logo

فضل تربية البنات


بتاريخ : السبت ، 21 صفر ، 1444 الموافق 17 سبتمبر 2022
بقلم : تيار الاصلاح
فضل تربية البنات

قال تعالى: {للهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)} [الشورى: 49- 50].

في هذه الآية الكريمة بدأ الله عز وجل بذكر الإناث قبل الذكور، وذلك تكريمًا لهن، حيث جرت عادة الجاهليين باحتقارهن، كما أن الأنثى كانت مؤخرة في مجتمع الجاهلية، فقدّم ما يؤخرون تنبيهًا بسوء عادتهم, وقيل: للكثرة؛ فقدم الأكثر .

قال واثلة بن الأسقع: إن من يمن المرأة تبكيرها بالأنثى قبل الذكر (1).

والجاهلية العربية كانت تحتقر المرأة وتهينها وتعدها من سقط المتاع، وقد ذكر الله موقفهم من البشارة بأنثى، فقال عز وجل: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59)} [النحل: 58، 59].

قال ابن كثير: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا} أي: كئيبًا من الهم، {وَهُوَ كَظِيمٌ} ساكت من شدة ما هو فيه من الحزن، {يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ} أي: يكره أن يراه الناس {مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ} أي: إن أبقاها أبقاها مهانة لا يورثها، ولا يعتني بها، ويفضل أولاده الذكور عليها، {أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ} أي: يئدها: وهو: أن يدفنها فيه حية، كما كانوا يصنعون في الجاهلية (2).

وهم كانوا يفعلون ذلك تارة للغيرة والحمية، وتارة خوفًا من الفقر والفاقة ولزوم النفقة، ثم إنه قال: {أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} وذلك لأنهم بلغوا في الاستنكاف من البنت إلى أعظم الغايات، فأولها: أنه يسود وجهه, وثانيها: أنه يختفي عن القوم من شدة نفرته عن البنت، وثالثها: أن الولد محبوب بحسب الطبيعة، ثم إنه بسبب شدة نفرته عنها يقدم على قتلها، وذلك يدل على أن النفرة عن البنت والاستنكاف عنها قد بلغ مبلغًا لا يزداد عليه (3).

غير أنه كانت هناك قبائل لا تئد البنات، فيتزوج الناس منهم، وكان فيهم عقلاء ينهون عن ذلك، منهم عامر بن صعصعة (جد الفرزدق) وكان يفتدي الموءودات ويربيهن في كنفه، وقد افتخر الفرزدق بذلك في شعره في قوله:

ومنا الذي منع الوائدات         وأحيا الوئيد فلم توءد

وروي أن رجلًا قال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أجد حلاوة الإسلام منذ أسلمت، فقد كانت لي في الجاهلية ابنة فأمرت امرأتي أن تزينها فأخرجتها إلي فانتهيت بها إلى واد بعيد القعر فألقيتها فيه، فقالت: يا أبت قتلتني، فكلما ذكرت قولها لم ينفعني شيء، فقال عليه السلام: «ما كان في الجاهلية فقد هدمه الإسلام وما كان في الإسلام يهدمه الاستغفار» (4).

لم تكن هذه منزلة الأنثى في الجاهلية فقط، بل حتى في الأمم الأخرى، فالرومان واليونان والإغريق كلها أمم كانت تحتقر المرأة وتهينها، وقيل إنه قد عقد مؤتمر في القرون الوسطى ليبحث: هل المرأة لها روح أم لا؟ وخلصوا إلى أنها مخلوق له روح كالرجل لكنها مخلوقة لخدمة الرجل فقط.

ومن المؤسف أن الجاهلية الأولى بدأت تطل بقرونها في عصر الحضارة والرقي، فعلى الرغم من تقدم الأمم ماديًا إلا أن هناك فئة غير قليلة تحتقر الأنثى ولا ترغب فيها ومن كان فيه شيء من هذا ففيه خصلة من خصال الجاهلية وإن كان مسلمًا ملتزمًا .

