نساء غلبن الرجال
ليس المقصود التمييز بين الرجال والنساء لطبيعة الخلقة؛ وإنما إبراز جانب من الجوانب التي تميزت فيها بعض النساء على بعض الرجال، فالحياة مواقف، والمواقف جديرة بإبراز شخصية الإنسان.
ولا يعيب المرأة كونها امرأة، فمن النساء من فاقت الرجال، ولنا في التاريخ ما يثبت ذلك، من نساء عالمات فقيهات صالحات معروفات برجاحة العقل والتفقه في الدين؛ كأمنا خديجة وعائشة وأم سلمة رضي الله عنهن، فهن كن من أفقه نساء عصرهن، ولا يخفى على ناظر في تراجم العلماء ذكر تتلمذ أساطين الفقه والحديث على نساء عالمات فاضلات.
وهذه ثلاث صور فيها الموعظة والطرافة من غير ما تزويق ولا مبالغة.
1- جلال التقوى:
يروى أن أحد الملوك صعد يومًا إلى أعلى قصره يروح عن نفسه، فلاحت منه التفاتة؛ فرأى امرأة على سطح دار إلى جانب قصره لم ير الناظرون أبهى منها؛ فالتفت إلى إحدى جواريه وقال لها: لمن هذه؟ قالت: يا مولاي، هذه زوجة غلامك فيروز، وكان أحد رجال الحاشية.
فنزل الملك وقد تأثر بجمالها، وشغف بها حبًّا، واستدعى فيروز، وقال له: امض بكتابي هذا إلى بلد كذا وائتني بالجواب.
أخذ فيروز الكتاب وتوجه إلى منزله فوضعه تحت رأسه، ولما أصبح ودع أهله، وسار منفذًا أمر الملك، وهو غافل عما دبِّر له.
أما الملك فبعد أن استوثق من رحيل فيروز قام متخفًّا وتوجه إلى داره وقرَع الباب قرعًا خفيفًا، فقالت امرأة فيروز: مَن بالباب؟ قال: أنا الملك سيد زوجك، ففتحت له فدخل وجلَس. قالت: أرى مولانا اليوم عندنا؟ قال: جئت زائرًا.
قالت: أعوذ بالله من تلك الزيارة، ما أظن فيها خيرًا.
فقال لها: ويحك! إنني أنا الملِك سيد زوجك، وما أظنُّك عرفتِني.
قالت: يا مولاي لقد عرَفت دون شك أنك أنت المَلِك، ولكن سبَقك الأوائل في قولهم:
سأترك ماءكـم من غـير وِرْدٍ وذاك لكثـرة الورادِ فيــه
إذا سَقَـط الذباب على طعـامٍ رَفعتُ يدِي ونفْسي تَشتهيه
وتَجتنِب الأسـودُ ورودَ مـاءٍ إذا كان الكِلاب ولَغْنَ فيـه
ويَرتَجِع الكريم خَميص بَطــنِ ولا يَرضى مشاركةَ السَّفيه
وما أحسن يا مولاي قول الشاعر:
قل للذي شفه الغرام بنا وصاحب الغَدر غير مَصحوب
والله لا قـال قائل أبــدًا قد أكـل الليث فضْلـة الذِّيــب
ثم قالت: أيها الملك، تأتي إلى موضع شرب كلبك تشرب منه.
فاستحى الملك من كلامها، وخرَج مذهولًا ناسيًا نعله في الدار، من هول الاضطراب والخَجَل.
أما فيروز؛ فبعد أن قطع شوطًا في مسيره إلى غايته، تحسَّس جيبه فلم يجد الخطاب، فقفَل راجعًا يتلمسه في بيته، ووافق أن كان دخوله إليه عقِب خروج الملِك فوجد نعله، فطاش عقله وطار حِلمه وفهم سر بعثته، ولكنه سكَت، ولم يَنْبس ببَنْت شفة، وأخذ الكتاب وواصَل مهمَّته.
