logo

تعليم الأطفال استقبال رمضان


بتاريخ : الأحد ، 15 شعبان ، 1442 الموافق 28 مارس 2021
بقلم : تيار الاصلاح
تعليم الأطفال استقبال رمضان

في رمضان تتجلى التربية الصادقة، والتوجيه الحكيم في رعاية الأطفال، فهم أمانة ووديعة.

وقد كان السلف الصالح يدربون أطفالهم على الصيام ويعودونهم على القيام، فعن الربيع بنت معوذ، قالت: أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: «من أصبح مفطرًا، فليتم بقية يومه ومن أصبح صائمًا، فليصم»، قالت: فكنا نصومه بعد، ونصوم صبياننا، ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار (1).

ففي هذا الحديث تخبر الصحابية أنهم كانوا يصومون الأطفال في صوم عاشوراء، ويشغلونهم عن الطعام باللعب يصنعونها من الصوف، فإذا كان الحال كذلك في صوم عاشوراء فمن باب أولى يكون في صوم رمضان حتى يتمرنوا على الصوم، ويكون الأمر سهلًا إذا ما بلغوا.

وأجمع العلماء أنه لا تلزم العبادات والفرائض إلا عند البلوغ، إلا أن كثيرًا من العلماء استحبوا أن يدرب الصبيان على الصيام والعبادات رجاء بركتها لهم، وليعتادوها، وتسهل عليهم إذا لزمتهم، قال المهلب: وفى هذا الحديث من الفقه أن من حمل صبيًا على طاعة الله ودربه على التزام شرائعه فإنه مأجور بذلك، وأن المشقة التي تلزم الصبيان في ذلك غير محاسب بها من حملهم عليها (2).

ولا شك أن الصوم أشق من الصلاة؛ فلذلك فإن الصبي إذا أطاق الصوم يطلب منه ذلك، ولا بد أن يكون صومه بالتدريج حتى لا يكون شاقًا عليه، وقد يطيق الصبي الصوم وهو ابن ثمان أو تسع أو عشر، ويعود تحديد السن إلى ولي أمره الذي يعرف مقدرة الصبي على الصوم من عدمها.

قال ابن المنذر: واختلفوا في الوقت الذي يؤمر فيه الصبيان بالصيام، فقال جماعة منهم: يؤمر به إذا أطاقه، وقال الأوزاعي: إذا أطاق صوم ثلاثة أيام تباعًا لا يخور فيهن ولا يضعف حمل على صوم رمضان، وقال إسحاق: إذا بلغ ثنتي عشرة سنة أحببت له أن يتكلف الصيام للعادة، وقال ابن الماجشون: إذا أطاقوا الصيام ألزموه، فإن أفطروا لغير عذر ولا علة فعليهم القضاء، وقال أشهب: يستحب لهم إذا أطاقوه (3).

ولأن شهر رمضان عظيم بمكانته وبركته وأجره فإن على الأسرة بدايةً أن تظهر حفاوة خاصة به، بحيث يرى الطفل سعادة من حوله بقدوم هذا الموسم السنوي المبارك، واهتمامًا خاصًا منهم به، على مستوى الطاعات كتلاوة القرآن وصلاة التراويح والتقرب إلى الله بالصدقات وتفطير الصائمين وغيرها.

فيا صائمًا يريد لأبنائه الفوز معه، إليك مسائل في التربية علها أن تدعوك إلى حسن الرعاية بأطفالك.

أولًا: كن قدوةً صالحة لابنك، كن إنسانًا صالحًا خيِّرًا؛ يتأسَّى بك ابنُك، بل ويتأسَّى بك الآخرون، فلا يمكن أن يتربَّى الأولاد على الأخلاق الرَّفيعة، والمبادئ السَّامية، ولو سمعوا من والديهم مِئات النَّصائح والإرشادات، وهم يشاهدونهم وهم يفعلون عكسَ ما يقولون.

وما أجمل أن يرى الابنُ أباه قدوةً حسنَة، أنموذجًا متحرِّكًا في أرجاء المنزل، يترجِم الآدابَ الإسلاميَّة سلوكًا حيًّا؛ فيلمس الأبناءُ ذلك، ويعيشونه واقعًا، فيكون له الأثر الإيجابي في حياتهم.

