برامج الأطفال الكرتونية وأثرها على الأطفال
لقد أدركت الأمم المتقدمة سحر الإعلام وسلطته الضاغطة المؤثرة، فأنفقت الملايين لتحقيق سياساتها، وإقناع الجماهير بشرعية خططها وبرامجها من خلال عملية غسيل الدماغ الجماعية، وصارت وسائل الإعلام تقوم بجزء من عمل الجيوش، وأصبحت الحروب الإعلامية تكلف أحيانًا أكثر من الحروب التقليدية.
في هذا الخضم المتلاطم، والأمواج الإعلامية العاتية، وفي هذه الظروف العصيبة التي تمر بالأمة الإسلامية حكومات وشعوبًا يتطلع المسلم إلى إعلامٍ، نظيفٍ، هادفٍ، يتحلى بالصدق والواقعية، وتتحقق للفرد من خلاله معرفة ما يجري حوله بعيدًا عن الدجل والخداع الإعلامي المسيّس، كما يتلقى هو وأسرته زادًا ثقافيًا ومعرفيًا، ويتابع أخبار العالم الذي يعيش فيه، ويهتم بأمر المسلمين، فمن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم.
ومن هذا المنطلق علينا أن ندرك خطر الإعلام وأهميته، ونعمل على مواكبة الأساليب المتطورة في هذا المجال ضمن حدود الشريعة الإسلامية، فنحن بحاجة إلى إعلام متوازن يعمل على التجديد في الأسلوب والطرح، ليكون أكثر قبولًا لدى مختلف الشرائح في العالم الإسلامي الفسيح، ويفتح قلبه وبرامجه لكل قلم صادق مبدع، ويرعى كل موهبة متميزة في أي مجال من مجالات الإعلام (1).
ولا يخفى على عاقل ذي لب ما لبرامج الأطفال من أثر على تشكيل شخصيات أولادنا وبناء هوياتهم وتوجيه سلوكهم، ولا يخفى أيضًا ما يُستخدم في هذه البرامج من عوامل تشويقٍ وجذب وشد انتباه وإثارة تجعل الطفل أمامها مشدودًا متابعًا لا تغمض له عين ولا تحينُ منه التفاتة.
لا سيما وأنَّ الأطفال يبدؤون عادة بمشاهدة هذه البرامج في عمر مبكرة، مما يزيد من تأثرهم بها واقتناعهم بما تحتويه من قيم وأفكار وتصورات.
وتشير كثير من الدراسات في مختلف بلدان العالم أن متوسط ما يقضيه الطفل الذي يتراوح عمره بين ست سنوات إلى ست عشرة سنة أمام الشاشة الصغيرة نحو ١٢- ٢٤ ساعة أسبوعيًا (2).
ولعلنا ندرك خطورة الإعلام، باعتباره يخاطب الطفل بلغته، ويواكب التطلعات العاطفية والنفسية والعقلية له، وقد يسبق الأبوين والأسرة في ذلك، لذا يعتبر من أهم مصادر التلقي عند الطفل، وقد يتخطى الرقابة الأبوية ليخاطب الطفل مباشرة لأسباب؛ منها ما يتعلق بالانفصال الحقيقي أو الشعوري بين الطفل والمربي، ومنها ما يتعلق بالالتواء في أساليب الترجمة والعرض لتورية مفاهيم معينة، يكون الوكيل المترجم والمقدم لها على قناعة برفض الأسر العربية لها، وعبر أحداث العمل يصل المفهوم المقصود للطفل، وتوضحه المشاهد والمواقف والأحداث (3).
وقد وسع التلفزيون خبرات الطفل باعتباره مصدرًا من مصادر المعرفة التي تمده بالقيم المعرفية والسلوكية، وتنقل له الثقافة والمعرفة من خلال الوظائف التي يقوم بها هذا الجهاز وهي التوجيه والتثقيف والتعليم والترفيه.