وبعد أن قضاها وعاد إلى الملِك؛ أنعَم هذا عليه بمائة دينار، فأخذها ومضى إلى زوجته، فسلَّم عليها وأعطاها هِبة الملك، وقال لها: هيا لزيارة بيت أبيك، قالت: ولم؟ قال: إن الملك أنعم علينا وأحِبُّ أن تُظهري لأهلك ذلك، قالت: حبًّا وكرامة، ثم قامت من ساعتها إلى بيت أبيها ففرحوا بها وبما جاءت به، ولكنها ظلت هناك شهرًا، أتْبَعه شهور، ولم يَحضُر فيه زوجها لأخذها، ولا حتى لمجرد السؤال عنها، وأخيرًا ضاق أخوها بهذا الحال ذْرعًا وتوجه إليه، وقال له: يا فيروز، إما أن تخبرني عن سبب غضبك، وإما أن نتحاكم أمام الملك.
فقال فيروز: إن شئتم الحكم فافعَلوا، فما تركت لها علي حقًّا.
فطلبوه إلى الحكم فأتى معهم، وكان القاضي إذ ذاك عند المَلِك جالسًا إلى جانبه، فقال أخو الزوجة:
أيد الله مولانا قاضي القضاة، إني أجرت هذا الرجل بستانًا، متين الجدران ببئر ماء مَعين عامرة، وأشجار يانعة مثمِرة؛ فأكل ثمره، وخرب بئره، وهدم جدرانه، فنظر القاضي إلى فيروز، وقال له: سمعتَ، فما تقول؟
فقال فيروز: أيها القاضي، قد استلمت هذا البستان وسلمته إليه أحسن مما كان، فقال القاضي: هل سلم إليك البستان كما كان؟ قال: نعم، ولكن أريد السبب في رده، فقال القاضي: ما قولك؟ قال: والله يا مولاي ما رددت البستان كراهية فيه، وإنما جئته يومًا من الأيام فوجدت أثر الأسد فيه فخِفت أن يَغتالني.
هنا كان الملك متكئًا فاستوى جالسًا، وقال: يا فيروز، ارجِع إلى بستانك آمنًا مطمئنًّا؛ فوالله إن الأسد دخل فيه حقًّا، ولكن لم يؤثر فيه أثرًا ولا التمس منه ورقًا ولا ثمرًا، ولم يلبَث فيه غير لحظة يسيرة وخرج من غير بأس، والله ما رأيت مثل بستانك ولا أشدَّ احترازًا من حِيطانه على شجره.
فرجع فيروز إلى داره ورد زوجته من غير أن يَفهم القاضي حقيقة الدعوى وسر المخاصمة (1).
2- ثورة الغيرة:
هو أبو العباس السفاح مؤسس الدولة العباسية، وهي زوجته أم سلمة بنت يعقوب بن عبد الله المخزومي، أحبها حبًّا شديدًا، ووقعت في قلبه موقعًا عظيمًا، فحلف لها ألا يتخذ عليها سرية ولا يتزوَّج عليها امرأة، وفعلًا وفى لها بذلك.
وذات يوم خلا به خالد بن صفوان، وقال له: يا أمير المؤمنين، فكرت في إرمك وسعة ملكك وأنك قد ملكت نفسك امرأة، واقتَصرت عليها، فإذا مرضت مرضت، وإذا حاضت حِضت، وحرمت نفسك التلذذ بالسراري واستظراف الجواري، ومعرفة تنوع حالاتهن، وألوان التمتع معهن بما تشتهي، فمنهن يا أمير المؤمنين الطويلة الغيداء، والعنيقة الأدماء والزهيَّة السمراء، والمولدات المُغنيات اللواتي يُفتَن بجمالهن وفنِّهن.
ولو رأيتَ يا أمير المؤمنين السمراء واللعثاء من مولِّدات البصرة والكوفة، وذوات الألسن العذْبة، والقُدود المُهَفْهفة، والأوساط المخنصرة، والثدي النواهد المحقَّقة، ثم نظرت إلى حُسْن زيِّهن وشكلهن- لرأيت فتنًا ومنظرًا حسنًا.
