مواجهة الغضب
"يمثل الجانب العاطفي والجانب العقلي العنصرين الأكثر أهمية في شخصية الإنسان، وحين يكون الإنسان في حالة طبيعية سوية فإنه يستخدم الجانب العقلي في إدراك القضايا، والتكيف مع الظروف الطارئة، والتخطيط الشامل لكل جوانب الحياة.
أما الجانب العاطفي فإنه يكون منبع التواصل الأسري والاجتماعي، كما يكون مصدرًا للطاقة التي نحتاجها في الاندفاع نحو الأعمال المختلفة.
لكن الإنسان لدينا متحيز إلى جانب العاطفة الجياشة، في أكثر الأمر، وذلك الميل خلاصة مركزة لكل أنواع الإخفاق والقصور على المستوى الفكري؛ فالضمور هناك لا بد وأن يقابله نمو هنا، وتأخذ الانفعالية لدينا طابع الهيجان الذي يؤدي إلى الإضرار بالقضية مصدر الانفعال، فيكون الشأن كحال سيارة مضت في منحدر دون أن يكون ثمة سائق يوجهها.
كما أن الانفعال لدينا يتسم بالقصر، فيكون (لحظة تفريغ) أكثر من أن يساعد على تجاوز أزمة أو مشكلة" [نحو فهم أعمق للواقع الإسلامي، للدكتور عبد الكريم بكار، ص80].
في الحقيقة هذا حال معظم الأسر المسلمة في التعامل مع المشكلات والمعضلات التي تلم بها؛ بل لا نبالغ إن قلنا أن هذا هو حال الأسر المسلمة في التعامل مع الأخطاء اليسيرة التي قد تقع من الأبناء، أو من الأمهات والآباء، فإذا ما قصرت الزوجة في أمر من الأمور المنزلية تجاه بيتها أو زوجها أو أبنائها، فإن الرد العكسي للزوج يكون هو الانفعال والغضب، ومن ثم زيادة المشكلة وليس حلها، وكذلك الحال مع الأبناء، فإذا ما أخطأ الابناء في أمر من الأمور، وإن كان يسيرًا، فإن رد فعل الأم حينها يكون شديدًا وتغضب، وتفرض عقوبات على الابن لا تتناسب إطلاقًا مع ضئالة ما قام به.
إن الزوج حين يغضب من زوجته حين تخطئ، والآباء والأمهات حين يغضبون من أبنائهم إذا أخطأوا، يحولهم الغضب إلى أناس يتحركون بلا إرادة سليمة، بل هي إرادة معيبة يشوبها الجهل والتقصير وعدم الوعي، فتكون النتيجة انقطاعًا في العلاقات، وتفاقمًا للمشكلات، وبالتالي سلوكيات خاطئة لم يتم تقويمها أو معالجة اعوجاجها.
إن الإنسان بطبيعته إذا تم توجيهه من خلال الغضب فإنه أبدًا لن يستجيب؛ ذلك لأنه حينها يركز على المشاعر ولا يهتم بمضمون التوجيه والإرشاد، طالما أن المشاعر تجاهه سلبية، أما إذا كانت المشاعر تجاهه، حين النصيحة والتوجيه، إيجابية، مثل حوار هادئ خالٍ من الانفعال والغضب والتوبيخ والتقليل من شأنه، فلا شك أنه سيستجيب للنصيحة ويعمل بالتوجيه.
في الحقيقة إن الحل الأمثل لمواجهة الغضب يقع دائمًا على الفرد الذي يواجه الشخص المغضب منه، فمثلًا إذا ارتكب الابن خطأً نتيجة لأنه كان غاضبًا من أخته، فإن على الأم ألا تغضب حتى تستطيع حل هذه المشكلة، وتتلافى وقوعها مرة أخرى.
إن غضب الآباء والأمهات من أبنائهم نتيجة أخطائهم، وغضب الزوج من زوجته، يجعل الآباء والأمهات والزوج طرفًا في المشكلة، أما تعاملهم بنوع من التقدير للغضب الذي أدى لهذا الخطأ يجعلهم في مقام الحل لهذه المشكلة.
