logo

أين الحب...؟!


بتاريخ : الاثنين ، 23 شعبان ، 1437 الموافق 30 مايو 2016
بقلم : تيار الإصلاح
أين الحب...؟!

هل ضاع الحب الأسري وسط زحام أشغال الدنيا؟, هل فقدت الأسرة المسلمة أقوى وأوثق العرى فيها؟, لماذا تفككت الأسر؟, لماذا ضاع الشباب والفتيات في غياهب الحب خارج الأسرة؟, الإجابة عن كل هذا أنهم لم يجدوا الحب الحقيقي داخل الأسرة.

أين كلمة الحب؟

أين قول الزوج لزوجته: أحبك؟, أين قول الوالد لابنته: أحبك؟, أين قول الولد لوالدته: أحبك؟, فوالله لو قالها كل واحد في الأسرة للآخر بصدق, لما بحث عنها الآخر خارج الأسرة إطلاقًا.

أين نظرة الحب؟

أين نظرة الشوق والرغبة من الزوج إلى زوجته؟, أين نظرة الحنان من الأب إلى ابنته؟, أين نظرة الإحسان والبر من الولد إلى والدته؟, أين نظرة الثقة من الوالد إلى ولده؟, أين نظرة التفاهم من الأم إلى بنتها؟, أين نظرة المودة من الأخ إلى أخته؟, كل هذه النظرات لو وجدت في بيوتنا لكانت أسعد البيوت.

أين لمسة الحب؟

أين مسح الزوج على رأس زوجته بدفء وحنان؟, أين مسح الوالد على رأس أولاده بثقة واطمئنان؟, أين مسح الأم على رأس بناتها بحب وأمان؟, إن هذه اللمسات لا تصل إلا إلى القلوب مباشرة, ولا تخرج من الذاكرة أبدًا, فبيت فيه هذه اللمسات, يدوم الحب فيه أبدًا.

أين غطاء الحب؟

إنه ذلك الغطاء الذي يشعر فيه الأبناء بالأمان والاطمئنان مع والديهما, حتى إنهما ليبوحان لهما بكل شيء, وهو الغطاء الذي تشعر فيه الزوجة باحتواء الزوج لها وعدم حاجتها لصاحبة أو قريبة للبث إليها, غطاء الحب هو الإحساس بالاحتواء النفسي داخل الأسرة, وعدم البحث عنه خارج أسوارها.

أين ضمة الحب؟

أين ضمة الحنان والشفقة والفرحة من الوالدين لأولادهما؟, أين ضمة السكينة والاطمئنان والمسامحة من الزوج لزوجته؟, أين ضمة الاعتراف بالجميل من الأبناء لوالديهم؟, إنها تلك الضمة التي تذوب معها كل مشكلات الدنيا وكل ما يعكر صفو هذه الحياة.

أين قبلة الحب؟

أين قبلة الرحمة من الوالدين لأولادهما؟, أين قبلة البر من الأولاد لوالديهم؟, أين قبلة الحب من الزوج لزوجته؟, هل نزع الله الرحمة من قلوبنا؟.

أين بسمة الحب؟

أين بسمةالفرح والسرور والتقدير من الوالدين لأولادهما؟, أين بسمة الحنان من الأخ لأخته؟, أين بسمة الدفء بين الزوج وزوجته؟, أين بسمة الإحسان من الأبناء لوالديهم؟, إنها الصدقة المنسية.

أمر وإلزام:

قال المولى عز وجل في كتابه الكريم: }وبالوالدين إحسانًا{, [النساء:36], وقال تعالى:}وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانًا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولًا كريمًا (23) واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا{, [الإسراء: 23-24].

هذا أمر المولى عز وجل بالبر والإحسان للوالدين, وهذا لا يكون إلا بالحب الذي يزرعه الوالدين داخل الأسرة, انبت البذرة يكن لك الحصاد, }هل جزاء الإحسان إلا الإحسان{, [الرحمن:60].

وقال تعالى: }ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون{, [الروم:21].

وقال تعالى: }هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها{, [الأعراف:189].

هذا هو الحب الحقيقي بين الزوج وزوجته, بين النفس الواحدة التي خلق منها زوجها, يبينه لنا القرآن الكريم في تعبير رائع, فالله خلق الحب لأجلنا, خلق لنا من أنفسنا أزواجًا لنسكن إليها, كلمة تجمع كل معاني الحب, إنها السكينة, فيها المودة والرحمة والدفء والحنان والشفقة والرأفة, ما أجمل كتاب ربنا!, ما أجمل حياتنا لو جعلنا لها القرآن منهاجًا ونبراسًا!.

وهكذا كان النبي, صلى الله عليه وسلم, أروع من ضرب لنا الأمثلة الفعلية في الحب الأسري, حتى صار البيت النبوي, هو البيت المثالي في تاريخ البشرية جمعاء.

أمان واحتواء:

عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: أول ما بدئ به رسول الله, صلى الله عليه وسلم, من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه, وهو التعبد, الليالي ذوات العدد، قبل أن ينزع إلى أهله،ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء.

