logo

كيف نتعامل مع الغيرة


بتاريخ : الخميس ، 12 شعبان ، 1437 الموافق 19 مايو 2016
بقلم : تيار الاصلاح
كيف نتعامل مع الغيرة

عن عروة بن الزبير أن عائشة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، حدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من عندها ليلًا، قالت: فغرت عليه، فجاء فرأى ما أصنع، فقال: «ما لك يا عائشة، أغرت؟» فقلت: وما لي لا يغار مثلي على مثلك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أقد جاءك شيطانك»، قالت: يا رسول الله، أو معي شيطان؟ قال: «نعم»، قلت: ومع كل إنسان؟ قال: «نعم»، قلت: ومعك؟ يا رسول الله، قال: «نعم، ولكنَّ ربي أعانني عليه حتى أسلم» [صحيح مسلم (2815)].

وعن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام، فضربت التي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها يد الخادم، فسقطت الصحفة فانفلقت، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فلق الصحفة، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة، ويقول: «غارت أمكم»، ثم حبس الخادم حتى أتي بصحفة من عند التي هو في بيتها، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كسرت صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت» [صحيح البخاري (5225)].

يقول ابن حجر في فتحه تعليقًا على هذا الحديث: "فيه إشارة إلى عدم مؤاخذة الغيراء بما يصدر منها؛ لأنها في تلك الحالة يكون عقلها محجوبًا بشدة الغضب الذي أثارته الغيرة، وقد أخرج أبو يعلى بسند لا بأس به عن عائشة مرفوعًا أن الغيراء لا تبصر أسفل الوادي من أعلاه، قاله في قصة" [فتح الباري، لابن حجر (9/ 325)].

ولعل الإمام ابن حجر يعني تلك القصة التي رواها أبو يعلى في مسنده، فعن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: "وكان متاعي فيه خف، وكان على جمل ناج، وكان متاع صفية فيه ثقل، وكان على جمل ثقال بطيء يتبطأ بالركب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حولوا متاع عائشة على جمل صفية، وحولوا متاع صفية على جمل عائشة حتى يمضي الركب»، قالت عائشة: فلما رأيت ذلك قلت: يا لعباد الله! غلبتنا هذه اليهودية على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أم عبد الله، إن متاعك كان فيه خف وكان متاع صفية فيه ثقل، فأبطأ بالركب، فحولنا متاعها على بعيرك، وحولنا متاعك على بعيرها»،

قالت: فقلت: ألست تزعم أنك رسول الله؟ قالت: فتبسم، قال: «أو في شك أنت يا أم عبد الله؟»، قالت: قلت: ألست تزعم أنك رسول الله؟ أفلا عدلت؟، وسمعني أبو بكر وكان فيه غرب، أي حدة، فأقبل علي فلطم وجهي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مهلًا يا أبا بكر»، فقال: يا رسول الله، أما سمعت ما قالت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الغيرى لا تبصر أسفل الوادي من أعلاه»[مسند أبي يعلى الموصلي (8/ 129)، رقم (4670)، وضعفه الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (2985)].

إن المرأة حينما تغار فإنها قد تأتي بأفعال وأقوال لا ترضاها أبدًا حال الهدوء والسكينة، فالغيرة تعمي وتصم، وهذا أمر طبيعي جبلي في المرأة، لكن المدهش هو رد فعل النبي صلى الله عليه وسلم، الذي اتسم بالهدوء الشديد، والحكمة والابتسامة الرقيقة التي تخفف ضغط الموقف بغير استفزاز للطرف الآخر، رغم أنه غير ملام في هذه المواقف، خاصة عندما أرسلت إليه إحدى زوجاته طعامًا، فهو صلى الله عليه وسلم لم يتعمد أن يأتي بالطعام من الزوجة الأولى إلى التي هو في بيتها، ومع ذلك حدثت الغيرة.

