حجاب رمضان
عندما يأتي الشهر الفضيل، شهر رمضان، نلحظ تغييرًا واضحًا في هيئة الفتيات وملبسهن، فهذا البنطال الضيق لم يعد موجودًا بكثرة، كما كان قبل رمضان، وهذه الألوان التي كانت تملأ وجه الفتاة غابت عن وجهها وعاد إلى طبيعته، وتم استبدال هذا اللباس الفاضح بالحجاب والعباءة، ورغم عدم توافر شروط اللباس الشرعي في هذا اللباس الرمضاني الخاص بهؤلاء الفتيات؛ حيث إنه في غالب الأحيان يكون ضيقًا ومطرزًا، إلا أن هذا تحول عجيب، ينبهنا إلى أن هذا الشهر الكريم يمكن أن نحدث فيه التغيير الذي يرضاه المولى عز وجل، فإذا كان هؤلاء الفتيات، اللاتي ربما لا يعرفن عن أمور دينهن إلا القليل جدًا مما تعلموه في المدرسة أو من خلال التلفاز، قد حاولن التغيير لمجاراة هذا الشهر الكريم، ولمكنون في صدورهن بعدم صواب ما هن عليه من لباس يخالف دين الإسلام.
إني أتذكر موقفًا حدث مع إحدى اللاتي يتسمين بالمطربات أو الممثلات، حيث قد تم تدبير أمر لها، بأن يظهر أنها ستموت من خلال تفجير المركبة التي يستقلونها، ويتم إيهامها بجدية الأمر، منتظرين ردة الفعل ومسجلين لكل هذه الأمور، لأجل عرضها على الشاشة، والعجيب في الأمر أنه حين أصبحت الأمور في أوجها، والمرأة حاسرة الرأس بطبيعة عملها، وقد أيقنت هذه المرأة أن الموت قريب، وأنها هالكة لا محالة، إذا بها مسرعة تسحب قطعة منديل توضع على كراسي المركبة وتغطي بها رأسها، وتحتجب بها!
فالمرأة، حتى العاصية، تعلم أن الحجاب فريضة، حتى ولو لم تتمسك به، إلا أنه وحين يجد الجد فإنها تفعل الصواب حتمًا، كذلك الأمر مع الفتيات اللاتي يرتدين الحجاب في رمضان فقط، فهن يعلمن أن الحجاب أمر الله، وإلا لما واظبن على لبسه في رمضان، ولما ارتدين الملابس الساترة نوعًا ما.
وإذا ما بحثنا عن الدوافع وراء هذه النفسية المزدوجة، أو التي ربما أصيبت بالانفصام، نجد أنه ربما يكون الأهل خلف هذه الاشكالية، وربما أيضًا تكون ثقافة ما وراء هذه المشكلة، وهذه الثقافة مضمونها أن الفتاة تصلي التروايح في المسجد وتهتم بملبسها قليلًا، ولا بأس بقراءة القرآن، وإذا ما انقضى رمضان فتعود إلى سابق عهدها، كأن رب رمضان ليس رب باقي الشهور.
وللأسف فإن الفتيات يؤهلن أنفسهن داخليًا ونفسيًا على هذا، فهي تعرف ماذا ستلبس يوم وقفة عيد الفطر، وأين ستذهب ومن ستصحب، وغير ذلك من الأمور التي لم تكن ترى جدواها أو مناسبتها لشهر رمضان، ظنًا منها أن هذه الأمور بعد رمضان فيها تساهل ما.
كذلك من الثقافة التي ترسخت في أذهان كثير من الفتيات أن اللباس الشرعي ولبس الحجاب إنما هو مقتصر على النساء العجائز، فإذا ما نُصحت بلبس الملبس الواسع الفضاض وارتداء الحجاب فسرعان ما تجيب: وهل كبرت في السن لكي أفعل؟!
