الفتاة وحبائل الشبكة العنكبوتية
تظلُّ الشبكة العنكبوتية المتنفس الأول بلا منازع لأصحاب الدعوات الصادقة, والقيم الفاضلة لبث ما لديهم من العلوم والآداب والفوائد في عصر استحوذ الفساد على أكثر القنوات الإعلامية المتاحة في العالم.
ولأنَّ طبيعة الشبكة لقابلة لاحتواء كلّ الأطياف الدينية والفكرية والتوجيهية في أصقاع المعمورة دون تمييز في مساحات الفرص المتاحة إلاّ بحسب الجهد الذاتي؛ والهمة الشخصية، والقدرة المادية.
لا ريب أن هذا العصر عصر الثورة المعلوماتية، مدّ حبال الصلة بين الناس، وقطع ما بينهم من مسافات، وسهّل نشر العلوم والثقافات، فوجدت الفتاة فيه مجالًا خصبًا للمشاركة في البحث والتعليم عن بعد، ونشر المعرفة من خلال نشر المقالات، وإدارة الحوارات ونحو ذلك.
وقد هبّ الصالحون من علماء وطلاّب علم ودعاة رجالًا ونساءً إلى استغلال الشبكة تعلمًا وتعليمًا ودعوة واحتسابًا، وكان للنساء الصالحات من ذلك حظ وافر, وجهد مشكور في الجملة, بيد أنَّ الطبيعة البشرية, والجبلة الإنسانية, والعوارض الفطرية، تظل لصيقة بالجميع لا تنفك إلاّ بمجاهدة شاقة, ومقاومة دائمة، ومن أبرز العقبات وأخطر الآفات الكفيلة بتعويق المسيرة الدعوية وتشتيت الجهود العلمية، بل ربما حدوث النكسة الأخلاقية, واللوثة الفطرية، هو التوسع في إقامة العلاقات بين الجنسين المتجاذبين أساسًا في أصل الفطرة.
فالرجل يبقى رجلًا والمرأة تظل امرأة إن صدقت التوجهات وسلمت النوايا.
ولذا لم يكن ضربًا من الحصار الفكري ذلك التوجيه القرآني البديع لنساء النبي، صلى الله عليه وسلم، بعدم الخضوع بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض.
فإذا كان خير نساء العالمين يُحذرن مغبة إثارة شهوات الرجال الأولين في خير القرون؛ فكيف بنساء الزمان وإن كُنّ داعيات فاضلات, وطالبات علم تقيات.
ومن زعمت أنّها تأمن الفتنة منها وبها، فهي واهمة؛ بل مغرورة للأسف الشديد.
محاذير مواقع التواصل الاجتماعي:
أولًا: الأحاديث بين الجنسين:
إن الأصل في محادثة المرأة للرجل والعكس أن لا يكون ذلك إلا لحاجة، فإن لم يكن ثمّ حاجة منعت.
وقد نص الفقهاء، رحمهم الله، على المنع من التكلم مع المرأة الشابة خشية الفتنة، ما لم تكن هناك ضرورة أو حاجة.
كما نصوا على حرمة ابتداء الشابة الرجل الأجنبي بالسلام، وكذا ردها عليه، وعللوا ذلك بأن ردها عليه أو ابتداءها له يجعل له فيها مطمعًا.
ونصوا أيضًا على أنه لا يشرع لها تشميت العاطس من الرجال الأجانب، ولا يشمتها هو.
بل وأكثر من ذلك، فقد كره الفقهاء للرجل أن يعزي المرأة الشابة عند موت قريب لها ما لم تكن من محارمه، سدًا لباب الفتنة، ودفعًا للمفسدة، فتعزية الرجل للمرأة أو العكس قد يكون فيه مدخل للشيطان، ولهذا نص العلماء على أن الرجل لا يعزي المرأة الشابة إلا أن تكون من محارمه.
ولا يخفى أن التعزية تكون في حالٍ من تألُّم النفس وانقباضها، وذلك كفيل بأن يشغل المرء عن التفكير في الشهوات التافهة، فكيف بغير تلك الحال.
فلابد أن تعلم الفتاة أن حديثها له أثر على الرجال، لا يقل خطرًا عن النظر المحرم إليها.
وقديمًا كان يقال: الحب أوله السماع ثم النظر؛ كما أن أول الحريق الدخان ثم الشرر، فحديثها مع الرجل وإن كان كتابة فهو محفوف بالمخاطر، ويخشى عليه وعليها الفتنة، لأن النفوس البشرية قد جبلت على حب من كثرت محادثته ومباسطته، كما أن كثرة المساس تذيب الإحساس، يضاف إلى ذلك أن الإنسان عندما يتعامل مع الشخص الذي يراه فإن الحواس تستحي، أما إذا كان لا يراه فإن ذلك مظنة جرأة أكثر، فيخشى أن يكون ما يحدث بين الشباب والفتيات من محادثة عبر الإنترنت، تحت غطاء الدعوة إلى الله أو التذكير بالله أو المناقشات العلمية، بريدًا إلى ما لا يرضي الله تعالى؛ ذلك أن للحديث انعكاسات خطيرة تتسلل إلى النفس مع نزعات إبليس، وخطواته الخفية التي حذر الله تعالى منها بقوله: {لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ } [البقرة:168]، فيجب تجنبها.