إن قيمة كل فرد هي بعمله وقربه من الله تعالى، وليست بجنسه ولا لونه ولا حسبه ولا نسبه، ولهذا لا ينبغي الإفراط في تمني جنس معين ولد أم بنت،  والحكمة خفية {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ} [البقرة: 216]، وكم من فتاة كانت أبر لأبويها وأنفع من عدد من الذكور، وكم من ولد كان شقاء ووبالًا على والديه وكم تمنيا أن لم يلداه ولا رأياه.

لقد كان الأنبياء آباء لبنات، فالنبي صلى الله عليه وسلم رزق بأربع بنات في مجتمع كان يمقت الإناث ويئدهن أحياء، ولوط عليه السلام كانت له بنتان، وشعيب عليه السلام مثله، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من عال جاريتين حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو» وضم أصابعه (5).

فقوله صلى الله عليه وسلم: «من عال جاريتين» أي: من ربى بنتين صغيرتين وقام بمصالحهما من نحو نفقة وكسوة, «دخلت أنا وهو الجنة كهاتين» وضم أصبعيه مشيرًا إلى قرب فاعل ذلك منه, أي دخل مصاحبًا لي قريبًا مني, يعني أن ذلك الفعل مما يقرب فاعله إلى درجة من درجات المصطفى صلى الله عليه وسلم, قال ابن عباس: هذا من كرائم الحديث وغرره (6).

هذا الحديث فيه فضل عول الإنسان للبنات، وذلك أن البنت قاصرة ضعيفة مهينة، والغالب أن أهلها لا يأبهون بها، ولا يهتمون بها..

والعول في الغالب يكون بالقيام بمئونة البدن؛ من الكسوة والطعام والشراب والسكن والفراش ونحو ذلك، وكذلك يكون في غذاء الروح؛ بالتعليم والتهذيب والتوجيه والأمر بالخير والنهي عن الشر وما إلى ذلك (7).

وعن عائشة رضي الله عنها قالـت: دخلت عليَّ امرأة ومعها بنتان لها تسأل، فلم تجد عندي شيئًا غير تمرة واحدة، فأعطيتها إياها، فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها، ثم قامت فخرجت فدخل النبي صلى الله عليه وسلم علينا فأخبرته، فقال: «من ابتلى من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترًا من النار» (8).

دليل أن أجر القيام على البنات أعظم من أجر القيام على البنين، إذ لم يذكر عليه السلام مثل فى القيام على البنين، وذلك والله أعلم من أجل أن مؤنة البنات والاهتمام بأمورهن أعظم من أمور البنين لأنهن عذرات لا يباشرون أمورهن ولا يتصرفن تصرف البنين (9).

وقال النووي: إنما سماه ابتلاء لأن الناس يكرهون البنات, فجاء الشرع بزجرهم عن ذلك, ورغب في إبقائهن وترك قتلهن, بما ذكر من الثواب الموعود به من أحسن إليهن, وجاهد نفسه في الصبر عليهن, وقال شيخنا في شرح الترمذي: يحتمل أن يكون معنى الابتلاء هنا الاختبار, أي من اختبر بشيء من البنات لينظر ما يفعل أيحسن إليهن أو يسيء, ولهذا قيده في حديث أبي سعيد بالتقوى, فإن من لا يتقي الله لا يأمن أن يتضجر بمن وكله الله إليه, أو يقصر عما أمر بفعله, أو لا يقصد بفعله امتثال أمر الله وتحصيل ثوابه, والله أعلم (10).

قال ابن باز: وهذا يدل على فضل الإحسان إلى البنات والقيام بشئونهن، رغبةً فيما عند الله عز وجل فإن ذلك من أسباب دخول الجنة والسلامة من النار، ويُرْجَى لمن عال غير البنات من الأخوات والعمات والخالات وغيرهن من ذوي الحاجة فأحسن إليهن وأطعمهن وسقاهن وكساهن أن يحصل له من الأجر مثل ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في حق من عال ثلاث بنات، وفضْل الله واسع ورحمته عظيمة، وهكذا من عال واحدة أو اثنتين من البنات أو غيرهن فأحسن إليهن يُرجى له الأجر العظيم والثواب الجزيل.