كما أنه يُزود الطفل بالخبرات والمهارات التي تدفعه إلى إتباع العادات الصحية في كافة مناحي سلوكه اليومي (4).
إنَّ اختيار الأهل لأطفالهم برامج مناسبة قريبة لخيالهم، توصل لهم الأفكار بطريقة واضحة وسهلة له آثار إيجابية كثيرة؛ فهي تساعد على غرس عاداتٍ وقيمٍ مهمة لدى الأطفال، فضلاً عن اكتسابهم خبرات وتكوين معلومات ومعارف جديدة.
آثار مشاهدة الرسوم المتحركة على الأطفال:
هناك ألعاب تتضمن فكرة القمار، وتعليم الربا، وكذلك من الألعاب لعبة ممرات، يأكل فيها اللاعب الكيك ويزاد وزنه ثم يموت؛ فيوضع على قبره صليب، ولعبة يستخدم فيها صليب لقتل الوحوش، ولعبة إذا مر اللاعب بالصليب يستفيد قوة في اختراق الحواجز وتفجير ما أمامه من الأشياء، وألعاب عن الآلهة وكل إله ما هو تخصصه، وصراع بين الآلهة، ونحو ذلك، ومحاولة الصعود إلى أعلى، وبعض برامج الأطفال وألعاب الأطفال تنتهي في مرحلة بالوصول إلى أميرة فيحتضنها ويقبلها، ويكون الهدف هو الوصول إلى هذه الأميرة.
وهذه المناظر السيئة التي تدخل، لا شك أن لها أثرًا سيئًا جدًا على أطفالنا وعلى الشباب الذين يشتغلون بهذه الأشياء، ويحاولون جلبها (5).
ونظرًا لما تتمتع به الرسوم المتحركة من مرونة عالية في الإعداد، ووسائل جذب للأطفال؛ فإنَّ لها العديد من الإيجابيات والسلبيات التي تترتب على كيفية استخدامها (6).
أولًا: إيجابيات الرسوم المتحركة:
إنَّ اختيار الأهل لأطفالهم برامج مناسبة تحتوي على قصص واقعية ودينية واجتماعية قريبة لخيالهم، وتوصل لهم الأفكار بطريقة واضحة وسهلة له آثار إيجابية كثيرة؛ فهي تساعد على غرس عاداتٍ وقيمٍ مهمة لدى الأطفال، فضلًا عن اكتسابهم خبرات وتكوين معلومات ومعارف جديدة، ويمكن إجمال هذه الإيجابيات في التالي:
- تزيد من تطور اللغة عند الطفل، وإثراء قاموسه اللغوي؛ فهذه البرامج تعلّم الطفل -بما تحويه من لغةٍ سهلة محببة- لغةً عربيةً فصيحة قد لا يجدها في محيطه الأسري، مما ييسر له تصحيح النطق وتقويم اللسان، وتغرس لديه محبة اللغة العربية، وتسهّل عليه الحديث بها وفهمها.
- تعرض بعض الرسوم محتوى علميًا ميسرًا، مما يساعد على تكوين خلفية علمية للطفل.
- المساعدة على تطوير المهارات التخيلية وتوسيع أفق الطفل ومدركاته الحسية، وتعريفه بأساليب مبتكرة متعددة في التفكير والسلوك.
- تساعد الطفل على تفهم طبيعة العلاقات الاجتماعية وإكسابه المهارات والخبرات المتعلقة بها؛ كالنظافة الشخصية وآداب الحديث وآداب المرور والتعاون مع الآخرين.
- تحتوي الرسوم المتحركة على الحكايات التي يمكن أن تساعد على غرس التفكير العلمي، وتشجعه على الاهتمام بالتكنولوجيا التي أصبحت من سمات العصر.
- تلبي بعض احتياجات الطفل النفسية، وتشبع له غريزة حب الاستطلاع؛ فتجعله يسعى لاستكشاف ما هو جديد، وغريزة المنافسة والمسابقة فتجعله يفكر في النجاح ويسعى إليه.
