أشعره بأهميته
"يقال: إن كل شخص يولد وعلى جبهته علامة تقول: «أناشدك أن تشعرني بأهميتي».
كانت تلك هي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد اعتاد وهو يخاطب شخصًا ما أن يلتفت بجسمه كله تجاهه، وكان يُشعر الأطفال بأهميتهم وبمسئوليتهم، مثلهم في ذلك مثل البالغين"(1).
إن تقدير الأبناء، واحترام ما يقومون به من جهد، من الأساليب المهمة للوصول إلى قلب الأبناء، وامتلاك قلوبهم وعقولهم، فهذا التقدير هو المحفز الأقوى، الذي يمنح الثقة والسعادة والسكينة والطمأنينة في قلوب الأبناء الخائفة.
فعندما يتحدث الابن مع والده، ولا يلقي له بالًا، ولا يقدره ولا يحترم كلامه، فهذا خطأ كبير في حق الابن، وهدم لشخصه، وتحقير لنفسه أمام ذاته، فإن الابن يشعر حينها بأنه لا شيء، وغير مهم عند والده، فمشاهدة الأخبار أو المباراة أهم، فالوالد لم يرد على ولده، واستمر في متابعة الأخبار أو مشاهدة المباراة.
"قد تعتقد أنت أن هذا الكلام لا ينطبق عليك، فأخبرني الآن، هل سبق لك أن ذكرت قصة مرحة، فاقتحم شخص ما حديثك ليغير الموضوع عندما كنت في منتصف القصة التي ترويها؟ كيف كان شعورك وقتها؟ بالطبع كنت تشعر بأنك تريد خنقه، أليس كذلك؟
هل تعرف حقًا لماذا كنت تشعر بذلك؟ لأنه لم يكن مهذبًا لمقاطعة حديثك؟! لا، لقد شعرت بذلك لأنه أهان غرورك، وجعلك تشعر بأنك صغير أو قليل الشأن، أو غير مهم، أو ليس لك شأن، حيث أنه وضع نفسه في محور الاهتمام، ودفع بك إلى خارج دائرة الضوء.
دعنا نفترض أنك تنظر إلى الصورة الفوتوغرافية التي تضم مجموعة من الأصدقاء معك، أين ستذهب عيناك أولًا؟ إلى نفسك بالطبع، لماذا؟ لأنك تهتم بنفسك أكثر من أي شخص آخر، هذا ليس انتقادًا، ولكنه تعبير بسيط عن الحقيقة، إننا جميعًا نشعر بنفس الشيء"(2).
إن الأبناء بحاجة شديدة إلى تقدير الآباء والأمهات لهم؛ لأنه حين يشعر الابن بتقدير الآباء والأمهات يصبح أكثر سعادة، وأكثر طمأنينة، وأكثر ارتياحًا؛ وبالتالي يحصل الآباء والأمهات على التعاون الكامل معهم في كل ما يطلبونه منه.
فلا بد من أن يُشعِر الآباءُ والأمهات أبناءَهم بالتقدير، وأن يشكروا الأبناء إذا قاموا بما هو مطلوب منهم، فإن ذلك يقرب الأبناء منهم، ويجعل الأبناء ينصتون إلى والديهم ويطيعونهم؛ لأنهم يرغبون في الحصول على مزيد من تقدير الآباء والأمهات لهم.
ومن أهم الأشياء التي تُشعر الابن بتقدير الآباء والأمهات له ألا يهدموا أفكاره وأطروحاته، فضلًا عن أن يهملوها ولا يعيروها أي اهتمام.
فمثلًا، يدخل أحمد على والده مسرعًا، والسرور والبشر يشع من وجهه، فقد حصل أحمد على درجات ممتازة في المواد الدراسية، ووالده منهمك في قراءة الجريدة، وإذا بأحمد يخاطب والده قائلًا: أبي، هاك درجاتي المدرسية، ستعجبك كثيرًا.
وإذا بالوالد يرد، وهو يتابع قراءة الجريدة، قائلًا: اذهب إلى والدتك وقل لها: أعدي طعام الغداء.
