من وصايا النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة
كرّم الإسلام المرأة، وأعلى من شأنها؛ سواءً كانت أُمًّا، أو أختًا، أو بنتًا، أو زوجةً، ومن ذلك أنّه أمر الأزواج بالرفق بهن، وحسن معاشرتهن، ونهى وليها أن يزوجها لرجل لا تريده، وجعل لها نصيبًا من الميراث بعد أن كانت محرومة منه، ورحمة الإسلام بها تتعدى ذلك إلى العديد من المظاهر، إذ أوجب لها المهر، ومنع وليها أن يأخذ منه شيئًا، وأسقط النفقة عنها، ومما يدل على تكريم الإسلام للمرأة أن في القرآن سورة تناولت كثيرًا من الأحكام الخاصة بهن، وقد سُمّيت بسورة النساء.
وقد ساوى الإسلام بين المرأة والرجل في أهلية الأداء والوجوب، وأثبت لها الحق في التصرف، كحق التملك، وحق الشراء والبَيع، كما جعل الله ميزان التفاضل بين البشر التقوى والعمل الصالح، دون نظر إلى الجنس؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13]، بالإضافة إلى أن الإسلام حرص على تعليم المرأة، وذكرها في القُرآن جنبًا إلى جنب مع الرجل في آيات كثيرة، وهذا المفهوم مبين في سور عديدة، ومن قول الحق جل وعلا {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35].
ومن أعظم الصور التي يتجلى فيها تكريم المرأة أنّ الإسلام أوصى الرجال بهن، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « واستوصوا بالنساء خيرًا، فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا» (1).
لقد كانت دعوة الإسلام للناس كافة ولم تفرق في العبادات والتكليف بين الرجل والمرأة، بل ساوت بينهم فيها وهو الأصل في الدين؛ إلا ما استثني بنص شرعي.
خصائص المرأة في الإسلام:
من أقوى علامات تمييز الله للنساء بأن جعل سورة من سور القرآن العظيم باسمهن «سورة النساء» وذلك تكريمًا لهن، وسمى سورة أُخرى باسم إحداهن سورة مريم، رغم المساواة في التكليف إلا أن الإسلام ميز المرأة في كافة مراحل حياتها وقدرها كإنسانة، لا بل إنّه جلّ وعلا حمّل مسؤوليتها في الأُمور الشاقة ومنها الاجتماعية والاقتصادية ومتطلبات العيش إلى الرجل.
كما كرمها الله ونزهها عن تحمل مسؤولية المعصية التي سببت الخروج من الجنة حين قال الله تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نجد له عَزْمًا} [طه: 115]، وفي قوله {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122)} [طه: 121- 122].
وفي فضل الإحسان إلى البنات قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: «من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن، وأطعمهن، وسقاهن، وكساهن من جدته، كن له حجابًا من النار يوم القيامة» (2)، وعنما تصبح زوجة قال الله تعالى {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19]، والأخت هي الرحم، ورفع من شأنها كأم لدرجة أنه قال: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء: 23]، هكذا ميزها المولى جل علاه.
وإننا لا نجافي الحقيقة حين نقول إن هناك الكثير والكثير من الأدلة والبراهين على أن الإسلام هو الـمحرر الحقيقي لعبودية الـمرأة، وأنه قد حفظ حقوق الـمرأة في الإسلام منذ أن تكوينها جنينًا في بطن أمها إلى أن تنزل قبرها.
وقد خاطب النبي صلى الله عليه وسلم الرجل والمرأة بوصايا وتكاليف، وكل أمر ونهي عام في أوامر ووصايا النبي صلى الله عليه وسلم فإنه شامل للرجل والمرأة قطعًا، والمرأة داخلة فيه بلا شك، وإنما يوجه الخطاب للرجال تغليبًا على النساء، وهذا أمر سائغ في اللغة، إلا أن هناك أحكامًا ووصايا لا خلاف في اختصاصها بالمرأة دون الرجل، مما يدل على اعتبار شخصيتها المستقلة عن الرجال.
ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يوجه للنساء خطابًا خاصًا بعد حديثه للرجال، وربما خصهن بيوم يعلمهن فيه دون الرجال.