- تغرس اهتمامات جديدة لها تأثير على سلوك الطفل، وتكوين عاداته وقيمه، وتكسبه الخبرات والمعارف، وخاصة في هذه السن الصغيرة التي يكون فيها على استعداد لاستقبال ومعرفة الكثير من المعارف والخبرات والمعلومات.
- توفر جانبًا من التسلية، والضحك، والترفيه.
ثانيًا: سلبيات الرسوم المتحركة:
تختلف قيم صانعي برامج الأطفال عن قيم وأخلاق مجتمعاتنا الإسلامية، فتظهر فيها أخلاق وسلوكيات مرفوضة في ديننا وأخلاقنا.
وتنطوي مشاهدة الرسوم المتحركة على العديد من الآثار السلبية التي تنعكس على الطفل المشاهد لها، ومن هذه الآثار:
١- الآثار الأخلاقية والتربوية:
- تتعرض كثير من برامج الأطفال إلى القيم والمبادئ الأخلاقية بالهدم أو التغيير أو التشويه، حيث تختلف قيم صانعي هذه البرامج عن قيم وأخلاق مجتمعاتنا الإسلامية؛ فتظهر فيها أخلاق وسلوكيات مرفوضة في ديننا وأخلاقنا، كالصراخ في وجه الأم أو الأب، والتجسس، والنظر إلى العورات، وذكر بعض الألفاظ المنهي عنها شرعًا؛ كاللعن والسب والتنابز بالألقاب، وغير ذلك من الأخلاق السيئة.
- طرح العلاقة والصداقة بين الجنسين، واتخاذ الحبيب على أنه أمر اعتيادي، وإظهار العلاقة بين الشاب والفتاة على أنها طبيعية في مختلف مستوياتها، بالإضافة إلى كثرة مظاهر التعري واللباس غير المحتشم للفتيات، وصولًا إلى التلميحات الجنسية والأفعال الفاضحة، فيؤدي تكرارها لأن تكون أمرًا معتادًا لدى الطفل غير مستنكر.
- انخفاض مستوى الذوق، واعتياد المشاهد والأصوات المقززة والملابس والحركات السخيفة، واعتبار هذه السخافات نوعًا من الطرافة والأمور المضحكة، مما ينعكس على شخصيات الطفل وسلوكه في التعلق بالسخافات والتفاهات وتقليدها.
- التشجيع على تحدي المسؤولين عن الطفل والاستهزاء بهم؛ مثل المعلمين، والآباء.
٢- الآثار الاجتماعية:
- التأثر بالشخصيات الكرتونية، والتي لا يشترط أن تكون دومًا شخصيات جيدة؛ بل من الممكن أن يتخذ الطفل الشخصية السيئة كقدوة، مما قد يؤثر في سلوكه الاجتماعي.
- التشجع على السلوك العدواني، حيث تحوي الرسوم المتحركة العديد من مشاهد العنف والقتال العنيف، وأساليب الإيذاء بطرق المزاح والتسلية ونحوها.
بل حتى ما يقع منها دون قصد العنف، كتصوير عدم تضرر الشخصية الكرتونية من القتال أو العنف، مما يشجع الطفل على تقليد ذلك ظنًا منه أنه لن يتضرر، وكذلك المشاهد التي تصور الأبطال يطيرون ويقفزون ويتنقلون بكل خِفة من هذا الجبل إلى ذاك المنحدر دون أي إصابة تُذكر، كما أن الشخصيات الخيالية التي تتمتع بقوةٍ خارقة للعادة كـ (سوبر مان، وسبايدر مان) تشجع الأطفال على تقليدها، ومحاولة تقمصها، أو الطموح إلى أن يكون مثلها.