وقال: الإحسان للبنات ونحوهن يكون بتربيتهن التربية الإسلامية وتعليمهن، وتنشئتهنّ على الحق، والحرص على عفتهن، وبعدهن عما حرم الله من التبرج وغيره، وبذلك يُعلم أنه ليس المقصود مجرد الإحسان بالأكل والشرب والكسوة فقط؛ بل المراد ما هو أعم من ذلك من الإحسان إليهن في عمل الدين والدنيا (11).

عن عائشة، قالت: اجتمع نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تغادر منهن امرأة, فجاءت فاطمة تمشي ما تخطئ مشيتها من مشية أبيها صلى الله عليه وسلم, فقال: «مرحبًا يا بنتي»، فأقعدها، عن يمينه أو عن شماله (12).

وقد كان لرجل زوجة رزقه الله منها بنتًا فغضب واعتزلها، فمر بها بعد شهور فسمعها ترقص ابنتها، وتقول :

ما لأبي حمزة لا يأتينـــــا        ينام في البيت الذي يلينا

غضبان ألا نلد البنينـــــا         تالله ما ذاك في أيدينـــا

نحن كالأرض لزارعينـا         ننبت ما قد زرعوه فينـا

فرجع إليها وإلى ابنته.

وكان رجل عند أحد الخلفاء فدخلت عليه ابنته وهي صغيرة فقبلها، فقال له أحد الأعراب:  دعهن عنك يا أمير المؤمنين فإنهن يقربن البعداء ويلدن الأعداء، فقال له آخر: ويحك،  لا تسمع له يا أمير المؤمنين، فوالله ما قام بحق مريض ولا رحم كبيرًا ولا أعان على نوائب الدهر إلا هن (13).

بنت سعيد بن المسيب، وما أدراك ما بنت سعيد بن المسيب، خطبها عبد الملك الخليفة لابنه الوليد من أدبها وجمالها، فأبى عليه سعيد، فلم يزل يحتال عبد الملك عليه حتى ضربه مائة سوط في يوم بارد، وصب عليه جرة ماء، وألبسه جبة صوف، نوع من التعذيب ليرضخ فلم يرضخ سعيد، يقول ابن أبي وداعة تلميذ سعيد: كنت أجالس سعيد بن المسيب ففقدني أيامًا، فلما جئته قال: أين كنت؟ قلت: توفيت أهلي فاشتغلت بها، فقال: ألا أخبرتنا فشهدناها؟ ثم قال: هل استحدثت امرأة؟ فقلت: يرحمك الله ومن يزوجني وما أملك إلا درهمين أو ثلاثة؟ فقال: أنا، فقلت: وتفعل؟ قال: نعم، ثم حمد وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، وزوجني على درهمين، أو ثلاثة.

وهذا محمول على أن سعيد يعلم بأن ابنته سترضى بمن اختاره زوجًا لها، وتعرف أنه يعمل لمصلحتها فهي لا تعارض أباها، قال: فقمت وما أدري ما أصنع من الفرح؟ فصرت إلى منزلي وجعلت أتفكر فيمن أستدين ليكمل الزواج، فصليت المغرب، ورجعت إلى منزلي وكنت وحدي صائمًا فقدمت عشائي أفطر، وكان خبزًا وزيتًا، هذا الموجود، فإذا بابي يقرع، فقلت: من هذا؟ فقال: سعيد، فأفكرت في كل من اسمه سعيد إلا ابن المسيب ما خطر بالبال أن يأتي الشيخ وقد قابله قبل قليل، فإنه لم ير أربعين سنة إلا بين بيته والمسجد، فخرجت فإذا سعيد، فظننت أنه قد بدا له، سيتراجع، غير رأيه، فقلت: يا أبا محمد ألا أرسلت إلي فآتيك؟ قال: لا، أنت أحق أن تؤتى، إنك كنت رجلًا عزبًا فتزوجت فكرهت أن تبيت الليلة وحدك.

