر بالعسر واليسر، والنفاق والكساد، لا صبغة روحيه تؤثر ولا تتأثر.

ولئن كان من حق العيد أن نبهج به ونفرح وكان من حقنا أن نتبادل به التهاني، ونطرح الهموم، ونتهادى البشائر، فإن حقوق إخواننا المشردين المعذبين شرقا وغربا تتقاضى أن نحزن لمحنتهم ونغتم، ونعنى بقضاياهم ونهتم؟ فالمجتمع السعيد الواعي هو ذلك الذي تسمو أخلاقه في العيد إلى أرفع ذروة، ويمتد شعوره الإنساني إلى أبعد مدى، وذلك حين يبدو في العيد متماسكًا متعاونًا متراحمًا، حتى ليخفق فيه كل قلب بالحب، والبر، والرحمة، ويذكر فيه أبناؤه مصائب إخوانهم في الأقطار حين تنزل بهم الكوارث والنكبات.

أيها المسلم المستبشر بالعيد: لا شك أن تستعد أو قد استعددت للعيد أبًا كنت، أو أمًّا، أو شابًا، أو فتاة، ولا ريب أنك قد أخذت أهبتك لكل ما يستلزمه العيد من لباس، وطعام ونحوه؟ فأضف إلى ذلك استعدادًا تنال به شكورًا، وتزداد به صحيفتك نورًا، استعدادًا هو أكرم عند الله، وأجدر في نظر الأخوة والمروءة.

ألا وهو استعدادك للتفريج عن كربة من حولك من البؤساء، والمعدمين، من جيران، أو أقربين أو نحوهم؟ فتش عن هؤلاء، وسل عن حاجاتهم، وبادر في إدخال السرور إلى قلوبهم.

وإن لم يسعدك المال فلا أقل من أن يسعدك المقال بالكلمة الطيبة، والابتسامة الحانية، والخفقة الطاهرة.

وتذكر في العيد وأنت تأوي إلى ظلك الظليل، ومنزلك الواسع، وفراشك الوثير تذكر إخوانًا لك يفترشون الغبراء، ويلتحفون الخضراء، ويتضورون في العراء (14).

--------------

(1) أخرجه البخاري (952).

(2) شرح النووي على مسلم (6/ 183).

(3) مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (5/ 36).

(4) أخرجه البخاري (988).

(5) فتح الباري (2/ 442).

(6) حاشية ابن عابدين (2/ 165).

(7) نصائح للسعادة الأسرية وتجنب الخلافات في العيد/ حلوها.

(8) أخرجه أبو داود (1134).

(9) بهجة المجالس (1/ 115).

(10) أخرجه أبو داود (5004).

(11) نداء الريان (2/ 359).

(12) كنز العمال (24735).

(13) أخرجه البخاري (3936).

(14) من معاني العيد/ طريق الإسلام.