logo

مواقع التواصل الاجتماعي وأثرها على الشخصية المسلمة


بتاريخ : الاثنين ، 23 شعبان ، 1437 الموافق 30 مايو 2016
بقلم : تيار الإصلاح
مواقع التواصل الاجتماعي وأثرها على الشخصية المسلمة

لقد كان الهدف الأول لمواقع التواصل الاجتماعي هو تبادل المعلومات، وخلق صداقات اجتماعية جديدة، وتبادل للمهارات والخبرات، وتواصل بين الشباب؛ بل وبين الأجيال، وكذلك تواصل بين أفراد الأسرة الواحدة ثم العائلة

الكبيرة، على أن يشمل هذا التواصل المجتمع كله، ثم أخيرًا يعم هذا التواصل أي شخص في الكرة الأرضية.

 

وفي الحقيقة إن أهم مواقع التواصل التي تشهد إقبالًا غير مسبوق موقع "الفيسبوك"، والذي يتميز عن غيره من مواقع التواصل بسهولة التعامل معه، وكذلك احتوائه على كل أنواع التواصل، سواء كان من خلال التدوين أو الصور أو مقاطع الفيديو، وكذلك سهولة إنشاء استبيانات أو عمل مجموعات تناقش أمرًا معينًا، إلى غير ذلك من الوسائل التي يمكن من خلالها التواصل بين المشتركين في مثل تلك المواقع الاجتماعية.

 

وقد وجد أن أكبر شريحة مقبلة على مثل تلك المواقع، وخاصة موقع "الفيسبوك"، هي شريحة الشباب، وخاصة من سن قبيل العشرين إلى الثلاثين، ثم ازداد في الآونة الأخيرة إقبال عدد كبير مما دون هذه السن على تلك المواقع، وكذلك إقبال لا بأس به من كبار السن.

 

وفي خضم هذه الثورة الإلكترونية، في مجال التواصل الافتراضي على مواقع التواصل الاجتماعي، وُجدت تلك الإيجابيات، والتي تتمثل في التعرف على الآخرين والتواصل معهم، ومعرفة آرائهم الفكرية والسياسية، وكذلك إبداء الآراء بكل حرية ودون قيود، ونشر الدعوة الإسلامية بكثير من الطرق المبدعة، والتعريف بالإسلام ونشر المقاطع المرئية والمسموعة، وكذلك الصور التي تعضد هذا التعريف وتناصره، وكذلك المناظرات بين الإسلام وغيره.

 

كذلك من إيجابيات مواقع التواصل الاجتماعي، التحصيل الكبير لتلك المعلومات العلمية التي تعج بها مواقع التواصل، مدعومة بالصورة أو الملف الصوتي أو المرئي، مما يزيد المعلومة صحة وتوثيقًا.

 

كذلك من إيجابيات مواقع التواصل الاجتماعي، التواصل مع الشخصيات العامة في الدولة، ومعرفة آرائهم الشخصية، وإبداء الأفكار وإرسالها إليهم، وكذلك التعامل المباشر مع صناع القرار في الدولة من خلال تلك المواقع وإبداء الآراء.

 

وأيضًا من إيجابيات تلك المواقع معرفة الأحداث، وما يدور في البلد داخليًا وخارجيًا، والمتابعة أولًا بأول لمسار الدولة وحكومتها ورئاستها.

 

وعليه فإن لمواقع التواصل أهمية كبرى، وخصوصًا عند الشباب؛ وذلك لما يولوه لتلك المواقع من اهتمام كبير، وكذلك للاحترافية التي تميز بها الشباب في التعامل مع تلك المواقع، واستغلالها لتحقيق ما يريدون، حتى ولو كان ضد الدولة كمؤسسة.

 

وعلى الرغم من تلك الإيجابيات، إلا أن لهذه المواقع الاجتماعية سلبيات خطيرة جدًا على سلوك الشخصية المسلمة، وعلى عقيدتها وآدابها.

 

فهذه المواقع ليس فيها حدود للتعامل بين المسموح والممنوع، فلا حدود تحد الحلال أو الحرام؛ بل كل شخص حر فيما يطرحه من فكر أو سلوك أو اعتقاد، فتجد انتشارًا كثيفًا لتلك الصفحات التي تدعو إلى نشر الإباحية والإلحاد، وعقيدة الحرية الشخصية، ومبدأ أنت حر ما لم تضر، وغير ذلك من الأفكار الخبيثة والدخيلة على هذا المجتمع المسلم الملتزم بحدود الله تعالى، وما أمر وما نهى.

 

هذه الأفكار تهدف إلى هدم تلك الصلة القوية بين المسلم وبين دينه، فليس هناك حرام ولا حلال؛ بل هناك حرية شخصية تفعل ما تريد كيفما تريد، طالما لا تتعدى على حرية غيرها، وهذا هو ما يسمى بالفكر الليبرالي، وهذا منافٍ تمامًا للإسلام جملة وتفصيلًا.

