logo

مساحة حرة


بتاريخ : الأربعاء ، 3 ربيع الآخر ، 1437 الموافق 13 يناير 2016
بقلم : تيار الاصلاح
مساحة حرة

الحياة بصفة عامة لأمة الإسلام اليوم، والوضعية العامة لأمة الإسلام بين دول العالم، وكذلك تعامل الأمم معها، لا شك يغرس في نفوس الأبناء ويبني بداخلهم النفسية السلبية؛ ذلك لأن الابن لا يسمع من الآباء، منذ أصبح يدرك ويعي، إلا الشكوى واللوم من سوء الأحوال المعيشية والحياتية وقلة الموارد المادية، والتأفف من هيمنة الأعداء على موارد الأمة ومقدساتها، وتحكمهم في حياتها بوسيلة أو بأخرى، إلى جانب التذمر من سوء الخدمات التي تُقدم للناس، وهكذا يشعر الابن أن كل شيء مقلوب رأسًا على عقب، وبالتالي فهو يتعلم التذمر والشكوى، ويفقد روح المبادرة الشخصية، وملكة حل المشكلات، ومع مرور الأيام يكبر الصغير ويصبح كبيرًا، ويصير جزءًا من مشاكل أمته بدلًا من أن يكون سببًا من أسباب حل مشاكلها، وسببًا من أسباب نهضتها.

فالابن يتعلم من هذه الطريقة، التي يتعامل بها أبوه وأمه مع مشاكل الحياة وصعوباتها، أن "يلقي اللوم على الآخرين، ويتهمهم بالتقصير، وإثارة المشاكل، والتفتيش عن نقاط ضعفهم وأخطائهم، وسيركز جل اهتمامه نحو الشكوى الدائمة من الظروف المحيطة به؛ لأنه لم يتعلم من  مربيه سوى أن يشك في قدراته، وفي الآخرين من حوله، فهو لا يثق بهم، وستكون مشاعره سلبية، تميل إلى التشاؤم والإحباط وضعف التوافق مع الآخرين" [25 طريقة لتصنع من ابنك رجلًا فذًا، لأكرم مصباح عثمان، ص6].

وللأسف فإن هذا هو حال الغالبية العظمى من شباب أمة الإسلام، إلا من رحم الله، شباب لا يريد أن يكون له همة لرفعة هذه الأمة ونهضتها، شباب لا يريد أن يبذل الجهد والتعب في سبيل حياة كريمة، شباب تربى على الشكوى واتهام الظروف والأسباب، فهو للأسف شباب فيه "شيخوخة الهمم والعزائم، فالشبان يمتدون في حياة الأمم، وهم ينكمشون، وإن اللهو قد خف بهم حتى ثقلت عليهم حياة الجد، فأهملوا الممكنات، فرجعت لهم كالمستحيلات، وإن الهزل قد هوَّن عليهم كل صعبة فاختصروها، فإذا هزءوا بالعدو في كلمة فكأنما هزموه في معركة، وإن الشاب منهم يكون رجلًا تامًا، ورجولة جسمه تحتج على طفولة أعماله". [وحي القلم، لمصطفى صادق الرافعي (2/230) بتصرف].

ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر.

إن من أهم أسباب النجاح للأبناء أن ينتقلوا من التبعية المطلقة إلى الاستقلالية المنضبطة، فلا ينبغي لهم أن يكونوا تبعًا للمربي أو الوالد والوالدة في كل صغيرة وكبيرة من شئون حياتهم، إنما ينبغي أن تكون له مساحة حرة ومستقلة يسمح له بها الأب والأم، يستطيع من خلالها اختبار الحياة، وهذا لا يعني عدم التعاون مع الآخرين أو الأنانية وحب الذات، وإنما يعني الاعتماد على الذات.