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم: «غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يومًا من نفسك، فوعدهن يومًا لقيهن فيه، فوعظهن وأمرهن..» (3).
وكانت ثمرة ذلك الاهتمام وتلك الوصايا النبوية للمرأة، صورًا مشرقة في التاريخ من النماذج النسائية المثالية.
وهذه باقة من بعض وصايا النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة، نرى من خلالها اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بها وبدورها، وحرصه على صيانتها وسعادتها.
الوصية الأولى: الحذر من التشبُّه بالرجال:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال (4).
قال الطبري: فيه من الفقه أنه لا يجوز للرجال التشبه بالنساء في اللباس والزينة التي هي للنساء خاصة، ولا يجوز للنساء التشبه بالرجال فيما كان ذلك للرجال خاصة.
فمما يحرم على الرجال لبسه مما هو من لباس النساء: البراقع والقلائد والمخانق والأسورة والخلاخل، ومما لا يحل له التشبه بهن من الأفعال التي هن بها مخصوصات فانخناث في الأجسام، والتأنيث في الكلام.... ولا يحل لها التشبه بالرجال من الأفعال في اعطائها نفسها مما أمرت بلبسه من القلائد والقرط والخلاخل والسورة، ونحو ذلك مما ليس للرجل لبسه (5).
وكذا في الكلام والمشي، فأما هيئة اللباس فتختلف باختلاف عادة كل بلد، فرب قوم لا يفترق زي نسائهم من رجالهم في اللبس، لكن يمتاز النساء بالاحتجاب والاستتار، وأما ذم التشبه بالكلام والمشي فمختص بمن تعمد ذلك، وأما من كان ذلك من أصل خلقته، فإنما يؤمر بتكلف تركه والإدمان على ذلك بالتدريج، فإن لم يفعل وتمادى دخله الذم، ولا سيما إن بدا منه ما يدل على الرضا به، وأخذ هذا واضح من لفظ المتشبهين.
وقال ابن تيمية: والمرأة المتشبهة بالرجال تكتسب من أخلاقهم حتى يصير فيها من التبرج والبروز ومشابهة الرجال ما قد يفضي ببعضهن إلى أن تظهر بدنها كما يظهره الرجل، وتطلب أن تعلو على الرجال كما يعلو الرجال على النساء، وتفعل من الأفعال ما ينافي الحياء والخفر المشروع للنساء، وهذا القدر قد يحصل بمجرد المشابهة (6).
ولعل من السلوكيات الخاطئة والمحرمة المنتشرة بين النساء في عصرنا هذا هو التشبه بالرجال في الملبس، وبصفة خاصة في ارتدائهن للبنطلونات، وسواء كانت ضيقة مجسمة للعورة أو واسعة، فهي عليهن حرام، ومن ترتديه تدخل تحت الحديث الصحيح: «صنفان مِن أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يَضرِبون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمةِ البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا» (7).
قيل معناه: كاسيات من نعمة الله عاريات من شكرها، وقيل معناه: تستر بعض بدنها وتكشف بعضه إظهارًا بحالها ونحوه، وقيل معناه: تلبس ثوبًا رقيقًا يصف لون بدنها (8).
فنَصيحتي للنساء المؤمنات أن يتقين الله عز وجل وأن يحرصن على الزِّي الإسلامي الساتر.
وتبعًا لهذا الفهم الخاطئ عن الحجاب والجهل بشروطه الشرعية عند النساء استغله أهل الموضة والأزياء الذين لا رادع لهم مِن دين أو قانون، وابتكروا أزياء للمحجبات لكل المناسبات وعلى أحدثِ خطوط الموضة، وأغلبه لافت للنظر وزينة في نفسه، ولا يَنطبِق عليه شروط الحجاب الشرعي، لا مِن قريب ولا من بعيد.
