logo

لا تقتل طفلك بكلماتك


بتاريخ : الأحد ، 12 جمادى الأول ، 1437 الموافق 21 فبراير 2016
بقلم : تيار الاصلاح
لا تقتل طفلك بكلماتك

اللفظة العذبة الرقيقة لها أثر سامق في جذب الأفئدة، وتقوية العلاقة، وإزالة حواجز الرهبة والخوف، وزيادة أواصر المحبة، وانتقاء أطيب الكلمات والعبارات هو سلوك إيماني يمتثله الصالحون في أقوالهم، كما قال الله تعالى: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ} [الحج:24]، فجعل الكلام الطيب نوعًا من الهداية التي يسعى إليها العبد الصالح؛ بل وحث إلى الخطاب الحسن مع الناس كما قال تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة:83].

كثيرًا ما يتلفظ الآباء والأمهات بكلمات لا يحسبون لها حسابًا، ولكنها تدمر الأهداف التربوية التي ينشدونها، فالكلمة هي أساس التربية، ونحن نوجّه أبناءنا بالكلام، ونحاسبهم بالكلام، ونشجعهم بالكلام، ونمدحهم بالكلام، ونغضب عليهم بالكلام، فتربية الأبناء إما بالكلام أو بالأفعال، وفي الحالتين هي كلام؛ فالكلام حوار لفظي، والأفعال حوار غير لفظي، فالموضوع إذن كله كلام بكلام، وهذه هي التربية.

كلمات تدمر نفسية الأبناء:

أولًا: الشتم بوصف الطفل بأوصاف الحيوانات؛ مثل (حمار، كلب، ثور، تيس، يا حيوان،...)، أو تشتم اليوم الذي ولد فيه.

ثانيًا: الإهانة من خلال الانتقاص منه بأوصاف سلبية؛ مثل: أنت (شقي، كذاب، قبيح، سمين، أعرج، حرامي...)، والإهانة مثل الجمرة تحرق القلب.

ثالثًا: المقارنة: وهذه تدمر شخصية الطفل؛ لأن كل طفل لديه قدرات ومواهب مختلفة عن الآخر، والمقارنة تشعره بالنقص، وتقتل عنده الثقة بالنفس، وتجعله يكره من يقارن به.

رابعًا: الحب المشروط؛ كأن تشترط حبك له بفعل معين؛ مثل (أنا لا أحبك لأنك فعلت كذا، أحبك لو أكلت كذا أو لو نجحت وذاكرت)، فالحب المشروط يشعر الطفل بأنه غير محبوب ومرغوب فيه، وإذا كبر يشعر بعدم الانتماء للأسرة؛ لأنه كان مكروهًا فيها عندما كان صغيرًا؛ ولهذا الأطفال يحبون الجد والجدة كثيرًا؛ لأن حبهم غير مشروط.

خامسًا: معلومة خاطئة؛ مثل ( الرجل لا يبكي، هذا الولد جنني، أنا ما أقدر عليه).

سادسًا: الإحباط؛ مثل (أنت ما تفهم، اسكت يا شيطان، ما منك فايدة).

سابعًا: التهديد الخاطئ (أكسر رأسك، أشرب دمك، أذبحك).

ثامنًا: المنع غير المقنع؛ مثل: تكرار قول: «لا»، ورفض طلباته دائمًا من غير بيان للسبب.

تاسعًا: الدعاء عليه؛ مثل (الله يأخذك، عساك تموت، ملعون).

عاشرًا: الفضيحة؛ وذلك بكشف أسراره وخصوصياته(1).

آثار الكلمات السلبية والعنف اللفظي على الطفل:

إن الإساءة اللفظية سلوك يؤدي إلى رؤية الطفل لنفسه في الصورة المنحطّة التي ترسمها ألفاظ ذويه؛ مما يحد من طاقة الطفل، ويعطّل إحساسه الذاتي بإمكاناته وطاقاته، فإطلاق أسماء على الطفل مثل (غبي)، (أنت غلطة)، (أنت عالة) أو أي اسم آخر يؤثر في إحساسه بقيمته وثقته بنفسه، خاصة وإذا كانت تلك الأسماء تطلق على الطفل بصورة مكررة(2).

والآثار السلبية للعنف اللفظي على الطفل كثيرة جدًا، منها تدني مستوى الاعتداد بالذات، وعدم الثقة بالنفس، وتعطيل الطاقات الإبداعية، والتأثير على نمو الطفل بشكل عام، جسمانيًا وعقليًا ونفسيًا واجتماعيًا وأكاديميًا وعاطفيًا.

أما على المدى البعيد فتزداد نسبة الإصابة بالاكتئاب والانطوائية والانعزالية، أو تصعيد روح العدوانية، والقلق، واضطرابات النوم، والأرق، والوساوس، والخوف، وزيادة نسبة الإصابة بأنواع الإدمان المختلفة، وإلحاق الأذى بالنفس، وتبخيس الذات.

