logo

كيف نظم الإسلام الطلاق


بتاريخ : الأربعاء ، 29 جمادى الأول ، 1442 الموافق 13 يناير 2021
بقلم : تيار الاصلاح
كيف نظم الإسلام الطلاق

قبل ظهور الإسلام كان الطلاق يقع من خلال قيام الرجل بتطليق زوجته كيفما يريد، وعندما تنتهي المرأة من عدتها يقوم بإرجاعها إلى عصمته، ولكن الشريعة الاسلامية نظمت الطلاق، ففي القرآن الكريم قوله تعالى: {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 229- 230].

وعن عائشة قالت: لم يكن للطلاق وقت، يطلق الرجل امرأته ثم يراجعها ما لم تنقض العدة، وكان بين رجل من الأنصار وبين أهله بعض ما يكون بين الناس، فقال: والله لأتركنك لا أيمًا ولا ذات زوج، فجعل يطلقها حتى إذا كادت العدة أن تنقضي راجعها، ففعل ذلك مرارًا، فأنزل الله عز وجل فيه: {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} فوقت الطلاق ثلاثًا لا رجعة فيه بعد الثالثة، حتى تنكح زوجًا غيره (1).

لقد جعل الإسلام الطلاق فراق تأخذ فيه الزوجة حقها كاملًا، محاطة بالعناية والرعاية دون تجريح أو إساءة؛ حتى لا يكون الطلاق معول هدم ينشر العداوة بين الأسر، ويفكك أواصر المجتمع، ومن حق الزوجة أن تجعل عصمة الزواج بيدها، وأن تشترط هذا في أثناء العقد، ولها أيضًا أن تطلب فسخ العقد إذا أبى زوجها تطليقها مضارة وتضييقًا، وهو ما يعرف بالخلع، فتفتدي نفسها بما أخذته منه من مال، كما قال تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 229].

وهذا هو الطريق الذي جعله الإسلام منهجًا يقوم به مجتمع المسلمين، إذ جعل الطلاق حيلة مَن لا حيلة له، وعَدّه مِن أبغض الحلال إلى الله، ولعن الله كل ذواق مطلاق وكل مزواج مطلاق، وجعله بعد أن استنفد كل وسائل العلاج والإصلاح بين الزوجين، وحتى بعد أن وقع لم يجعله نهاية للحياة الزوجية، إنما اعتبره مؤقتًا موقوتًا بزمن، ووضع له من الشروط، وسَنّ له من طرق الترغيب في الرجوع عنه، وإزالة أسبابه، ما يجعله في أضيق الحدود.

ولم يجعله للزوج وحده يتحكم في زوجته، إنما جعل لها هذا إن اشترطته وأقر لها نظام المخالعة حتى لا تنطوي القلوب على البغضاء والعداء (2).

والأصل في الطلاق الحظر، وإنما أبيح منه قدر الحاجة، بل هو من مهام إبليس اللعين، كما ثبت عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئًا، قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه ويقول: نعم أنت»، قال الأعمش: أراه قال: «فيلتزمه» (3).

وتوعد الإسلام على من يسعون إليه بدون حاجة إليه، فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس، فحرام عليها رائحة الجنة» (4).

وقال ابن عابدين في حاشيته: الطلاق الأصل فيه الحظر، بمعنى: أنه محظور إلا لعارض يبيحه، وهو معنى قولهم: الأصل فيه الحظر، والإباحة للحاجة إلى الخلاص، فإذا كان بلا سبب أصلًا لم يكن فيه حاجة إلى الخلاص، بل يكون حمقًا، وسفاهة رأي، ومجرد كفران النعمة، وإخلاص الإيذاء بها، وبأهلها، وأولادها.

ولهذا قالوا: إن سببه الحاجة إلى الخلاص عند تباين الأخلاق، وعروض البغضاء الموجبة عدم إقامة حدود الله تعالى، فحيث تجرد عن الحاجة المبيحة له شرعًا يبقى على أصله من الحظر؛ ولهذا قال تعالى: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} [النساء: 34] أي: لا تطلبوا الفراق (5).

وقال ابن عثيمين في لقاء الباب المفتوح: الأصل في الطلاق أنه مكروه، ولو قيل: الأصل أنه محرم، لم يبعد.

وقال سيد سابق في (فقه السنة): اختلفت آراء الفقهاء في حكم الطلاق، والأصح من هذه الآراء رأي الذين ذهبوا إلى حظره إلا لحاجة.

وقال عبد الكريم زيدان: الراجح قول من قال: الأصل في الطلاق الحظر، ولا يباح إلا للحاجة المعتبرة شرعًا (6).

وقال وهبة الزحيلي في (الفقه الإسلامي وأدلته): وهذا هو الراجح؛ لاتفاقه مع مقاصد الشريعة، ولمخاطر الطلاق المتعددة.