هذا هدم للروح المعنوية للابن، وقتل لشعور النجاح والتفوق الذي كان بداخله، فبدلًا من أن يقطع الوالد قراءته للجريدة، ويلتفت إلى ابنه، ويثني على درجاته الطيبة، فعل العكس تمامًا.
ومثال آخر أيضًا للطفلة منة، التي رتبت حجرتها ونسقتها، وقامت بتزيينها، ثم ذهبت إلى أمها مسرعة لكي تخبرها هذا الخبر الجميل، ولكي تأتي إلى حجرتها وتشاهدها وهي منظمة ومرتبة، قائلة لها: أمي، لقد نسقت حجرتي، ورتبتها جيدًا، وبطريقة جديدة تمامًا، ستعجبك كثيرًا يا أمي.
وكان رد الأم عليها: كان يجب عليكِ أن تفعلي هذا، هيا نظفي الصحون الخاصة بوجبة الغداء.
لا شك أن جواب الأب والأم كان عقوبة لأحمد ومنة، وليس تقديرًا أو احترامًا لجهودهما ومشاعرهما؛ فالأب لم يُعِر ابنه أحمد أي اهتمام، أو اعتبار، أو تقدير لما بذله من جهد ومذاكرة حتى حصل على أفضل الدرجات، وإنما تجاهله تمامًا، والأم لم تُقدِّر ما قامت به منة من تلك المبادرة الجميلة التي قدمتها لها؛ بل إن الأم وجهت لها اللوم لأنها لم تنظف صحون الغداء.
إن الأطفال بحاجة ماسة إلى سماع عبارات المدح والتقدير من آبائهم وأمهاتهم نحوهم، "فطبيعة الإنسان تجعله أكثر استمتاعًا وسعادة حين يسمع إطراءً لجانب من جوانب شخصيته لم يكن منتبهًا له، ولم يكن يتوقع إطراءه، ومن هنا، فإننا نظل أصدقاء لأولئك الذين يتنبهون إلى الجوانب التي لا ينتبه لها غيرهم من شخصيتنا، ويتناولونها بالمديح والثناء.
وأحسن الإطراء وأوقعه هو ما يرفع لدينا إحساسنا بقيمتنا الذاتية"(3).
إن تأثير الآباء والأمهات على أبنائهم كبير جدًا، فالأبناء الذين ينجزون أمورًا صعبة، وتحتاج إلى جهد وإعمال فكر وإبداع وذكاء، لا شك أن لوالديهم يد في كل ما يقومون به، فالآباء والأمهات الذين يتمتعون بالحنان والحب والمؤازرة لأبنائهم، ويشعرونهم بالتقدير، ويعيرون اهتمامًا كبيرًا لجهودهم الدراسية، لا شك أن هؤلاء الأبناء هم المتفوقون والمبدعون؛ فقد وفر لهم آباؤهم المناخ المناسب للإبداع والتفوق والنجاح.
أما الآباء والأمهات الذين لا يقدرون أبناءهم، ولا يعيرونهم الاهتمام الحقيقي لما يبذلونه من مجهود، ولِما يريدون تحقيقه من طموحات، فلا شك أنهم يدفعون أبناءهم إلى أقل الدرجات، وإلى عدم الثقة في النفس، وإلى الاعتماد على الغير في أمور كثيرة.
إن الأبناء يريدون أن يواجهوا التحديات، التي تقابلهم في حياتهم اليومية، بأقوى ما يستطيعون، فلِمَ ندفعهم إلى أقل مما يطمحون؟! وذلك بعدم تقديرنا لهم، وعدم اهتمامنا بمجهوداتهم؛ مما يؤثر على ما يستطيعون القيام به.
ـــــــــــ
(1) دليل التدريب القيادي، د. هشام الطالب، ص185.
(2) 21 يومًا للحصول على القوة والسلطة في تعاملك مع الآخرين، جيمس فانفليت، ص131.
(3) كيف تحل مشكلاتك ببساطة، دونالد نوون، ص133.