logo

جفاف المشاعر بين الزوجين


بتاريخ : الثلاثاء ، 1 محرّم ، 1440 الموافق 11 سبتمبر 2018
بقلم : تيار الاصلاح
جفاف المشاعر بين الزوجين

في ظل المشكلات اليومية التي تعترض الإنسان من حين لآخر، وفي ظل الصراع في الحصول على لقمة العيش وتوفير متطلبات الحياة، ومع وجود أولاد تزداد المسئولية على كلا الزوجين، فينغمس الزوجان في زحمة الحياة، وتفقد الحياة الزوجية بهجتها، وتتحول إلى روتين وملل، وتظل طاحونة الحياة تدور، عندها تجف المشاعر.

نعم؛ لقد جفت في زحام الأحداث المشاعر، وأصبحت هشيمًا ونسيًا منسيًا، وأضحت العلاقة بين أفرادها علاقة هشة أو جامدة لا روح فيها، وبالتالي فهي معرضة للتصدع والسقوط والانهيار حتى ولو من أتفه العقبات.

حتى يبقى الحب:

عن عائشة قالت: «ما غرت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم إلا على خديجة، وإني لم أدركها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذبح الشاة فيقول: (أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة)، فأغضبته يومًا، فقلت: (خديجة)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني قد رزقت حبها)»(1).

الحب عطاء، فهو شيء لا نمنحه حتى نجده ابتدأ في نفوسنا، ولا نشعر بحلاوته إلا إذا ذاقه الآخرون منا، فإذا عم الحب بين الشريكين ترابطت الأسرة، وارتقت الحياة الزوجية للأفضل، ولا يمكن أن تنمو شجيرات الحب إلا إن تخلينا عن الأنانية وحب الذات والتهافت على المنفعة الشخصية، ونكران الذات والانغماس في إسعاد الآخرين.

كلًا من الزوجين مسئول عن إشباع حاجة الآخر للحب؛ بل وعليه أن يبدع في استخدام الأساليب المحققة لإشباع الحاجة للحب الصريح.

وكما أن المرأة بطبيعتها الرقيقة والحساسة والعاطفية تحتاج إلى مفردات الحب والغزل والدلال، والتي تشعرها بخصوصيتها في قلب الزوج الحبيب؛ كذلك أيضًا الرجل يكون أكثر طلبًا وأشد حاجة إلى هذا النوع من الحب من المرأة نفسها.

المشاعر فيض لا ينضب:

لا شك أن المشاعر فيض لا ينضب، لكن قد تساعد قسوة الظروف، وسوء التعامل مع المشاعر في أن تكبت هذا النبع وتغطيه، تغلفه بقسوة لتبرد الحياة وتصبح بلا لون ولا طعم ولا روح، هنا نستطيع أن نقول إن العواطف جفت، والحياة الزوجية أكثرُ حياة تقوم على المشاعر وعلى المودة والرحمة، فحينما تفتقد المودة تبقى الرحمة، وحينما تفتقد الرحمة يفتقد المعنى الحقيقي للزواج، ويصبح الزوجان منفصلين عاطفيًا برغم أنهما تحت سقف واحد.

وينشأ الجمود العاطفي من حالة التعود على الآخر واعتياد وجوده، فطول العشرة يجعل الحياة الزوجية نمطًا روتينيًا مقولبًا؛ حيث حفظ كل منهما الآخر، وأصبح الرمز يحل مكان الحرف، فالعين واليد والبسمة تحل محل الكلمة، وهذا من نتاج طول العشرة ومعرفة كل منهما أبجديات الآخر، فيقل الكلام ويستبدل بمعانٍ ووسائل أخرى.

ولكن، وبرغم هذا، لا بد من التأكيد على أنه لا بديل عن الكلمة الرقيقة في أي حال من الأحوال، فالأذن تتوق لسماع الكلمة الحلوة الطيبة، وتؤكدها اللمسة الحانية، وتغلفها النظرة الودودة؛ لتكتمل الصورة ويتم التفاعل الصحيح والصحي.