وأين أنت يا أمير المؤمنين من بنات الأحرار والنَّظر إلى ما عندهن من الحياء والتخفُّر، والدَّلال والتعطُّر؟
وهكذا ظلَّ خالد يُجيد في الوصف ويُكثر في الإطناب بحلاوة لفْظه وجودة كلامه، وما أن فرَغ حتى قال له أبو العباس: ويحك! والله ما سلَك مسامعي قط كلام أحسن مما سمِعته منك، فأعِده علي، فأعادَه عليه وزاد فيه ثم انصرَف، وبقي أبو العباس متفكِّرًا مغمومًا، فدخلت عليه أم سلمة وكانت تَبرُّه كثيرًا وتتحرَّى مَسرَّته وموافَقته في جميع ما أراد.
قالت: ما لي أراك مغمومًا يا أمير المؤمنين؟ هل حدَث أمر تكرَهه أو أتاك أمر ارتَعت له؟
قال: لم يكن شيء من ذلك، قالت: فما قِصَّتك؟ فجعل يكتم عنها، فلم تزل به حتى أخبَرها بمقالة خالد.
قالت: فما قلتَ لابن الفاعلة؟ قال: سبحان الله! يَنصحني وتشتمِينه، فخرجتْ من عنده وقد هاجَها الغضب، وأرسَلت إلى خالد عبيدًا، وأمرتهم بضرْبه والتنكيل به.
قال خالد: وانصرَفتُ إلى منزلي مسرورًا بما رأيت من إصغاء أمير المؤمنين وإعجابه بما ألقيتُ إليه، وأنا لا أشكُّ في الصِّلة، فما لبِثتُ أن جاء العبيد؛ فلما رأيتهم أقبَلوا نحوي، أيقنتُ بالجائزة، فوقَفوا عليَّ، وسألوا عني فعرَّفتهم نفسي، فهوى علي أحدهم بعمود كان بين يديه، فبادرت إلى الدار، وأغلقتُ الباب، ومكثت أيامًا لا أخرج من منزلي.
وطلَبني أمير المؤمنين طلَبًا شديدًا، فلمْ أشعر ذات يوم إلا بقوم هجَموا عليَّ وقالوا: أجِب أمير المؤمنين؛ فأيقنتُ بالموت، وقلت: لم أرَ دم شيخ أضيعَ من دمي، وركبت فلم أصِل إلى الدار حتى استقبَلني عِدة رُسلٍ، ودخَلت على أمير المؤمنين فوجدتُه جالسًا، فأومأ إليَّ بالجلوس فعاد إليَّ عقلي، وفي المجلس باب عليه سُتور قد أُرخيت، وخلْفه حركة.
فقال لي: يا خالد، منذ ثلاث لم أرَكَ، قلت: كنت عليلًا يا أمير المؤمنين، قال: أنت وصفت في آخر مقابلة لي من أمر النساء والجواري ما لم يَطرُق سمعي قط كلام أحسن منه فأعِده عليَّ.
قلت: نعم يا أمير المؤمنين، أعلمتُك أن العرب اشتقَّت اسم الضَّرَّة من الضَّرر، وأن أحدًا لم تك عنده امرأتان إلا كان في ضررٍ وتنغيص، قال: ويحك! لم يكن هذا في حديثك.
قلتُ: اعلم يا أمير المؤمنين أن الثلاث من النساء كأثافي القِدْر تَغلي عليها أبدًا، وإن الأربع شرُّ مجموع لصاحبه يُمرِضنَه ويُسقِمنَه ويُضعِفنه، وإن أبكار الإماء رجال، ولكن لا خِصي لهن.
وهنا قال أبو العباس: بَرِئتُ من قَرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سمِعت منك من هذا شيئًا قط.
قال خالد: بلى والله يا أمير المؤمنين، وعرفتك أن بني مخزوم ريحانة قريش، وأن عندك ريحانة الرياحين وأنت تطمح بعينك إلى الإماء والسراري، قال خالد: فقال لي أبو العباس: ويحك! أتكذبني؟ قلت: أفتقتلني يا أمير المؤمنين، قال: فسمعت ضحكًا من وراء الستر وقائلًا يقول: صدقت والله يا عماه هذا الذي حدثته، ولكنه بدل ونطق على لسانك بما لم تنطق به، قال خالد: فقمت عنهما وتركتهما يتراودان في أمرهما، فما شعرت إلا برسل أم سلمة ومعهم المال والثياب، فتقدم إلي كبيرهم وقال: تحييك أم سلمة وتقول لك: إذا حدَّثت أمير المؤمنين فلا تحدثه إلا بمثل هذا الحديث (2).