وبالتالي فإذا ما وقع الخطأ نتيجة لهذا الغضب السابق عليه، فإن رد الفعل لا ينبغي أن يكون بالصراخ والغضب والانفعال، وإنما ينبغي أن يكون بنغمة حوارية هادئة، وأن تظهر الاهتمام بالمشكلة التي سببت الغضب، ولا بد من تقدير المشاعر التي أحزنته وأغضبته، فغالبًا ما يكون الغضب بسبب عدم اهتمام الآخر به، أو إساءة الظن به، أو توهم كره الآخر له واضطهاده.
فيكون مواجهة الغضب بمثل تلك العبارات: "لقد أوصدت الباب بعنف، فلا بد أن هناك ما يحزنك ويغضبك، فما الذي يغضبك؟"، "زوجتي، أراكِ مقطبة الجبين، لا بد أن شيئًا ما أحزنك، ولا أستطيع أن أجبرك على الحديث عما أغضبك، ولكني أكره أن أراكِ حزينة، فما الذي أغضبك؟".
إن مثل هذه العبارات كفيلة بأن تذهب بأكبر قدر من غضب الأبناء أو غضب الزوجة، لأنها تحول تفكيرهم إلى حل المشكلة التي أدت لارتكابهم الخطأ، لا التركيز على الغضب واعتباره حلًا لتفريغ النفس من مشاعرها السلبية.
وأيضًا من أهم أساليب مواجهة الغضب اتباع النصائح النبوية في التعامل مع الغضب، فإذا كان الزوج وزوجته وقوفًا جلسا، وقد يطلب الأب أو الأم من الابن أن يذهب ويتوضأ أولًا ثم يأتي ويتحدث عن أسباب غضبه، ومن المهم جدًا أن يكون الطلب بالوضوء أو الجلوس أو تغير الهيئة التي كان عليها، برفق وبهدوء وبتقدير تام لكل مشاعر اللحظة التي يعيشها الشخص الغاضب؛ حتى يستطيع تقبل النصيحة وتنفيذ ما طلب منه.
إن السبيل الأفضل لمواجهة غضب الأبناء أو الزوجة إنما هو ترك الغضب، والإرشاد والتوجيه وإسداء النصيحة وبهدوء ورفق، مع الاهتمام والتعاطف مع المشاعر، فإن ذلك يدعم ثقة الأبناء والزوجة كذلك، ويعطيهم الفرصة لتحقيق الذات، ومحاولة عدم الغضب، ومحاولة الوصول إلى ترك الأخطاء المراد تقويمها.
أما الصراخ والانفعال والغضب، فما هي إلا تنفيس عما في صدور الآباء والأزواج، وهذا الغضب يكون تأثيرًا سلبيًا على المتلقي، يكفيه أنه يشعر بتلك المشاعر السلبية تجاه أبيه أو أمه، أو تجاه زوجها، فالشخص المغضب منه حينها يشعر أنه مضطهد ومظلوم ولم ينصفه أحد، فضلًا عن أن الغضب لا يعدو كونه حلًا مؤقتًا وينتهي مفعوله سريعًا، ثم يعود المخطئ إلى فعلته سريعًا، ثم بعد ذلك يكتسب الشخص المخطئ، من كثرة تكرار الصراخ والصياح والغضب نحوه، مناعة ضد هذه الأمور، فتصبح دون جدوى.
ثم أخيرًا، لا بد أن يعلم الآباء والأمهات والأزواج والأبناء، أن الأفعال والأقوال التي تخرج بسبب الغضب، في كثير من الأحيان تسبب جرحًا من الصعب التئامه، حتى وإن اعتذر الشخص المخطئ، فإن هذه الأفعال والكلمات تترك جرحًا غائرًا؛ كمثل مسمار قمت بدقه في السور (الخطأ) ثم قمت بنزع هذا المسمار (الاعتذار)، لكن أثر المسمار ما زال في السور.