أنصتي له، واغفري زلـله
ربما تسعى الزوجة بكل قوتها في تهيئة البيت لزوجها، ومحاولة توفير كل سبل الراحة له عندما يعود من عمله، ومع ذلك فإن النتيجة تكون خروج الزوج من البيت وعدم حبه المكوث فيه؛ ذلك لأن المرأة لم تعرف كيفية الحفاظ على ما قامت به من تهيئة البيت لراحة زوجها، فالهدف هو راحة زوجها، وهي قد لبت هذه الراحة من حيث ترتيب المنزل، ولكن هل وفرت هذه الراحة بعد مكوث الرجل في البيت، أم أن هناك ما يدعو الزوج للنفور من البيت بسبب زوجته.
يحتاج الرجل إلى امرأة تصغي إليه، وتستمع باهتمام إلى ما يقول، وإلا فإنه سيشعر أنه غير مهم في حياة زوجته، أو يشعر أنها تنظر إليه نظرة عدم ثقة أو قلة احترام، لكن الزوجة الحكيمة هي التي تحقق، من خلال معرفتها بأهمية الإنصات لزوجها، أمورًا كثيرة، حيث إنها تشارك زوجها الرأي والمشورة في أمور البيت والأبناء، وكذلك أمورها الشخصية، وكذلك بعض أمورها العائلية، فهي بعملها هذا تثني على شخصية زوجها، وتظهر له حقيقة كيف أنه مهم في حياتها، وأنها تثق به كثيرًا، وهي لا تكتفي بذلك؛ بل تتحدث معه عن نقاط القوة والإيجابية في شخصيته، وهذا وحده كفيل باندثار نقاط الضعف والسلبية في شخصية الرجل.
إن من أكثر الأمور التي تجعل الرجل يصاب بالغضب الشديد هي عدم الرد عليه، أو عدم الإنصات إليه عند الحديث إلى المرأة، حتى ولو كانت منشغلة بأعمال المنزل؛ كغسيل الأطباق، أو وضع الطعام على المائدة، فبإمكانها أن تخبره بأسلوب لطيف بتأجيل الحوار إلى ما بعد الانتهاء من العمل الذي بيديها، أو أن تخبره أن ينتظر لحظة حتى تغلق صنبور الماء وتأتي للاستماع إليه، وهكذا.
"إن سماع الزوجة لزوجها والانتباه لما يقول من الواجبات الأساسية، فليس من الأدب أن يتحدث الزوج في أمر مهم، أو حتى غير مهم، ثم يجد الزوجة تسرح أو تحدث آخرين، أو تقرأ كتابًا أو تنشغل بغيره، ما دام طلب منها الانتباه لما يقول، إلا بعد أن تستأذنه؛ كأن تستأذنه في تأجيل الحديث لتعبها أو انشغالها، ويجب عليها إذا استأذنته أن تسأله عن الموضوع نفسه بعد تفرغها أو راحتها.
وكل زوجة لا تستمع جيدًا إلى زوجها فسوف تدفع ثمن ذلك متاعب، إن عاجلًا أو آجلًا" [كيف تكسبين محبوبك، صلاح الراشد، ص45].
وغالبًا ما يستجد من خلال حوار المرأة مع زوجها وإنصاتها إليه، واستماعها له، أنها تريد أن تطلب منه أمرًا ما، وكما أنها استمعت إلى زوجها باهتمام، يجب عليها كذلك أن تعرض طلبها بنوع يتناسب مع طبيعة الرجل؛ حيث إن الرجل يحب التركيز على هدف معين في الحوار، مع وصف دقيق لهذا الهدف، كل هذا بأسلوب لطيف هادئ، فإذا ما أرادت المرأة أن تطلب من زوجها جهازًا كهربائيًا يساعدها في إعداد الطعام، مثلًا، فيمكنها أن تقول:
- "حبيبي أرغب كثيرًا أن أحدثك في موضوع يخص بيتنا. (مقدمة)
- أحتاج إلى جهاز يساعدني في إعداد الطعام. (الموضوع)
- لا نحتاج منك سوى الموافقة على جلب الجهاز وبعض النقود القليلة. (المهمة)
- هذا بالتأكيد سيساعدني في إنجاز الطعام في وقت قصير، مع توفير للوقت والجهد؛ وحتى يصبح هذا الوقت ملكًا لك. (النتيجة)
- هل يمكنك أن تلبي طلبي الآن أم لاحقًا". (مساحة الاختيار) [مستفاد من (بلوغ النجاح في الحياة الزوجية)، لكلاوديا إنكلمان، ص208-209].
وأيًا ما كان الجواب بعدها، لاحقًا أو الآن، فيجب على الزوجة أن تردد على مسامع زوجها عبارات الإطراء والإعجاب والتقدير، وأنها ممتنة جدًا أن الله عز وجل رزقها بهذا الزوج الرائع، فإن هذا الأمر يرضي رجولة الرجل، ويزيد من تعلقه بزوجته، ويجعله أسرع في تلبية طلباتها الضرورية التي تحتاج إليها.
لكن المحزن في الأمر أنه قد يغفل الزوج بعد كل هذا حتى أن يرد على ذلك بكلمات رقيقة كتلك التي سمعها من زوجته، فضلًا عن أن يلبي طلبها الذي طلبته منه، وهو أمر محزن جدًا لا شك، ولكن ينبغي للزوجة في هذه اللحظة أن تغفر زلل الزوج، وتتجاوز عن هذا الأمر؛ حيث إن العتاب في أوقات الصفاء جفاء، وكثرة العتاب تنتج الغضب والتمسك بالرأي، وعدم إنجاز ما تريد الزوجة، وإذا كان الأمر كذلك في حالة صفو الزوج واعتدال مزاجه فإن الأمر أشد إذا ما كان عائدًا من عمله، فقد تعاتبه المرأة على تأخره أو عدم اتصاله بها طوال الدوام، ومثل هذه الأمور غالبًا ما توصد الباب تمامًا أمام الزوجة لتلبية أي طلبات تريدها بعد ذلك.
"فإذا أرادت الزوجة أن تملك قلب زوجها فإن أحد الطرق إلى ذلك أن تجعل الخطأ، الذي تريد من الزوج أن يصلحه، يبدو ميسور التصحيح، كما تؤكد على أن العمل الذي تريد منه القيام به سهلًا هينًا.
ولتعلم أن مما يزيد رصيد حبها في قلب زوجها أن تقف بجانبه في الأوقات التي يكون هو فيها مخطئًا؛ لأن الرجل حين يرتكب الخطأ، ويشعر بالإحراج والأسى يكون في أمس الحاجة إلى حب زوجته، فإذا حصل منها على الحب والتقدير والتدعيم فإنه يسجل لها النقاط الكثيرة في رصيد حبها، وكلما كان الخطأ أكبر زاد رصيدها عنده أكثر، أما إن لم يحصل منها على الحب في مثل هذه الأوقات فإن هذا يُنقص؛ بل ربما أضاع تمامًا، رصيد حبها في قلبه.
ذلك أن الرجل لا يحب تلك المرأة التي تحسب عليه كل شاردة وواردة، فضلًا عمن تقرأ أفكاره قبل أن ينطق بها، فتحاسبه عليها" [حتى يبقى الحب، لمحمد محمد البدري، ص228].
وأختم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم، والذي رواه عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة؛ الودود، الولود، العئود على زوجها، التي إذا آذت أو أوذيت جاءت حتى تأخذ بيد زوجها، ثم تقول: والله، لا أذوق غمضًا حتى ترضى» [السنن الكبرى، للنسائي (9094)].