إنك أنت - أيها الوالد - أول من يغرس السلوكيات والأخلاقيات والاتجاهات في نفس ولدك، وهو أرض خصبة للاستنبات أنت أول زارع فيها، وأول من يضع البذر فيها؛ فلتختر الزرع الذي تحب أن يكون عليه ابنك عندما يصبح إنسانًا ناضجًا، فإنك إما أن تغرس فيه محاسن الصفات ومكارم الأخلاق فتنبته نباتًا حسنًا، وإما أن تغرس فيه الشر والفساد والغي والضلال فتنبته نباتًا سيئًا.

أيها الآباء الكرام: إن صلاح أبنائكم من صلاحكم، وفسادهم من فسادكم، فكونوا وسيلة بناء لا وسيلة هدم، وأداة خير لا أداة شر وفتنة، فأنتم القدوة الحية التي يمتثلونها ويسيرون عليها، ورمضان أفضل وسيلة تربوية وإيمانية لتربية الطفل على الأخلاق الفضيلة والقيم النبيلة والمعاني السامية.

ثانيًا: ما يعرض وما يسمع وما يرى في البيت له أعظم الأثر في حياة الطفل ومستقبله، فإدخال الإيمان والقرآن الكريم والسنة في البيت، وكثرة الذكر والقيام بأوامر الله واجتناب نواهيه؛ تكوّن طفلًا مستقيمًا ملتزمًا.

وإدخال الملاهي والمفاتن وآلات اللعب واللهو والتهاون بشرع الله تعالى تخرج طفلًا لاغيًا لاعبًا هامشيًا.

قال الله سبحانه وتعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].

ومن خصوصيات البيت المسلم قيامه على الإيمان والعمل الصالح، فهو بيت قائم على الدين والتقى، فالرابط بين أفراده رابطة الإيمان: {والَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور: 21].

ومن مميزات البيت المسلم أنه بيت قائم على ذكر الله جلَّ وعلا وطاعته، فالذكر حصن للبيت شياطين الإنس والجن ومن كل سوء، ولهذا شرع للمسلم أن يذكر الله عند دخول منزله، وعند خروجه، وعند الطعام، وعند الشراب، وعند النوم وعند الاستيقاظ، وعند البدء في الأعمال، وعند دخول الخلاء وعند الخروج منه، وعند ارتداء الملابس أو خلعها.. ذكر في كل حال.

هذه هي البيوت الحية وأما البيوت التي لا يذكر الله فيها فيه بيوت ميتة ميت أصحابها.. كما قال صلى الله عليه وسلم: «مثل البيت الذى يذكر الله فيه والبيت الذى لا يذكر الله فيه مثل الحى والميت» (4).

فكم في البيوت من بيوت ميتة؛ بل هي في الحقيقة مأوى للجن والشياطين، بعيدةٌ عن ذكر الله، مليئةٌ بالفساد والمنكرات، لا يُسمعُ فيها إلا مزاميرُ الشياطين.

وما أقبحَ البيوتَ إذا خلتْ من ذكر الله، فاجتالتْها الشياطينُ، وعششت فيها وفرخت، فصارت قبورًا موحشةً، وأطلالًا خربةً، فعميت قلوبُ ساكنيها، وابتعدت عنها الملائكة.

فرمضان شهر الذكر والقرآن؛ تحيا فيه القلوب، وتعمر فيه البيوت بالذكر والقرآن، فيشعر الصغير والكبير بهذا الجو الإيماني العطر بذكر الله.

ثالثًا: ربط الطفل بكتاب الله عز وجل حفظًا وتجويدًا وتلاوة، فهذا عصر الحفظ، وهذا زمن التلقي، وإذا فات الطفل هذا العصر الذهبي وقضاه في الضياع والتفلت والترفيه ندم بعد كبره أعظم ندامة، وتأسف كل الأسف.

وقد شُرِعت عبادة تلاوة القرآن الكريم في شهر رمضان، وفي بيان فضل ذلك، رُوي عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلي الله عليه وسلم: قال: «الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، منعته الطعام والشهوات بالنهار، فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل، فشفعني فيه»، قال: «فيشفعان» (5).