إن تصوير مشاهد القتل وسفك الدماء تؤثر في شخصية الأطفال وتجعلهم يستسيغون تلك الصور ويعتادونها، مما ينعكس على شخصياتهم ويجعلها أكثر عدوانية وعنفًا، ويطبع شخصياتهم بطابع إجرامي.
- فتح عين الطفل على أبواب وطرق للشر والإيذاء قد يكون غافلاً عنها.
قال الطبيب النفسي (ستيفن بانا) الأستاذ بجامعة كولومبيا: إذا كان السجن هو جامعة الجريمة.. فإن التلفزيون هو المدرسة الإعدادية لانحراف الأحداث (7).
إن أخطر ما تحويه مشاهد العنف التي تحملها هذه البرامج: أنها تبرر العنف وتجعله طبيعيًا في الحياة اليومية، وتظهره أحيانًا بطابع مضحك أو مشوق مما يجعل تقبَّله أسهل وأسرع، كما أنّها تدفع الطفل ليكون متسامحًا مع المؤذي، وتفقده القدرة على التعاطف مع الضعيف.
إنَّ تصوير مشاهد القتل وسفك الدماء تؤثر في شخصية الأطفال وتجعلهم يستسيغون تلك الصور ويعتادونها، مما ينعكس على شخصياتهم ويجعلها أكثر عدوانية وعنفًا.
- وقد يحدث أحيانًا أن تقدم هذه الأفلام نموذجًا لخُلُقٍ حميد ما، لكنه في بيئة مختلفة ومعروض بأسلوب مختلف غير ذلك الذي نعيشه في واقعنا، وهذا يخلق عند الطفل حالة من التناقض والصراع بين ما هو مقبول وبين ما هو غير مقبول (8).
٣- الآثار النفسية والصحية:
- تؤدي كثرة مشاهدة هذه البرامج، والجلوس لها أوقاتًا طويلة، أو بجلسات غير صحية إلى العديد من المشاكل السمعية والبصرية، ومشاكل السمنة، وضعف الجهاز الحركي والهيكلي، إضافة إلى المشاكل العقلية، كتأخر الكلام والتأخر في التحصيل المدرسي، والسلوك العدواني، واللامبالاة العاطفية، كما تؤثر مشاهد العنف على النمو الدماغي والعاطفي بالتحديد.
- تؤثر أفلام الكرتون سلبًا في حال عدم مناسبتها للفئة العمرية للمشاهدين، من خلال احتوائها على عنف أو مشاهد رعب، أو حتى معلومات غير مناسبة، فالأصل أن برامج الأطفال يختص كلٌ منها بفئة عمرية محددة.
تقوم العديد من برامج الرسوم المتحركة على فكرة تصارع الآلهة، ليقوم كل إلهٍ بإدارة جزء من الكون، ناهيك عن وجود آلهة للشر تحرك الأشرار وتقودهم للتدمير والخراب ونشر الفساد في الأرض.
٤- الآثار والمخاطر العقدية:
من أخطر الآثار السلبية التي تترتب على الرسوم المتحركة: ما يتعلق بالجانب العقدي منها، ومع أن أول الضروريات التي يحرص الإسلام على حفظها وصيانتها هو الدين، فإنَّ أول ما تلوّثه الرسوم المتحركة هي العقيدة ومفاهيم الدين. ويتمثل ذلك في التالي:
- تقوم العديد من برامج الرسوم المتحركة على فكرة تصارع الآلهة، أو تعدد الآلهة؛ ليقوم كل إله بإدارة جزء من الكون، وهذه الآلهة تُجسَّم بصور رجال ضخام الجسم، أو نور في السماء، وغير ذلك.
ناهيك عن وجود آلهة للشر تحرك الأشرار وتقودهم للتدمير والخراب ونشر الفوضى والقتل، ثم إعادة من قُتل منهم إلى الحياة، ليكمل دوره في الفساد في الأرض!