من طبيعة الرجل العاطفية أنه يحب أن تشعره زوجته أنه قد شغفها حبًا، وأنها تحب أن تنال منه ما يحبه هو، فالرجل يتأثر بذلك جدًا، وهذا مما يعينه على غض بصره وعدم التفكير في غيرها(2).

قال عمر رضي الله عنه: «النساء ثلاث، والرجال ثلاثة: فامرأة عاقلة عفيفة مسلمة هينة لينة، ودود ولود، تعين أهلها على الدهر، ولا تعين الدهر على أهلها، وقليل ما تجدها، وأخرى وعاء للولد لا تزيد على ذلك، والأخرى غل قمل، يجعلها الله في عنق من يشاء، ثم إذا شاء أن ينزعه نزعه.

والرجال ثلاثة: رجل عاقل عفيف بر مسلم، ينتظر الأمور ويأتمر فيها أمره إذا أشكلت على عجزة الرجال وضعفتهم، ورجل ليس عنده رأي فإذا نزل به أمر أتى ذوي الرأي والقدرة فاستشارهم، فإذا أمروه بشيء نزل عند رأيهم، ورجل حائر بائر، لا يأتمر الرشد ولا يطيع المرشد»(3).

عن أبي موسى الطائي الأعرابي قال: «تذاكر نسوةٌ الأزواجَ، فقالت إحداهن: (الزوجُ عز في الشدائد، في الرخاء مساعد، إن رضيتُ عطف، وإن سخطتُ تعطف).

وقالت الأخرى: (الزوج لما أعانني [أهمني] كافٍ، ولما شفني [أمرضني ونحلني] شافٍ، رشفه كالشُّهد، وعِناقه كالخلد، لا يمل عن قرب ولا بُعْد).

وقالت الأخرى: (الزوج شِعار حين أبرد [الشعار ما يلبس على الجلد]، يسكن حين أرقد، ومني لذتي شف مفرد [تحرك]، وما عاد إلا كان العَوْد أحمد).

وقالت الأخرى: (الزوج نعيم لا يُوصَف، ولذة لا تنقطع ولا تخلف)»(4).

فالزوجة الصالحة خير صاحب وأفضل رفيق، وقد وصف الله تبارك وتعالى النساء الصالحات قائلًا: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ} [النساء:34].

فالمرأة الصالحة سبعة وجوه؛ فهي: المُعاشِرة للزوج، والمربِّية للأولاد، والأمينة على المال، والكاتمة للسر، والمعاونة، والمطعمة، والساعية للإسعاد.

أسباب جفاف المشاعر بين الأزواج:

من الصعب أن نحصر أسباب الجفاف كلها، فنذكر منها:

سوء الاختيار، إذا بني على العقل مجردًا أو على العاطفة متجاهلًا كل القيود، فالحياة في بدايتها يمكن أن تحتمل ذلك، وقد يجد الزوجان الأمر سهلًا، لكن بعد الدخول في حقيقة الحياة الزوجية لا تكفي أسس الاختيار الناقصة لبناء حياة هانئة، فحينما يهدأ الحب ويستقر تبدأ المشكلات في الظهور لتدفن ما تبقى من مشاعر، أو قد يجد العقل نفسه عاجزًا عن الثبات أمام فتن القلب وحاجته.

الضغوط التي يتعرض لها الزوجان من الخارج؛ من ظروف العمل أو الدراسة أو الأهل، فيكبتون مشاعرهم السلبية؛ ليصلوا إلى البيت منهكين، قد دفنوا مشاعرهم السلبية ليكتشفوا أنهم فقدوا معها مشاعرهم الإيجابية.

الإجهاد النفسي؛ إذ تستهلك المشاعر في التوتر، فيصلان إلى مرحلة يتعبان بها من أي عاطفة أخرى، ويقف جبل الجليد ليكون حاجزًا بين قلبيهما، يبردان به نار التوتر والإجهاد دون أن ينتبها أنه يميت حرارة الحب والمشاعر الإيجابية بطريقه.