إن العنف اللفظي يؤدي إلى الخوف، لكن الضحايا قد ينكرون القلق والشعور بالرغبة في الهروب والابتعاد عن الشخص الذي يقوم بالاعتداء، وعندما يتلقى الضحية صورة من صور الاهتمام أو الحب من الشخص المعتدي، فإنه يعلم أن هذا الحب مؤقت، وأنه سرعان ما سينقلب إلى حالات الاعتداء قريبًا؛ ولذلك يعيش الضحية في حالة تأهب وترقب مستمرين، وبذلك فإن الضحايا لا يثقون في ابتسامة شخص يحبونه؛ خوفًا من حالة الاعتداء القادمة لا محالة، وهذه مأساة في حد ذاتها، ألَّا تثق ببسمة من تحب خوفًا من اعتدائه القادم.

إن الدراسات التي تؤكد مدى التأثير السلبي المدمر للعنف اللفظي على الأطفال كثيرة ومتعددة، منها دراسة الأستاذة ناتالي ساكس أريكسون من جامعة فلوريدا، التي أكدت فيها أن الأشخاص الذين تعرضوا لأي نوع من أنواع السباب خلال طفولتهم يصابون بالاكتئاب بنحو ضعفي أولئك الذين لم يتعرضوا للسباب، وفي دراسات جامعة (كاليجري) وجدوا أن العنف اللفظي يترك آثارًا وأضرارًا نفسية أكبر من الأضرار الناجمة عن العنف الجسدي.

غير أن الأبحاث الحديثة ذهبت أبعد من ذلك، فقد بينت أن العنف اللفظي يترك آثارًا أكبر بكثير مما كان يعتقد سابقًا، وذلك بفضل تطور الأجهزة الحديثة للتصوير الدماغي، فهو يؤدي إلى ضرر دائم في تركيب ونمو وتطور الدماغ البشري، فالعقل البشري يختلف عن جميع الحيوانات في أنه يتكون وينمو ويتطور بعد الولادة؛ إذ إنه عند الولادة يكون غير كامل التطور؛ مما يجعل الإنسان غير قادر حتى على المشي قبل 9 أشهر، وتكوين الوعي بالذات خلال أعوام، أما تكوين الشخصية والقدرات الإدراكية والمهارات فإنها تأخذ عقودًا للتطور.

وهذا التطور والنمو وتشكيل العقل يختلف من شخص لآخر باختلاف البيئة والتربية، والتجارب التي يمر بها العقل أثناء الطفولة، وعندما تكون البيئة عدوانية وغير صحية يتأخر نمو الدماغ ويتعطل، فقد وجدت الدراسة أن العنف اللفظي والنفسي يؤديان إلى أضرار دائمة في طريقة تكوين الدماغ تبقى مدى الحياة كجروح وندوب في الدماغ، وهذا ما أكده الباحث مارتن تاتشر وزملاؤه في كلية الطب بجامعة هارفرد.

إن هذه الجروح والندوب الدائمة في الدماغ التي تعوق نمو الدماغ بطريقة سليمة يمكن مشاهدتها بالوسائل الحديثة للتصوير الدماغي، وهذا ما تم بحثه في دراسة مقارنة نشرته المجلة الأميركية للطب النفسي؛ إذ وجدت الدراسة أن دماغ أولئك الأفراد الذين عانوا من عنف لفظي يحتوي على نسبة أقل من المادة الرمادية التي يعتقد أن لها علاقة وطيدة بمستوى الذكاء والقدرة على التحليل والتفكير المعقد؛ بل في دراسة على أفراد، أعمارهم تتراوح ما بين 18 و 25 سنة، تعرضوا للعنف اللفظي وجد تخلف في تطور الاتصال بين الفصين الأيمن والأيسر من الدماغ، وهي نفس المجموعة التي تعاني من نسبة أعلى من التوتر والاكتئاب والغضب والعداء والإدمان نتيجة العنف اللفظي في مرحلة مبكرة من أعمارهم.

وفي حالة اجتماع العنف اللفظي مع العنف النفسي مع العنف الجسدي، فإن التبعات السلبية على الطفل تكون مضاعفة وأشد ضررًا بالطفل ومستقبله(3).

نصائح للآباء:

إن أطفالنا وأبناءنا أمانة في أعناقنا، قال صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، الرجل راع في أهل بيته وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيتها وهي مسئولة عن رعيتها»(4)، وقال: «ما من راع يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لها إلا حرم الله عليه رائحة الجنة»(5)، فاتقوا الله أيها الآباء في أبنائكم(6)، وهذه بعض النصائح أوجهها لنفسي أولًا ثم لكم معاشر الآباء، سائلًا المولى عز وجل أن ينفع بها:

- التربية الناجحة استشراف للأحسن؛ لذا يجب تفادي إصدار الأحكام السلبية؛ تجنبًا للإحباط، فمن تعود على سماع أحكام من قبيل: أنت فاشل، أنت لا تصلح لشيء، أنت لا يعتمد عليك...، اقتنع أنه لا يمكن أن يحظى بثقة أبويه مهما فعل، فيكون ذلك مدعاة للاستسلام والفشل.

