من معالم صلاح الأبناء
حينما نسير في الطريق، وتقع أعيننا على مشاهد تؤذي القلب قبل العين؛ تلك المشاهد التي تثير في النفوس أوجاع وآهات، وفي القلب آلام وحسرات، إنها مشاهد لفتيان وفتيات في مقتبل العمر، في بداية المراهقة، في سن المرحلة
المتوسطة، وقد استحوذ الشيطان على عقولهم الساذجة، وملئت رءوسهم سموم المسلسلات والأفلام الجريئة القاتلة، وأخذوا في تطبيق ما يشاهدونه بلا وعي، ولا حتى وازع عرفي اجتماعي، فضلًا عن الوازع الديني والأخلاقي.
فترى الفتى وقد طوق الفتاة بذراعيه على مرأى من الناس؛ فبعد أن كانت المعصية يفعلها العبد وهو يتخفى من الناس ولا يستخفى من الله، أصبحت المعصية اليوم لا يُستخفى بها من الناس ولا من الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
إنها ظاهرة مؤلمة، لفتيان وفتيات ما كانوا ليفكروا أبدًا في مثل هذه الأمور، خصوصًا في تلك السن، التي كان جل همها هو التفكير في اللعب واللهو وزخارف الحياة الدنيا، لا في أوهام الحب الزائف، ولا في أوهام الصحبة المحرمة بين الفتى والفتاة.
إنها مشكلة قطاع كبير لا يستهان به من هذا الجيل، جيل ترعرع على وسائل الاتصالات المفتوحة، وتربى على القنوات الفضائية المتبجحة الجريئة، إنه جيل جعل قدوته الممثل الفلاني والمغني الفلاني.
كل هذا يدعو إلى البحث عن معالم لإصلاح هؤلاء الأبناء وتلك الذرية، وبناء هذا الجيل حتى يستطيع أن ينهض بهذا البلد في كل نواحي الحياة، فضلًا عن السير به في ركاب الأمم المتقدمة؛ بل والتقدم عليها كذلك.
المَعْلَم الأول:»وهي مسئولة عن رعيتها«(1):
لا شك أن المسئول الأول عن تربية الأبناء، هي الأم؛ فالوالد قد انشغل في عمله، وانهمك في تجارته؛ لأجل تحصيل الرزق وجلب المال إلى المنزل؛ لتلبية احتياجاته.
ولا شك أيضًا أن على الوالد دورًا في تربية الأبناء ومتابعتهم، لكن ليس كما الدور المنوط بالأم.
فالأم عليها أن تعلم أين يذهب أبناؤها؟ ولمن يذهبون؟ ومتى يذهبون؟ ومن هن زميلات ابنتها؟، وعليها أن تجلس معهن وتتحاور معهن، عندما يأتين لزيارة ابنتها، بل لها أن تطلب من ابنتها أن تحضر زميلاتها لكي تتعرف عليهن، حتى تعلم وتقرأ شخصيات من يصاحبن ابنتها.
ثم عليها أن لا تسمح لأبنائها بمشاهدة هذه الأفلام وتلك المسلسلات، التي ما عرف هذا الشر إلا من خلالها، فهي المصدر الأساسي لهذه الظاهرة الشنيعة، وكما يقال: الوقاية خير من العلاج، فإن من الفطنة والذكاء القضاء على المرض قبل ظهوره، وليس الاستعداد له حين ظهوره.
كذلك عليها ربط أبناءها بالمسجد بطريقة تحبب إليهم الذهاب إلى المسجد، فعليها أن تبحث لابنتها مسجد تجد فيه صحبة طيبة تعلمها أمور دينها، وتعلمها الحلال والحرام، وكذلك على الوالد أن يدل ابنه على مسجد يجد فيه الابن من يحتضنه، ويحل له أمور حياة المراهقة التي يعيشها، وبذلك يكون كل من الوالد والوالدة قد أديا جزء من حقوق الأبناء عليهم.
المعلم الثاني: {خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ } [النساء:9].
قال تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [النساء:9]، فمن أراد أمنًا لأولاده من الفتن، فليتق الله، عز وجل، ومن أراد سلامة لأولاده من الفقر، فليتق الله، عز وجل، ومن أراد العفة لنسائه وبناته، فليعف نفسه، وليتمثل: "دقة بدقة، ولو زدت لزاد السقا"، {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن:60].
من أراد صلاح ذريته، فعليه أولًا إصلاح نفسه، وتلك هي تقوى الله، عز وجل، التي تحفظ الذرية.
المعلم الثالث: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} [الكهف:82].
في قصة موسى، عليه السلام، مع الخضر، عليه السلام، حين حضرا إلى القرية اللئام أهلها، وأبى أهل هذه القرية أن يضيفوهما، فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقض فأقامه الخضر، عليه السلام، فتعجب موسى، عليه السلام، من هذا الصنيع العجيب، وأوضح له أننا في أمس الحاجة إلى المئونة، وهذا الأمر لو كان مقابل لكان أنفع، وهم قوم ليسوا أهلًا لمثل هذا الجميل، فما كان من الخضر، عليه السلام، إلا أن أعطى سيدنا موسى، عليه السلام، الإجابة في هيئة قاعدة قرآنية راسخة: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا } [الكهف:82].
فالعمل الصالح هو من أكبر معالم حفظ الأبناء، وصلاح أمر دينهم ودنياهم.
فهذا سعيد بن المسيب، رحمه الله، كان يقول لابنه: "لأزيدن في صلاتي، رجاء أن احفظ فيك، ثم تلا هذه الآية: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} [الكهف:82](2).
فاحفظ الله يحفظك، احفظ الله يحفظ أبنائك، احفظ الله يحفظ لك مالك، احفظ الله يحفظ لك صحتك، احفظ الله يحفظ لك أهلك.
المعلم الرابع: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات:100].
إنه الدعاء، سلاح المؤمن الذي لا يفل، السهام التي لا تخطئ، إنه أمر المولى، عز وجل: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60].
وهكذا كان الأنبياء والصالحين، فالله، عز وجل، حينما كان يصف لنا عباد الرحمن، ذكر لنا أنهم كانوا يدعونه قائلين: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الفرقان:74]، فهم يسألون ربهم أن يقر عيونهم بصلاح أزواجهم وأبنائهم وذرياتهم وبطاعتهم لربهم.
وكذلك كان حال الأنبياء والمرسلين، فهذا الخليل، عليه السلام، يقول: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات:100]، فاستجاب الله، عز وجل، وكانت النتيجة: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} [الصافات:101]، ثم هل اكتفى الخليل، عليه السلام بالدعاء، لا؛ بل دعا لأبنائه قائلًا: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [إبراهيم:35]، ثم يستمر في الدعاء لذريته قائلًا: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم:37]، ثم يدعو ويقول: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} [إبراهيم:40].
أيها الأباء والأمهات! إن الأبناء مسئولية في أعناقكم، وأنتم مسئولون عنهم أمام الله، عز وجل، فليؤد كل منكم ما عليه، حتى يُعذر أمام الله، عز وجل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيح البخاري (2409).
مختصر جامع العلوم والحكم، للدكتور هشام برغش (146).