logo

حقوق المرأة المسلمة بين الواقع والخيال


بتاريخ : الأحد ، 28 ربيع الآخر ، 1445 الموافق 12 نوفمبر 2023
بقلم : تيار الاصلاح
حقوق المرأة المسلمة بين الواقع والخيال

لقد ظلت المرأة منذ آدم وحواء تلهم الرجل وتدفعه إلى الخير وإلى العلياء تارة، وتشقيه وتتسبب في تعاسته تارة أخرى، وظلت بين هذه وذاك سعيدة مكافحة، شقية معذبة، خلال مختلف الأزمان والدهور، تهوي إلى الحضيض عندما تبلغ حضارة المادة ذروتها، وتفقد شخصيتها وحقيقتها إذا بلغ التأخر مداه، وترتفع قيمتها وتعلو مكانتها إذا سادت المثل العليا، وانتشرت القيم السامية، مما جعل المرأة دومًا قطب الرحى في كل المجتمعات وفي كل العهود، تكافح وتنافح من أجل إثبات ذاتها، ونيل حقوقها، والحصول على مركزها في الحياة، حتى إذا بزغ نور الإسلام وجدت في ظله ملاذها، ورد إليها اعتبارها، ووضعها في طريقها الصحيح الذي مكنها من حقوقها وواجباتها، إذ علمها التمسك بالقيم، والتشبث بالعقيدة، وقيام الحياة على الفضيلة والمروءة، وجعل سيرتها عملًا وجهادًا، وهدفها حقًا خيرًا.

فلما جاء الرسول صلى الله عليه وسلم أصبح للمرأة كامل الاعتبار، وأعطتها الشريعة عدل ما عليها من الواجبات حقوقًا، وارتفع صوت الرسول الكريم ليعلن للإنسانية كلها –ولأول مرة في التاريخ– هذه المكانة السامية للمرأة في الدنيا والآخرة بالقرآن الكريم: {يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، وقوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].

وانطلق الرسول الكريم ليؤكد ذلك وليبينه وليطبقه بقوله وفعله: «إنما النساء شقائق الرجال» (1)، أي أمثالكم، وبقوله: «ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله عز وجل خيرًا من زوجة صالحة، إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله» (2).

ويجلس إلى النساء كما يجلس إلى الرجال يعلمهن ويربيهن، ويغرس الإيمان في قلوبهن، ويوجههن إلى الخير والحق والفضل، عن أبي سعيد الخدري قالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم: غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يومًا من نفسك، فوعدهن يومًا لقيهن فيه، فوعظهن وأمرهن (3)، ويجعل أول «مستشارة» له في الدنيا زوجته خديجة أم المؤمنين، فيعود إليها من غار حراء، وقد نبئ وأرسل إلى العالمين كافة، قائلًا لها وفؤاده يرجف: «لقد خشيت على نفسي» فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق (4)، وينوه بشجاعتهن وجرأتهن في التعلم والتفقه في الدين والحياة، حتى قالت عائشة: نعم النساء نساء الأنصار لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين (5).

ويرعى تعليم النساء وتربيتهن، فيتخذ لهن المعلمات في القراءة والكتابة، والحياكة والتطريز، فعن الشفاء بنت عبد الله، قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عند حفصة فقال لي: «ألا تعلمين هذه رقية النملة كما علمتيها الكتابة» (6).

وحتى تصبح السيدة عائشة من أعلم المسلمين بالرواية والحديث والشعر والفقه، وتعد في مقدمة المكثرين من رواة المسلمين لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن أبى موسى الأشعري رضي الله عنه قال: ما أُشكل علينا -أصحابَ محمد- أمر فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها فيه علم (7).

وتفدي سمية بنت الخياط الإسلام فتكون أول شهيدة في الإسلام، ويسْلِم عمر بن الخطاب على يد أخته فاطمة، وبسبب شجاعتها وقوة إيمانها وصلابة موقفها.