سوء الفهم بين الرجل والمرأة، إذ تختلف طبيعتهما وحاجاتهما العاطفية، وترتيبهما لأولوية المشاعر، وهنا يحدث التصادم بين الزوجين ورفض المشاعر برغم صدقها؛ لأنها لم تلامس التوقع أو الحاجة لدى الطرف الآخر، وتكرار هذا يؤدي إلى إطفاء جذوتها.

عدم المبادرة من الطرفين ومن ثم إصابتهما بالإحباط من تقصير الطرف الآخر، وفتور المشاعر القوية لعدم تفريغها والمبادرة بالتعبير عنها.

التركيز على (الأنا)، متغافلين الرابط الأسمى بأي علاقة، وبالزواج تحديدًا؛ حيث يجب أن يرتبط بداية بالله وبما يرضيه، وأن يكون هناك وعي من الزوجين بالحقوق والواجبات، وبالمعنى الحقيقي للسكن والمودة.

الإهمال من قبل الزوجة:

إهمال مظهرها وعدم التزين لزوجها والتنظف له:

ولكي يزداد الحب بين الزوجين، ويظل مخزونه في ازدياد، ينبغي المحافظة على جمالهما وزينتهما كل للآخر، بالنظافة والتعطر والزينة المباحة، ولو كانت يسيرة؛ مثل تصفيف الشعر والكحل وغيرها.

سئل الأصمعي عن امرأة تحمل بيدها مسبحة تسبح الله وتذكره، وفي الأخرى تحمل ميلًا تكحل به عينيها، ولما سئلت عن ذلك وكيف توفق بين هذا وذاك، قالت:

وللهِ مني جانب لا أضيعه       وللهو مني والبطالة جانبُ

فلما سئل عن ذلك الأصمعي دون أن يراها ويعرفها قال: «امرأة صالحة تتزين لزوجها»، أي أنها تطيع الله سبحانه بذكره، وتطيع زوجها بتزينها له(5).

هجر الفراش الزوجي: إن هجر الزوج أو الزوجة للفراش الزوجي من أهم أسباب الجفاء بين الزوجين.

وعلينا ألا نغفل أجر النية، وأن نحتسب الأجر بسعينا لإعادة الروح للحياة الزوجية، فالعواطف هي الروح التي تساعدنا على الاستمرار في الزواج، نقطة البداية من أنفسنا، سواء كان القارئ زوجًا أو زوجة، فعليه هو أن يبدأ ولا ينتظر مبادرة الطرف الآخر.

وحينما يحصل الجفاف فهذا يعني أن المشاعر الإيجابية دفنت بركام المشاعر السلبية القديمة، لتشرق من جديد وتعود للتدفق علينا معالجة المشاعر السلبية والاعتراف بها! وهنا لا شك أن الصراحة والحوار والصبر والحكمة لهما الأثر البالغ بإذن الله.

والحب حينما يفتر قد يكون ذلك من قلة استخدامه وعدم استشعاره، فيكون إيقاظه بأمر عكسي، بأن نعمل النتائج لنصل إلى الأسباب، فنتخيل ماذا لو كانت حياتنا دون جفاف عاطفي؟ ما الذي سأقوم به لو كنت متدفقا عاطفيًّا؟ قد تكون هدية معبرة، كلمة صادقة، لمسة حانية، قم بها أو قومي بها واصبري حتى تشعلي جذوة المشاعر الدفينة، تذكر أو تذكري أن الأمر كاحتكاك الصخور لنشعل النار؛ قد يبدو مستحيلًا، لكن الإصرار والخبرة به تجعله ممكنًا.

إن نبع المشاعر الحقيقية الصادقة لا يكون إلا بحب الله والقرب منه، ليقرب كل بعيد، ويهون كل صعب، فالدعاء بلحظات الغلس وأوقات الإجابة نصيحة مجربة فعالة.

جعل الله المودة بين الرجل والمرأة، وجعل بينهما ميلًا فطريًّا، ثم هذب هذا الميل بزواج شرعي أحل كلًا منهما للآخر، وجعل أي علاقة خارجة عن هذا الإطار علاقة محرمة، تستوجب العقوبة من خالق الأرض والسموات؛ عقوبة دنيوية أو عقوبة أخروية؛ فقال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21].