الوصية الثانية: التحذير مِن الاختلاط بالرجال:
الاختلاط بين الجِنسيين أصبح في عصرنا الحالي ينبئ بانحطاط الأخلاق، وانهدام القِيَم والمبادئ وضياع للشرف والكرامة، وللأسَف الشديد يشجع الاختلاط، ويحث عليه كثير ممن لا يتقون ربهم من أدعياء التقدم والتمدن، يريدون بذلك أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، والله تعالى يقول: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [النور: 19].
هذا، وقد تفشى وعم الاختلاط بين الجنسين في جميع مجالات الحياة من مدارس وجامعات، ومؤسسات ومصانع، والعجب كل العجب أن المرأة المسلمة تركت تعاليم دِينها إلى ما حرم الله من ابتذال وعري، وسُفور واختلاط فاحش، كما تفعل المرأة الأوربية شبرًا بشبر وذراعًا بذراع! بل إن عقلاء الغرب ومفكريه حذروا المرأة عندهم من عواقب هذا الاختلاط المشؤوم، ومن الاستماع إلى شعارات الحرية والمساواة دون مراعاة الفوارق الطبيعية بينها وبين الرجل.
ونسوق هنا بعضًا من أقوالهم عن عواقب المساواة وترْك المرأة للبيت؛ حتى يدرك النساء المسلمات عظمة دينهن، والله المستعان:
قالتِ الكاتبة الإنجليزية اللادي كوك: إن الاختلاط يألفه الرجال؛ ولهذا طمعت المرأة بما يخالف فطرتها وعلى قدر كثرة الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنا، وها هنا البلاء العظيم على المرأة، إلى أن قالت: علموهن الابتعاد عن الرجال، أخبروهن بعاقبة الكيد الكامن لهن بالمرصاد.
وقال شهوبنهور الألماني: قل: هو الخَلل العظيم في تَرتيب أحوالنا الذي دعا المرأة لمشاركة الرجل في علو مجده وباذخ رفعته، وسهل عليها التعالي في مطامِعها الدنيئة حتى أفسدتها المدنية الحديثة بقوى سلطانها ودنيء آرائها.
وقال اللورد بيرون: لو تفكرت أيها المطالع فيما كانت عليه المرأة في عهد قدماء اليونان، لوجدتها حالة مصطنعة مخالفة للطبيعة، ولرأيت معي وجوب إشغال المرأة بالأعمال المنزلية مع تحسن غذائها وملبسها فيه، وضرورة حجبها عن الاختلاط بالغير.
وقال سامويل سمايلس الإنجليزي: إن النظام الذي يقضي بتشغيل المرأة في المعامل مهما نشأ عنه من الثروة للبلاد، فإن نتيجته كانت هادمة لبناء الحياة المنزليَّة؛ لأنه هاجم هيكل المنزل، وقوض أركانَ الأسرة، ومزق الروابط الاجتماعية؛ فإنه يسلب الزوجة من زوجها والأولاد من أقاربهم، إذ وظيفة المرأة الحقيقية هي القيام بالواجبات المنزلية؛ مثل: ترتيب مسكنها وتربية أولادها، والاقتصاد في وسائل معيشتها، مع القيام بالاحتياجات البيئية.
ولكن المعامل تسلخها من كل هذه الواجباتِ بحيث أصبحت المنازل غير المنازل، وأصبحت الأولادُ تشب على عدم التربية وتُلقَى في زوايا الإهمال، وطفئت المحبة الزوجيَّة، وخرجتِ المرأة عن كونِها الزوجة الظريفة، والقرينةَ المحبة للرجل، وصارت زميلته في العمل والمشاق، وباتت معرضة للتأثيرات التي تمحو غالبًا التواضع الفكري والأخلاقي الذي عليه مدار حفظ الفضيلة (9).
ومن ثم يتبين للنساء أن عملهن إن كان مناسبًا لطبيعتهن ولا يهين أنوثتهن أو يخدش حيائهن باختلاطهن بالرجال، ويكون حاجتهن له ضرورية لعدم وجود عائل لهن، أو وجوده وعجزه عن الحد الأدنى لمتطلبات الأسرة، مع مراعاة عدم إهمالهن لحقوق أسرتهن من زوج وأولاد، والتزامهن بالحجاب الشرعي، وموافقة الأزواج لهن؛ لأنهم القوامون عليهن - لو توفرت هذه الشروط جاز عملهن للضرورة، وخِلاف ذلك كعملهن لإثبات مهارتهن وقدرتهن على التنافس مع الرجال أو لقتل الملل من بقائهن في البيت أو ما أشبه ذلك - لا يجوز شرعًا، والله المستعان.