وفي أيامنا هذه فإن أسباب الغيرة موجودة ومتاحة؛ بل إن الرجل هو الذي يسعى فيها دائمًا، فهو يأتي ويحدث زوجته عن زميلته في العمل التي تكلم معها اليوم عن تنسيق الملفات الفلانية التي تخص العمل، ثم يتطور الأمر فإذا بالزميلة تتصل على بيت الزوج لتساله عن بعض الأمور في العمل، لا شك أن كل هذا يؤجج نار الغيرة ويجعلها تتفاقم، وقد يؤدي ذلك إلى الانفجار وخراب البيت، والزوج يتعلل بأن الكلام إنما هو في حدود العمل.

إن هذا الفعل من الزوج خاطئ ولا شك؛ ذلك لأنه لم يفهم نفسية المرأة في الحب، "تحب المرأة الرجل ويحبها، فأما هو فقد أعطاها من نفسه ناحية وأبقى لشئون الحياة نواحي أخرى، وأما هي فقد وهبته من نفسها كل شيء؛ لأنه وقاها شئون الحياة الأخرى.

هذه هي القاعدة التي يجب أن نلم بها حين نحلل عواطف المرأة في معزل عن الظواهر التي تستر الحقيقة.

تهب المرأة نفسها جميعًا للرجل، الرجل الذي أعجبها، والذي غذى أنوثتها برجولته.

والرجل قد يحب دون تردد؛ لأنه يأخذ من الحب أكثر مما يعطي، فلا خوف عليه أن تفوته الصفقة الرابحة في هذه ليجدها في أخرى، أما المرأة فلا تحب حتى تتردد طويلًا رغم ما يذيعون عن تأثرها السريع.

نعم قد لا تفكر أبدًا، ولكنها تشعر بغريزتها شعورًا دقيقًا في اختيار الرجل الذي تهبه نفسها، وهي حقيقة بأن تتردد؛ لأنها إن خسرت الصفقة فلن تخسر شيئًا ضئيلًا؛ بل ستخسر كل ما في كيانها من عاطفة؛ أي أنها ستفقد نفسها" [سيد قطب، صفحات مجهولة، لمحمد سيد بركة، ص64-65].

لذلك فإن المرأة إذا شعرت بتعرض حبها هذا لخطر ما فإنها تدافع عنه بكل ما أوتيت من قوة، حتى لو اضطرت لقول أو فعل تأبى مثله في وقت الهدوء والاستكانة، فهي في مثل حالات الغيرة تلك، يغيب عنها كثير من قدرات الضبط السلوكي والهدوء الانفعالي والتفكير العقلي.

فيجب على الرجل أن يتجنب هذه المواقف التي تثير الغيرة عند زوجته، فإذا ما اتصلت به زميلته في العمل، فليجعل زوجته هي التي ترد عليها، ثم تنقل له رسالتها، ويرد أيضًا من خلال زوجته، فإن كانت الزميلة تريد العمل حقًا فستشعر الزوجة من خلال حديثها معها بذلك، وربما تسمح لزوجها أن يتحدث معها لينهي شئون العمل، وإن كانت الزميلة غير مهتمة بالعمل فإنها لن تكرر الاتصال مرة أخرى إذا ردت الزوجة.

وأما إذا كانت الغيرة بغير يد للزوج فيها، كما حدث مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في قصة قصعة الطعام، فيجب على الزوج أن يتأسى بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، من خلال الصبر والحكمة وتلمس العذر للمرأة في غلبة الغيرة على عقلها، وعدم وعيها الحالي بما تقوم به، ثم بعد أن تهدأ وتستكين فلا بأس أن يتحدث معها بالعقل، وأن يبين لها بعض الأمور التي ربما حدث فيها لبس، أو عدم فهم، أو سوء ظن.

كذلك يجب على الزوجة أن تعلم أن الغيرة بين الأزواج هي محمودة ما لم تتعد الحدود المعقولة لها، والحدود المعقولة هي تطهير الحياة الزوجية من الشوائب التي ربما تأتي عليها، أمَّا أن تكون الغيرة على كل كبيرة وصغيرة؛ بل يصل الأمر إلى الغيرة في الأمور الاحتمالية، أي التي لم تقع بعد، فهذا أمر صعب لا يتحمله الزوج ويضيق به ذرعًا.