كما أنّ جبريل عليه الصلاة والسلام كان يُدارس النبيّ عليه الصلاة والسلام القرآن في رمضان، وبناءً على هذا يرى العلماء استحباب مُدارسة القرآن الكريم في شهر رمضان، والإكثار من تلاوته، ويتأكّد الاستحباب في العشر الأواخر من رمضان، ويتأكّد أيضًا في الليل من شهر رمضان؛ إذ لا شواغل أو مُلهيات ليلًا، فينشغل كلّ من اللسان والقلب بالتدبُّر والتلاوة.

رابعًا: مصاحبة الطفل في عهد الطفولة والصبا، ومنعه من مصاحبة الأنذال والأرذال وسقطة الناس وسفلة القوم، فإنهم أضر عليه من الجرب، وأفسد من كل عدو، فلا إله إلا الله كم أفسد الفاسد من صالح، وكم أثر الجليس في جليسه، وكم سحب الصاحب من صاحب، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل» (6).

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه        فكل قرين بالمقارن يقتدي

خامسًا: تنشئة الطفل تنشئة عصامية رجولية؛ فتحبب له معالي الأمور وتكره إليه أراذلها، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفاسفها» (7)، فلا يميع الطفل ولا يترك متشبهًا بالنساء والسقطة والأرذال؛ فإنها حسرة عليه وعار وشنار.

الإسلام يريد من العبد أن يتحلى بالأخلاق الحسنة، وأن يتصف بالمعاملة الكريمة حسنًا في لفظه ومقاله، كريم في طباعه وأحواله، بعيدًا كل البعد عن السفه والحماقة، والصائم مطالب بتنقية صومه، وتجنب كل ما يخدشه ويؤثر عليه، ذلك أن الصائم الذي لم يحقق تقوى الله في صيامه قد خسر الثمرة من هذا الصيام، الذي لم يشرع لمجرد ترك الأكل والشرب والشهوة، وإنما شرع من أجل تحقيق تقوى الله بترك الكذب والفحش والبذاءة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الصيام ليس من الأكل والشرب فقط، إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابك أحد، أو جهل عليك، فقل: إني صائم» (8).

عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» (9).

فالصيام الحقيقي يرقى بصاحبه عن الفحش والسفه والطيش والعنف مع من يتعامل ممن هو قريب منه ويساكنه من الزوجة والأولاد وسائر الأقارب، ومع إخوانه المسلمين بل مع الناس كافة.

ورمضان -بِحَقٍّ- مدرسة تربوية وأخلاقية عظيمة ينبغي للمسلم أن يتعلم منها، وأن يتربى على فضائلها، حتى تكون هذه الأخلاق سمة أصيلة في شخصيته، وصفة راسخة في سلوكه، يعيش بها في المجتمع، ويتعامل بها مع من حوله، ويتعبد الله ويتقرب إليه بالاتصاف بها، والتخلق بها في حياته.

ومن الطرق والوسائل التي تعين الأسرة على تعويد طفلها على الصيام ما يلي:

- توضيح مكانة شهر رمضان في ديننا بأسلوب يناسب عمره وتفكيره ووعيه.

- الترغيب: وهو أن يعرف الطفل الحكمة من الصيام والأجر المترتب عليه، وعقاب من يترك الصيام بدون عذر، وبما يناسب سنّه.

- التدريب بالمشاركة: عندما يصوم الطفل في بعض أيام الشهر أو كلها فيجب يكون محل مصاحبة ومتابعة أبوبه وأسرته، فعن الصحابية الربيع بنت معوذ قالت: كنا نَصُومُ ونُصوِّم صبياننا الصغار منهم، ونذهب إلى المسجد، فنجعل لهم اللعبة من العهن -أي الصوف- فإذا بكى أحدهم من الطعام أعطيناه إياه، حتى يكون عند الإفطار (10).

- التدرج في الصيام، كأن يصوم حتى الظهر، ثم حتى العصر.. وهكذا، ويكون بإمكانه الفطور متى أحس بالجوع.

- التشجيع والمكافأة: وهناك صور كثيرة للتشجيع ومنها إعطاء الطفل هدية أو جائزة عن كل يوم يصومه، أو زيادة مصروفه اليومي وبخاصة اليوم الأول، ومدحه أما إخوته وأقرانه، وتقريب الطفل الصائم من مجلس أبويه حتى يشعر بقيمة ما عمل، مع ضرورة لفت انتباهه أن الأجر الأكبر على عمله هو ما سيناله من حسنات ومغفرة من الله ربّ العالمين.