3- زوجة صالحة:
تقابل الصديقان شريح القاضي والشعبي، وحدث أولهما الآخر وقد كان يفكر في الزواج، فقال له: عليك بنساء بني تميم؛ فإني رأيت لهن عقولًا.
فسأله صاحبه: وما رأيت من عقولهن؟
قال أقبلتُ من جنازة ظهرًا فمررت بدورهن، وإذا أنا بعجوز على باب دار وإلى جانبها جارية كأحسن ما رأيت من الجواري، فعدلت إليها واستسقيت وما بي عطش، فقالت لي: أي الشراب أحب إليك؟ قلت: ما تيسر، قالت: ويحك يا جارية، ائتيه بلبن، فإني أظن الرجل غريبًا، فقلت للعجوز: ومن تكون هذه الجارية منك؟ قالت: هي زينب بنت جرير، إحدى نساء بني حنظلة، قلت: أهي فارغة أم مشغولة؟ قالت: بل فارغة، قلت: أتزوجينيها؟ قالت: إن كنت كفؤًا، فتركتها ومضيت إلى داري لأقيل فيها، فامتنَع عني النوم، فلما صليت الظهر أخذت بيد إخواني من العرب الأشراف علقمة والأسود والمسيب، ومضيت أريد عمها، فاستقبلنا، وقال: ما شأنك أبا أمية؟ قلت: زينب ابنة أخيك، قال: ما بها عنك رغبة، وعقد لي عليها.
فلما صارت في حبالي ندِمت، وقلت: أي شيء صنعت بنساء بني تميم، وتذكرت غِلظة قلوبهن، فقلت: أطلقها، ثم قلت: لا، ولكن أدخل عليها، فإن رأيت ما أحب وإلا كان ذاك.
فلو شهدتني يا شعبي وقد أقبَلت نساؤها يهدينها حتى أدخلت علي، فقلت: إن من السنة إذا دخلت المرأة على زوجها أن يقوم ويصلي ركعتين، ويسأل الله تعالى من خيرها ويتعوذ من شرها؛ فتوضأت فإذا هي تتوضأ بوضوئي، وصليت فإذا هي تصلي بصلاتي، فلما قضيت صلاتي أتتني جواريها فأخذن ثيابي وألبسنني ملحفة قد صبغت بالزعفران، ولما خلا البيت دنوت منها فمددت يدي إلى ناصيتها فقالت: على رسلك أبا أمية، ثم قالت:
الحمد لله أحمده وأستعينه وأصلي على محمد وآله، أما بعد: فإني امرأة غريبة لا عِلم لي بأخلاقك فبيِّن لي ما تُحب فآتيه، وما تكْره فأجتَنِبه؛ فإنه قد كان لك مَنكَح في قومك، ولي في قومي مِثل ذلك؛ ولكن إذا قضى الله أمرًا كان مفعولًا، وقد ملَكت فاصنع ما أمرَك الله تعالى به: إما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، أقول قولي هذا، وأستغفِر الله لي ولك ولجميع المسلمين.
قال: فأحوجتْني والله يا شعبي إلى الخُطبة في ذلك الموضِع، فقلت: الحمد الله أحمَده وأستعينه وأصلِّي على محمد وآله، أما بعد: فإنكِ قلت كلامًا إن ثبتِّ عليه يكن ذلك حظًّا لي، وإن تَدَّعيه يكن حُجَّة عليك، أحِبُّ كذا أو أكره كذا، وما رأيتِ من حسنة فابثُثيها، وما رأيتِ من سيئة فاستُريها.