إن الزوج والزوجة هما رفيقا درب واحد، وشريكا حياة، قد خلقهما الله ليسكن كل واحد منهما للآخر، والمرأة، أخي الزوج، بحاجة دائمة للحب والحنان، فهي تتصف باللطافة والرقة والمشاعر الدافقة، والعواطف الكامنة، والإحساسات الجياشة، فاستغل هذه الصفات فيها لتعيش حياتك في راحة وسعادة وهناء بال.

قواعد هامة في إشعال الحب والمودة:

ولقد وضع العلماء بعض القواعد التي من شأنها أن تؤجج مشاعر المودة والرحمة بين الزوجين، وذلك من خلال:

 - عدم تفسير صمت الزوج بأنه عزوف عن مشاركة الزوجة والتحدث إليها.

 - لا يجب التسرع بالحكم على الزوج إلا بعد تبادل وجهات النظر.

- الابتعاد عن خوض أحاديث مع الزوج في أمور لا تتناسب مع طبيعته، وعدم مناقشته في الأمور المالية بشكل مستمر.

- الاهتمام بالمظهر والأناقة، وتوفير مناخ جذاب ومريح وهادئ في المنزل من خلال الحرص على نظافته وجماله.

- الاحترام المتبادل، ومعرفة احتياجات الطرف الآخر وما يسعده.

- الحفاظ على الخصوصية وكتمان الأسرار، والابتعاد عن كل ما يغضب.

- الحوار والحديث الصريح هما أسرع طريقة للوصول إلى التفاهم والسعادة المنشودة.

تعد قضية التعبير عن الود والحب بين الزوجين مفتاح الأمان، الذي يؤدي إلى التماسك الداخلي لبنيان الأسرة، ويقوي أواصر علاقات أفرادها تقوية كبيرة؛ مما يجلب للأسرة الطمأنينة النفسية والسكينة الروحية، وتعد ضغوط الحياة، المشحونة بالعمل والاهتمام بتأمين سبل العيش والنشأة في بيئة لا تهتم بالعاطفة، من أهم الأسباب المؤدية إلى وجود الجفاف عند الزوجين، الذي يقود إلى مشاعر متبلدة وعواطف باردة، تؤدي، إن استمرت، إلى ضياع الأسرة، وتشتت الشمل، وإطفاء نور المودة.

العلاقة الزوجية السليمة يفترض أن تؤدي إلى نتائج إيجابية، وهي فعلًا كذلك في حالة نجاحها وتحقيقها لمعاني السكن والمودة والرحمة، التي وردت في القرآن الكريم، والذكي من الأزواج من يتغلب على الجفاف الذي قد ينشأ بسبب ظروف الحياة، ويسعى إلى تغيير الروتين (الممل) وإذكاء روح البهجة والمودة في بيته، مثل التودد والترفق لما لهما من أثر كبير في إضفاء السعادة على بيت الزوجية، وحتى يستطيع الزوجان التخلص من هذا الجفاف إن وجد بتغيير جذري لنفسيتهما.

وهذا يستلزم أمرين:

الأول: الرغبة الشديدة في التغيير.

والثانية: الإصرار والتحدي ومعالجة هذا الجفاف بوابل من العاطفة، التي تعيد إلى البيوت الحياة والأمل(6).

إذا قلنا أن الجفاف العاطفي مسئولية مشتركة بين الزوجين؛ فإن علاجه أيضًا لا يتم إلا باتفاق الزوجين على إعادة بناء ما تحطم بينهما من أواصر المودة والرحمة، وهو أمر غير مستحيل؛ بل من الممكن تحقيقه من خلال القليل من العزيمة والصبر، والكثير من المصارحة وحسن المعاشرة.

وهناك بعض الأمور التي يمكن عملها لتحقيق الترابط والإشباع العاطفي بين الزوجين، ومنها:

• المصارحة بين الزوجين في كل أمور حياتهما.