- نشر الشرك بالله تعالى، من خلال تقديم الطقوس للأصنام، أو المظاهر الطبيعية أو ما يسمونه (الطبيعة الأم)، أو لبعض الشخصيات.
- تصوير أمور الغيب (كالآلهة والملائكة)، وأحيانًا بطرق غاية في الابتذال والسخرية، وطغيان المعاني المادية والتعليق بها، وجعلها محور الاهتمام.
- إضعاف العقيدة بالله والتعلق به، من خلال ما تعرضه تلك الرسوم من اللجوء إلى القوى الخارقة، والتعلق بالمخلوقات لتحقيق الأماني، والقيام بالطقوس الشركية، وتقديس الرموز الوثنية، وتقديم القرابين لها.
- تكريس الإيمان بالسحر والشعوذة والقدرات الخارقة، وتزيينها والإغراء بها، وإظهار السحرة أنّهم قادرون على كل شيء، وأنّ السحر وسيلة للضرر أو لحل المشكلات.
- انعدام أي أثر للمظاهر والشعائر الإسلامية؛ في تكريس لفصل الدين وأحكامه عن الحياة وقضاياها، وإن وجدت فإنّها تكون محصورة بغير المسلمين، فلا يظهر الحجاب إلا على راهبة، ولا تظهر الصلاة إلّا في معابدهم، أو تصوّر بطريقة تصم المتمسكين بالدين من المسلمين بأوصاف أو أدوار سلبية.
- نشر العديد من عادات غير المسلمين كالانحناء، ولبس القلائد المرتبطة بمعتقداتهم أو طقوسهم، أو التي تحمل صور المعظَّمين لديهم، والاحتفال بأعياد ليست من أعيادنا (كعيد الحب، والأم، ورأس السنة)، وإشاعة الألفاظ المحرَّمة في ديننا.
إن أخطر ما يتوقع أن تجلبه هذه البرامج: إضعاف عقيدة الإسلام في نفوس كثير من الأطفال، بحيث تتحول أمتنا إلى أمةٍ إمَّعةٍ بلا هوية أو قضية أو هدف، تسير حيث يسير الركب.
يصاحب هذا غفلة الوالدين عن متابعة ما يتلقاه أبناؤهم؛ فيتُوه الطفل في عالم من المخاطر العقدية التي لا يستطيع الفِكاك من إشكالاتها، فيصارع الطفل بين ما يتلقاه من عالم أفلام الكرتون وبين ما يتلقاه من والديه فيعيش صراعًا لا يستطيع الفكاك منه، وكثيرًا ما يترك بصماته على شخصيته.
من أخطر الآثار العقدية للرسوم المتحركة: إضعاف العقيدة بالله والتعلق به، من خلال اللجوء إلى القوى الخارقة، والتعلق بالمخلوقات لتحقيق الأماني، والقيام بالطقوس الشركية، وتقديس الرموز الوثنية، وتقديم القرابين لها.
بين القديم والحديث:
رغم سلبيات وأضرار العديد من برامج الأطفال الكرتونية إلا أنها كانت في السابق تقدم عبر القنوات الرسمية الحكومية مما يوفر نوعًا من الرقابة التربوية والثقافية عليها، أما اليوم فهناك الكثير من القنوات التي لا تخضع لرقابة ولا وازع، فلم يعد فيها حذف للمقاطع المخلة، أو تعديل للحوار أثناء الترجمة، مما يجعل الأولاد يطلعون على كم هائل مما يخل بالدين والأخلاق.
كما أن غالب برامج الأطفال الكرتونية السابقة كان مأخوذًا من الروايات والقصص العالمية، وفيها كثيرٌ من المشاعر والعواطف الإنسانية التي تحدث تأثيرًا عميقًا في الأطفال وتحثُّ على الخير ومساعدة الآخرين وتجسّدُ الأخلاق الإنسانية بالعموم، وملامح شخصياتها عادية أقرب للحقيقة، أمّا برامج الأطفال اليوم فغالب شخصياتها معقدة، تحمل أشكالًا غريبة مشوهة الملامح غريبة الأطوار، ومحورها يدور حول العنف والضرب والقتل والقتال بحركات سريعة وتشويش بصري وسمعي يتعب المشاهد ويرهق العقل بدلًا من الشعور بالمتعة والهدوء.