- استخدام أسلوب التنافس، لإثارة حماس الأطفال في مجال الصيام، كأن تخصص الأسرة لوحة في غرفة الطعام أو الجلوس تظهر عدد أيام صيام كل طفل واختيار فارس للأسبوع وفارس للشهر، ويدوّن فيها اسمه، ثم يقدم له جائزة تحفيزية مناسبة.

- تلهية الطّفل عن الأكل والشّرب، وشغله بأمور محببة إليه كاللعب، على أن لا يبذل فيه الطّفل مجهودًا كبيرًا، وقد جاء في الحديث الصّحيح أن الصّحابة رضي الله عنهم كانوا يصنعون لأطفالهم ألعابًا يلهونهم بها عندما يبكون طلبًا للطّعام حتى يحين وقت الإفطار، وكذلك يمكن أن يجمع الأب الأطفال قبل الإفطار لسرد القصص المفيدة، ولكن ما سبق لا يعني عدم إطعام الطّفل إذا اشتدت حاجته للطّعام (11).

حريّ بنا ونحن نستعد لاستقبال الوافد الكريم أن نخطط له بما لا يليق به احتفاء واحتفالًا واهتمامًا، وأن نجعل منه مدرسة تربوية وإيمانية لنا ولأولانا وأهلينا.

استقبال شهر رمضان:

يجب على الأهل استِقبال الشهر بالابتهاج والفرحة، والتحدُّث مع أطفالهم عن هذا الشهرِ؛ ليُشعِروا أطفالَهم بعظمة هذا الشهر، وأننا نَنتظِر هذا الشهر كلَّ عام؛ لما فيه من خيرات، ومُضاعَفة الحسنات، وما في لياليه مِن خير، فبذلك نربِّي عند الطفل ما فعله السلف: بعض السلف كانوا يدْعون الله ستة أشهر أن يبلِّغهم شهر رمضان، ثم يدْعون الله ستة أشهر أن يتقبَّله منهم، وهكذا يتربَّى في نفس الطفل ما فعله السلفُ الصالح.

الصيام:

والسنُّ التي يبدأ الآباء بتعليم أولادهم الصيامَ فيها هي سنُّ الإطاقة للصيام، وهي تختلف باختلاف بِنيَة الطفل، وقد حدَّده بعض العلماء بسنِّ العاشرة.

قال الخرقي: وإذا كان للغلام عشْر سنين، وأطاق الصيام، أُخِذَ به.

وقال الأوزاعي: إذا أطاق صوم ثلاثة أيام تباعًا لا يَخور فيهن ولا يَضعُف، حُمِّلَ صومَ شهر رمضان.

وقال إسحاق: إذا بلغ ثِنتي عشرة أحبُّ أن يُكلَّف الصوم للعادة.

واعتباره بالعشر أَولى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالضرب على الصلاة عندها، واعتبار الصوم بالصلاة أحسن؛ لقرب إحداهما من الأخرى، واجتماعهما في أنهما عبادتان بدنيتان من أركان الإسلام، إلا أن الصوم أشقُّ؛ فاعتبرت له الطاقة؛ لأنه قد يُطيق الصلاة من لا يطيقه (12).

وكان هدْي الصحابة رضي الله عنهم مع أولادهم، أنهم يأمرون مَن يُطيق بالصيام، فإذا بكى أحدهم من الجوع، دُفع إليه اللعب يتلهَّى بها، ولا يجوز الإصرار على الصيام إذا كان يضرُّهم أو يُسبِّب ضعفًا لهم.

أخطاء الآباء مع أبنائهم:

هناك كلمة يقولها بعض الآباء: ابني لم يَكبَر بعدُ، ما زالت سنُّه صغيرة.

إن مثل هؤلاء من الآباء ممن تقاعسوا عن تعليم أبنائهم الصيامَ وغيره من العبادات بدافع الطفولة وصِغَر السنّ؛ قد فوَّتوا على أبنائهم فرصًا ثمينةً وهم لا يشعرون، أتعْلَم لماذا؟! لأن من شبَّ على شيء، شابَ عليه.

