logo

العملة الزوجية


بتاريخ : الأربعاء ، 3 ربيع الآخر ، 1437 الموافق 13 يناير 2016
بقلم : تيار الاصلاح
العملة الزوجية

كما أن لكل مجموعة من الناس في قطر معين عملة خاصة بهم، يبتاعون بها، ويستقرضون بها، فكذلك للزواج عملة خاصة به، تسهل على الأزواج التعامل فيما بينهم، وتجعلهم دائمًا يربحون، للزواج عملة لا تكسد أبدًا، عملة دائمًا سهمها مرتفع، أبدًا لا يهبط ولا يخسر، وكما أن لكل عملة وجهان، فلعملة الزواج وجهان، الوجه الأول هو الحب، والوجه الثاني نستطيع أن نسميه "البذل" أو "التضحية من أجل المحبوب".

فالحب هو وجه العملة الأصيل، وهو نقطة انطلاق الحياة الزوجية إلى النجاح، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم رحيم القلب، مرهف الحس، فياض المشاعر، لأنه كان يحب، وسار صحابته على نهجه، حتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي كان يعرف بقوته وشدته في الحق، كانت رقته لزوجته أمرًا مدهشًا.

"فمحبة الزوجات لا لوم على المحب فيها؛ بل هي من كماله، وقد امتن الله سبحانه بها على عباده فقال:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21]، فجعل المرأة سكنًا للرجل، يسكن قلبه إليها، وجعل بينهما خالص الحب، وهو المودة المقترنة بالرحمة" [الداء والدواء، لابن القيم، ص236-237].

فلا لوم على الزوج في حب زوجته، ونحن نعلم كيف سعى النبي صلى الله عليه وسلم بين بريرة وزوجها؛ وذلك لعلمه الشديد بحب زوجها لها، فمشاعر الحب مشاعر سامية، وموطن هذه المشاعر هو القلب، وهو موطن دفين، لا يعلم مكنونه إلا الله، ولا يظهر ما بداخله إلا باللسان والحال؛ لذا ينبغي للزوجين أن يفصحا عن هذا الحب الذي بداخلهما؛ حتى يؤتي هذا الحب ثماره، فكثير من الأزواج ربما مر على زواجه سنين عديدة، ويتملكه في داخل قلبه نحو شريكة حياته حب عميق، ولكنه أبدًا لم يفصح عن هذا الحب.

إن الإفصاح عن مشاعر الحب من الأمور التي تزيده وتنعشه، ولذلك كان من وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم: «إذا أحب الرجل الرجل فليخبره أنه أحبه» [صحيح الأدب المفرد، ص205].

فما بالنا إذا كان الأمر بين الزوجين؟ لا شك أنه ينبغي أن يكون بشكل آكد وباستمرار، وبشتى الأساليب، فهذا النبي صلى الله عليه وسلم حين سُئل عن أحب الناس إليه؟ أجاب: «عائشة»، فبين له السائل أنه يقصد من الرجال، فكان جوابه الثاني أشد قوة في بيان الحب من الجواب الأول، قال: «أبوها».

فقد كان اعتراف النبي صلى الله عليه وسلم بأن عائشة رضي الله عنها أحب الناس إلى قلبه كان بلا حرج، كما أنه لما ذكر أبا بكر، باعتباره أحب الناس إليه من الرجال، ذكره باعتباره أبًا لعائشة.

ولقد راعى الصحابة الكرام حب النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة، حتى بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، فقد فرض عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأمهات المؤمنين عشرة آلاف، وزاد عائشة ألفين، وقال: إنها حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم. [اعتلال القلوب، للخرائطي (1/23)].

فهذا هو الشق الأول في الزواج، أما الشق الثاني والوجه الآخر لعملة الزواج فهو التضحية، ويمكن أن نقول: أن يبذل كل طرف للآخر ولا ينتظر مقابلًا، فإذا أعطى لم ينتظر أن يأخذ، وإذا منح لم ينتظر مردودًا، وإنما هو بذل دون مقابل.