وعن أنس رضي الله عنه، قال: لما كان يوم أحد، انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر، وأم سليم وإنهما لمشمرتان، أرى خدم سوقهما تنقزان القرب، وقال غيره: تنقلان القرب على متونهما، ثم تفرغانه في أفواه القوم، ثم ترجعان فتملآنها، ثم تجيئان فتفرغانها في أفواه القوم (8).

وأجاز النبي صلى الله عليه وسلم أمان أم هانئ لأحد الكفار يوم فتح مكة، وكان أخوها علي كرم الله وجهه يريد قتله، فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، زعم ابن أبي طالب أنه قاتل رجلًا أجرته، فقال صلى الله عليه وسلم: «أجرنا من أجرت يا أم هانئ» (9).

وعمل صلى الله عليه وسلم بإشارة زوجته أم سلمة يوم الحديبية، وكان قد أنكر حال المسلمين، فلما فرغ من قضية الكتاب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «قوموا فانحروا ثم احلقوا»، قال: فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله، أتحب ذلك، اخرج ثم لا تكلم أحدًا منهم كلمة، حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلم أحدًا منهم حتى فعل ذلك نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا، فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضًا حتى كاد بعضهم يقتل بعضًا غمًا (10)، فكان الأمر كما قالت رضي الله عنها.

ومن هذا المنطلق، ومراعاة للتوازن في الطبيعة والعمل، فإن الإسلام قد أعطى المرأة الحقوق نفسها التي أعطاها للرجل من حيث القيمة الإنسانية، والشخصية الاعتبارية، وفي سائر التصرفات، وفي الوقت نفسه كلفها بما كلف الرجل من عبادات وواجبات، واعتبرها مسؤولة مثله عما تؤديه من أعمال وطاعات، قال تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35].

عن أم عمارة الأنصارية، أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ما أرى كل شيء إلا للرجال، وما أرى النساء يذكرن بشيء؟ فنزلت هذه الآية {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب: 35] (11).

وقد سوى الإسلام بين الرجل والمرأة في التكاليف والواجبات وفي الحقوق، {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228]، وضمن لها كامل شخصيتها المدنية مستقلة عن زوجها، وفي سائر التصرفات وبكل مقوماتها، {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: 7]، ولم يفرق بين الجنسين في الحقوق والواجبات إلا من حيث تدعو إلى ذلك مراعاة طبيعية كل من الجنسين في الحياة، وما يصلح له، وكفالة الصالح العام، وصالح الأسرة، وصالح المرأة نفسها.

لقد كرم الإسلام المرأة منذ أعلن أنها مكلفة كالرجل، تثاب إن أحسنت، وتعاقب إن أساءت، ولم يعتبرها جزء من المجتمع أو بعضه، بل اعتبرها أحد شقيه بجانب الرجل، فقال تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى}

[آل عمران: 195].

وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} [النساء: 124]، وقال عز وجل: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97].

وقال جل وعلا: {وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} [غافر: 40].

وأكد ذلك الرسول الكريم بقوله: «إنما النساء شقائق الرجال» (12).

إن المرأة في الإسلام الحق في اختيار زوجها الذي تعيش معه العمر كله، وتعطيه قلبها، فعن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن» قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قال: «أن تسكت»، وإذا زوج رجل ابنته وهي كارهة فالزواج مردود، فعن خنساء بنت خذام الأنصارية: أن أباها زوجها -وهي ثيب– فكرهت ذلك، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرد نكاحها (13)، أي أبطله.

وعن ابن عباس رضي الله عنه: أن جارية بكرًا أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها، وهي كارهة، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم (14).

إن الإسلام أعطى المرأة البالغة العاقلة، بكرًا كانت أم ثيبًا، كامل الحرية في رفض من لا ترضاه لها زوجًا، ولا حق لأبيها أو وليها أن يجبرها على من لا تريد، وحتى لا تقع المرأة في خطأ فادح في اختيارها لنفسها بسبب عاطفتها، فقد جمع الإسلام بين جعل الزواج لولي المرأة وحقها في الموافقة على من ترغب فيه، ورفض من لا توافق عليه، فمنع بذلك من استبداد الأولياء ببناتهم، وفي الوقت نفسه لهن الحق في رد من لا يرونه كفؤًا لهن.