القائمون على صناعة برامج أطفالنا:
من خلال ما تقدّم يتبين أن غالب القائمين على هذه البرامج المؤثرة في حياة أبنائنا ليسوا من بني جلدتنا، ولا يتكلمون لساننا، ولا يعتنقون ديننا، ولا ينتمون لثقافتنا في غالب الأحيان، فهم يكتبون ويؤلفون ويرسمون ويصنعون ما يوافق مفاهيمهم وعاداتهم وأخلاقهم ومناهجهم وأساليب حياتهم المختلفة تمامًا عن حياة المسلمين، إن لم نقل إنهم يصَدِّرون لأبنائنا أمورًا سلبية للتأثير فيهم أو إفسادهم؛ فأفلام الكرتون في غالبها من صناعة شركات أمريكية أو غربية أو يابانية عليها طابع تلك المجتمعات في مختلف مناحي الحياة.
ماذا يمكننا أن نفعل؟
لنعترف أولًا أن هناك مشكلة تكمن في عدم تخصيص الآباء والأمهات أوقاتًا لأبنائهم، يجلسون معهم، يحاورونهم يعلمونهم ويستمعون إليهم، ومن ثمّ اتجه كثيرٌ من الأطفال إلى وسائل التسلية من كرتون وألعاب فيديو وغيرها من الأمور التي تكون بديلًا لهم عن اهتمام الأهل.
والمشكلة الأكبر أن الآباء لا ينتبهون لنوع المحتوى المعروض لأبنائهم، وحتى وإن انتبهوا فإن ضعف الإنتاج المرئي الذي يُراعى فيه البُعد الإسلامي يقلل خياراتهم فيما يتعلق بالحلول الأيسر للتخلص من شغب الأطفال وحركتهم الزائدة.
لذا كان من الواجب أولًا على الأسرة: التعرف على ما يشاهده الأبناء قبل إلقاء الأطفال إليها تُعلمهم كما شاءت، وأن يوفّروا لأطفالهم أسلوب حياة متوازن يشمل جميع الجوانب بما في ذلك مشاهدة الرسوم المتحركة، ما يوجب على الآباء التحكم والحد من الوقت الذي يقضيه الأطفال في مشاهدة التلفزيون أو استخدام الكمبيوتر.
كذلك يجب على المجتمع المسلم تبني مشاريع إنتاج مواد كرتونية ذات جودة عالية، وبُعدٍ ديني وقيمي وأخلاقي، وفيها إبهار وتشويق وحبكة وتسلية وأخلاق، فهذه لا تقل بحال عن مواقع ومنصات صناعة الوعي، فإذا لم يكن لدينا اهتمامٌ بالنشء، فلا ننتظر مستقبلًا أفضل مما نعيشه (9).
ومن الحلول التي يمكن أن نسعى لها (أفرادًا ومؤسسات) لتأمين بديل لأطفالنا عن هذه البرامج والقنوات:
- إيجاد وتأسيس القنوات الملتزمة الهادفة التي تقدم المفيد والنافع.
- توعية الأولاد بأسس اختيار النافع والمفيد من القنوات ليتعلم انتقاء المناسب من قنوات وبرامج الأطفال.
- تفعيل تجربة المسرح الملتزم ومسرح الدمى في المدارس والمعاهد والمؤسسات والمحاضن التربوية.
- العروض السينمائية الجماعية الهادفة باختيار أفلام كرتون هادفة ومناسبة وعرضها على جموع الأطفال في أماكن تجمعاتهم.