فقالت: كيف محبتك لزيارة الأهل؟ قلتُ: ما أحب أن يَملَّني أصهاري، قالت: فمن تحب من جيرانك يدخل دارك آذن له ومن تَكرهه أكرهه، قلتُ: بنو فلان قوم صالحون، وبنو فلان قوم سوء.
قال: فبتُّ معها يا شعبي بأنعم ليلة، ومكثت معي حولًا لا أرى منها إلا ما أحب، فلما كان رأس الحول جئتُ من مجلس القضاء، وإذا أنا بعجوز في الدار تأمُر وتنهى، قلت: من هذه؟ قالوا: فلانة أم حَليلتِك، قلت: مرحبًا وأهلًا وسهلًا.
فلما جلستُ أقبَلتِ العجوز، فقالت: السلام عليك يا أبا أمية، فقلت: وعليك السلام ومرحبًا بك وأهلاً، قالت: كيف رأيتَ زوجتك؟ قلتُ: خير زوجة وأوفَق قرينة، لقد أدَّبتِ فأحسنتِ الأدبَ، وريَّضت فأحسَنتِ الرياضة، فجزاك الله خيرًا.
قالت: يا أبا أمية إن المرأة لا يُرى أسوأ حالًا منها في حالتين، قلت: وما هما؟ قالت: إذا ولَدتْ غلامًا أو حظيتْ عند زوجها، فإن رابَكَ مريبٌ فعليك بالسَّوط؛ فوالله ما حاز الرجال في بيوتهم أشرَّ من الرَّوعاء المُدلَّلة، فقلت: والله لقد أدَّبتِ فأحسنْتِ الأدب، وريَّضْت فأحسنت الرياضة.
قالت: كيف تحب أن يزورَك أصهارك؟ قلت: ما شاءوا، فكانت تأتيني في رأس كل حول فتوصيني بتلك الوصية، ومكثتْ معي يا شَعبي عشرين سنة لم أعِبْ عليها شيئًا، بينما كان لي جار من كندة يُفزِع امرأته ويضربها، فأنشدتُ في ذلك أقول:
رأيـتُ رجـالًا يَضـرِبون نساءهـم فشُلَّت يميني يـوم تُضـرَب زينـبُ
أأضرِبها من غير ذنبٍ أتتْ به فما العـدل مني ضرْب من ليس يُذنِبُ
فزينبُ شمسٌ والنسـاء كواكِـبٌ إذا طلَعــتْ لم يبـدُ منهـن كـوكـبُ (3).
إن الإسلام كرّم المرأة وجعلها كالرجل في الإنسانية، قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70]، وفي التشريع؛ قال سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} [النساء: 124]، وقال أيضًا: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران: 195]، وهذا كما قدّره الله تعالى انطلاقًا من مبدأ العدل، وليس مبدأ المساواة.
ومما لا شك فيه أنَّ المرأة ليست كالرجل في كل شيء، وأنَّ الرجل ليس كالمرأة في كل شيء، فالمرأة تختلف عن الرجل، في تركيبها الجسدي، والنفسي، وفي الوظائف العضوية أيضًا، فالمرأة تحمل وتلد وترضع، ولذلك كانت خِلْقتها مهيأة لهذه الوظائف بخلق الرحم والثديين مثلًا، وتعطف ما لا يعطف الرجل، وتميل إلى حبِّ الزينة والتزيّن، وهذا التركيب العضوي والنفسي، هيأها الله به، لِحِكَم منها تحقيق وظائف خاصة بها، في علاقتها العاطفية بالزوج وما يترتب عليه من بقاء الجنس البشري، وفي علاقتها العاطفية بالذرية، وما يترتب عليه من العناية بالولد حملًا ورضاعة ورعاية؛ وهذه الفروق بدهية في جنس بنات حواء، من العرب والعجم والمسلمين وغير المسلمين، وقد نصّ الله عز وجل على هذه الحقيقة في قوله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} [آل عمران: 36]؛ ولكنّ العلاقة بين وظيفة الجنسين التكامل لا التنافس.
_______________
(1) المستطرف في كل فن مستطرف (ص: 55).
(2) ثمرات الأوراق (1/ 205).
(3) المستطرف في كل فن مستطرف (ص: 459).