"قد تكون مشاعر الحب هامة وأساسية في العلاقة الزوجية, إلا أن أعمال الحب من التضحية والبذل لشريك الحياة من شأنها أن تحافظ على هذه العلاقة سعيدة ودافئة, ذلك أن هذه الأعمال تنم عن المحبة الكبيرة والتقدير العظيم لشريك الحياة؛ بل إن الحب الحقيقي أن يكون هناك من يعرفك جيدًا, فلا تحتاج معه أن تشرح ما تفعله, وهو من جانبه يهتم بك, ويرعاك ويوفر لك الحماية، ويمتلك الاستعداد الصادق والدائم للعطاء بدلًا من الأخذ.

ولأن العلاقة الزوجية هي علاقة حب فهي استعداد دائم للتضحية والعطاء لشريك الحياة؛ بل يصعب في العلاقة الزوجية التفرقة بين الأخذ والعطاء؛ لأنهما يعطيان مدلولًا واحدًا في عالم الحب" [حتى يبقى الحب, د. محمد محمد بدري، ص315].

"في كل مرة نعطي شريك حياتنا نكون قد أخذنا, ليس بمعنى أننا أخذنا شيئًا ماديًا, وإنما أخذنا نفس ما أعطينا؛ لأن فرصتنا بما أعطيناه لمن نحب ليست أقل من فرصته هو بما أخذ" [أفراح الروح, سيد قطب].

فالحب تضحية وعطاء، وليس مجرد غزل وادعاء، الحب بين الزوجين رابطه رابط سماوي رباني، فحب الزوج لزوجته قربة وطاعة، فبه يتحقق مقصود الزواج، وإعفاف النفس، وغض البصر، وحفظ الفرج، وطهارة القلب عن التطلع لغير أهله، وعلى قدر تضحيتك وبذلك لزوجتك ستكون تضحيتها وبذلها لك، ورضاها عنك وعن بيتها وعن معيشتها، وكذلك على قدر تضحية الزوجة وبذلها لزوجها يكون بذله لها وتضحيته من أجلها.

"ولذلك نجد أن سيدنا إبراهيم عليه السلام عندما زار ابنه إسماعيل وجده قد تزوَّج, فسأل زوجته عن الحال والمعيشة؟ فقالت: الحال في ضيق, فرأى إبراهيم أنها غير راضية, فقال لها: «إذا جاء إسماعيل فأقرئيه مني السلام، واطلبي منه أن يُغيِّر عتبة بابه», فلما جاء إسماعيل أخبرته بما حدث؟ فقال لها: «أنت العتبة, الحقي بأهلك», وطلقها. [رواه البخاري].

فنجد في هذا الحديث أن إبراهيم سمع قول الزوجة فأمر إسماعيل بأن يطلقها دون أن يتبين حالتها فعلًا؛ لأن المسألة لا تتعلق بحالة الزوجة العقلية؛ بل تتعلق بإحساسها بحالها ومعيشتها, وقد كان هذا الإحساس وحده كافيًا لأن يحكم إبراهيم الخليل بطلاقهما؛ إذ إنه لا أمان للمرأة التي لا تشعر باستقرارها وسعادتها مع زوجها في بيته" [بيت الدعوة, رفاعي سرور، ص72].

"إننا حين نحب شريك الحياة فإن هذا لا يعني فقط أن تكون هناك مشاعر قوية فيَّاضة, وإنما أيضًا نمنحه قرارنا بشأنه, وحكمنا تجاهه، وأخيرًا وعدنا له بعلاقة يصبح فيها كيانه أعز علينا من كياننا, وتمتزج فيها روحنا بروحه، وتتحد ذاتنا بذاته, لنقتحم معًا جميع ما تفيض به الحياة من سعادة وهناء, وأيضًا من معاناة وألم" [حتى يبقى الحب، د. محمد محمد بدري، ص317].