وليس المقصود في هذا المقام هو الترجيح، وإنما المقصود هو التنبيه على أن كلام أهل العلم حافل بذكر الخلاف في هذه المسألة، وعلى ترجيح طائفة منهم منع الرجل من طلاق امرأته إلا لحاجة معتبرة تُدرأ بها أعلى المفسدتين بتحمل أدناهما.

وأما وعيد الزوج الذي يطلق امرأته بغير سبب فقد روي فيه أحاديث؛ ولكنها ليست بالقوية؛ جاء في (المبسوط) للسرخسي: إيقاع الطلاق مباح، وإن كان مبغضًا في الأصل عند عامة العلماء، ومن الناس من يقول: لا يباح إيقاع الطلاق إلا عند الضرورة؛ لأن فيه كفران النعمة؛ فإن النكاح نعمة من الله تعالى على عباده؛ قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} [الروم: 21]، وقال الله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ} [آل عمران: 14] الآية، وكفران النعمة حرام، وهو رفع النكاح المسنون فلا يحل إلا عند الضرورة (7).

ولا يخفى أن كلامهم يصرح بأنه محظور لما فيه من كفران نعمة النكاح، وإنما أبيح للحاجة، والحاجة هي الخلاص عند تباين الأخلاق، وعروض البغضاء الموجبة عدم إقامة حدود الله، فشرعه رحمة منه سبحانه، فبين الحكمين تدافع، والأصح حظره إلا لحاجة للأدلة المذكورة، ويحمل لفظ المباح على ما أبيح في بعض الأوقات، أعني أوقات تحقق الحاجة المبيحة.

وقال الولي الدهلوي في (حجة الله البالغة): الإكثار من الطلاق، وجريان الرسم بعدم المبالاة به مفاسد كثيرة، وذلك أن ناسًا ينقادون لشهوة الفرج، ولا يقصدون إقامة تدبير المنزل، ولا التعاون في الارتفاقات، ولا تحصين الفرج، وإنما مطمح أبصارهم التلذذ بالنساء، وذوق لذة كل امرأة، فيهيجهم ذلك إلى أن يكثروا الطلاق والنكاح، ولا فرق بينهم وبين الزناة من جهة ما يرجع إلى نفوسهم، وإن تميزوا عنهم بإقامة سنة النكاح، والموافقة لسياسة المدينة (8).

عن شهر بن حوشب قال: تزوج رجل وامرأة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فطلقها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «طلقتها؟» قال: نعم، قال: «من بأس؟» قال: لا يا رسول الله، ثم تزوج أخرى، ثم طلقها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طلقتها؟» قال: نعم، قال: «من بأس؟» قال: لا يا رسول الله، ثم تزوج أخرى، ثم طلقها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أطلقتها؟» قال: نعم، قال: «من بأس؟» قال: لا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثالثة: «إن الله لا يحب كل ذواق من الرجال، ولا كل ذواقة من النساء» (9).

وأما السؤال عن سبب ورود الوعيد في حق المرأة على طلب الطلاق من غير بأس، وعدم ورود مثله في حق الرجل الذي يطلق من غير حاجة: فلم نطلع في جوابه على كلام لأحد من أهل العلم بخصوص توجيه ذلك، والذي نراه -والعلم عند الله تعالى- أن ذلك يترتب على أسباب كون الطلاق بيد الرجل وحده دون المرأة، وهذا يعود لعدة أسباب، منها:

كونه المتضرر الأول من الطلاق من الناحية المادية، فهو الذي يجب عليه المهر، والمتعة، والنفقة لمطلقته حتى انتهاء عدتها، وهو الذي يضيع عليه ما أنفقه في سبيل إتمام هذا الزواج، مع حاجته إلى مال آخر للزواج بأخرى؛ وهذا يجعله أكثر ضبطًا لنفسه من المرأة التي قد لا يكلفها رمي يمين الطلاق شيئًا.

هذا مع ما يعرف عند أكثر النساء من سرعة الانفعال، وسيطرة العاطفة عليهن، بخلاف كثير من الرجال في شأن التريث، والتروي، والتعقل في إيقاع الطلاق.

وإذا تقرر ذلك؛ فلا يبعد أن يقال: إن حالة الرجل تقتضي أنه لا يحتاج إلى تأكيد الوعيد، والترهيب الشديد من إيقاع الطلاق من غير حاجة، لما هو قائم أصلًا في حقه من الموانع، بخلاف المرأة فإنها محتاجة إلى ذلك لزجرها، ومنعها من طلب مفارقة زوجها، مع احتمال عشرته، وإمكان البقاء معه؛ حفاظًا على الأسرة من الضياع، والتفكك، ومراعاة لمصلحة الأصهار، والأولاد إن وجدوا.

وأمر آخر يمكن ذكره ههنا، وهو أن الرجل إذا شعر بضيق مع امرأته من غير تقصير منها يدعو لطلاقها، فأمامه فرصة الزواج بأخرى، مما يعينه على إمساك امرأته الأولى، وعدم طلاقها.