الوصية الثالثة: حفظ اللسان من الإيمان:
الثرثرة والقيل والقال في الجلسات الخاصة والعامة، أو في الهواتف أو ما أشبه ذلك والأخذ في الأعراض، سواء عنِ الأصدقاء أو الجيران أو غيرهما لهو فاكهة مجالس النساء إلا من رحم ربي منهن.
ولا يخفى عنهن خطورة ذلك وقدحه في صحة إيمانهن بالله تعالى؛ لأن الغيبة أو النميمة أو القذف أو قول الزور في تناقل الإشاعات دون التأكد من صحتها - تثير البلبلة والفتنة، وتؤذي المؤمنين والمؤمنات بغير جريرة لإشاعة كاذبة أطلقها حقود على بعض الناس وصدقها، دون أن يراها فاسق فأنبأ بها غيرَه وتناقلتها الألسن، وانتشرت كانتشار النار في الهشيم، وكأن من قالوها ونقلوها رأوها رؤية عين وهو ما لم يحدث قطعًا! وهو ما يخالف قوله تعالى: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6].
قال السعدي في تفسيرها ما مختصره: من الآداب التي على أولي الألباب التأدب بها واستعمالها: أنه إذا أخبرهم فاسق بخبر أن يتثبتوا في خبره، ولا يأخذوه مجردًا، فإن في ذلك خطرًا كبيرًا، ووقوعًا في الإثم، فإن خبره إذا جعل بمنزلة خبر الصادق العدل، حكم بموجب ذلك ومقتضاه، فحصل من تلف النفوس والأموال بغير حق بسبب ذلك الخبر - ما يكون سببًا للندامة، بل الواجب عند خبر الفاسق التثبت والتبين، فإن دلت الدلائل والقرائن على صدقه، عمل به وصدق، وإن دلت على كذبه، كذب، ولم يعمل به (10).
ومن ثم نحذر النساء من القيل والقال الذي ينتشر بينهن، فهو لا يليق بالمسلمات المؤمنات العابدات الموحدات لله رب العالمين.
وينبغي عليهن حفظ ألسنتهن من كل ما يسخط الله تعالى عليهن، وهو القائل جل جلاله: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18].
كما أذكرهن بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا، أو ليصمت» (11).
قال النووي: وهذا الحديث صريح في أنه ينبغي ألا يتكلم إلا إذا كان الكلام خيرًا، وهو الذي ظهرت مصلحته، ومتى شك في ظهور المصلحة، فلا يتكلم (12).
الوصية الرابعة: حِفظ السمع عن الاستماع لمزاميرِ الشيطان:
أدمنت الكثيرات من النساء السماع الشيطاني، وأقصد به: الغناء، وشُغِفْنَ به، حتى صارَ أهله من المطربين والمطربات لهن قدوة.
والكثيرات منهن يحفظن أغاني أهل الطرب والعري، ولا يحفظن شيئًا من كتاب الله تعالى، ويتمنين أن يكن مثلَهم في الشهرة والمال، ويساعد على هذا التدليس تمجيد وسائل الإعلام المختلفة لهم، وتتبُّع أخبار زواجهم وطلاقهم وأعمالهم... إلخ.
واعتبارهم قممًا ورموزًا وطنية، ومن أسباب نهضة الأمة ورقيها.
ومن ثم أحذر النساء مِن هذا التدليس، وأُذكرهن بقول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7)} [لقمان: 6- 7].
وقال العلامة ابن القيم: اعلم أن للغناء خواص لها تأثير في صبغ القلب بالنفاق ونباته فيه كنبات الزرع بالماء، فمن خواصه: أنه يلهي القلب ويصده عن فَهم القرآن وتدبره والعمل بما فيه، فإن القرآن والغناء لا يجتمعان في القلب أبدًا؛ لما بينهما من التضاد، فإن القرآن ينهَى عن اتباع الهوى، ويأمر بالعفة ومجانبة شهوات النفوس وأسباب الغي، ويَنهى عن اتِّباع خُطوات الشيطان، والغناء يأمُر بضدِّ ذلك كله (13).