فقد أثبتت التجرِبة أن الطفل الذي يَعتاد أمرًا ما من سنٍّ صَغيرة، تَنغرِس هذه العادة في شخصيته طوال عمره ولا تُفارقه أبدًا، ولو حاول أن يتركها ما استطاع ذلك، وفي هذا قال الشاعر:

ويَنشأ ناشئُ الفِتيان فينا       على ما كان عوَّده أبوهُ

إن من الظواهر الاجتماعية التي تنتشر في رمضان انشغال الآباء والأمهات عن تربية أطفالهم بالتسوق، أو الزيارات اليومية في الديوانيات، أو إعداد موائد الطعام، أو حتى بقراءة القرآن الكريم في المساجد، وإهمالهم في الشوارع، أو أمام الشاشات المفتوحة على كل محطات الدنيا، دون رقابة أو اهتمام، كل ذلك من اجل التخلص من ضوضائهم ومشكلاتهم التي لا تكاد تنتهي حتى تبدأ من جديد.

وينتج عن ذلك نشوء سلوكيات جديدة غالبًا ما تكون ضارة، تبقى آثارها عليهم بعد ذلك في حياتهم العلمية والعملية.

فأما الشوارع والأرصفة فهي بيئة غير مضمونة في سلامة الخلق أو العلاقات، بل قد تقود إلى ما لا تحمد عقباه من الجرائم الخلقية والجنائية لا قدر الله، وقد يستغل هؤلاء الأطفال من أصحاب السوء في تحقيق رغبات خطيرة من الناحية الأمنية ولا سيما ترويج المخدرات، أو التدريب على السرقات من أجل الحصول على المال.

وأما الشاشة التلفازية المفتوحة على جميع القنوات فهي كبيرة الخطر على الطفل خصوصا، فلقد لاحظ الخبراء على الأطفال خاصة أنهم مغرمون بمشاهدة التلفاز، فقد كشفت بعض الدراسات أن أغلب الأطفال، وكثيرًا من الكبار، يميلون إلى أن يقبلوا -بدون تساؤل- جميع المعلومات التي تظهر في الأفلام، وتبدو واقعية، ويتذكروا تلك المواد بشكل أفضل (13).

كما أثبتت دراسات أخرى أن التلفاز غير كثيرًا من ترتيباتنا الاجتماعية والتربوية، وأن الأطفال بالذات يحبون أن يتصفوا بصفات البطل الذي يشاهدونه ولو كان غير سوي في خلقه وسمته.

يقول الدكتور سبوك في التلفاز: أكاد أحطم جهاز التلفاز أحيانًا لأعبر عن ثورتي وضيقي عندما أرى طفلي يحملق مشدوها أمام مشهد غرامي حاد يعتدي على بكارة طفولته، أو عندما يعرض سلسلة مثيرة عن الجريمة وكيفية القيام بها وأسلوب تنفيذها وابتكارها.

ويقول: لا يمكن أن تجتمع الأمهات في حديث عن الأطفال دون أن يعلو وجه أكثر من أم حالة الحزن والغضب؛ لأن التلفاز يسرق من الأبناء وقت المذاكرة، ويمنع المراهقين من القراءة المفيدة.

ويقول: هناك عدد من رجال القضاء والمحللين النفسيين يؤكدون أنه عندما يتم سؤال أحد الشباب المنحرف عن فكرة الجريمة؛ فإن الإجابة تكون من رواية بوليسية، أو من برنامج في التلفزيون أو من فيلم في السينما.

وفي دراسة جادة شملت ألفي طالب تتفاوت أعمارهم بين التاسعة والثامنة عشر، تبين أن الذين يمضون وقتًا طويلًا في مشاهدة التلفاز يعانون انخفاضًا حادًا في اللياقة البدنية، بسبب تناول المواد الغذائية مع الاسترخاء أثناء المشاهدة، كما تزيد اضطرابات النوم لدى الأطفال مثل الكوابيس، والأرق، والتوتر النفسي الخوف من الظلمة والأشباح.