وأما المرأة فليس أمامها إلا الصبر مع زوجها إذا أصابها مثل ذلك، وهذا قد يحملها على تعجل طلب الطلاق، مع إمكانية تحسن العشرة بينهما، واستقامة حالهما، فجاء هذا الوعيد ليمنعها من طلب الطلاق إلا إذا وجدت أسبابه، وتوفرت دواعيه (10).

شروط المطلّق:

هناك مجموعة من الشّروط المتعلقة بالزّوج المطلق، وهي على النّحو التالي:

أن يكون زوجًا، ويعتبر زوجًا من كان بينه وبين المطلقة عقد زواج صحيح وسليم.

أن يكون بالغًا، حيث يرى جمهور العلماء أنّ طلاق الصّغير لا يقع، سواءً أكان مميّزًا أو غير مميّز، وسواءً أأذن له بذلك أم لم يؤذن، أو تمّ إجازته من الولي أم لا، وذلك خلافًا لراي الحنابلة في الصّبي الذي يعقل الطلاق، حيث قالوا: إنّ طلاقه واقع على أكثر الرّوايات عن الإمام أحمد، أمّا من لا يعقل فوافقوا الجمهور في أنّه لا يقع طلاقه.

أن يكون عاقلًا، حيث يرى العلماء أنّه لا يصحّ الطلاق من المعتوه أو المجنون، وقد اختلفوا في طلاق السّكران أيقع أم لا.

أن يكون قاصدًا مختارًا، والمقصود بذلك هو قصد اللفظ الموجب للطلاق من غير إجبار، وهذا باتفاق العماء على صحّة طلاق الهازل، أمّا من كان مخطئًا أو مكرهًا، أو غضبانًا، أو سفيهًا، أو مريضًا، فإنّ هناك اختلافًا بين العلماء على صحّة طلاقهم.

شروط المطلقة:

هناك مجموعة من الشّروط ليقع الطلاق على المرأة المطلقة، وهي على النّحو التالي:

قيام الزّوجية، سواءً أكان ذلك حقيقةً أم حكمًا، وذلك على اختلاف بين العلماء في بعض الصّور والحالات التي تدخل تحت هذا الشّرط.

تعيين المطلقة، سواءً أكان ذلك بالإشارة، أم من خلال الصّفة، أم بالنّية، وهذا باتفاق جمهور العلماء والفقهاء.

شروط صيغة الطلاق:

هناك مجموعة من الشّروط التي تتعلق بصيغة الطلاق، ومعنى صيغة الطلاق اللفظ المعبّر به عنه، إلا أنّه يمكن أن يستعاض عن اللفظ في بعض الحالات بالكتابة أو الإشارة، ولكن هناك مجموعة من الشّروط التي يجب ان تتوافر حين استخدام اللفظ أو الكتابة، وإلا فإنّ الطلاق لا يعدّ واقعًا.

أمّا الألفاظ المستعملة في الطلاق فإنّ لها شروطًا، وهي على النّحو التالي:

- أن يتمّ القطع أو الظنّ بحصول اللفظ وفهم معناه، والمقصود بذلك هو أن يحصل اللفظ ويفهم معناه، وليس أن تكون نيّة وقوع الطلاق به، ومن الممكن أن تكون نيّة الوقوع شرطًا أيضًا، فمثلًا لو لُقّن شخص أعجميّ لفظ الطلاق، وهو غير عالم بمعناه، فإنّه لا يقع به شيء.

- أن تكون هناك نيّة لوقوع الطلاق باللفظ، ويعتبر هذا أمرًا خاصًّا بالكنايات من الألفاظ، أمّا في حالة الصّريح منها، فإنّه لا يشترط لوقوع الطلاق به أن تكون هناك نيّة الطلاق من الأساس، وقد قام المالكيّة باستثناء بعض ألفاظ الكتابة، حيث قالوا أنّ الطلاق يقع بها من دون نيّة، مثل الطلاق الصّريح، وهذه هي الكنايات الظاهرة، ومثال ذلك أن يقول المطلق لزوجته: سرّحتك، وذلك في حكم طلقتك (11).

لماذا شرع الله الطلاق:

لقد شرع الإسلام الطلاق لأسباب اجتماعيّة مهمّة جدًّا، مثل الحالات التي يكون فيها نزاع وشقاق بين الأزواج، حيث تتقطّع بهم علائق الزّوجية، ويحلّ مكانها الكراهيّة، والنّفور بين الأزواج، وفي حين لم يتمكّن المصلحون من إزالة هذه الأسباب، وفي هذه الحالة يكون الطلاق هو الحلّ لمثل هذه الأزمات، وإلا تحوّلت الحياة الزّوجية إلى أمر غير مرغوب، ولا تتحقّق المودة والرّحمة في هذه الحالة بين الزّوجين.

قال سيد سابق في فقه السنة: قال ابن سينا في كتاب الشفاء: ينبغي أن يكون إلى الفرقة سبيل ما، وألا يسدّ ذلك من كلّ وجه، لأنّ حسم أسباب التّوصل إلى الفرقة بالكليّة يقتضي وجوهًا من الضّرر والخلل، منها:

أنّ من الطبائع ما لا يألف بعض الطبائع، فكلما اجتهد في الجمع بينهما زاد الشرّ، والنّبؤ (أي الخلاف) وتنغّصت المعايش.