- اختيار قنوات (يوتيوب) مفيدة تقدم العلم والمعرفة وتحرص على غرس القيم والمبادئ والأخلاق الإسلامية في نفوس أبنائنا ونشرها والدلالة عليها، لتحل محل القنوات ذات المحتوى الرديء والتافه.
- الإكثار من الأنشطة الجماعية والألعاب الحركية التي يحبها الأطفال ويتمتعون بأدائها في تجمعات الأطفال وفي لقاءاتهم.
دور الأهل للحد من سلبيات أفلام الكرتون:
للأهل دور مهم في تقليل التأثير السلبي لأفلام الكرتون في الأطفال، وذلك يتمحور حول ما يأتي:
1- تحديد وقت معيّن لمشاهدة أفلام الكرتون بحيث لا يؤثر على أداء باقي الواجبات اليومية للطفل، حيث تنصح البحوث والدراسات بتقليل أوقات مشاهدة الأطفال لهذه البرامج، فالأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال لا تشجع على مشاهدة الأطفال للبرامج التلفزيونية عندما يكونون دون السنة والنصف أو السنتين من العمر، وبين السنتين إلى خمس سنوات فإنّ مشاهدة الأطفال تقتصر على ساعة واحدة يوميًا من البرامج عالية الجودة والفائدة وليس أي برامج كرتونية (10).
2- توضيح أسباب عدم تأثر الشخصيات الكرتونية بالصدمات، وشرح التأثير الفعلي لتلك الحوادث، وأنّ ذلك ينطبق فعليًا على تلك الشخصيات.
3- التقيد بالحد الأدنى للعمر الخاص بمشاهدة بعض الرسوم المتحركة.
4- التحكم بالمحتوى المراد عرضه -إن أمكن- قبل السماح للطفل بمشاهدته.
5- التحكم باختيار الرسوم ذات المحتوى المفيد للأطفال.
خطر جديد:
إن الأخطار التي تحيط بأولادنا اليوم لا تقتصر على برامج الأطفال الكرتونية، فهناك أخطار جديدة أحدقت بهم وينبغي التنبه لها والحذر منها، فشبكات التواصل الاجتماعي مليئة بالتطبيقات التي تقدّم البرامج المرئية والمسموعة، وتسعى لكسب الشهرة وكثرة المشاهدات والإعجابات بما تنشره من محتويات تافهة ومنحرفة، وتنهج أساليب عديدة لجذب المشاهدين، أصبحت تحيط بهم من كل جانب مع هزالة في المحتوى وسوء في الأداء؛ إذ لا يخضع المعروض لرقابة تقوم اعوجاجه وتبين خطأه من صوابه.
فمن الملاحظ أن الأطفال بدءوا يميلون إلى قنوات اليوتيوب –مثلًا- واتخذوها بديلًا عن القنوات الفضائية في كثير من الأحيان، وهذا الأمر يحتاج إلى دراسة واعية تسبر أغوار هذه القنوات وتبين ما فيها من مناسب لأبنائنا أو غير مناسب لهم، وتخبرنا عن النافع المفيد من هذه القنوات حتى نرغِّبَ به أبناءنا وندلهم عليه.
أبناؤنا مسؤوليتنا، ولن نُضَيِّعَهم:
أبناؤنا أمانة في أعناقنا ومن مقتضيات هذه الأمانة أن نرعاهم رعاية تامة، وكما نهتم بهم جسديًا وصحيًا فنحرص على غذاء أبدانهم وأجسادهم، ونمنعهم ونبعدهم عن كل ما يؤذيهم؛ لا بد أن نهتم بحفظ أخلاقهم وقيمهم وثقافتهم، بإبعادهم عن كل ما يؤذي أخلاقهم وعاداتهم، فلا ينبغي أن نتركهم لقنوات الأطفال وبرامجها التي عرفنا ما فيها من سلبيات وأضرار، ولا بد لنا أن نسعى لإيجاد البدائل المناسبة والمفيدة لأطفالنا، بدائل مناسبة لأعمارهم، ومهاراتهم وقدراتهم، نشاركهم فيها ونزرع فيهم الوعي الذي يميزون فيه الخبيث من الطيب الذي تحتويه هذه البرامج، ونخصص لهم جزءًا من أوقاتنا لمشاركتهم في ألعابهم وأنشطتهم البدنية والذهنية، وممارسة هواياتهم المفيدة، نعودهم من خلالها على مكارم الأخلاق ونغرس فيهم حب العلم وعمل الخير والسعي إلى معالي الأمور والبعد عن سفاسفها، ولنصاحبهم في صغرهم ليصاحبونا في كبرنا (11).