إن من المواقف التي حدثت أمامي وتعجبت لها كثيرًا أن فتاة في العاشرة من عمرها وأختها في السابعة لم يكونا يرتديان الحجاب، وفي ذات يوم رأيتهما وقد ارتديا الحجاب، فإذا بمن يهنئهم على ارتداء الحجاب، وقد كان هذا أيضًا في رمضان، ويقول لهما: مبروك على ارتداء الحجاب، فإذا بالبنت الكبرى تجيب مسرعة: اتحجبت إيه، حرام عليك، أنا ما زلت صغيرة!
هكذا هي الثقافة المترسخة في أذهان كثير من بنات المسلمين، وذلك قطعًا من خلال هذا التلفاز ومسلسلاته وبرامجه، يرى هؤلاء الفتيات أن في الحجاب واللباس الشرعي تقييدًا لهن، وظلم يقع عليهن!
وكذلك هناك جانب آخر يؤثر على الفتيات في مسألة الحجاب، وربما هو أعجب من الأول، فكثير من الأمهات ربما تمنع ابنتها من لبس الحجاب الشرعي واللباس الشرعي بحجة أنها تريد أن تخطب للبنت، وترى أن البنت بهذا اللباس الشرعي والحجاب الشرعي ستحجب عن الخاطبين، وستبور البنت بجانبها ولن تتزوج!
ثم بعد ذلك يأتي من يريد الخطبة، ولكنه يبحث عن الفتاة العفيفة المحتشمة الملتزمة بزيها الإسلامي وحجابها الشرعي، وهذا ليس ديدن الشباب المتمسك بدينه فقط؛ بل الشباب الذي لا يعرف عن دينه إلا القليل أيضًا، ولكم تعجبت من أكثر من شاب ربما لا يعرف عن دينه إلا أركان الإسلام، وبعض الحلال والحرام، فلم يجلس يومًا في حلقة علم في المسجد، وغير ذلك مما يواظب عليه الشاب الذي يحاول أن يلتزم بدينه، ومع ذلك فإنه يبحث عن الفتاة المحجبة الحجاب الكامل، والتي تصلي وتحفظ القرآن.
إن المرأة التي تحرم ابنتها من الحجاب الشرعي واللباس الشرعي إنما تحكم عليها بأن تتزوج بمن لا يراقب الله فيها؛ لأنه لن يأتي إليها إلا من يريدها على حالها؛ بنطال ضيق، وشعر مكشوف، فهو يريدها حتى يتباهى بها أمام أهله وأقاربه وربما أصحابه، أما إذا ما احتجبت فإن من يأتي إليها يريد أن يصونها كي تصون بيته وأسرته وأبناءه.
إن الفتاة المسلمة العاقلة هي التي تتخذ رمضان فرصة لكي تتمسك بهذا الحجاب التي رزقها الله به في رمضان، وأن تعلم أن رب رمضان هو رب باقي الشهور، كما وأن لبسها هذا الحجاب في رمضان وخلعه بعد رمضان هو حجة عليها، فهي قد أقرت بفرضية ووجوب هذا الحجاب، ولبسها هذا الحجاب في رمضان اعتراف صريح منها بأن ما تفعله في غير رمضان لا يرضاه المولى عز وجل.
كذلك على الأم المسلمة أن تراعي الله عز وجل في بناتها، فهي إذا أطاعت الله فيهن، وأمرتهن بالحجاب منذ الصغر، فإن البنات سيكبرن على حب الحجاب، وليس على النظر إليه على أنه ظلم لهن، ثم إن من عامل الله عز وجل فإن الله سيوفقه لكل خير، وسيرزقهن الله عز وجل بالزوج الصالح، فلتجعل المرأة المسلمة من بين نياتها في ارتداء بناتها الحجاب الشرعي واللباس الشرعي أن يرزقهن الله بمن يصونهن ويسترهن، ويحافظ عليهن، ويراعي الله فيهن.