ومنها: أنّ النّاس من يمنى (أي يصاب) بزوج غير كفء، ولا حسن المذاهب في العشرة، أو بغيض تعافه الطبيعة، فيصير ذلك داعيةً إلى الرّغبة في غيره، إذ الشّهوة طبيعية، ربّما أدّى ذلك إلى وجوه من الفساد.

وربما كان المتزاوجان لا يتعاونان على النّسل، فإذا بدّل بزوجين آخرين تعاونا فيه، فيجب أن يكون إلى المفارقة سبيل، ولكنّه يجب أن يكون مشدّدًا فيه (12).

إيجابيات الطلاق:

منح كلٍّ من الزوجين بداية حياةٍ جديدةٍ مع إنسانٍ جديدٍ؛ ففي بعض حالات الزواج يتعرّض أحد الطرفين إلى الكثير من الدمار النفسي أو الجسدي؛ وفي الغالب تكون المرأة، وعندما يتم الطلاق يستطيع كلاهما أن يبدأ حياةً جديدةً مستقرةً بعيدًا عن المشاكل والهموم، وهذا يؤدي إلى زيادة الانتاجية في المجتمع.

حصول الأطفال في بعض الحالات على فرصةٍ جديدةٍ للعيش بطريقةٍ صحيّةٍ، فغالبًا عندما يكون الزوجان غير متفقين وتغلب عليهما الكراهية؛ فإن المشاكل فيما بينهما تكون كبيرةً وتؤثر على سير حياة الأبناء، وتسبب لهم الأذى النفسي، وكره الحياة، وعدم القدرة على التركيز والاستقرار، بل قد تسبّب لهم الانحراف عن الطريق السليم وإتباعهم للعصابات والأشخاص الذين يسلكون الطريق الخاطئ، كما قد تتوفّر لدى الابن نتيجة عكسيّة فيهرب من المنزل ليبتعد عن جو المشاكل بين والديه.

آداب الطلاق:

التسريح بالإحسان وعدم الإضرار بأحد الطرفين وخاصةً المرأة، فلا يحق للرجل التشهير بالزوجة أو محاولة حرمانها من حقوقها.

إذا كان للمرأة ولدٌ فإن حق الرعاية والحضانة والرضاعة لها وعلى الزوج التكلّف بهذه الأمور.

حسن الظنّ بالمرأة المطلقة والرجل المطلق والموافقة على تزويجهما؛ فالطلاق في بعض الحالات يكون نتيجة عدم توافق الطرفين من دون وجود أي سلبيات.

حكم الطلاق:

ورد حكم الطلاق في فقه السّنة على النّحو التالي:

اختلفت آراء الفقهاء في حكم الطلاق، والأصحّ من هذه الآراء رأي الذين ذهبوا إلى حظره إلا لحاجة، وهم الأحناف والحنابلة، ولأنّ في الطلاق كفرًا لنعمة الله، فإن الزواج نعمة من نعمه، وكفران النعمة حرام، فلا يحل إلا لضرورة، ومن هذه الضرورة التي تبيحهُ أن يرتاب الرجل في سلوك زوجته، أو أن يستقر في قلبه عدم اشتهائها، فإن الله مقلب القلوب، فإن لم تكن هناك حاجة تدعو إلى الطلاق يكون حينئذ محض كفران نعمة الله وسوء أدب من الزّوج، فيكون مكروهًا محظورًا.

وأما الحنابلة؛ فهم يرون أن الطلاق قد يكون واجبًا أو محرمًا، أو مباحًا، وقد يكون مندوبًا إليه، ففي حالات الطلاق الواجب مثل طلاق الحكمين في حالات الشقاق بين الزّوجين، وذلك في حال وجدا أنّ الطلاق هو الوسيلة الأفضل لإزالة الشّقاق، ومثال ذلك أيضًا طلاق المولي بعد التربّص لمدّة أربعة شهور، وذلك لقوله سبحانه وتعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)} [البقرة: 226- 227] (13).

وأما في حالات الطلاق المحرم، فهذا هو الطلاق الذي لا يكون هناك أي حاجة إليه، وهو محرم لأنه يضر بنفس الزّوج، ويضر زوجته كذلك، وفيه إزالة للمصلحة الحاصلة لهما، وذلك من دون أي حاجة تستدعي ذلك، مثل إتلاف المال، وذلك لقول الرسول صلّى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار» (14).