وما دام للمرأة الحق في الموافقة أو الرفض فيمن يتقدم للزواج منها، فلها الحق في رؤيته، والنظر إليه، كما له الحق في ذلك، فعن أبي هريرة قال: خطب رجل امرأة من الأنصار، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل نظرت إليها؟» قال: لا، فأمره أن ينظر إليها (15).

وكرمها زوجة، فجعل لها مثلما للرجل من حقوق، وأوجب لها نفقتها ورعايتها، والمعاملة بالحسنى، {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19]، وقال صلى الله عليه وسلم: «وخيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» (16)، كما جعل الزواج لا يفقد المتزوجة شخصيتها، وممارسة كامل حقوقها، والمحافظة على اسمها.

وكرمها أمًا، فجعل الجنة تحت أقدامها، وأمر بحسن مصاحبتها، ومعاشرتها إكرامًا لأمومتها، وجزاء ما تعانيه وتتحمله في سبيل أولادها، فقد أجاب الرسول صلى الله عليه وسلم سائله عن أحق الناس بحسن مصاحبته ومعاشرته فقال: «أمك، ثم أمك، ثم أمك»، وفي الرابعة «ثم أبوك» (17).

وكرمها باعتبارها عضوًا في المجتمع وفي الأسرة، فأنكر اعتبارها عند موت زوجها شيئًا يورث كما يورث المتاع، وكما كان الأمر قائمًا وقرر أهليتها للتملك والبيع والشراء وسائر العقود والتصرفات {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} [النساء: 32].

وجعل لها كالرجل حق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع فقال: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ} [التوبة: 71]، كما فتح أمامها المجالات كلها من أجل العلم، والجهاد، والتعليم، والعبادة، وشهود الجماعات، وكل عمل مفيد وصالح.

أما الصورة التي توجد عليها المرأة اليوم في بعض البلاد الإسلامية، فذلك ناتج عن بعدها عن قيم الإسلام وتعاليمه وسماحته، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا رأى النساء مقبلات وقف لهن، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: أبصر النبي صلى الله عليه وسلم نساء وصبيانًا مقبلين من عرس، فقام ممتنًا، فقال: «اللهم أنتم من أحب الناس إلي» (18).

كما كان يقوم لابنته فاطمة ويقبلها ويساعدها في بيتها، ويسابق زوجته عائشة فتسبقه مرة، ويسبقها أخرى، ويقول لها مداعبًا: «هذه بتلك» (19).

كذلك سوى الإسلام بين الرجل والمرأة في العبادة والإيمان، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم النساء أن يشهدهن صلاة العيدين بجانب الرجل عن أم عطية، قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن نخرجهن في الفطر والأضحى، العواتق، والحيض، وذوات الخدور، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير، ودعوة المسلمين، قلت: يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب، قال: «لتلبسها أختها من جلبابها» (20).

وعن ابن عباس، أن زوج بريرة كان عبدًا، يقال له: مغيث، كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للعباس: «يا عباس، ألا تعجب من شدة حب مغيث بريرة، ومن شدة بغض بريرة مغيثًا»، فقال لها صلى الله عليه وسلم: «لو راجعتيه فإنه أبو ولدك»، قالت: يا رسول الله، أتأمرني به؟ قال صلى الله عليه وسلم: «إنما أنا شافع»، قالت: فلا حاجة لي فيه (21).

وفي تقرير التشريع العام للمسلمين، فقد سجل القرآن في سورة المجادلة الحوار الذي جرى بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين خولة بنت ثعلبة زوج أوس بن الصامت، بعد أن اشتكت إليه زوجها لقوله لها: أنت علي كظهر أمي، مما يحرمها عليه، وجادلت الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم مرارًا حتى أنزل الله فيها وفي قصتها مع زوجها ومجادلتها للرسول صلى الله عليه وسلم في أمرها قرآنًا وتشريعًا في الظهار، كما قال تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة: 1].