وكان ينبغي أن نستغل شهر رمضان في تربية أطفالنا، ونمنحهم جزءًا من أوقاتنا، فنصحبهم إلى المساجد، وإلى حضور دروس العلم فيها، ونقيم لهم ما يتناسب مع أعمارهم من برامج داخل المنزل، ونوجههم إلى القراءة النافعة، أو ممارسة الهوايات المفضلة لديهم، والتي تسهم في بنائهم التربوي والسلوكي.

ومن العجيب حقًا أن ترى من يمنع أولاده عن الصيام بحجة أنهم صغار السن في هذا الجو اللطيف، حتى بلغ ببعضهم أن يوهم أطفاله الحريصين على الصيام أسوة بالكبار، أنه يكفيهم ليكونوا صائمين أن يمتنعوا عن الوجبات الرئيسة مثلًا، وأما الأكلات الخفيفة وشرب الماء القليل فإنه لا يؤثر على الصيام، ونحو ذلك من أكاذيب لا تليق بنا في تربية أطفالنا، ولا أدري ما الحال إذا اكتشفوا الأكذوبة بعد حين؟

وقد جاء عن الصحابة رضى الله عنه أنهم كانوا يعللون أطفالهم بالألعاب إذا طلبوا الأكل حتى يحين موعد الإفطار فهل لنا فيهم أسوة حسنة؟! هذا ما أرجوه من نفسي ومنك أخي الصائم.... وإلى المصارحة الخامسة والعشرين (14).

الصبر الجميل:

إن رمضان خير غارس لخلق الصبر في أطفالنا، فالإنسان يجاهد نفسه ويتحمل التعب أثناء الصيام، بالإضافة إلى صوم اللسان عن الكلام البذيء والشتائم والسباب، فالصبر سيد الأخلاق، وبه ترتبط مقامات الدين، فما من خلق فاضل إلا يمر بقنطرة من الصبر، وإن تحول إلى اسم آخر، فإن كان الصبر عن شهوة فرج محرمة سمي عفة، وإن كان عن فضول عشق سمي زهدًا، وإن كان عن دواعي غضب سمي حلمًا، وإن كان صبرًا عن دواعي الفرار والهرب سمي شجاعة، وإن كان عن دواعي الانتقام سمي عفوًا، وإن كان عن إجابة الإمساك والبخل سمي جودًا ... وهكذا بقية الأخلاق، فله عن كل فعل وترك اسم يخصه بحسب متعلقه، والاسم الجامع لذلك كله الصبر، فأكرِم به من خُلُق، وما أوسع معناه، وأعظم حقيقته (15).

وربط الطفل بالقصة في رمضان من الأمور الهامة جدًا، فعندما نحث الطفل على معاني خلق الصبر، ثم ندعم ذلك بمثال حي من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، يكون ذلك أبلغ، فإذا جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وتأملت سيرته مع قومه، وصبره في الله، واحتماله ما لم يحتمله نبي قبله، وتلون الأحوال عليه من سلم وخوف، وغنى وفقر، وأمن، وإقامة في وطنه، وظعن عنه، وتركه لله، وقتل أحبابه وأوليائه بين يده، وأذى الكفار له بسائر أنواع الأذى من القول، والفعل، والسحر، والكذب، والافتراء عليه والبهتان، وهو مع ذلك صابر على أمر الله، يدعو إلى الله.

فلم يؤذ نبي ما أوذي، ولم يحتمل في الله ما احتمله، ولم يُعط نبي ما أعطيه، فرفع الله له ذكره، وجعله أقرب الخلق إليه وسيلة، وأعظمهم عنده جاهًا، وأسمعهم عنده شفاعة، وكانت تلك المحن والابتلاء عين كرامته، وهي مما زاده الله شرفًا وفضلًا، وساقه بها إلى أعلى المقامات (16).

أما بخصوص وسائل تعويد الصبيان على الصيام: فينتظم في أمور، منها:

1- تحديثهم بفضائل الصيام وأنه سبب مهم من أسباب دخول الجنة، وأن في الجنة بابًا يسمى الريان يدخل منه الصائمون.

2- التعويد المسبق على الصيام، كصيام بضع أيام من شهر شعبان؛ حتى لا يفجؤهم الصوم في رمضان.

3- صيام بعض النهار، وتزاد المدة شيئًا فشيئًا.

