عمر المرأة المسلمة
إن الناظر والمتأمل في حال المرأة المسلمة يرى أن أوقاتًا عظيمة تضيع منها كل يوم فيما لا ينفع، وفيما لا يجلب الخير والمصلحة لها ولأسرتها؛ ذلك لأنها تضيع أغلب أوقاتها أمام التلفاز بمتابعة برامج تفسير الرؤى والأحلام،
أو بمتابعة المسلسلات التي يقال عليها "دينية"، وهي أبعد ما يكون عن كونها مسلسلات دينية؛ إذ فيها كل ما يغضب المولى عز وجل؛ من اختلاط بين الرجال والنساء، ومصافحة المرأة لغير محارمها، فضلًا عن إبداء مفاتنها أمام الرجال...، إضافة إلى فعل كل هذه المحرمات ونشرها على العامة، فهي ظلمات بعضها فوق بعض.
وكذلك تُضَيِّع المرأة وقتها في الهاتف بالقيل والقال، مع زميلاتها أو أخواتها أو قريباتها، فقد تشتكي لها إحداهن عن مشكلات تقع بينها وبين زوجها، ثم يتطرق الكلام إلى مواضيع لا يصح أبدًا أن تنصت لها المرأة؛ ذلك لأنها تدخل تحت بند (الأسرار الزوجية)، التي ينبغي على المرأة أن تصونها، ولا تخرجها عن حيز الزوجية إطلاقًا، فضلًا عما قد يصل إلى المرأة الموصوف لها من وصف زوج الواصفة مما قد يفتنها عن زوجها.
كذلك تضيع المرأة المسلمة وقتها مع جارتها بالغيبة والنميمة، وذكر فلانة وفلانة، وغير ذلك مما يجعل الوقت ينقضي دون فائدة تعود عليها في دينها أو دنياها؛ بل يعود عليها، جراء ذلك، ضرر كبير، ومعاص كثيرة.
إن الوقت هو رأس مال المرأة المسلمة، وهو عمرها، فلا بد من استغلال كل لحظة فيه؛ لأننا عمومًا مسئولون أمام الله عز وجل عن أعمارنا، فلقد أعطانا الله عمرًا، وأمدنا بطاقات وقدرات، وأنعم علينا بالإسلام، ومتعنا بنعمة الصحة، وسعة الرزق، والفهم، ونعمة البصر، ونعمة السمع، وغيرها من النعم الكثيرة, فنعم الله تحيط بنا من كل جانب: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [النحل:18].
ومع كل هذا فإن أكبر نعمة مَنَّ الله عز وجل بها عليك أختي المسلمة بعد الإسلام، ليست نعمة المال، ولا نعمة الصحة، ولا نعمة الجمال، ولا نعمة الأولاد، إنما هي نعمة الوقت؛ فقد أعطاكِ الله وقتًا وزمنًا للعمل، والسعي، والمسارعة إلى ما فيه خيري الدنيا والآخرة.
ومن عِظَم هذه النعمة أن الله عز وجل أقسم بها في القرآن، ولا يقسم الله بشيء إلا إذا كان غاليًا وهامًا، قال تعالى: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر:1-2]، و{وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر:1-2].
ومن عظم هذه النعمة أن كل شعائر الإسلام مرتبطة بالوقت؛ كالصلوات الخمس، وصيام رمضان، والحج، والوقوف بعرفة.
وكذلك إقامة الحجة على الإنسان يوم القيامة مرتبطة بالوقت، يقول تعالى: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [فاطر:37]. نعمركم: أي أعطيناكم عمرًا ووقتًا.
يقول ابن القيم رحمه الله: «وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم، وهو يمر مرَّ السحاب، فمن كان وقته لله وبالله فهو حياته وعمره، وغير ذلك ليس محسوبًا من حياته...، فإذا قطع وقته في الغفلة، والسهو، والأماني الباطلة، وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة، فموت هذا خير له من حياته»(1).
ويقول ابن الجوزي: «ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة، ويقدم فيه الأفضل فالأفضل من القول والعمل، ولتكن نيته في الخير قائمة، من غير فتور، بما لا يعجز عنه البدن من العمل»(2).
إن الوقت نعمة من نعم الله على خلقه، ولا بد للعبد من شكر النعمة وإلا سُلبت وذهبت، وشكر نعمة الوقت يكون باستعمالها في الطاعات، واستثمارها في الباقيات الصالحات، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ»(3).
فإذا علمت المرأة المسلمة أهمية الوقت، وعظم قدره عند الله عز وجل، وكبير منزلته في ديننا، كان لزامًا عليها أن تستثمر هذا الوقت فيما ينفعها في دينها ودنياها وآخرتها.
فعلى المرأة أن تجعل لها كل يوم وردًا من كتاب الله عز وجل، هذا الورد لا تتركه مهما كانت الظروف، تجعله مثل احتياجاتها اليومية؛ كالأكل، والشرب، والنوم، والملبس، لا تتخلى عنه أبدًا، كذلك على المرأة المسلمة أن تواظب على الأذكار اليومية التي علمنا إياها النبي صلى الله عليه وسلم؛ كأذكار الصباح والمساء، والأذكار بعد الصلوات المفروضة.
كذلك على المرأة المسلمة أن تكثر من النوافل بعد أدائها الصلوات المفروضة؛ فإن هذا من أكبر ما يقرب العبد إلى الله عز وجل؛ بل إنه من أكبر الأسباب الجالبة لمحبة الله عز وجل لعبده، كما جاء في الحديث القدسي:«وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه»(4).
ثم إذا ما كانت المرأة في أعمالها المنزلية، فكثيرًا ما نرى أنها تقوم بتشغيل التلفاز على أحد البرامج التي تتابعها، أو أحد المسلسلات التي يسمونها (دينية)!!، وهنا ينبغي عليها فورًا أن تحول القناة إلى قناة إذاعة القرآن الكريم، أو القنوات الإسلامية الهادفة، وأن تجعل هذه القنوات محط أنظارها دائمًا إذا ما فرغت من أعمالها المنزلية، وجلست أمام التلفاز.
ثم أخيرًا، على المرأة المسلمة أن تصاحب من ترى منها محافظة على وقتها، واهتمامًا بأمور دينها ودنياها، فإن هذا من أعظم ما يُعين المرأة المسلمة على اغتنام رأس مالها، وهو عمرها، فإن صحبة من مثلهن ومخالطتهن، والحرص على القرب منهن والتأسي بهن، تُعين على اغتنام الوقت، وتقوي النفس على استغلال ساعات العمر في طاعة الله.
قال الشاعر عدي بن زيد:
إذا كنتَ في قومٍ فصاحِب خِيارَهم ولا تصحبِ الأردى فتردى مع الرَّدِي
عن المرءِ لا تَسَلْ وسَلْ عن قرينهِ فكلُّ قرينٍ بالمقارَن يقتدِي(5)
___________________________
المصادر:
(1) الداء والدواء، لابن القيم (1/358).
(2) صيد الخاطر، لابن الجوزي، ص33.
(3) صحيح البخاري (6412).
(4) صحيح البخاري (6502).
(5) زهر الأكم في الأمثال والحكم، لنور الدين اليوسي (2/261).