والطلاق المباح هو الذي يكون عند الحاجة إليه، سواءً أكان بسبب أخلاق الزوجة، أو سوء معشرها، أو بسبب التضرر بها، أو عدم حصول الغرض منها، والطلاق المندوب إليه هو الطلاق الذي يحصل عندما تفرّط المرأة في الحقوق التي أوجبها الله عز وجل عليها، مثل صلاتها أو غير ذلك، قال الإمام أحمد: لا ينبغي له إمساكها، وذلك لأن فيه نقصًا لدينه، ولا يأمن إفسادها لفراشه، وإلحاقها به ولدًا ليس هو منه، ولا بأس بالتضييق عليها في هذه الحال، لتفتدي منه، قال الله تعالى: {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [النساء: 19].

قال ابن قدامة: ويحتمل أن الطلاق في هذين الموضعين واجب، قال: ومن المندوب إليه الطلاق في حال الشقاق أو في الحال التي تخرج المرأة إلى المخالعة لتزيل عنها الضّرر (15).

يمرُّ الطلاق في العديد من المراحل، وفيما يلي إجمال هذه المراحل:

الطلاق الرجعي: سُمِّي هذا الطلاق بهذا الاسم بسبب أن الزوج الذي قام بتطليق زوجته بإمكانه أن يرجع إليها بسهولة.

يُحكم هذا الطلاق -للزوجة المدخول بها- بفترة العدَّة فكلُّ شيءٍ يبقى على ما هو عليه طالما بقيت فترة العدَّة.

الطلاق البائن بينونة صغرى: هو الطلاق الذي يحدث بين الزوج والزوجة قبل الدخول، أو بعد الدخول بعد الطلاق وبعد انتهاء العدة، ولا يمكن معاودة الارتباط بين الزوج والزوجة إلَّا بعقد ومهر جديدين.

الطلاق البائن بينونة كبرى: يقع هذا الطلاق بعد الطلقة الثالثة، ولا يمكن إرجاع العلاقة الزوجية إلى ما كانت عليه إلَّا بعد أن تتزوج المرأة من رجلٍ آخر ثم تنفصل عنه.

كيفية رد يمين الطلاق:

يقسم الطلاق من حيث إمكانية الرجوع عنه إلى الأقسام التالية:

أولًا: الطّلاق الرّجعي: وهو الطلاق الذي لا تنتهي به العلاقة الزوجية بين الرجل وزوجته بشكل الكامل، ولكن يزال هذا الطلاق بانتهاء عدة المرأة بدون موافقة المرأة على رجوعها، حيث اتفق العلماء على أنّ الرجل الذي يطلق زوجته طلاق رجعيّ يستطيع أن يرجعها إلى عصمته ما دامت المرأة في عدّتها.

ثانيًا: الطلاق البائن: وهو عبارة عن الطلاق الذي من خلاله تنتهي العلاقة الزوجيّة بين الرجل والمرأة، ولا يمكن للزوج إعادة زوجته المطلّقة إلى عصمته، وله قسمان:

الطّلاق البائن بينونة صغرى: وهو الطلاق الذي يكون قبل دخول الزوج بالزوجة أو الطلاق الرجعي؛ لكن الزوج لم يرجع زوجته إلى عصمته خلال مدة عدّتها.

الطلاق البائن بينونة كبرى: وهو الطلاق الذي لا يمكن إعادة الزوجة الى زوجها في هذا الطلاق، إلا بمهر وعقد جديدان وذلك بعد أن تتزوج المرأة من رجل آخر غيره، ويتم دّخوله بها، ويتم طلاقهما من دون اتفاق بينهما مسبق، أو أن يتوفى عنها، فإذا طلق الزوج زوجته، يستطيع ارجاعها إذا لم تقضي مدة عدتها، أمّا اذا طلقها الطلقة الثانية يستطيع ارجاعها إذا لم تقضي مدة عدتها، أما الطلقة الثالثة فلا يستطيع إرجاعها إلا بعد أن تتزوج من غيره ويدخل بها ويطلقها أو يموت عنها، فيجوز له الزواج منها مرة أخرى بعقد ومهر جديدان ولكن دون اتفاق بينهما .

عدة المطلقة:

تختلف عدة المطلقة باختلاف الحالة، ولكن لا يختلف تحديد العدة بين المطلقة طلاقًا رجعيًا أو بائنًا، وهي كالآتي:

المرأة المدخول بها من ذوات الحيض، وعدتها ثلاثة قروء، وقروء هي جمع قرء، ولغةً هو لفظ مشرتك بين الطهر والحيض، أي أنّ عدتها ثلاث حيضات كالتالي: تحيض ثمّ تطهر، تحيض ثمّ تطهر، تحيض ثمّ تطهر، فما يهمّ هنا مجيء الحيض، وليس عدد الأيام، قال تعالى: {والْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228].

المرأة المدخول بها من غير ذوات الحيض، وهنّ كبيرات السن اللاتي لا يحضن، أو الصغيرات اللاتي لم يبلغن، فعدتهنّ ثلاثة أشهر، قال تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4].

المرأة الحامل، فعدتها وضع حملها، قال تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4].

المرأة غير المدخول بها، لا عدة عليها إطلاقًا، حيث تبين من زوجها بمجرد طلاقها منه وتحل لغيره.