كذلك أذكرهن بقول نبيهن صلى الله عليه وسلم: «يكون في أمتي خسف وقذف ومسخ»، قيل: يا رسول الله متى؟ قال: «إذا ظهرت المعازف والقينات واستحلَّتِ الخمر» (14).
والمعازِف هي آلات اللهو المحرمة، والقينات جمع قينة وهي المغنية، ولعل فيما ذكرته من أدلة من القرآن والسنة ما يُقنع نساءنا وبناتنا بترك هذا السماع الشيطاني، والإقلاع عن اتخاذ أهله قدوة واتباع الحق وهو أحق أن يتبع (15).
الوصية الخامسة: المرأة راعية:
الراعي هو الحافظ المؤتمن، الملتزم بمصالح ما قام عليه في أموره الدينية والدنيوية، والذي سيسأل أمام الله عن رعيته: ضيع أم حفظ؟
والمرأة مسؤولة أمام الله تعالى عن بيت زوجها وأولاده، وستسأل عن ذلك، ضيعت أم حفظت؟، نصحت أم غشت؟
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته: فالأمير الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهى مسئولة عنهم، والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه، ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته» (16).
فيه أن كل من تولى من أمر أحد شيئًا فهو مطالب بالعدل فيه، وأداء الحق الواجب، والقيام بمصلحة ما تولاه؛ كالرجل في أهل بيته، والمرأة فيما تتولاه من بيتها ومال زوجها وولده، والعبد فيما يتولاه ويتصرف فيه من مال سيده (17).
وعن الحسن أن عبيد الله بن زياد عاد معقل بن يسار في مرضه الذي مات فيه، فقال له معقل: إني محدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من عبد استرعاه الله رعية فلم يحطها بنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنة» (18).
فمن ضيع من استرعاه الله أمرهم أو خانهم أو ظلمهم؛ فقد توجه إليه الطلب بمظالم العباد يوم القيامة فكيف يقدر على التحلل من ظلم أمة عظيمة؟ (19).
الوصية السادسة: طاعة الزوج:
من أسباب دخول المرأة الجنة من أي أبوابها شاءت: محافظتها على الصلوات الخمس، وصيامها رمضان بتمامه، وعفتها، وكذلك طاعتها لزوجها، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا صلَّت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت بعلها، دخلت من أي أبواب الجنة شاءت» (20).
وهذا ظاهر الدلالة على وجوب طاعة الزوجة لزوجها وخدمتها إياه في حدود استطاعتها، ومما لا شك فيها أن من أول ما يدخل في ذلك الخدمة في منزله وما يتعلق به من تربية أولاده ونحو ذلك.
فعليها أن تخدمه الخدمة المعروفة من مثلها لمثله، ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال؛ فخدمة البدوية ليست كخدمة القوية، وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة (21).
وعن حصين بن محصن قال: حدثتني عمتي قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الحاجة فقال لي: «أي هذه! أذات بعل»؟ قالت: نعم، قال: «كيف أنت له»؟ قالت: لا آلوه (لا أقصر في طاعته وتلبية ما يطلبه) إلا ما عجزت عنه، قال: «فانظري أين أنت منه، فإنه جنتك ونارك» (22).
وأكد النبي صلى الله عليه وسلم في وصايا كثيرة للمرأة على حقوق زوجها عليها، وجعل أول وأهم هذه الحقوق: الطاعة في غير معصية الله، وحسن عشرته وعدم معصيته، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اثنان لا تجاوز صلاتهما رؤوسهما: عبد آبق من مواليه حتى يرجع، وامرأة عصت زوجها حتى ترجع» (23).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل الله لهم عليهن من الحق» (24).
قال المناوي: ومقصود الحديث الحث على عدم عصيان العشير، والتحذير من مخالفته، ووجوب شكر نعمته (25).
