logo

ضوابط في الخِطبة


بتاريخ : الجمعة ، 24 محرّم ، 1437 الموافق 06 نوفمبر 2015
بقلم : تيار الاصلاح
ضوابط في الخِطبة

نعيش في هذه الأزمنة في فتن متلاحقة كقطع الليل المظلم، لا تكاد تذهب فتنة إلا وأتت أختها في إثرها، فتن تفتن القلب والجسد والروح والوجدان، فتن تحيط بنا من كل جانب، هذه الفتن تكاد تدور كلها حول الشباب المسلم؛ الذي

يجب عليه أن يتمسك بتعاليم دينه، وثوابت إسلامه، وكريم أخلاقه، ونبل فعاله؛ لذا فإن الشاب المسلم يبحث عما يقويه أمام تلك الفتن، وينقب عما يثبته أمام تلك المحن.

وإذا علمنا أن أكثر هذه الفتن إنما هي شهوات يثيرها أعوان إبليس الرجيم من حولنا، بواسطة الشاشات التلفزيونية، أو مواقع الشبكة العنكبوتية، أو من خلال تغيير ثقافتنا المسلمة واستبدالها بثقافة الغرب المتحلل من كل القيود الأخلاقية؛ بل والإنسانية.

أمام هذه الشهوات كان لزامًا على الشباب أن يدفعوا عنهم هذه الشهوات، وذلك يكون بالزواج، هذه النعمة العظيمة التي منّ الله عز وجل بها على بني الإنسان.

والزواج، كما هو معلوم، يسبقه الخِطبة، وهي إظهار الرغبة في الزواج، وإعلام المرأة وولي أمرها بذلك، أو هي طلب يد المرأة للتزوج بها، وقد ذُكِرت الخطبة في القرآن أثناء الحديث عن المرأة المعتدة من الوفاة تعريضًا لا تصريحًا، ففي سورة البقرة قوله تعالى: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [البقرة:135].

ثم تأتي مرحلة الخِطبة، وهي مرحلة لها أهميتها في الحياة الزوجية، فقد جعلها الإسلام وشرعها لأنها يتم فيها التعارف بين الخطيبين، وقبول كل واحد منهما للآخر، والوقوف على الأوضاع الأسرية للطرفين، وتحقيق الرؤية الشرعية، والخطبة لا يجوز فيها أكثر من ذلك، فلا يمكن تطور الكلام، بحجة التعارف، إلى كلام لا يصح إلا بين الأزواج، أو أن تتحول النظرة الشرعية إلى المخطوبة إلى نظرة شهوانية، أو غير ذلك من الأمور التي لا تصح إلا بين الأزواج.

ثم بناءً على هذه الخطبة ومدى القبول يتم اتخاذ قرار الاستمرار، وتطوير العلاقة إلى علاقة زوجية، بعد أن هيأ كل منهما نفسه للانتقال إلى بيت الزوجية، أو استحالة السير في هذه العلاقة.

لكن عند كثير من الناس حدث خلط كبير بين الخطبة والعقد، فلا مانع عندهم من جلوس الخاطب مع خطيبته منفردين، أو الخروج معًا لأجل التسوق وشراء الحاجيات، أو لا مانع من السلام بالأيدي، وغير ذلك من الأمور التي لا تحل أبدًا، وكل هذا بحجة أن يحدث التفاهم العاطفي بينهما.

ثم إن كثيرًا من الفتيات ينزعجن كثيرًا إذا قلّت زيارات الخاطب إليها أو إذا تباعدت، أو إذا لم يهاتفها كل يوم لكي يطمئن عليها وتطمئن عليه، ويسمع كل منهما من الآخر تفاصيل يومه، ويعتبر كثير من الشباب والفتيات هذه الأمور أقل شيء أثناء مدة الخطبة.