ولتطمئن كل امرأة تشعر أن المجتمع قد ظلمها أن الله يسمع شكواها ويفرج كربها، وهو أرحم بها من أهلها وذويها، وليعلم المجتمع المسلم أن التعامل مع المرأة دين، وليس الدين صلاة وصيام وحج فقط، وأن خيرية المسلم في حسن تعامله مع أهله كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا ما نزل تشريع إلا وحفظ حق المرأة في كل حالتها زوجة وأمًا وأختًا وابنة، فلم يتركها لبشر يتحكم فيها.

كما علمتنا المجادلة مدى حرص المرأة المسلمة على أسرتها، فهي تبذل الكثير من أجل استمرار حياتها الأسرية، حتى وإن كان الطرف الآخر على غير القدر الكافي من تحمل المسئولية، كم كان حرصها على طاعة الله، وأن تسأل في دينها حتى تعلم الحلال من الحرام.

وتخيل أن قرآنًا ينزل في امرأة تشكي إلى الله قضية أسرية، ويخلد ذكر هذه القصة في قرآن يتلى إلى يومنا هذا، إنه لشرف عظيم للمرأة وإعلاء لمكانتها، وأنها شقيقة الرجل عليها من الواجبات ولها من الحقوق.

وقد مر بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته والناس معه على حمار فاستوقفته طويلًا ووعظته، وقالت: يا عمر، قد كنت تدعى عميرًا، ثم قيل لك عمر، ثم قيل لك أمير المؤمنين، فاتق الله يا عمر، فإنه من أيقن بالموت خاف الفوت، ومن أيقن بالحساب خاف العذاب، وهو واقف يسمع كلامها، فقيل له: يا أمير المؤمنين أتقف لهذه العجوز هذا الوقوف؟

فقال: والله لو حبستني من أول النهار إلى آخره لا زلت إلا للصلاة المكتوبة، أتدرون من هذه العجوز؟ هي خولة بنت ثعلبة سمع الله قولها من فوق سبع سماوات، أيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر؟ (22).

وقد تحدث القرآن عن قصص لنساء كان لهم الأثر في مجتمعاتهن آن ذاك؛ أمثال مريم بنت عمران وآسيا زوجة فرعون، ونحن نأخذ منها العظة والعبرة ونتعبد بها ونتلوها في صلاتنا.

فهذا مثل حي على أن المرأة كانت تمثل النساء في المجلس النبوي، ويكفي أن نقرأ مثلًا ما جاء في سور البقرة، والنساء، والنور، والأحزاب، والفتح، والمجادلة، والممتحنة، والتحريم، وما حفلت به كتب السنة والسيرة لكي نعرف مبلغ عناية الإسلام بالمرأة، وتحديد مكانتها، وتأمين حقوقها، مما لم يبلغ مبلغ الإسلام فيه دين سابق، ولا مذهب لاحق، ومما يدعو المرأة المسلمة إلى الدفاع عن حقوقها ومكانتها في إطار الشريعة الإسلامية، والبعد عن التشبه والتقليد والجري وراء كل ما هو أجنبي وغربي، مما لم يمكنها من أي شيء حقيقي.

ومن هنا نجد أن أغلب المشاكل التي تطرح ضد الإسلام ناتجة عن تلك الأسباب الآنفة المذكورة، والتي تحجب عن أصحابها الصورة الصحيحة الواضحة التي رسمها الإسلام للمرأة، لقيام مجتمع متوازن فاضل، وقد رأيت أن المسائل التي تثار في موضوع المرأة تنحصر في أربعة لا بد من توضيح رؤية الإسلام فيها.

أولًا: تعدد الزوجات

مبدأ الإسلام في بناء الأسرة وقيام المجتمع ينطلق من قيامه على الفضيلة والمروءة، والطهر والعفاف، وتنظيم علاقة الرجل بالمرأة، وترشيدها، على عكس ما كانت تتردى فيه في الجاهلية، من حيوانية، وشهوانية، وانطلاق.