• تخصيص بعض الوقت للزوج بعيدًا عن الأولاد وهموم ومشاكل الحياة اليومية للأسرة.

• الحرص على التواصل العاطفي، والذي لن يكتمل إلا بالرضا التام من كلا الزوجين عن علاقتهما الخاصة.

• طاعة الزوجة لزوجها، وحرص الرجل على إدخال السرور على زوجته.

• التجديد والبعد عن الروتين، وتجنب الملل، فالإنسان بطبعه يميل إلى التجديد.

العاطفة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم:

رغم بساطة حياة النبي صلى الله عليه وسلم وانشغاله الشديد، فإن حياته مع أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن تميزت بالحب الراقي البسيط في مواقف الحياة المختلفة، التي تعتبر أسوة لكل الأزواج والزوجات، فمن تلك المواقف على سبيل المثال لا الحصر:

1- اهتمامه بمشاعر زوجاته، وتفهمها:

فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: «إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت عليَّ غضبى»، قالت: «من أين تعرف ذلك؟»، فقال: «أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين: لا، وربِّ محمد، وإذا كنت غضبى قلت: لا، وربِّ إبراهيم»، قالت: «أجل، والله يا رسول الله، ما أهجر إلا اسمك»(7).

2- تفهمه لغيرة زوجاته وتعامله معها بحكمة:

الغيرة هي دليل حب وترابط روحي بين الزوجين، وتحتاج إلى شيء من الحكمة والصبر، مع البعد عن اللوم والعتاب والمحاسبة، كما أنها تحتاج لعناية خاصة لو صدرت من الزوج، مع حكمة شديدة؛ لتستطيع الزوجة أن تمتص مشاعره وتُطمئن باله.

فقد رُوِيَ أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما كان عند بعض نسائه أرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصَحْفَة فيها طعام، فضربت التي النبيُّ صلى الله عليه وسلم في بيتها يدَ الخادم فسقطت الصحفة، فانفلقت، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فِلَقَ الصحفة، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة ويقول: «غارت أمُّكم»، ثم حبس الخادم حتى أُتِيَ بصحفة من عند التي هو في بيتها، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كُسِرَتْ صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كَسَرَتْ(8).

3- إظهاره محبته ووفائه لزوجاته: ومن أشهر القصص حديث أم زرع الطويل، وفي نهايته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: «كنتُ لك كأبي زرع لأم زرع»(9).

4- ترخيم الاسم عند مناداتها من باب التودد والتحبب: فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا عائش، هذا جبريل يقرئك السلام»، فقالت: «وعليه السلام ورحمة الله وبركاته»(10).

 5- تتبُّع مواضع شرب زوجاته وأكلهن: فيشرب الزوج من نفس الموضع الذي وضعت فيه الزوجة شفتيها لتشرب، وتشرب الزوجة من نفس الموضع الذي وضع فيه الزوج شفتيه، ويأكل من نفس الموضع الذي وضعت فيه أسنانها لتأكل، وتأكل هي من نفس الموضع الذي وضع فيه الزوج أسنانه.

 فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «كنت أشرب وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم، فيضع فاه على موضع في، فيشرب، وأتعرق العرق وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم، فيضع فاه على موضع في»(11).

6- اهتمام عائشة رضي الله عنها بتصفيف شعر النبي صلى الله عليه وسلم؛ توددًا إليه: فملامسة شعر الزوج أو الزوجة لها عامل كبير في تجديد مشاعر الحب والود في القلوب، خصوصًا حينما تشمل اقتراب الزوجين؛ ليصفف أحدهما شعر الآخر.

عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «كنتُ أُرَجل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا حائض»(12).

 7- نوم النبي صلى الله عليه وسلم في حجر عائشة رضي الله عنها: فالقرب الجسدي بين الأزواج هو من وسائل تغذية مشاعر الحب والود والتآلف بين الزوجين.

فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يتكئ في حجري وأنا حائض ثم يقرأ القرآن»(13).