ثانيًا: حديث الفتاة عن يومياتها، وتصوير حياتها لمن يقرأ، ووضع صورٍ لبعض متاعها كسريرها أو هدية قدمت لها ونحو ذلك:
إن الخيال قد يكون أحيانًا أقوى في إثارة الشــهوات من العيان، والقرآن يغلق الطريــق إلى ذلك كله بقوله تعالى: {لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور:31]، قال ابن عاشور عند تفسير هذه الآية: وهذا يقتضي النهي عن كل ما من شأنه أن يذكر الرجل بلهو النساء، ويثير منه إليهن من كل ما يرى أو يسمع(1).
ثالثًا: الثناء على إحدى الزميلات، ووصفها بصفات شخصية أو خلقية:
فعن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، قال: قال النبي، صلى الله عليه وسلم: «لا تباشر المرأة المرأة، فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها»، وإنما نهي عن ذلك لئلا َيتَعَلَّق قلب الرجل بهَا فيَقَع الافتتان بالموصوفة.
ولا يخفى أن الحديث في المواقع الاجتماعية "التويتر" و"الفيسبوك" عن مثل هذه الأمور داخل في هذا النهي، متى ما كان في القائمة المضافة رجال أجانب يطلعون على ما ينشر.
رابعًا: الصور الرمزية:
لكل من يكتب في المواقع الاجتماعية صورة رمزية، وصورة الفتاة الرمزية ما هي إلا دليل على شخصيتها، والفكر الذي تنتمي إليه؛ فغالبًا ما تكون الصورة الرمزية تعبير عما في نفس الفتاة؛ فهي حقيقة همسات القلوب، وإليك هذه المعادلة:
اسمك + صورتك الرمزية + خانة التعريف بالنفس = شخصيتك
ولن يكون الحديث هنا عن صور النساء المتبرجات أو شبه العاريات؛ لأني على يقين من أن فتياتنا الواعيات بعيدات كل البعد عن ذلك، ولكن الحديث سيكون عن بعض الصور الرمزية التي تتهاون في وضعها بعض الفتيات كقلوب الحب، وصور فتيات مرسومة، ولو كانت من شخصيات الرسوم المتحركة، فما سبب وضع مثل هذه الصور؟ حقيقة لن يتجاوز السبب أحد أمرين: جمال الصورة، أو جذب القراء لها.
فإن كان السبب جمالها: ففي الصور الجميلة التي لا تحرك ساكن نفس الرجل ما يغني عن ذلك، وإن كان لجذب القراء لها وفيهم الرجال: فقد جمعت بين سوء القصد وسوء الفعل؛ فإن الرجل يقيّم المتحدثة من خلال هذه الصورة، وقد صرح بعض الرجال بأن رده على الفتاة يكون على حسب الصورة؛ فإن كانت الصورة جذابة فرده سيكون إيجابيًا، والعكس صحيح.
رسالة إلى الأسرة:
إننا أمام معضلة كبيرة، وفي زمان قد كثرت فيه الفتن واستعصت الكثير من المشاكل على الحل، وخرجت فيه أجيال جديدة، لا تعرف من التربية إلا اسمها، ولا تعرف عن الدين إلا القشور مما يسمونها "وسطية واعتدال"، فلا فروض ولا واجبات ولا حساب ولا عقاب، ولا رقابة ولا مسئولية، دعوى الحرية فيه منتشرة، والعجب أنهم قيدوا الحريات السياسية وتركوا الحبل على الغارب للحريات الفكرية والجنسية والدعوة للفسق والمجون، وفي مثل هذا الزمان، يجب أن نهتم كثيرًا وننفذ القاعدة الذهبية "الوقاية خير من العلاج".
يجب علينا أن نهتم بالتربية كثيرًا، وكثيرًا جدًا، فللأسف قد أصاب مفهوم التربية لدى كثير من الأسر الكثير من الخلل، حيث صارت التربية لديهم هي الإعاشة، فقط يهتمون بالمأكل والملبس والمشرب والتحصيل الدراسي، أما تهذيب الأخلاق وتصفية العقول وتنقيتها من الشوائب والخبث الذي يبثه السرطان الإعلامي، والتركيز على القيم الدينية والالتزام بما أوجبه الله، عز وجل، من فروض وما سنه نبيه الكريم، صلى الله عليه وسلم، من سنن، واعتماد الصداقة بين الأبناء والآباء أسلوبًا أمثل للتربية بلا إفراط ولا تفريط، فهذا لم يعد محل اهتمام الكثير من الآباء.
____________________
(1) التحرير والتنوير، لابن عاشور (18/213).
(2) صحيح البخاري (5240).
مصادر أخرى:
موقع صيد الفوائد.
موقع قافلة الداعيات.
موقع رسالة الإسلام.