الفترة بين العقد والدخلة صعبة، زواج مع وقف التنفيذ، فكرهت أن تبيت الليلة وحدك، وهذه امرأتك، فإذا هي قائمة من خلفه في طوله ثم أخذها بيده فدفعها في الباب ورد الباب، فسقطت المرأة من الحياء، فاستوثقت من الباب، أغلقته بإحكام، ثم وضعت القصعة في ظل السراج لكي لا تراه، لكي لا ترى أن البداية خبز وزيت، ثم صعدت السطح فرميت الجيران فجاؤوني قالوا: ما شأنك؟ فأخبرتهم ونزلوا إليها، وبلغ أمي فجاءت وقالت: وجهي من وجهك حرام إن مسستها قبل أن أصلحها إلى ثلاثة أيام، فأقمت ثلاثًا ثم دخلت بها، فإذا هي من أجمل الناس وأحفظ الناس لكتاب الله، وأعلمهم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعرفهم بحق زوج، هذه بنت سعيد، حافظة للكتاب، عالمة بالسنة، عارفة بحق الزوج.

قال: فمكثت شهرًا لا آتي سعيد بن المسيب، ثم أتيته وهو في حلقته، جلس يتعلم من البنت معلومات أبيها، انقطع شهرًا مما رأى من العلم، كفته، فسلمت فرد عليَّ السلام ولم يكلمني حتى تقوض المجلس، فلما لم يبق غيري قال: ما حال ذلك الإنسان؟ قلت: خير يا أبا محمد، على ما يحب الصديق ويكره العدو، قال: إن رابك شيء فالعصا، فانصرفت إلى منزلي، فوجه إليَّ بعشرين ألف درهم (14).

إن الأولاد من الأبناء والبنات، والذرية هم قرة عين للآباء والأمهات، ولهذا ذكر الله تعالى في دعاء عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74]، وحتى يكون هؤلاء قرة أعين فلا بد من تنشئتهم تنشئة صالحة، ولذلك أمر الله برعاية الأهل والأولاد، وتنشئتهم على خصال الخير والرشاد، وأمر بحفظهم عن كل ما يؤدي إلى الفساد، فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].

إنها تربية تنطلق من المسؤولية، إذا علم كل إنسان منا أنه موقوف بين يدي الله ومسؤول، «كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته», كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (15).

وهذه التربية الصالحة للأولاد ينتفع بها الآباء والأمهات في الدنيا والآخرة، وتعود بالبركة على الأسرة بأجمعها، أما في الدنيا فمعلوم، مما يحصل من البر منهم، وكذلك من فعلهم للحسنات وكونهم قدوة في الخير، وشامة بين الناس، يغبطك عليهم الآخرون مما يرون من صلاحهم ودينهم، وأما في الآخرة فهم حسنات جارية تكتب في صحائف أعمالك، فترتقي بها عند الله، ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث ... أو ولد صالح يدعو له» (16)، والولد يشمل الذكر والأنثى، إذن هذا عمل لا ينقطع ويجري للأب في قبره، أن يكون عنده ولد صالح يدعو له، بل حتى إذا دخل الجنة يستفيد، قال صلى الله عليه وسلم: «إن الرجل لترفع درجته في الجنة, فيقول: أنى هذا؟ فيقال: باستغفار ولدك لك» (17)، وهذا كما أن الولد ينتفع بصلاح أبيه في الدنيا، وقد قال تعالى: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ} [الكهف: 82]، فحفظ الله الذرية بصلاح الأب، وكذلك فإن الرجل الصالح يحفظ في ذريته، وبركته تشمل أولاده من بنين وبنات، فالمنفعة متبادلة بين الأصول والفروع، يستفيد هؤلاء من صلاح هؤلاء، وأولئك من صلاحهم (18).