فجاءه الملك فقال: اقرأ، قال: «ما أنا بقارئ»، قال: »فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني، فقال: {اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم} [العلق: 2].

فرجع بها رسول الله, صلى الله عليه وسلم, يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد, رضي الله عنها، فقال: «زملوني زملوني», فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: «لقد خشيت على نفسي» فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.

فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى, ابن عم خديجة, وكان امرأ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخًا كبيرًا قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عم، اسمع من ابن أخيك«([1]).

هكذا الزوج والزوجة, فالزوج إذا ألمت به نازلة, أو أحدقت به المخاوف, أو تكالبت عليه الأمور, يلجأ إلى الله تعالى أولًا, ثم بعد ذلك إلى من يحس معها بالأمان, إلى من تخفف من همه, إلى من تفرج من كربه, إلى زوجته الحنونة, إلى نصفه الثاني, عندها يحس بأن النوازل هينة, وأن المخاوف آمنة, فيبث لها شكواه, ويبوح بما في حشواه.

هي بقلبي:

عمرو بن العاص, رضي الله عنه، أن النبي, صلى الله عليه وسلم، بعثه على جيش ذات السلاسل، فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك؟, قال: «عائشة»([2]).

هكذا يطلقها النبي, صلى الله عليه وسلم, لكل من يخجل من ذكر اسم زوجته أمام الناس, هكذا يطلقها النبي, صلى الله عليه وسلم, لكل من يخجل باعترافه بحب زوجته أمام الناس, هكذا يعلمنا النبي, صلى الله عليه وسلم, الحب الحقيقي, وهذا الحب ليس كلامًا يقال ولكن صدقته الفعال.

ومن في الرجال مثل زوجها:

عن أنس بن مالك, رضي الله عنه: أن النبي, صلى الله عليه وسلم، قال لأبي طلحة: «التمس غلامًا من غلمانكم يخدمني حتى أخرج إلى خيبر» فخرج بي أبو طلحة مردفي، وأنا غلام راهقت الحلم، فكنت أخدم رسول الله, صلى الله عليه وسلم، إذا نزل، فكنت أسمعه كثيرًا يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدين، وغلبة الرجال».

ثم قدمنا خيبر, فلما فتح الله عليه الحصن، ذُكر له جمال صفية بنت حيي بن أخطب، وقد قُتل زوجها، وكانت عروسًا، فاصطفاها رسول الله, صلى الله عليه وسلم, لنفسه، فخرج بها حتى بلغنا سد الصهباء، حلت فبنى بها، ثم صنع حيسًا في نطع صغير، ثم قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: «آذن من حولك», فكانت تلك وليمة رسول الله, صلى الله عليه وسلم, على صفية، ثم خرجنا إلى المدينة, قال: فرأيت رسول الله, صلى الله عليه وسلم, يحوي لها وراءه بعباءة، ثم يجلس عند بعيره، فيضع ركبته، فتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب([3]).

فمن مثل النبي, صلى الله عليه وسلم, لم يخجل من أن يضع ركبته لزوجته حتى تقوم عليها لتركب, لم يعتبر ذلك إنقاصًا من قدره الشريف؛ بل كان ذلك تأكيدًا على مقامه العلي وخلقه الدمث الرفيع.

مُعلم الحب:

عن أسامة بن زيد, رضي الله عنهما، حدث عن النبي, صلى الله عليه وسلم، أنه كان يأخذه والحسن فيقول: «اللهم أحبهما، فإني أحبهما»([4]).

وعن أنس, رضي الله عنه، قال: رأى النبي, صلى الله عليه وسلم, النساء والصبيان مقبلين, فقام النبي, صلى الله عليه وسلم, ممثلًا فقال: «اللهم أنتم من أحب الناس إلي», قالها ثلاث مرار([5]).

يبث الحب في بستان, وينثر شذاه لكل إنسان, يعلم البشرية أن الحب شريان السعادة, وأن من يعطي فيه يأخذ حصاده وزيادة, فالحب مشاعر وأحاسيس, معانٍ وكلمات, دقات وخفقات, أقوال وأفعال, الحب نسيم يسري في الأسرة فيبدد كل هم, ويزيل كل غم, ويهون كل أمر جلل.

هذا هو الحب كما يعلمنا النبي, صلى الله عليه وسلم, أما آن لنا أن نبحث عن الحب بين أسرتنا, حتى نكون أسعد الناس, كما كانت الأسرة النبوية.

الحب بيننا؛ لكن يحتاج إلى من يبحث عنه, هو موجود؛ لكنه يحتاج إلى من يظهره, قل بملأ فيك لأمك: أحبك, قل بملأ فيك لأبيك: أحبك, قل بملأ فيك لزوجتك: أحبك, قلها بملأ فيك لأختك: أحبك, قلها بملأ فيك لأخيك: أحبك, وهكذا هي الأسرة المسلمة.


[1]) ) صحيح البخاري (3).

[2]) ) صحيح البخاري (3662).

[3]) ) صحيح البخاري (2893).

[4]) ) صحيح البخاري (3735).

[5]) ) صحيح البخاري (3785).