logo

الضوابط الشرعية للطلاق


بتاريخ : الأربعاء ، 25 ربيع الأول ، 1439 الموافق 13 ديسمبر 2017
بقلم : تيار الاصلاح
الضوابط الشرعية للطلاق

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «إن الأصل في الطلاق الحظر؛ وإنما أبيح منه قدر الحاجة»(1)، ويقول في موضع آخر: «ولولا أن الحاجة داعية إلى الطلاق لكان الدليل يقتضي تحريمه كما دلت عليه الآثار والأصول؛ ولكن الله تعالى أباحه رحمة منه بعباده لحاجتهم إليه أحيانًا»(2).

وإلى هذا ذهب الأحناف على الأرجح من أقوالهم، يقول العلامة ابن عابدين: «وأما الطلاق فالأصل فيه الحظر، بمعنى أنه محظور إلا لعارض يبيحه، وهو معنى قولهم: الأصل فيه الحظر، والإباحة للحاجة إلى الخلاص، فإذا كان بلا سبب أصلًا لم يكن فيه حاجة إلى الخلاص؛ بل يكون حمقًا وسفاهة رأي ومجرد كفران النعمة وإخلاص الايذاء بها وبأهلها وأولادها»(3)، وجاء في كشف القناع: «ويباح الطلاق عند الحاجة إليه، ويكره الطلاق من غير حاجة إليه»(4).

وقد استدل القائلون بهذا الرأي بأدلة، منها:

1- حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة»(5)، ولولا أنه محظور ما استحقت المرأة هذا العقاب الشديد.

2- من عمل السحرة والشياطين التفريق بين المرء وزوجه، قال تعالى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ} [البقرة:102]، وعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئًا، قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه ويقول: نعم أنت»، قال الأعمش: أراه قال: «فيلتزمه»(6).

3- الزواج نعمة من نعم الله تعالى على الإنسان، وآية من آياته تعالى، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم:21]، وفي الطلاق من غير حاجة كفران للنعمة وجحود بها.

4- حرم الله تعالى الظلم، فقال تعالى في الحديث القدسي: «يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا»(7)، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضرر والضرار، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا ضرر ولا ضرار، من ضار ضاره الله، ومن شاق شاق الله عليه»(8)، والطلاق من غير بأس ظلم للمرأة وضرر بها وبأهلها وأولادها؛ بل هو من أكبر الظلم.

الزوجة المطلَّقة:

وهي التي يقع عليها الطلاق، ويشترط لصحة وقوع الطلاق عليها شروط:

1- قيام الزوجية على أساس عقد نكاح صحيح عند وقوع الطلاق، فإن المرأة في عقد النكاح الفاسد لا تصلح أن تكون محلًا للطلاق، وكذلك المرأة الأجنبية؛ لأنها لا ترتبط برباط الزوجية مع المطلق، وبالتالي يكون كلامه لغوًا، وكذلك لو قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق، فإن الطلاق لا يصح منه ولا يقع، لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نذر لابن آدم فيما لا يملك، ولا عتق له فيما لا يملك، ولا طلاق فيما لا يملك»(9).

2- لا بد من تعيين المطلقة؛ بالإشارة أو بالصفة أو بالنية، تعيينًا لا يحتمل الشك ولا اللبس إن كان له أكثر من زوجة.

3- ألَّا تكون معتدة من فسخ الزواج بسبب عدم الكفاءة، أو لنقص المهر عن المثل، أو لخيار البلوغ، أو لظهور فساد العقد بسبب فقد شرط من شروط صحته(10).

4- ألا تكون مطلقة منه قبل الدخول بها، فإن كان قد طلقها قبل الدخول بها فلا يقع عليها طلاق آخر؛ لأنها بانت منه.

5- ألا تكون معتدة من طلاق بائن بينونة كبرى، أما إذا كانت معتدة من طلاق رجعي فإن جمهور الفقهاء يرون أن الطلاق يقع عليها ما دامت في العدة، جاء في المغني: «والرجعية؛ أي: المطلقة طلاقًا رجعيًا، زوجة يلحقها طلاقه وظهاره وإيلاؤه ولعانه، ويرث أحدهما الآخر»(11)، وفي البدائع: «فإن كانت معتدة من طلاق رجعي يقع الطلاق عليها، سواء كان صريحًا أو كناية»(12).

وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أنها لا يلحقها طلاقٌ حيث قال: «والرجعية لا يلحقها الطلاق وإن كانت في العدة»(13)، أما المعتدة من طلاق بائن بينونة صغرى فإن الجمهور يرون أن الطلاق لا يلحقها، جاء في المغني: وجملة ذلك أن المختلعة لا يلحقها طلاق، وبه قال ابن عباس وابن الزبير وعكرمة وجابر بن زيد والحسن والشعبي ومالك والشافعي واسحاق وأبو ثور(14).