وللأسف، فإنه في كثير من الأحيان تتطور مثل هذه الأمور حتى يقع المحظور، فحين تتساهل الفتاة مع خطيبها في مدة الخطبة إنما تغامر بسمعتها وشرفها، وبالتالي فهي تغامر بمستقبلها؛ إذ ربما لا يتم الزواج كما أرادت، فتقعد متحسرة على الماضي، خائفة مما قد يُذكر عنها في المستقبل.

لأجل كل ما سبق جعل التشريع الإسلامي ضوابط وأحكامًا للخطبة، لا ينبغي أبدًا للخاطبين أن يتعديا تلك الضوابط والأحكام.

نعم، هما يريدان أن يتعرفا على بعضهما أكثر، وأن يتواصلا لأجل إتمام باقي أمور الزواج، وغير ذلك من الأمور التي لا يمكن إتمامها إلا بالحديث والتواصل، وهذه كلها أمور مباحة، ولكن بشروط:

أولًا:ألا يتجاوز الكلامُ، سواء كان مباشرة أو عبر الهاتف، قدرَ الحاجة، وفي حدود الآداب والأخلاق الإسلامية، فلا تخضع المرأة بالقول؛ بل عليها أن تتكلم مع خطيبها كما تتكلم مع أي رجل أجنبي،ولا يكون غرض الخاطب أو المخطوبة التلذذ والنظر وتزجية الأوقات، وليحذر الخاطبان من فضول الكلام؛ فإنه مفتاح من مفاتيح الشر، ومدخل من مداخل الشيطان.

ثانيًا:ألا تكون هناك خلوة، فيجب أن يوجد معهما محرم من محارم المخطوبة، أو أن يكونا جالسين حيث يراهما من في المنزل.

ثالثًا: ألا يحدث بينهما مُصافحة وغيرها؛ ذلك لأن المرأة المخطوبة بالنسبة للخاطب أجنبية عنه، فلا يجوز لهما التصافح أبدًا، ومن يفعل ذلك فقد دخل في وعيد النبي صلى الله عليه وسلم في من مس امرأة لا تحل له.

رابعًا: الالتزام بغضّ البصر بين الطرفيْنِ، فليست الخطبة ذريعة لإطلاق البصر.

خامسًا: ألا تكون هناك رِيبةٌ وشهوةٌ في قلبَيْهما أو أحدهما، فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وغالبًا فإن الخاطبين يكونان في مقتبل عمرهما، والشهوة حاضرة قوية، فإن وجدا، أحدهما أو كلاهما، شهوة في نفسه، فلا يأمن على نفسه، ويجب عليه أن يبتعد بقدر المستطاع حتى يحدث العقد والزواج.

سادسًا:أن تكون المرأةُ بكامِلِ الحِجابِ والحِشمةِ، أو يخاطبها من وراء حجاب.

سابعًا: الكف عن معاودة الجلوس مع المخطوبة إذا تم الاطمئنان والقبول ورضى كل طرف بالآخر، إلا إذا عرضت حاجة لمعاودة الجلوس، وليحذر الطرفان من تطويل مدة الخِطبة.

فإذا ما تحققت هذه الشروط والضوابط سالفة الذكر كانت مدة الخطبة مثمرة لما بعدها، ثم إن التساهل في مرحلة الخطبة يجعل المشاعر الجميلة بين الزوجين تخبو سريعًا بعد الزواج مباشرة؛ ذلك لأنه قد حدث في مرحلة الخطبة ما لا ينبغي حدوثه إلا بين الأزواج، فأخذت هذه الأفعال من رصيد الحب بعد الزواج، فضلًا أن مثل هذه الأفعال في مدة الخطبة قد تفتح بابًا للشك بعد الزواج.

فلأجل حياة زوجية سعيدة هادئة هانئة يجب على كل من الخاطبين الالتزام بشرع الله عز وجل، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والبعد كل البعد عن الأعراف والتقاليد التي تخالف هدي القرآن وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فالقرآن والسنة هما سبيل النجاة من الضلالة، كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم.