مسئولية التربية الجنسية
تعتبر تربية الأبناء تربية حسنة وسليمة غاية كل أبوين مسلمين يطمحان إلى أن يسلك أولادهما وبناتهما الطريق الصائب والتوجيه القويم؛ حتى يلقن هؤلاء الأبناء بدورهم لأولادهم هذه التربية الفاضلة والسليمة، فتنشأ أجيال بارة وواعية بما لها وما عليها، تعرف الخطأ فتبتعد عنه، وتدرك الصواب والحسن فتسعى إليه.
ولعل التربية الجنسية من أهم ما يجب تلقينه للأبناء وهم صغار، وأيضًا وهم شباب مراهقون، غير أن التربية الجنسية لها شروطها وآدابها وضوابطها، وآلياتها التي تتطلب من الوالدين الكثير من الحكمة والتروي والتؤدة؛ باعتبار الجنس موضوعًا ذا تشعبات وتفرعات قد لا تُحمد عقباها إن لم يحسن الأب أو الأم إبلاغ أبجدياته وآدابه لأبنائهما.
ما المقصود بالتربية الجنسية؟
يشوب مصطلح التربية الجنسية غموض كبير، لا سيما عندما يريد البعض إدخالها إلى المناهج التعليمية، وقد حصل مثل هذا، ولا يزال، في الأوساط الغربية، حيث نتج عنه صراع أخلاقي حول طبيعة منهج التربية الجنسية، وموضوعاته، ومن يدرسه، وكيف يُعرض، والسن المناسبة لعرض موضوعاتها.
وتنتهي هذه الأزمة بكل صراعاتها في المجتمع المسلم، الذي يعيش الإسلام عقيدة ومنهج حياة، حين جعل الإسلام التربية الجنسية ميدانًا ضروريًا للعبادة، فربط بينها وبين أداء الشعائر التعبدية، فباب الطهارة في كتب الفقه لا يعدو أن يكون بابًا في التربية الجنسية، إذا صحَّ التعبير، فالاستنجاء، والاستجمار، وما يتعلق بقضاء الحاجة، والحيض والنفاس، والغسل من الجنابة، والوضوء، وأبواب ستر العورة، والعلاقات الزوجية، وآداب الاستئذان وغيرها كثير، كل ذلك لا يعدو موضوعاتٍ في التربية الجنسية في الإسلام(1).
ومن هنا نستطيع أن نقول أن المقصود بالتربية الجنسية هو إمداد الفرد بالمعلومات العلمية، والخبرات الصحيحة، والاتجاهات السليمة إزاء المسائل الجنسية، بقدر ما يسمح به النمو الجسمي الفسيولوجي والعقلي الانفعالي والاجتماعي، وفي إطار التعاليم الدينية والمعايير الاجتماعية والقيم الأخلاقية السائدة في المجتمع؛ مما يؤدي إلى حسن توافُقه في المواقف الجنسية، ومواجهة مشكلاته الجنسية مواجهة واقعية تؤدي إلى الصحة النفسية.
فالتربية الجنسية بهذا المعنى لا يقصد بها تعليم الجنس؛ بل توجيه كلا الجنسين من منظور ديني وأخلاقي نحو المسائل الجنسية، والتغيرات الجسمية التي يتفاجأ بها أبناؤها على حين غفلة، والابتعاد عن التعلم الاعتباطي الكيفي عن طريق أحد أصدقاء السوء، أو عن طريق التجارب الخاطئة التي يقع فيها أولادنا عندما نبتعد عنهم(2).
أما إذا كان المقصود من التربية الجنسية هو عرض صراعات الثقافة الجنسية عند الغرب، ونظرياتهم المنحرفة والمشوشة، وما يتعلق بها من مفاهيم التحرر، وكشف العورات، وما أمر الله تعالى بستره من أحوال العلاقات الخاصة، إضافة إلى الصور الفاضحة الممنوعة، وغيرها من القضايا التي كانت ولا تزال موضع صراع عند الغرب أنفسهم فهذا ممنوع شرعًا، ولا علاقة له بالتربية الجنسية في الإسلام(4).