قال بعض العلماء: ويجب على المرأة دوام الحياء من زوجها وغض طرفها قدامه والطاعة لأمره والسكوت عند كلامه، والقيام عند قدومه وعند خروجه وعرض نفسها عليه عند النوم وترك الخيانة له عند غيبته في فراشه أو ماله، وطيب الرائحة له، وتعاهد الفم بالسواك والطيب، ودوام الزينة بحضرته، وتركها في غيبته، وإكرام أهله وأقاربه وترى القليل منه كثيرًا (26).
الوصية السابعة: إياكِ والطلاق:
الطلاق لا ينازع أحد في حاجة الزوجين إليه أحيانًا، حينما يتعذر العيش معًا تحت سقف واحد، وإذا بلغ النفور بينهما مبلغًا، يصعب معه التودد والاستمرار، فالواجب أن يتفرقا بالمعروف والإحسان، كما اجتمعا بهذا القصد، كما قال الله تعالى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللهُ وَاسِعًا حَكِيمًا} [النساء:130].
لكنه في الوقت نفسه عظيم الخطب، شديد الآثار والأضرار، فكم هدم من بيوت المسلمين، وكم قطع من أواصر للأرحام، وفرق من شَمْلٍ للأولاد، ومن ثم حذر النبي صلى الله عليه وسلم المرأة خاصة منه، ومن طلبه من غير حاجة ملجئة وملحة له (27).
عن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيما امرأة سألت طلاقًا من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة» (28).
وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلتُ كذا وكذا، فيقول: ما صنعتَ شيئًا، قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركتُهُ حتى فَرَّقْتُ بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه ويقول: نِعْم أنت» (29).
قال الأعمش: أراه قال: «فيلتزمه» أي: يضمه ويعانقه (30).
وإنما يحبُّ التفريق بينهما لأن النكاح شيءٌ عقده الشرع، فيحب هو حَلَّ ما عقده الشرع وإزالتَه؛ لمخالفة الشرع، ولحبه الزنا وحصول أولاد الزنا (31).
وفيه تعظيم أمر الطلاق، وكثرة ضرره، وعظيم فتنته، وعظيم الإثم في السعي فيه، لما فيه من قطع ما أمر الله به أن يوصل، وشتات ما جعل الله سبحانه فيه مودة ورحمة، وهدم بيت بُني في الإسلام، وتعريض المتخاصمين أن يقعا في الإثم والحرج (32).
***
---------
(1) أخرجه البخاري (5186).
(2) أخرجه ابن ماجه (3669).
(3) أخرجه البخاري (101).
(4) أخرجه البخاري (5885).
(5) شرح صحيح البخاري لابن بطال (9/ 140).
(6) مجموع الفتاوى (22/ 154).
(7) أخرجه مسلمٌ (2128).
(8) شرح النووي على مسلم (14/ 110).
(9) التبرج وخطر مشاركة المرأة للرجل في ميدان عمله (ص: 36).
(10) تفسير السعدي (ص: 799).
(11) أخرجه البخاري (6018) ومسلم (47).
(12) شرح رياض الصالحين (6/ 115).
(13) إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1/ 248).
(14) أخرجه ابن ماجه (4060).
(15) الوصايا الذهبية الخمسة للنساء/ موقع الألوكة.
(16) أخرجه البخاري (2554)، ومسلم (1829).
(17) إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 230).
(18) أخرجه البخاري (7150).
(19) شرح صحيح البخاري لابن بطال (8/ 219).
(20) أخرجه ابن حبان (4163).
(21) مجموع الفتاوى (2/ 235).
(22) أخرجه أحمد (27352).
(23) أخرجه الحاكم (7330).
(24) أخرجه أبو داود (2140).
(25) فيض القدير (5/ 329).
(26) الزواجر عن اقتراف الكبائر (2/ 77).
(27) وصايا نبوية للمرأة - موقع مقالات إسلام ويب.
(28) أخرجه الترمذي (1187).
(29) أخرجه مسلم (2813).
(30) نفس المصدر.
(31) المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 163).
(32) الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (25/ 448).