فالابن لكي ينمو نموًا نفسيًا طبيعيًا، لا بد له من الشعور بالحرية والاستقلالية، والإحساس بأنه قادر على تسيير أموره بنفسه، وإنهاء أشغاله بذاته دون مساعدة من الآخرين، هذا الإحساس وحده يجعل داخل الابن طاقة، يستطيع من خلالها ليس إنهاء الممكنات فقط، وإنما أيضًا يريد أن يجابه المستحيلات، فهذه هي المقدمة الصحيحة لثقته في نفسه، وبالتالي قدرته على تحمل المسئوليات في مستقبل حياته.

ومن الأسباب المعينة للآباء والأمهات على الوصول إلى هذا الهدف "وضع الثقة في الأبناء لكي يصبحوا أكثر ابتكارًا وإيجابية من خلال إعطائهم المزيد من الحرية، والإيمان بأن الأخطاء البشرية يمكن تخطيها والتغلب عليها عندما يعمل الجميع متعاونين، في جو من الثقة والحرية والاحترام المتبادل، وذلك عكس ما يحدث حين يكون هؤلاء يعملون في ظل كم من القواعد والإجراءات والقيود التي وصفها أشخاص آخرون، هم أنفسهم لا يتصفون بالكمال". [إدارة الأولويات، ستيفن كوفي، بتصرف يسير].

ومما يساعد على استقلالية الأبناء أيضًا أن يتعود الوالد، والوالدة، وأهل البيت جميعًا على الحوار والمناقشة في مختلف الأمور، وأن يكون هذا هو النظام السائد في البيت لحل الأمور ومعالجة المشكلات؛ فهذا يساعد على نقل الخبرات، وكذلك تفتح القدرات في ذهن الابن؛ لأنه يحاول أن يجد حلًا لهذه المشاكل التي يتم المناقشة حولها ومحاولة حلها.

كذلك ينبغي الانتهاء عن الكلام عن الآخرين وذمهم، حتى لا يتصور الأبناء أن آباءهم ليسوا بأفضل ممن يتحدثون عنهم، وهذا أمر خطير جدًا، يجعل في نفوس الأبناء شيئًا تجاه والديهم؛ وذلك قد يهز مكانة الوالد أو الوالدة في نفس الابن.

وإنما يجب على الآباء والأمهات أن يعلما الابن أن كل شيء فيه الجيد والسيئ، وبالتالي فإذا ما تحدث الابن عن شيء، وذكر عيوبه وسلبياته، فينبغي للأب أو الأم أن يقولا له: وما إيجابياته أيضًا؟، وبالتالي يتم تعليم الابن المقارنة وتعويده عليها، فحين يذكر ميزات أمر من الأمور سأله والداه عن سلبياته، وإذا ذكر سلبيات شخص من الأشخاص سأله والداه عن إيجابياته، وإذا لم يجد نبهه والداه إليها وعلماه، وعليهما بعد ذلك أن يغرسوا في نفس الابن المبادئ، والقيم، والسلوكيات الصحيحة في مثل هذه الأحوال.

وكذلك مما يساعد على تنمية كفاءة الأبناء في الحياة، وتقوية استقلالهم في مواجهة الحياة، التنافس الذي يحرك في الإنسان عامة، فضلًا عن الطفل، مشاعر وطاقات مكنونة، لا يعرفها الإنسان إلا عندما يضع في نفسه منافسة فلان أو فلان للفوز عليه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يثير في نفس الطفل روح المنافسة؛ ليحرك هذه الطاقة الهائلة في الإنسان، كما حدث في المنافسة الفكرية حينما سأل الصحابة عن شجرة من البوادي لا يسقط ورقها، وشبهها صلى الله عليه وسلم بالمسلم، فعلمها عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وكان حينها غلامًا، لكنه لم  يجب، وأيضًا المنافسة الرياضية؛ حيث كان رسول الله يصف الغلمان ويعلمهم أن من سبق إليه فله كذا وكذا، فينطلق كل غلام منهم بكل طاقاته وإمكاناته الجسدية؛ حتى يربح في هذه المسابقة الرياضية.