والصواب أن يُشعِر الأبوان الأبناء بثقتهما فيهم وفي قدراتهم؛ مراعاة لمشاعرهم، وحفاظًا على كرامتهم؛ فلا بد من التمييز بين الحكم على تصرف أو سلوك وبين الحكم على صاحب ذلك التصرف أو السلوك، ففرق كبير بين أن يقول أحد الأبوين مخاطبًا ولده: أنت مخطئ فاشل، وبين أن يقول: هذا تصرف غير موفق(7).

- لا تتحرج أبدًا من الاعتذار لطفلك، فإذا فقدت سيطرتك وتفوهت بكلمات قاسية لطفلك اعتذر.

- لا تطلق أسماءً أو توجه إساءات إلى طفلك أو تصرخ فيه، فطفلك يستحق الاحترام، وإذا أردت أن يحترمك طفلك فعليك أن تحترمه.

- ركز علي السلوك الذي يحتاج إلى تصحيح وليس على الطفل، وإذا فعل طفلك أي شيء خاطئ تحدث معه، وبين له أن ما فعله خطأ، واستخدم معه لغة الحوار الهادئ.

- تذكر دائمًا أن تنظر إلى الجانب الإيجابي من الأشياء، وإذا قام طفلك بعمل إيجابي تذكر الثناء عليه.

- إذا كنت تشعر بالغضب وفعل طفلك أي شيء خاطئ ابتعد عنه حتى تتمكن من السيطرة على غضبك(8).

- استخدم قوة الإيحاء: فكل واحد من الناس يتأثر بالإيحاء، والأطفال يتأثرون به بشكل أكبر بالتأكيد، قل للطفل مرة بعد مرة ويومًا بعد يوم: «أنت لطيف مؤدب»، ثم انظر كيف يصبح كذلك، وإن شئت، ولا أنصحك، جرب العكس، فخبره وداوم على إخباره كم هو سيئ مُتْعِب، وعندئذ سيكون كما قلت.

إنه الإيحاء، هذه القوة السحرية التي تجعل الفاشل ناجحًا والناجح فاشلًا، وتحيل السقيم صحيحًا والصحيح سقيمًا، فاستعملها كل يوم، ولا تمل من استعمالها، وفكر في كل خصلة حميدة تحبها لطفلك فأوح بها إليه حتى يظنها في نفسه، فإذا اقتنع عقله بأنه يملكها ظهر أثرها في جوارحه وحركاته وأفعاله وأقواله، وكذلك فكر في كل خصلة لا تريدها فأوحِ له أنه منها براء، فلن يلبث أن يهجرها ويتخلص منها ولا يعود إليها بإذن الله(9).

إننا نجد ديننا الإسلامي الحنيف الذي يوافق الفطرة يرفض العنف بكل أشكاله، اللفظي منه والجسدي، يدعو للرفق ويحذر من العنف والفحش، وفي محكم التنزيل: {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} [الحجرات:11]، وقال صلى الله عليه وسلم مخاطبًا زوجه: «مهلًا يا عائشة، عليك بالرفق، وإياك والعنف والفحش»(10)، وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطى على الرفق ما لا يعطى على العنف وما لا يعطى على ما سواه»(11)، وعن منع العنف ضد الأطفال قال صلى الله وعليه وسلم: «ليس منا من لم يرحم صغيرنا»(12).

وقدوتنا صلى الله عليه وسلم لم يكن سبابًا ولا فحاشًا ولا لعانًا، وقد أخرج البخاري من حديث أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: «لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم سبابًا ولا فحاشًا ولا لعانًا»، وهذا مع الرجل البالغ الرشيد، فما بالك مع طفل صغير بين يدي أبويه يعنف بالألفاظ ويلقب بالألقاب وهو لا يقوى على الرد أو الصد(13).

________________

(1) 10 كلمات تدمر نفسية الأبناء، د. جاسم المطوع، موقع: قصة الإسلام.

(2) العنف اللفظي "الإساءة اللفظية" تجاه الأطفال من قبل الوالد، لونة عبد الله دنان، موقع: حياتنا النفسية.

(3) مقال: العنف اللفظي يقتل مستقبل أطفالنا، وليد فتيحي، موقع: الوطن أُن لاين.

(4) متفق عليه.

(5) رواه مسلم (227).

(6) العنف اللفظي يقتل مستقبل أطفالنا.

(7) من مقال بعنوان: قواعد عامة في تربية الأبناء، المصطفى سنكي، موقع جماعة العدل والإحسان.

(8) العنف اللفظي وآثاره على الأطفال، د. إيمان حسين شريف، موقع جريدة الشرق الأوسط.

(9) 110 نصيحة في تربية الأولاد، مجاهد مأمون ديرانية، ص18.

(10) رواه البخاري (6030).

(11) رواه مسلم (2593).

(12) رواه أحمد (6733)، وأبو داود (4943).

(13) مقال: العنف اللفظي يقتل مستقبل أطفالنا.