ومن هنا أحاط الإسلام الأسرة بكافة الضمانات والتوجيهات، لتكون طاهرة عفيفة كريمة، ترعى فيها ظروف الحياة، وواقع الناس، وطبيعتهم من الإحصان والإعفاف، وحب النسل والولد، معالجة ما يقع الناس فيه من حروب وحوادث.

ولذلك، كان تعدد الزوجات في الإسلام جائز، وليس واجبًا محتمًا، وهو في صالح المرأة أكثر مما هو في صالح الرجل لكونه يحل مشاكل العقم، وتحقيق ازدياد الرغبة عند بعض الناس، وتعويض جنس الرجال بسبب ما يفقد منهم في الحروب، وتحقيق التوازن بين الجنسين عندما يطغى عنصر النساء على الرجال، وتوفير دفء الزوجية، ولا سيما للعوانس الأيامى الشابات.

إضافة إلى ضرورة هذا التعدد للقضاء على حالات الزنا، التي سادت قبل الإسلام، والتي عادت في عصر المادة اليوم، في صورة المخادعة وانتشار الرقيق الأبيض والتجارة فيه، الأمر الذي لا يرضاه الإسلام، ويتنافى مع أسسه وأهدافه التي بنى عليها مجتمع المسلمين، من طهارة وعفة وحفظ أنساب، والبعد عن كل ما يشين، ويسيء إلى خلق المسلم واستقراره واستقامته، كما أنه أحاط التعدد بضمانات وأحكام لازمة شدد على ضرورة تحققها قبل الإقدام عليه، وإلا فلا تعدد: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 129].

ثانيًا: القوامة:

ومن القضايا التي حجب حقيقتها عن أصحاب العقول المريضة، وشوهها الغرض والهوى والانقياد، قضية القوامة: قوامة الرجل على المرأة والأسرة، والتي حسب الناس أنها بخس لقيمة المرأة، وانتقاص لحقوقها، أو جبر لها وحجر عليها، واستبداد الرجل والتحكم بأمر الأسرة، وأنها سيف مصلت في وجه المرأة والأبناء، وسياسة لها بالرهبة في السطوة والاعتداء، وأنها عصا غليظة ترفع في وجهها كلما همت بأمر، أو أرادت ممارسة حياتها وحقوقها.

والإسلام بريء من هذه المعاني التي لا تتفق مع أهدافه السامية في شيء، إن القوامة تعني قيام الرجال على النساء بالحماية والرعاية والولاية والكفاية، أي رئاسة الأسرة، وهو أمر طبيعي في كل المجتمعات.

وهي توجيه كريم، وتدبير حكيم للأسرة، وتربية قويمة للأبناء، وعطف وحنان وبر بهم، مصداقًا للآية الكريمة: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34]، أي أن الرجال أهل قيام على نسائهم في تأديبهن، والأخذ على أيديهن، فيما يجب عليهن ولأنفسهم بما فضل الله الرجال على النساء من سوق المهر، والنفقة وكفاية المؤونة، وفي هذا تكريم للمرأة، لأن درجة القوامة هنا هي درجة تكليف قبل أن تكون درجة تشريف (23).

أما ما يقال بأن المرأة أصبحت تعمل بجانب الرجل، وتشارك في الإنفاق، فهذا نادر، ولا يساوي أكثر من خمسة في المائة من الأسر، والأحكام والقوانين توضع للحالات العامة.

ثالثًا: الطلاق:

وقد شرع الإسلام الطلاق علاجًا لمرض لا شفاء بدونه، وحلًا لحياة عائلية أشرفت على انهيار، ووصلت إلى الطريق المسدود، وجعله مخرجًا من شقاء مستمر، ونجاة للأبناء، وإنقاذًا لهم من تعاسة الخلاف والشقاق المستمر بين الأبوين، حتى لا يكونوا ضحاياهم.

غير أن هذه الضرورة تقدر بقدرها، أي هو كالدواء المر الذي يتحمل المريض مرارته من أجل شفائه، ولكنه لا يتناوله إلا عند الحاجة، وفي حالة المرض، كما أن جعل الطلاق بيد الرجل في أغلب الأحوال راجع إلى طبيعة الرجل، وتحكمه في عواطفه وأحاسيسه أكثر من المرأة، كما هي طبيعة كل منهما خلقهما الله، وقد أكدت الحياة ووقائعها وأحداثها صواب هذا التشريع الإلهي، الذي هو مناط صلاح الأسرة، واستقرار المجتمع.