والأجر المترتب على تربية البنت مقرون بحسن التربية، وقد يسأل سائل: لماذا قرن بين الأجر وحسن التربية؟

- إن المرأة فتنة، وتربيتها على الأدب والدين تنأى بها عن أن تكون أداة غواية وحبلًا من حبائل الشيطان، وبهذا ينال من رباها أجر تلك التربية, أما حينما تفقد التربية والأدب فلا أجر له؛ لأنها ستكون أداة فساد حينئذ.

- كما أن تربيتها تختلف في بعض الأمور عن الذكر، يقول الله عز وجل : {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} [آل عمران: 36]، لذا لا بد من تعويدها منذ الصغر النظافة والتجمل والتطيب .

- ولا بد من تربية البنت على الحياء والحشمة، وعدم التعود على التعري والتكشف في اللباس، فيصعب عليها ترك هذه العادة في الكبر.

- وينبغي الحرص على تأديب البنات بأدب الأنثى، وتقديم القدوة الصالحة لهن، فكثير من فتياتنا اليوم تعرف الفنانات والمطربات وغيرهن من رموز العفن، ولا تعرف شيئًا عن عائشة وخديجة وحفصة وزينب، وهذه جناية على الجيل الذي استرعانا الله تعالى، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا لا يجني والد على ولده» (19).

ومن المعلوم أن مسؤولية تربية البنات تقع على عاتق الأم أكثر من الأب؛ لأنها أكثر التصاقاً بهن وإدراكًا لشؤونهن، والبنت غالبًا تميل لمحاكاة الأم في تصرفاتها وأخلاقها؛ لهذا ينبغي أن نكون قدوات حسنة لبناتنا.

نعم، كلنا مأمورون بحسن التربية للذكور والإناث، لكن الإسلام حث على الإحسان إلى البنات؛ لأنهن ضعيفات، وقد ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أحرّج حق الضعيفين اليتيم والمرأة» (20).

كما أن لحسن التربية مردودًا جيدًا؛ لأن بنت اليوم هي غدًا مربية الأولاد وحاضنة الأجيال، وبصلاحها يصلح المجتمع، فالإسلام نظرته شمولية للمجتمع وما يصلحه وكم خرَّج لنا التاريخ عظماء كانوا تربية أمهات فقط، كأحمد بن حنبل ومالك والشافعي، وغيرهم كثير (21).

لكن ليست الرحمة بالبنات أن تتركها تذهب إلى السوق بمفردها، ليس الرحمة بالبنت أن تتركها مع جوال، ومستقبل قنوات فضائية، ليست الرحمة بها أن تتركها تذهب إلى بيت أي صديقة، ليست الرحمة بها أن تمكنها من عمل الحفلات الماجنات، وأن تدعو البنات إلى الفنادق والمطاعم لعمل حفلة نجاح، أو عيد ميلاد، ليست الرحمة بها أن تتركها تعبث بالقنوات، وتعجب بالمغنيين والمغنيات، والممثلين والممثلات (22).

----------

(1) تفسير القرطبي (16/ 48).

(2) تفسير ابن كثير (4/ 578).

(3) تفسير الرازي (20/ 226).

(4) تفسير الرازي (20/ 225).

(5) أخرجه مسلم (2631).

(6) فيض القدير (6/ 177).

(7) شرح رياض الصالحين (3/ 106).

(8) أخرجه البخاري (1418), ومسلم (2629).

(9) شرح صحيح البخارى لابن بطال (9/ 213).

(10) فتح الباري لابن حجر (10/ 429).

(11) مجموع فتاوى ابن باز (25/ 364).

(12) أخرجه الطبراني (1033).

(13) البنات بر في الدنيا وثواب في الآخرة/ لها أون لاين.

(14) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (2/ 168).

(15) أخرجه البخاري (893), ومسلم (1829).

(16) أخرجه مسلم (1631).

(17) أخرجه ابن ماجه (3660).

(18) أبشر يا أبا البنات/ محمد صالح المنجد.

(19) أخرجه ابن ماجه (2669).

(20) أخرجه ابن ماجه (3678).

(21) البنات بر في الدنيا وثواب في الآخرة/ جزايرس.

(22) أبشر يا أبا البنات/ محمد صالح المنجد.