وخالف الأحناف، فقالوا بوقوع الطلاق حتى وإن كانت مختلعة، يقول الإمام علاء الدين الكاساني: «وإن كانت معتدة من طلاق بائن أو خلع فيلحقها صريح الطلاق عند أصاحبنا»(15).

6- ألا تكون حائضًا، أو في طهر جامعها فيه حال وقوع الطلاق عليها، وهذا الشرط عند من يرى عدم وقوع الطلاق البدعي.

الطلاق بيد الرجل:

 جعل الطلاق بيد الزوج لا بيد الزوجة، بالرغم من أنها شريكة في العقد، حفاظًا على الزواج، وتقديرًا لمخاطر إنهائه بنحو سريع غير متئد؛ لأن هذا مشتق من طبيعة المرأة وطبيعة الرجل، ومن وجود تبعات تحمل الرجل على التفكير والتقدير، ومن طبيعة الطلاق من حيث أنه ثبت للضرورة أو للحاجة أن المرأة تحكمها العاطفة، وتلك ميزتها وفضيلتها، والعاطفة إذا سيطرت على الأمور الخطيرة قد تضر، والطلاق أخطر ما يكون بين الرجل والمرأة، تغضب فتظن أن صفحة حياتها قد أصابتها كدرة لا بقاء معها، وأن البيت صار أضيق على نفسها من كفة الحنابل، فلو جعل الطلاق بيدها ما نظرت في عواقبه في مثل هذه الحائل الثائر، وإن الرجل بما أنفق في سبيل هذا الزواج من مال؛ وبما ألقي عليه من تبعات؛ كدفع مؤجل المهر، ونفقة العدة والمتعة، وبما له من حرص على أولاده الذين ينسبون إليه هو، وبما يعقب الطلاق من عواقب؛ يفكر ويقدر قبل الإقدام، فيوازن بين التبعات المترتبة عليه، والحاجة الدافعة إليه، فإن رجحت الأولى على الثانية أبقى أهله، وإن رجحت الثانية على الأولى طلق(16).

ثم إن المرأة قبلت الزواج على أن الطلاق بيد الرجل، ويستطيع أن تشترطه لنفسها إن رضي الرجل منذ بداية العقد، ولها أيضًا إن تضررت بالزواج أن تنهي الزواج بواسطة بذل شيء من مالها عن طريق الخلع، أو عن طريق فسخ القاضي الزواج بسبب مرض منفر، أو لسوء العشرة والإضرار، أو لغيبة الزوج أو حبسه، أو لعدم الإنفاق.

وليست الدعوة المعاصرة إلى جعل الطلاق بيد القاضي ذات فائدة؛ لمصادمة المقرر شرعًا، ولأن الرجل يعتقد ديانة أن الحق له، فإذا أوقع الطلاق حدثت الحرمة دون انتظار حكم القاضي، وليس ذلك في مصلحة المرأة نفسها؛ لأن الطلاق قد يكون لأسباب سرية ليس من الخير إعلانها، فإذا أصبح الطلاق بيد القاضي انكشفت أسرار الحياة الزوجية بنشر الحكم، وتسجيل أسبابه في سجلات القضاء، وقد يعسر إثبات الأسباب لنفور طبيعي وتباين أخلاقي(17).

قال الكاساني: «إلَّا أن خروج النكاح من أن يكون مصلحة لا يعرف إلَّا بالتأمل والتجربة؛ ولهذا فوض الطلاق إلى الزوج لاختصاصه بكمال الرأي والعقل»(18)، وهذا حكم من بناه على الأعم الأغلب في الرجال.

***

____________

(1) الفتاوى (3/ 16).

(2) المصدر السابق (3/ 62).

(3) رد المختار، لابن عابدين (3/ 228).

(4) كشاف القناع (3/ 139).

(5) أخرجه ابن ماجه (2055).

(6) أخرجه مسلم (2813).

(7) أخرجه مسلم (2577).

(8) أخرجه الحاكم (2345).

(9) أخرجه الترمذي (1181).

(10) فقه السنة (2/ 14-15).

(11) المغني، لابن قدامة (6/ 394).

(12) البدائع (3/ 143).

(13) الاختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام، ص256.

(14) المغني، لابن قدامه (7/ 330).

(15) البدائع (3/ 134).

(16) القوانين الفقهية، ص227.

(17) الأحوال الشخصية، للأستاذ محمد أبو زهرة، ص302.

(18) بدائع الصنائع (3/ 153).