متى تبدأ التربية الجنسية:
تبدأ تربية الطفل المسلم، عمومًا، من نقطة سابقة كثيرًا على مولده، وهي وجود أبوين مسلمين، هما ذاتهما قد تربيا على الإسلام، وبمقدار رصيدهما الذاتي من التربية الإسلامية يكون توقعاتنا لثمرة تربيتهما لهذا الطفل(3).
فالكبار هم المناط بهم تربية أولئك الأطفال الصغار وتعريفهم بالتربية الجنسية القويمة، فكيف سيعلمونهم شيئًا هم أنفسهم لم يتعلموه؟
لذا فقد حرص المشرع الإسلامي على ضرورة إلمام الكبار بوجهة النظر الإسلامية نحو الجنس؛ باعتباره فطرة يجب توجيهها لا كبتها، ولكي يستطيع هؤلاء المربون القيام بأعباء التوجيه الجنسي لهؤلاء الصغار نظريًا وعمليًا، ويكون المقصد من ذلك التوجيه ألا يصنع عفّة في ضبط النفس عن كل شهوة جنسيّة محرمة فحسب؛ بل يقصد تحقيق استقرار نفسي لأفراد المجتمع المسلم ككل.
وعلى المربين أن يفهموا أن قيامهم بإنجاز هذه المهمة هو عمل إيجابي في الأصل، فالتربية الجنسية تصون جانبًا من الشخصيّة المسلمة، وتحفظ بتعاليمها التوازن الداخلي للفرد المسلم إزاء مظاهر النشاط الجنسي، إنّه بأمر المشرع الإسلامي يتعلم من هذه التربية الحلال والحرام، ويتعرّف على النجاسات وأحكام التطهر منها، ويسهم بقدر كبير في تكوين أجيال للأمّة متصلة بالله عز وجل حتى في الأمور التي تسلب وعي الإنسان لقوة تأثيرها(5).
وبالنسبة للسن فإنه لا توجد سن محددة لبدء عملية تلقين الطفل مبادئ التربية الجنسية؛ لأن مرحلة اهتمام الأطفال بالمسائل الجنسية تختلف حسب مستوى ملاحظاتهم لمجريات الأمور، وكذا حسب فهمهم وإدراكهم لطبيعة الأشياء، لكن هناك أسئلة تثار حسب الفئات العمرية، فالفترة العمرية من السنة الثانية إلى الثالثة تتمحور أسئلة الطفل حول الفارق بين الجنسين، ومن السنة الثالثة إلى السادسة تتركز الأسئلة حول مسألة الحمل والولادة، أما خلال فترة المراهقة فتنصب الأسئلة حول الأمور الجنسية الدقيقة؛ كالزواج والتناسل مثلًا(6).
الخجل لا ينبغي أن يعيق المعرفة:
ولا شك أن الخجل والحرج يكتنفان الحديث عن مثل هذه القضايا الخاصة، فيستحوذ الحياء على الكبار والصغار، خاصة الإناث، من فئات المجتمع، إلا أن كسر باب الخجل في مثل هذه الموضوعات الشرعية أمر مهم، فهذه أم سليم رضي الله عنها لما أرادت أن تواجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بسؤالها المحرج عن الاحتلام قالت: «يا رسول الله، إن الله لا يستحي من الحق...»، ولما أكثر عليها النساء النقد في سؤالها هذا قالت لهن: «والله، ما كنت لأنتهي حتى أعلم في حلٍّ أنا أو في حرام»، فلم يكن الحياء، رغم استحواذه عليهن، ليمنعهن من العلم ومن تبليغ الحق، وتعليم الناس ما يجب عليهم.