عدّة الطلاق البائن إذا طلق الرجل زوجته الطلقة الثالثة فإنّها تبين منه بينونة كبرى، وتكون عدتها في بيت زوجها على قول جمهور العلماء، ولا تحل لزوجها الأول حتى تتزوج زوجًا غيره ثم يطلقها أو يموت عنها.

الحكمة من عدة الطلاق:

- امتثال النساء المؤمنات لأمر الله تعالى، وهو من التعبد لله.

- براءة الرحم، وهي بالتالي وسيلة لمنع اختلاط الأنساب ببعضها.

- فسح المجال أمام الزوجين في الطلاق، بحيث تترك لهم الفرصة للتفكير في المراجعة.

- إظهار أهمية أمر الزواج، فلا يتم الطلاق إلا عند انتظار طويل، ولولا ذلك لكان الزواج كاللعبة بأيدي الصبيان، يتمونه ساعة ويفكونه ساعةً أخرى.

وقد شرَع الله سبحانه وتعالى للزوج الحقّ في إرجاع زوجته إلى عصمته خلال فترة العدّة برضاها أو بغير رضاها؛ وذلك لأحقّيته في ذلك؛ حيث ذُكِر في القرآن الكريم قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا} [البقرة: 228].

كيفية الرجعة بعد الطلاق:

كيفية الرجعة في الطلاق الرجعي إذا طلّق الرجل امرأته طلاقًا غير بائن وكانت ما تزال في فترة العدة، فله أن يُرجعها إلى عقد نكاحه، ومن السنة الإشهاد على الرجعة، وقال بعض الفقهاء بوجوب الإشهاد في ذلك، وتكون الرجعة بكيفيّتَين اثنتَين، هما:

الرجعة بالقول: وتكون بقول الرجل لامرأته: أرجعتك، أو رددتُك إلى عصمتي، أو ارتجعتك، وهذه أقوال صريحة في الرجعة تصح بلا نية، أما إذا كانت الأقوال تدل دلالة على الإرجاع، مثل: أنتِ عندي كما كنتِ، فيلزمه استحضار النية، وسؤاله عن مقصده، وقد اتفق الفقهاء على صحة الرجعة بالقول، أو ما يقوم مقامه إذا تعذر القول، مثل: الإشارة المفهومة من الأخرس، أو الكتابة الواضحة.

الرجعة بالفعل: اختلفت أقوال الفقهاء في كيفية الرجعة بالفعل، على النحو الآتي:

الشافعية: لا تصح الرجعة بفعلٍ من جماع أو مُقدماته، ولا تصح إلا بالقول فقط.

المالكية: تحصل الرجعة بالفعل من جماع ومُقدماته، بشرط الإتيان بنيّة الإرجاع.

الحنابلة: تصح الرجعة بالجماع فقط، ولا تصح بما دونه من مُقدّمات الجماع.

الحنفية: ذهبوا إلى صحة الرجعة بالفعل إن كان بجماع أو مُقدماته.

متى تكون الرجعة:

الرجعة تكون في الطلاق الذي يستقل فيه الزوج بإرادة الإرجاع دون أن يقيده عقد جديد أو طلب رضا أحد، وكذلك كما يتبين في شروط الرجعة إذ يشترط أن تكون من طلاق رجعي، وبناء على ذلك فالطلاق البائن لا رجعة فيه، وإنما تعاد الزوجية بالطريقة الآتية.

إذا كانت الرجعة في الطلاق البائن بينونة صغرى؛ كمن طلق زوجته دون الثلاث طلقات ولم يرجعها وانتهت عدتها، ثم أراد إعادة الحياة الزوجية، فكيفية ذلك حينها بإجراءات مثل النكاح الجديد إذ يشترط المهر، والولي، والعقد الجديد، ورضاها.

إذا كانت الرجعة من طلاق بائن بينونة كبرى كمن طلق زوجته الطلقة الثالثة فإنه لا يصح له إرجاعها ولو أثناء العدة إلا بشرط أن تتزوج زوجًا غيره فيطلقها أو يموت عنها، حينها يمكنه تزوجها من جديد بعقد ومهر جديدين وبرضاها.

 شروط الرجعة بعد الطلاق:

يجوز للزوج إرجاع زوجته إن طلّقها ضمن شروط، سواءً كانت الطلقة الأولى أم الثانية، وذلك على النحو الآتي:

أن يكون الزوج ذا أهليّة؛ إذ يجب أن يكون عاقلًا بالغًا؛ فالرجعة لا تجوز لمُرتَدّ، أو سكران، أو مجنون، أو صبيّ؛ لأنّهم لا يملكون الإرادة الكاملة.

أن يتمّ الدخول الصحيح بالزوجة؛ إذ يجب أن تكون قد طُلِّقت بعد الدخول، أمّا إذا كان الطلاق قبل الدخول فلا توجد رجعة في هذا الطلاق؛ وذلك لعدم وجود عدّة للمرأة المُطلَّقة قبل الدخول؛ بدليل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [الأحزاب: 49]، أن يُشرَع في الرجعة بالفعل، أو القول بعد الطلاق الرجعيّ.