فإذا أراد أن يطلق فليس في كل لحظة يجوز الطلاق، إنما السنة أن يكون في طهر لم يقع فيه وطء.. وفي هذا ما يؤجل فصم العقدة فترة بعد موقف الغضب والانفعال، وفي خلال هذه الفترة قد تتغير النفوس، وتقر القلوب، ويصلح الله بين المتخاصمين فلا يقع الطلاق! ثم بعد ذلك فترة العدة، ثلاثة قروء للتي تحيض وتلد، وثلاثة أشهر للآيسة والصغيرة، وفترة الحمل للحوامل.

وفي خلالها مجال للمعاودة إن نبضت في القلوب نابضة من مودة، ومن رغبة في استئناف ما انقطع من حبل الزوجية.

ولكن هذه المحاولات كلها لا تنفي أن هناك انفصالًا يقع، وحالات لا بد أن تواجهها الشريعة مواجهة عملية واقعية، فتشرع لها، وتنظم أوضاعها، وتعالج آثارها، وفي هذا كانت تلك الأحكام الدقيقة المفصلة، التي تدل على واقعية هذا الدين في علاجه للحياة، مع دفعها دائمًا إلى الأمام، ورفعها دائمًا إلى السماء (24).

رابعًا: ميراث الرجل والمرأة:

يزعم أعداء الإسلام أنه لم ينصف المرأة حيث لم يسو بينها وبين الرجل في الإرث، إذ جعل نصيبها نصف نصيب الرجل.

ونرد عليهم، بأن الإسلام هو أول نظام جعل للمرأة نصيبًا من الإرث، بعد أن كانت محرومة منه: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: 7].

ومرد هذا التفاوت في نصيب كل من الرجل والمرأة، يرجع إلى أنه هو المسؤول عن نفقات الأسرة، زوجة، وأولادًا، وكذلك الأقارب الذين لا مال لهم، كما فرض الإسلام على الرجال المهر، والكسب، والعمل، ولم يكلفها بشيء، بل إن نفقتها على غيرها قبل الزواج وبعده، فأعباؤها قليلة، وأعباء الرجل كثيرة، ومن هنا جاء تشريع الإرث تطبيقًا للقاعدة الشرعية «الغرم بالغنم»، ناهيك وأن هناك حالات قد ترث فيها المرأة أكثر من الرجل، أو تتساوى معه حسب صلة القربى للموروث، ولا علاقة لاختلاف الجنس في ذلك (25).

ومن الأمور التي لا بد من بيانها والتعليق عليها في هذا المقام، أن بعض هؤلاء الباحثين والدعاة في غمرة الحماس عند الحديث عن حقوق المرأة وواجباتها ينقلون عن الأئمة والفقهاء بعض الفتاوى التي تقرر أنه ليس من واجبات المرأة ولا من مسؤولياتها في بيتها الطبخ وإعداد الطعام أو التنظيف أو إرضاع وليدها.. وأن من حقها أن يكون لها خادم وغير ذلك.

وقد يكون هذا الكلام مفهومًا إذا قصد به إبعاد النظرة الاستخدامية للزوجة والتي تختزل دورها إلى الخدمة على وجه السخرة بعيدًا عن مفهوم الشراكة في مناخ التحبب المتبادل.

ولكن تبقى المشكلة في هذا النقل أنه يسلخ الفتوى عن ظروفها وشروطها ويقدمها دون الإشارة إلى الكليات الحاكمة والقواعد التي تضع الأمور في نصابها لإقامة العدل الذي ترضاه الشريعة وترسمه نصوصها ومقاصدها.

ونشير بداية إلى أن الفتاوى المنقولة عن الأئمة عند مراجعتها وتدقيق عباراتها لم تذكر حقوق المرأة وواجباتها في البيت إلا في إطار الوسع والعرف، ولا شك أن هذا الإطار يؤمن مدخلًا شرعيًا يمكن تعميمه بلا حرج.