 8- التنزه معها، والتحدث إليها: والحب لا يقتصر على القرب الجسدي، والكلام العاطفي؛ بل يشمل، أيضًا، قضاء بعض الوقت معًا للتسامر في جو جميل؛ كالسير في الهواء الطلق، أو الجلوس في الشرفة أو البلكونة، أو الجلوس على سطح المنزل في الهواء.

وروى مسلم أنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان بالليل سار مع عائشة يتحدث معها.

9- التودد لمن تحب، ومهاداة أحبابهم: كلما كان الحب أعمق زاد التودد، حتى بعد وفاة من تحب، والتودد بعد الوفاة منه الإحسان للمقربين من الزوج أو الزوجة، والسؤال عنهم دومًا.

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذبح الشاة يقول: «أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة»(14).

10- المدح والثناء عليها: الحب يجعلك ترى أعمال حبيبك عظيمة، حتى لو كانت أمورًا تافهة، ويتم ترجمة ذلك من خلال المدح والثناء؛ مدح طبيخ الزوجة، ومدح مساعدة الزوج، ومدح ترتيب الزوجة للبيت، ومدح تلبية الزوج للطلبات، وغيرها.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام»(15).

11- الفرح لفرحها: فلكل إنسان اهتمامات تسعده إن حققها، وتسعد من حوله؛ لحبهم له، وسعادتهم من أجله.

روي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها كانت تلعب بالبنات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: «وكانت تأتيني صواحبي، فكن ينقمعن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسربهن إلي»(16).

12- الإفصاح عن حبه لها: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: «أي الناس أحب إليك؟»، فقال: «عائشة»(18).

13- تقبيل زوجته قبل الخروج: فلحظات الوداع والاستقبال اليومية إن ارتبطت بالحب صار لها لذة وطعم خاص، وتجديد مستمر للحب، وإعانة على ضغوط الحياة والمسئوليات، وأبسطها هو استقبال الزوج وتوديعه بقبلة عفوية؛ تعبيرًا عن الحب، عند خروجه للعمل وللصلاة.

روي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل امرأة من نسائه، ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ(19).

14- يلعب معها ويسابقها: والحب يحتاج كل فترة للمرح؛ لكي ينعشه ويجدده، والمرح له أشكال وألوان، فقد يكون بنثر المياه بشكل مفاجئ على الزوج أو الزوجة، وقد يكون بقذف بعض المخدات على أحدهما ليقوم الطرف الآخر بالرد بقذف المخدات، وقد تكون بدغدغة مفاجئة لأحد الطرفين، والجري في الشقة في حضور الأولاد، واستمتاعهم بالمشاهدة، وقد تكون في نزهة للبر بعيدًا عن أعين الناس، وهناك من الطرق الكثير، بشرط أن تتناسب مع شخصية الزوجين، وأن يتقبلاها بصدر رحب.

وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وهي جارية، قالت: «لم أحمل اللحم، ولم أبدن»، فقال لأصحابه: «تقدموا»، فتقدموا، ثم قال: «تعالي أسابقك»، فسابقته، فسبقته على رجلي، فلما كان بعد، وفي رواية: فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبدنت، ونسيت خرجت معه في سفر، فقال لأصحابه: «تقدموا»، فتقدموا، ثم قال: «تعالي أسابقك»، ونسيت الذي كان، وقد حملت اللحم، فقلت: «كيف أسابقك يا رسول الله وأنا على هذا الحال؟»، فقال: «لتفعلن»، فسابقته، فسبقني، فجعل يضحك، ويقول: «هذه بتلك السبقة»(20).

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بخزيرة طبختها له، فقلت لسودة والنبي صلى الله عليه وسلم بيني وبينها فقلت لها: (كلي)، فأبت، فقلت: (لتأكلن أو لألطخن وجهك)، فأبت، فوضعت يدي في الخزيرة، فطليت بها وجهها، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم، فوضع فخذه لها، وقال لسودة: (الطخي وجهها)، فلطخت وجهي، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا»(21).