أن لا تكون الرجعة بعد الطلقة الثالثة؛ فالرجعة تكون بعد طلاق رجعي؛ أي طلقة أولى أو ثانية فقط؛ لأن الطلقة الثالثة تكون طلاقًا بائنًا بينونة كُبرى، ولها أحكامها الخاصة.

أن تكون الرجعة خلال فترة العدة في الطلقة الأولى والثانية، ولا تجوز بعد انتهاء عدة الطلاق؛ وهي ثلاث حيضات لذوات الحيض وثلاثة أشهر قمرية للواتي لا يحضن.

أن لا يكون الطلاق مقابل عِوض؛ لأن الطلاق مقابل عوض مدفوع للزوج يكون طلاقًا بائنًا، وليس طلاقًا رجعيًّا.

أن تكون صيغة الرجعة مباشرة، فلا يجوز أن تكون الرجعة مشروطة بفعلٍ ما، كأن يقول: راجعتك إذا جاء فلان، ولا أن تكون مُحدَّدة بزمنٍ، أو يومٍ، أو شهرٍ، كأن يقول: راجعتك بعد أسبوع (16).

ما لا يُشترَط في الرجعة بعد الطلاق:

هنالك أمور لا تُشترط لصحّة الرجعة، وهي تصحّ دونها، ومنها:

عدم اشتراط قبول المرأة ورضاها للعودة إلى زوجها في الطلاق الرجعيّ دون البائن؛ لأنّ الرجعة من حقّ الزوج؛ بدليل قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ} [البقرة: 228].

عدم اشتراط إعلام المرأة بالرجعة؛ إلا أنه يُعَد أمرًا مندوبًا.

إشهاد الناس على الرجعة، وقد اختُلِف فيه على النحو الآتي:

ذهب جمهور العلماء إلى أنّ الإشهاد ليس شرطًا لصحة الرجعة، إلّا أنّه مُستحَب؛ كي لا تنكر المرأة ذلك بعد انقضاء العدّة.

ذهب الظاهرية إلى أن الإشهاد شرط لصحة الرجعة؛ مُستدِلّين بذلك من القرآن الكريم بقوله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ للهِ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2].

حُكم الرجعة بعد الطلاق:

الأصل في الرجعة الإباحة، إلا أن حُكمها يختلف باختلاف الحالات التي وقع فيها الطلاق، وتفصيلها على النحو الآتي:

واجبة: تجب الرجعة في حق المرأة إذا طلَّق الرجل امرأته مرة واحدة طلاقًا بدعيًا، واستدل الفقهاء على ذلك بدليل ما روي أن ابن عمر، أنه طلق امرأته، وهي حائض في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مره فليراجعها، ثم ليتركها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله عز وجل أن يطلق لها النساء» (17).

وهذا ما ورد عن المالكية والحنفية، وقال الشافعية والحنابلة بأنها سُنة في هذه الحالة، وإذا علم الزوج أنه سيتسبب في إلحاق الضرر بزوجته نتيجة بقائه معها مع عدم قبولها لهذا الضرر، وَجَب عليه طلاقها.

مندوبة: تكون الرجعة مندوبة في حال ندم الزوجين، وفي حال وجود الأولاد؛ لأن المصلحة العامّة بحضانة الأطفال، وتربيتهم في بيئة تخلو من الخصام والنزاع تُقدَّم على المصلحة الخاصّة، وندبت الشريعة الصُّلح بين الزوجَين، فقال تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128]، وتُندب في حال جامع الرجل زوجته في الطُّهر الذي طُلِّقت فيه.

مُحرمة: تحرم الرجعة إذا طلق الرجل امرأته وأراد أن يرجعها ليُلحق الضرر بها بأي شكل، كأن يُرجع الرجل زوجته قبل انتهاء مدة العدة بقليل، ثم يعاود تطليقها مرة أخرى لتبتدئ عدة جديدة؛ كي تزداد مدة عدتها، وقد زجر الله فاعل هذا الأمر؛ فقال: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 231].

مكروهة: تُكرَه الرجعة إذا اعتقد الزوج أنَّه لن يُقيم حُدود الله؛ بالإحسان إلى زوجته، وإعطائها حقوقها المادية والمعنوية، أو في حال عدم إقامة الزوجة لحدود الله من فرائض.

مباحة: وهو حُكم الأصل في الرجعة، وقد أجمع الفقهاء على ذلك في حال عدم حصول ما يمنعها، قال تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا} [البقرة: 228].

شرع الله عز وجل الرجعة؛ رحمة بالزوجين؛ إذ يقع الطلاق في أغلب الأوقات في لحظة غضب واندفاع بلا تأنٍّ أو تفكيرٍ في العواقب والمفاسد التي تلحق بالطلاق، فالرجعة نعمة من الله عز وجل، إذ إن نفس الرجل إن تاقت إلى زوجته، فلا سبيل إليها إلا بالرجعة، وقد اتّفق الفقهاء على مشروعية الرجعة؛ بدليل ما ورد في القرآن الكريم من قوله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [البقرة: 231].