حتى ولو صدر السؤال المُحرج عن الصغير فإن إعطاءه المعلومات الصحيحة، بالقدر الذي يناسب مداركه ولا يضره، أمر مطلوب، ونهج تربوي صحيح، فهذه عائشة رضي الله عنها ربما أجابت رضي الله عنها بصراحة تامة عن أسئلة تتناول أدق تفاصيل الحياة الجنسية، فيما تحتاج الأمة لمعرفته، ومدحت نساء الأنصار إذ لم يمنعهن الحياء عن تعلم الأحكام الشرعية لبعض المسائل الجنسية، قالت رضي الله عنها: «نِعْم النساء نساء الأنصار؛ لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين»(7).
مصادر التربية الجنسية:
وينبغي أن تكون الأسرة المسلمة المحافظة أول مصدر رئيسي في إيصال التربية الجنسية للأبناء وتلقينها لهم، لهذا فالمسئولية كبيرة ملقاة على الأب والأم، والطفل أو المراهق إن لم يجد جوابًا عن أسئلته الجنسية فإنه سيلجأ إلى أصدقائه، وربما يقع ضحية معلومات خاطئة، عمدًا أو عن غير قصد، من طرف رفقائه، فينشأ لديه تربية غير سليمة، قد تفضي به إلى محاولة التجريب الفعلي لكل ما هو جنسي من أجل المعرفة، وفي أهون الحالات قد يلجأ إلى الكتب أو الفضائيات أو الإنترنت دون معرفة درجة صدقيتها ووثوقيتها؛ فينهل منها المعلومات المطلوبة، وتتشكل تربية جنسية خاطئة تمامًا لديه، تؤثر سلبًا على حياته.
ومن هذا المنطلق وجب أساسًا على الأسرة أن تعي أهمية التربية الجنسية من خلال روافدها الإسلامية المعروفة، من قرآن وسنة نبوية وكتب علمية سليمة ينصح بها أهل العلم والتخصص، فضلًا عن الدروس العلمية التي يمكن أن يتلقاها التلميذ والطالب بخصوص التربية الجنسية، دون أن يتعدى ذلك الضوابط الشرعية أو يتجاوز الذوق والآداب العامة.
وبذلك تؤدي التربية الجنسية أدوارها وغاياتها المطلوبة منها من أجل جيل سليم معرفيًا وتربويًا، ومحصن أفضل تحصين من مجموعة من العوامل والمغريات التي تحاول اختراق هذا الحصن وتفتيت ركائزه، خاصة في عصر العولمة الكاسحة التي اختلط فيها الحابل بالنابل والضار بالنافع؛ مما يستدعي من الآباء والأمهات وضع عين مراقبة لأبنائهم، دون أن يعني هذا رقابة لصيقة أو خنقًا لحريتهم أو إحصاءً لحركاتهم؛ بل توجيهًا من بعيد إن اقتضى الحال، أو توجيهًا مباشرًا إن دعت الضرورة لذلك بما فيه من أساليب الترغيب والترهيب، فلكل مقام مقال.
إن من الضروري، ضمن الحياة الإسلامية المعاصرة، حماية الناشئة من الضلال الجنسي، من خلال تعديل المفاهيم الشاذة في أذهانهم، وإحلال المفاهيم الصحيحة محلها؛ لتبقى القضية الجنسية ضمن إطارها المحدود، تُعطي عطاءها الإيجابي باعتبارها جانبًا من جوانب شخصية الإنسان، دون أن تتعدى حدودها لتصبح محور السلوك الإنساني بأبعاده المختلفة(8).
وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.
_______________
(1) التربية الجنسية للطفل، د. عدنان باحارث.
(2) التربية الجنسية في الإسلام.. قواعد وضوابط، د. مولاي المصطفى البرجاوي.
(3) منهج التربية الإسلامية، محمد قطب (2/ 339).
(4) التربية الجنسية للطفل، د. عدنان باحارث.
(5) نحو تربية جنسية راشدة.. ملامح في التربية الجنسية، معتز شاهين، موقع: المسلم.
(6) التربية الجنسية للأبناء.. التوجيه والضمان، حسن الأشرف، موقع: المسلم.
(7) ماذا تعني التربية الجنسية للفتاة، سحر شعير، موقع: مفكرة الإسلام.
(8) التربية الجنسية للطفل، عدنان باحارث.