كل ما سبق ما هو إلا قطرة من غيث من المواقف الحياتية الكثيرة التي تعين على تجديد المحبة والمودة والرحمة بين الزوجين بأبسط الأساليب والطرق.

كل ذلك مع الاستعانة بالله، وتجديد النية بأن يكون ذلك الحب خالصًا لله عز وجل، وقربة إليه، فيتحول من متعة دنيوية إلى عبادة يؤجر عليها الزوجان، ويتقربان بها إلى الله عز وجل، مهما كان العمل بسيطًا.

قال ابن الجوزي: «حدثني العتبي قال: قال رجل لامرأته: (أمرك بيدك)، ثم ندم، فقالت: (أما لا والله، لقد كان بيدك عشرين سنة، فأحسنت حفظه وصنته، فلن أضيعه إذا كان بيدي ساعةً من نهار، وقد رددته إليك)! فأعجب بذلك من قولها وأمسكها»(22).

فالرجل أخطأ ثم ندم، وبما أن علاقته بزوجته قائمة على المعروف، الذي استمر طيلة عشرين سنة، فإن مصير هذه العلاقة لم يضع هدرًا، وإنما استجاب كل منهما لهذا المعروف.

كان أبو العباس السفاح يومًا مشرفًا على صحن داره ينظرها، ومعه امرأته أم سليم، فعبثت بخاتمها، فسقط من يدها إلى الدار، فألقى السفاح أيضًا خاتمه، فقالت: «يا أمير المؤمنين، ما أردت بهذا؟»، قال: «خشيت أن يستوحش خاتمك، فأنسته بخاتمي غيرة عليه لانفراده»(23).

لا يوجد أقرب للزوجين من بعضهما؛ فهما مستودعان للأسرار والهموم والاهتمامات المشتركة لكل منهما، وهذا يتطلب أن يتعلما المسامرة؛ لأن لها وظائف تعليمية وتربوية، إضافة إلى المباهج التي تحققها بدلًا من أن يتسكع الزوج في المقاهي أو الطرقات، فإنه من خلال المسامرة يجد صدرًا رحبًا، وقلبًا مفتوحًا، ونفسًا مستقبلة، وعقلًا محاورًا، وهذه هي زوجه الوفية ذات الإخلاص المطلق، وكي يمهد الطريق ويغرسه بالمودة فإن التحية والسلام، سواء عند الخروج من البيت أو عند دخوله، ضروري جدًا؛ لأن الزوجة إنسان، جديرة بأن يغدق عليها بعلُها الحنان والدفء والاحترام.

كل ذلك يجعل العلاقة الزوجية تسير على منوالها المنشود من السعادة الصادقة(24).

***

________________

(1) أخرجه مسلم (2435).

(2) جفاف المشاعر بين الزوجين، موقع: الشبكة الإسلامية.

(3) تاريخ المدينة، لابن شبة (2/ 771).

(4) بلاغات النساء، ص42.

(5) إحياء علوم الدين (2/ 59).

(6) جفاف المشاعر بين الأزواج كيف نسقيه بوابل من مطر الحب، موقع: الألوكة.

(7) أخرجه البخاري (5228)، ومسلم (2439).

(8) أخرجه البخاري (5225).

(9) أخرجه البخاري (5189)، ومسلم (2448).

(10) أخرجه البخاري (3768)، ومسلم (974).

(11) أخرجه مسلم (300).

(12) أخرجه البخاري (295).

(13) أخرجه البخاري (297)، ومسلم (301).

(14) أخرجه مسلم (2435).

(15) أخرجه البخاري (3411).

(16) أخرجه مسلم (2440).

(17) أخرجه مسلم (2435).

(18) أخرجه البخاري (3662).

(19) أخرجه أبو داود (179).

(20) أخرجه أبو داود (2578).

(21) أخرجه الألباني في السلسلة الصحيحة (3131).

(22) الأذكياء، ص317.

(23) اللطف واللطائف، ص3.

(24) حقيقة العلاقة بين الزوجين في الإسلام، شبكة الألوكة، بتصرف يسير.