أما نقل الفتاوى مع إغفال شروطها وظروفها واحترازاتها فهو قراءة انتقائية غير أمينة لا تزيد المرء علمًا بدينه أو مقدرة على معالجة المشكلات.

إذا رجعنا إلى القرآن الكريم وجدنا أن قضية الحقوق والواجبات في الأسرة تعرض من منطلق واقعي فطري ينسحب على ظروف مختلفة عبر الزمان والمكان.

قال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7]، {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ} [الطلاق: 7]، {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6]، {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19]، {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229]، {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} [البقرة: 233].

فالآيات الكريمة تقرر مبادئ لتقرير الحقوق والواجبات في الأسرة تتلخص في المعروف والسعة والتراضي والتشاور.

فالعرف المستقر في أية بيئة يساعد كثيرًا في تحديد الواجبات والحقوق وتضييق شقة الخلاف بين الناس، وكذلك فإن مفهوم السعة يتوافق مع المنطق الشرعي الذي لا يكلف الناس فوق ما يستطيعون، وأما التراضي والتشاور فهما الوسيلة والطريقة التي يتوصل بها الناس إلى الوضع المناسب والملائم بما يحقق المصلحة في جوٍ من التفاهم والتعاون.

فعند الحديث عن مشكلات الأسرة وطرق معالجتها لا بد من تقرير المبادئ القرآنية أولًا ولا بد كذلك من تدريب الناس رجالًا ونساءً على فهمها وتذوقها والتحاكم إليها.

ويبدو أن ما يدعى “مشكلات الأسرة” هو تعبير عن توتر وانزعاج وخيبة أمل ناتجة عن فرق بين التوقعات والواقع أو بين الأحلام والحقيقة.

ومن هنا فإن مساعدة الناس على تجاوز مشكلات الأسرة تكمن في مساعدتهم على:

- وضع توقعاتهم للحياة الزوجية ضمن ما يقرره العرف وما يتأصل به المعروف.

- فهم الاحتياجات المادية والاقتصادية للأسرة ومعرفة طرق ووسائل تغطية الاحتياجات ضمن الإمكانيات المتوفرة والسعة في الرزق.

- الاعتياد على استعمال التراضي والتشاور وسيلة للوصول إلى أي قرار يتعلق بالأسرة بعيدًا عن الانفراد أو التجاهل.

وقد عاشت كثير من المجتمعات الإنسانية حالةً من السلام الاجتماعي والتوافق العائلي الذي يستمد ثباته واستقراره من أعراف وتقاليد وضعت حاجات الأسرة فوق اعتبار رغبات الأفراد.

وجاء الإسلام فأقر نظام الأسرة وحوّله من مجرد عادات قد يداخلها الحيف والظلم إلى علاقات مضبوطة بإطار المسؤولية والمودة والرحمة، وأدخل بعض التعديلات والضوابط التي تتعلق ببيان أصناف القرابة التي لا يصح عقد الزواج فيما بينها، وتتعلق بتفصيلات العقود والميراث بين الأزواج، وتتعلق ببعض تفصيلات الحضانة والرضاع والطلاق والنسب وغير ذلك.

 وكان دور المرأة في الأسرة عبر الثقافات والحضارات أساسيًا في تأمين كفايات الأسرة من الغذاء واللباس.

وكانت مساحة مسؤوليات المرأة في البيت تختلف حسب الحاجة والسعة في الإمكانيات.

وقد كان هذا المعنى واضحًا في آيات القرآن الكريم التي تحدثنا عن أسرة نبي الله شعيب حيث عملت ابنتاه في الرعي وتأمين السقاية لقطيع من البهائم.

وعند تلاوة آيات تلك القصة الطريفة لا يحس القارئ بلوم أو تثريب بل يجد القارئ الموافقة والإقرار والاستحسان لعملهما ومبادرتهما لأداء الواجب في رعاية حاجات الأسرة الكريمة {وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} [القصص: 23].

 وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه البخاري، كانت سيدة نساء أهل الجنة فاطمة رضي الله عنها تتقرح يداها من الطحن فلما أشفق عليها زوجها علي وسألها أن تطلب من أبيها أن يعينها بخادم، علـمها النبي صلى الله عليه وسلم دعاءً وأذكارًا تخفف عنها بعض التعب ولم يخصـها بخادم.

لقد كان هدي النبي مع ابنته تعليمًا للمرأة المؤمنة الصالحة أن تؤدي واجبها في القيام بنصيبها من أعباء البيت صابرة محتسبة، وكان تصرف سيدنا علي رضي الله عنه هو مثال الزوج الشفيق الذي لا يترك فرصة لمساعدة زوجته وتخفيف معاناتها إلا بادر إليها.

وفي ضوء هذا الفهم لهدي القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم في قضية مسؤوليات المرأة في البيت نرى أن الاستشهاد ببعض الفتاوى المنقولة عن الأئمة هو نقل تنقصه الدقة والأمانة العلمية التي تتطلب نقل ظروف الفتوى والعرف الذي استندت إليه والذي لا ينطبق عند التحقيق والتدقيق على واقع المجتمعات الإنسانية في أغلب حالاتها وأوضاعها التي يغلب عليها المعاناة والكدح من جميع أفراد العائلة لتغطية نفقات وأعباء الأسرة والتي قلما ترتفع عن حد الكفاف.

فإذا كان الواجب يقضي بإنصاف المرأة مما يقع عليها من ظلم في بعض المجتمعات، فإن من غير المقبول أن نقع في مبالغات ردود الفعل فنسعى في تدمير ثقافة أسرية تكافلية تعاونية أثبتت صلاحيتها عبر القرون وفي مختلف الثقافات.

ولا بد من الحذر كذلك من نقل الفتاوى التي تساوي بين المطلوب شرعًا وبين المفروض قانونًا بالمعنى المعاصر.

فالمطلوب شرعًا يرتبط في قلب المؤمن بجملة من المشاعر الطيبة وشعور المسؤولية أمام الله، بينما يرتبط ما يفرض بقوة القانون بإكراه السلطة والمبارزات السياسية على منصات الانتخاب.

إن فهم الحقوق والواجبات في الإسلام عبر بعض الفتاوى الاستعراضية السمجة هو فتنة عن دين الله تقدم الإسلام دينًا ارستقراطيًا لا يصلح إلا لمن يملك الخدم والحشم، وتقدم المرأة في تلك المجتمعات الارستقراطية أكثر تدينًا ورفعة ممن يكابدن العمل لتأمين الكفاف.

إنها الفتنة التي تفتح الباب لكل دعوات النشوز ودعوات استبدال نمط الإسلام الفطري بالعلمانية الحداثية الاصطناعية أو غيرها من دعوات الجاهلية (26).

--------

(1) أخرجه أبو داود (236).

(2) أخرجه ابن ماجه (1857).

(3) أخرجه البخاري (101).

(4) أخرجه البخاري (3).

(5) أخرجه مسلم (332).

(6) أخرجه أبو داود (3887).

(7) أخرجه الترمذي (3818).

(8) أخرجه البخاري (2880).

(9) أخرجه البخاري (3171).

(10) أخرجه البخاري (2731).

(11) أخرجه الترمذي (3211).

(12) سبق تخريجه.

(13) فتح الباري (9/ 191).

(14) أخرجه أبو داود (2096).

(15) أخرجه النسائي (3234).

(16) أخرجه الطبراني (4420).

(17) أخرجه مسلم (2548).

(18) أخرجه البخاري (3785).

(19) أخرجه أبو داود (2578).

(20) أخرجه مسلم (890).

(21) أخرجه ابن حبان (4273).

(22) تفسير القرطبي (17/ 269).

(23) المرأة بين دينها وواقعها/ دعوة الحق.

(24) في ظلال القرآن (6/ 3597).

(25) المرأة بين دينها وواقعها/ دعوة الحق.

(26) حقوق المرأة بين الواقع والخيال/ الموقع الرسمي لمجلة الرشاد.