 

لكن الأخطر من ذلك، ومن هذه الصفحات الإباحية والتي تهدف إلى نشر الفاحشة في الذين آمنوا، هي تلك الصفحات التي تشكك المسلمين في دينهم وفي عقيدتهم، وقد انتشرت تلك الصفحات الاجتماعية بكثافة كبيرة جدًا، خصوصًا في الأعوام الثلاثة المنصرمة، فتجد الصفحة تسمي اسمها في البداية بأي اسم علمي، ثم تأخذ في عرض مميزات الإسلام والتي تتفق مع ما يريدونه من أهداف، كاحترام الإسلام للمرأة مثلًا، وكيف أن الله عز وجل وصى بها وكرمها، ثم بعد ذلك يأتي بطرح شبهة تمس المرأة أيضًا، وذلك بعد أن جذب روادًا كُثرًا لتلك الصفحة، ثم شبهة أخرى، وغالبية تلك الشبه إنما هي من كتب المستشرقين، ثم يأخذ في تشكيك المسلمين في دينهم، عقائديًا وسياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وفكريًا، حتى يرسخ عند المسلم فكرة أن هذا الدين إنما هو بينك وبين ربك، ولا يصلح أبدًا أن يخرج إلى الحياة بعد هذا التطور العلمي الصارخ الذي لن يستطيع الإسلام مجاراته.

 

وفي الحقيقة فإن مثل تلك الصفحات أخطر على الشباب المسلم من أي شيء؛ لأنها تطعن في هذا الحصن المنيع الذي يتميز به المسلم، ألا وهو عقيدته، ثم تشككه في دينه كله، وأنه لا يصلح لمسايرة الواقع، وللأسف فإن كثيرًا من المسلمين مؤمنين بتلك الفكرة، ولسان مقالهم: أتريدون أن ترجعونا إلى أيام الجاهلية والبادية، وركوب الجمال والبغال والحمير، واستعمال السيوف والخناجر، ونحن في عصر التكنولوجيا والتواصل مع أرجاء الكرة الأرضية في أقل من ثانية.

 

فخرج لنا كثير من الشباب المسلم الذي لا يعرف عن دينه سوى لا إله إلا الله محمد رسول الله، معرفة لفظية فقط، دون أدنى معرفة بمدلولاتها أو مقتضياتها، فابتعد هؤلاء الشباب عن دينهم من حيث لا يدرون؛ بل وأصبحوا حجر عثرة أمام هذا الدين، ظنًا منهم أنهم ينزهون الإسلام عن أرجاس السياسة وخبثها، وما علموا أن هذا الدين إنما جاء ليحكم الحياة كل الحياة، قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162].

 

إن مثل تلك الصفحات الاجتماعية التي تهدف إلى هدم عقيدة المسلمين، أو على أقل تقدير تمييع هذا الدين في نفوسهم، تارة بدعوى حب الآخر غير المسلم، والحفاظ على شعوره، وعدم إظهار دينك أمامه، وفي المقابل يُطلب منك أن تُهنئه بما تعتقد أنت بطلانه، وللأسف هناك من يُسمون دعاة إسلاميين، يقولون بمثل هذا الكلام تحت شعار التعايش، وهذا تلبيس للناس في دينهم، فدين الإسلام واضح في كل تعاملاته مع المسلم وغير المسلم، لا يحتاج إلى ميوعة أو خشونة زائدة.

 

كذلك من أخطار هذه المواقع على الشخصية المسلمة، أنها ضياع للأوقات بشكل كبير جدًا، حيث إن الشاب قد يجلس بالساعات الطوال أمام تلك المواقع وهو لا يدري؛ وذلك لما تقدمه تلك المواقع من وسائل متعددة، سواء كانت ترفيهية أو تواصلية.

 

وأيضًا من أخطار تلك المواقع العزلة الاجتماعية، فهناك كثير من رواد تلك المواقع اكتفوا بهذا التواصل الافتراضي، واستغنوا به عن التواصل الحقيقي مع الناس العاديين، وفي هذا خطر شديد جدًا على الصحة النفسية، وكذلك القدرات العقلية، مع مرور الوقت، مما قد يجعل الشخص مصابًا بمرض التوحد، وهذا الأمر أخطر ما يكون على الأطفال، حيث قد يؤدي إلى تأخر النمو بشكل خطير، فضلًا عن الانطوائية والعزلة.

 

كذلك قد تكون تلك المواقع مدخلًا لبناء علاقات شخصية محرمة، وللأسف فإن هذا من أسهل ما يكون؛ وذلك لما تكفله تلك المواقع من بعض الخصوصيات للمستخدمين، يستطيع من خلالها المستخدم التحكم في كل ما يقوم بعرضه، وما يتشاركه مع غيره، وبالتالي فما أسهل التواصل مع الغير، وبناء مثل تلك العلاقات غير الشرعية.

 

وعليه فإن هذه المواقع فيها من الخير ما فيها، وأيضًا فيها من الشر ما فيها، فلابد من ضبط استخدام تلك المواقع، ومتابعة الأطفال ومراقبتهم خلال تصفح تلك المواقع، وإسداء النصائح لهم وتوجيههم، وكذلك يجب على الشاب والشابة عدم التوغل في مثل تلك الصفحات، التي تهدم السلوك والأخلاق والعقيدة؛ بل يجب التحذير والإبلاغ عنها إلى إدارة تلك المواقع؛ حتى يتسنى إلغاء مثل هذه الصفحات.