ومن السنة النبوية ما رُوِي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى اللهُ علَيهِ وسلمَ طلق حفصة ثم راجعها (18).

وقد وسع الإسلام في زمن الرجعة؛ ليتيح للمُطلِّق فرصة التفكير بأسرته، ودوام استقرارها، ويمتدّ زمن الرجعة للحامل طيلة فترة الحمل، ولغير الحامل مدّة ثلاثة قروء.

تثبت للمرأة بعد الرجعة جميع الأحكام والحقوق التي تكون للزوجات؛ حيث تظلّ كما كانت قبل الطلاق، على الرغم من نقصان عدد الطلقات المُتبقِّية لها.

يتم اعتماد قول الزوج مع الدليل إذا اختلف الزوجان في حصول العدة أو عدمها؛ وذلك إذا ادعى الزوج حصولها، وادّعت المرأة عدمها؛ لأن ذلك هو المعتمد، فإن لم يملك دليلًا، فإنه يُؤخَذ بقول الزوجة مع حلفها لليمين.

يتم اعتماد قول الزوجة مع حَلفها لليمين إذا اتفق الزوجان على حصول الرجعة واختلفا في زمنها؛ هل هو في العدة، أم بعدها؛ لأنها الأعلم بعدتها.

إن الناظر والمتأمل في الأحكام الشرعية الإسلامية، التي تخص الأسرة، لَيَرَى حِرص الإسلامِ على سلامةِ الأسرة، واستقرارها، فقد وضعت الشريعة الإسلامية حلولًا شرعية، للمعضلات التي تصيب الأسرة، وَوَجَّهَ إلى التدرج فيها، ولكنْ يستعجل الكثير من النّاس إلى اتخاذ أصعب الحلول، وأشدها، ويترك الحلول البسيطة السهلة، التي لا مشقة فيها، فتجد كثيرًا من الأزواج، سرعان ما يقول بيمين الطلاق، دون تَفَكُرٍ بالعواقب، تأخذه شَيْطَةُ الغضب، والضُعْفِ الذي عَشْعَشَ في شخصيته، فهو سلاح يستعين به على الغالب الضعفاء من الرجال.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هؤلاء السفهاء الذين يطلقون ألسنتهم بالطلاق في كل هين وعظيم، هؤلاء مخالفون لما أرشد إليه النبي صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: «من كان حالفا، فليحلف بالله أو ليصمت» (19)، فإذا أراد المؤمن أن يحلف فليحلف بالله عز وجل، كما عد النبي عليه السلام، الذي يُطَلِقُ ثلاثًا مجتمعةً متلاعبًا في دين الله عز وجل.

وتَكْمُنُ خُطُورةُ يمين الطلاق، إلى الخلاف الفقهي بالمسألة، فجمهور العلماء يرى أنّه حتى لو تم حلفان يمين الطلاق من غير قصد الطلاق، فإن الطلاق يقع، فكثيرا من الناس يقول لزوجته، إذا قمت بفعل كذا فأنت طالق، يريد تهديدها، وتخويفها، ومنعها من فعله، مع عدم قصده الطلاق، فرأي الجمهور طلاقها، ولشيخ الإسلام ابن تيمية ومن وافقه رأي آخر بأنه يمين طلاق وله كفارة، فأتعجب من حال كثير من الناس كيف يجعل مصير زواجه تحت خلاف فقهي، غير مقطوع فيه، وكيف يرتاح ضميره، ولا يساوره الشك في جواز مجامعة زوجته، وهي لا تحل له إن كانت بانت بذلك اليمين، فالأمر ليس بهين، فنحذر منه، وليحذر الذين وقعوا فيه إلى عدم العودة لمثل هذا (20). ________________

(1) تفسير ابن كثير (1/ 611).

(2) التفسير الموضوعي (ص: 188).

(3) أخرجه مسلم (2813).

(4) أخرجه الطبراني (5469).

(5) الدر المختار وحاشية ابن عابدين (3/ 228).

(6) المفصل في أحكام المرأة (7/ 355).

(7) المبسوط للسرخسي (6/ 2).

(8) حجة الله البالغة (2/ 213).

(9) أخرجه ابن أبي شيبة (19193).

(10) انظر: الفتوى رقم: 313699) / إسلام ويب.

(11) شروط وقوع الطلاق/ موضوع.

(12) فقه السنة (2/ 244).

(13) انظر: مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (5/ 2137).

(14) أخرجه ابن ماجه (2341).

(15) المغني لابن قدامة (7/ 364).

(16) كيفية إرجاع الزوجة بعد الطلاق/ موضوع.

(17) أخرجه البخاري (5251)، ومسلم (1471).

(18) أخرجه أبو داود (2283).

(19) أخرجه البخاري (2679)، ومسلم (1646).

(20) ما كفارة يمين الطلاق/ موضوع.