4- تأخير السحور إلى آخر الليل، ففي ذلك إعانة لهم على صيام النهار.

5- تشجيعهم على الصيام ببذل جوائز تُدفع لهم كل يوم، أو كل أسبوع.

6- الثناء عليهم أمام الأسرة عند الإفطار، وعند السحور، فمن شأن ذلك أن يرفع معنوياتهم.

7- بذل روح التنافس لمن عنده أكثر من طفل، مع ضرورة عدم تأنيب المتخلف.

8- إلهاء من يجوع منهم بالنوم، أو بألعاب مباحة ليس فيها بذل جهد، كما كان الصحابة الكرام يفعلون مع صبيانهم، وهناك برامج أطفال مناسبة، وأفلام كرتونية محافظة في القنوات الإسلامية الموثوقة، يمكن إشغالهم بها.

9- يفضَّل أن يأخذ الأب ابنه –وخاصة بعد العصر– للمسجد لشهود الصلاة، وحضور الدروس، والبقاء في المسجد لقراءة القرآن، وذكر الله تعالى.

10- تخصيص الزيارات النهارية، والليلية، لأسر يصوم أولادهم الصغار؛ تشجيعًا لهم على الاستمرار في الصيام.

11- مكافأتهم برحلات مباحة بعد الإفطار، أو صنع ما تشتهيه نفوسهم من الأطعمة والحلويات، والفواكه، والعصائر.

وننبه إلى أنه إذا بلغ الجهد من الطفل مبلغه ألا يصرَّ عليه إكمال الصوم؛ حتى لا يتسبب ذلك في بغضه للعبادة، أو يتسبب له في الكذب، أو في مضاعفات مرضية، وهو ليس من المكلفين، فينبغي التنبه لهذا، وعدم التشدد في أمره بالصيام (17).

أساليب تربية الأطفال في رمضان:

شهر رمضان المبارك محمَّل بالقِيَم الأخلاقية العالية التي يسعى الكثير منَّا إلى تطبيقها والبقاء عليها، وغرسها في أطفالنا الصغار، ويبحث الأهل عن تحديد أساليب تربية الأطفال في رمضان؛ حتى يتسنى لهم ولأطفالهم تحقيق المطلوب، وغرسه في النفس.

وتترتب هذه الأساليب على النحو الآتي:

1- الارتقاء بالطفل من الناحية العبادية: (الصيام - القيام- قراءة القرآن- الدعاء والذِّكر).

2- الارتقاء بالطفل من الناحية السلوكية: (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- التحلي بالصبر - فعل الخيرات- بر الوالدين).

3- الارتقاء بالطفل من الناحية البدنية: (الدورات الرياضية وحضور الأنشطة البدنية المختلفة - القواعد الصحية في الأكل- تأخير السحور وتعجيل الإفطار).

4- الارتقاء بالطفل من الناحية الدراسية: (مساعدته على التفوق، وذلك بإرشاده إلى طرق المذاكرة الصحيحة، وكيفية إدارة وقته في رمضان، وعمل جدول للمذاكرة).

5- إحياء دور المسجد في نفس الطفل.

6- تدريب الطفل على إلقاء الخواطر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- التعاون والتكافل- صلة الرحم- الشجاعة (18).

______________

(1) أخرجه البخاري (1960) ومسلم (1136).

(2) شرح صحيح البخاري لابن بطال (4/ 107).

(3) شرح صحيح البخاري لابن بطال (4/ 108) بتصرف يسير.

(4) أخرجه مسلم (779).

(5) أخرجه أحمد (6626).

(6) أخرجه أحمد (8417).

(7) أخرجه الطبراني (2940).

(8) أخرجه ابن حبان (3479).

(9) أخرجه البخاري (1903).

(10) سبق تخريجه.

(11) أطفالنا والضيف القادم/ جريدة الشرق.

(12) المغني (4/ 412).

(13) أبناؤنا بين وسائل الإعلام وأخلاق الإسلام/ منى يكن.

(14) مصارحات رمضانية (ص: 54).

(15) عدة الصابرين (ص: 11).

(16) مفتاح دار السعادة (ص (1/ 301).

(17) تعويد الأولاد على الصيام - جريدة الشرق.

(18) رمضان وتربية الأولاد/ شبكة الألوكة.