علينا أن نثق أنَّ الأمر ما زال بأيدينا، وأنَّ بالإمكان أنّ نقوم بدور لصالح الطفولة المستهدفة، ومتى ما شعرنا بأنَّ الأمر قد أفلت زمامه من أيدينا؛ فنحن حينئذٍ لن نستطيع أن نقدّم شيئًا، أمّا ما الذي نقدّمه بالضبط؛ فهو كُلّ ما نقدر عليه، وأنْ نعمل في كُلّ جوانب التربية الممكنة، وذلك بوقف تأثير التربية السلبيّة، وإعطاء البديل الذي يبني شخصياتهم على المنهج الإسلامي القويم.
المهمّ أنْ نتجاوز مرحلة التنظير والحديث عن بعد إلى الاقتراب من واقع مشكلات الطفولة، والبدء بحلول مرحلية جزئية، تتطوّر شيئًا فشيئًا إلى أن تشكّل بمجموعها الحل الشامل للمشكلة.
إنَّ عزل أبنائنا عمّا يحيط بهم أمرٌ عسيرٌ جدًّا في ظل حياتنا الجديدة، وفضلًا عن ذلك فإنَّ العزل أسلوبٌ غير نافع أصلًا، لأنّنا يجب أنْ نشكّل شخصيات أبنائنا بما يجعلهم قادرين على التعاطي مع الحياة بكل معطياتها خيرها وشرّها على حدّ سواء؛ بحيث يملكون القدرة على تمييز الغث من السمين، والخير من الشرّ ولكوننا مسلمين، وعربًا، وشرقيين؛ فإنّنا نبني في شخصيات أبنائنا كُلّ ما هو سليم من قيم ومبادئ وعادات وعبادات، ونزرع فيهم حبّ ربّهم، وقرآنهم، ورسولهم صلى الله عليه وسلم، وأوطانهم، وتاريخهم، وكذلك حبّ الخير له، ولأهله ولمجتمعه، والسعي من أجل العمل الصالح على الدوام، بحيث يكونون مسلمين على المنهج القويم بإذن الله (12).
***
----------
(1) متى ندرك خطر الإعلام؟/ موقع مداد.
(2) أثر وسائل الإعلام على الطفل (ص: ٢٩).
(3) إعلام الطفل في مجال الفضائيات، واقعه وسبل النهوض به/ موقع الألوكة.
(4) برامج الأطفال/ شبكة الألوكة.
(5) دروس للشيخ محمد المنجد (184/ 14)، بترقيم الشاملة آليًا.
(6) القيم المتضمنة في أفلام الرسوم المتحركة (ص: ٢١٨).
(7) وسائل الإعلام (التلفزيون)/ موقع الألوكة.
(8) أفلام الكرتون العنيفة هدم لشخصيات الأطفال/ صحيفة الرأي.
(9) خطر قنوات الأطفال الفضائية وأفلام الكرتون/ ميّ محمد/ مجلة المجتمع.
(10) وقت الشاشة، كيف ترشد طفلك، موقع مايو كلينك.
(11) برامج الأطفال الكرتونية وأثرها في تربية الطفل وتوجيه سلوكه/ مجلة رواء.
(12) من يشكل وجدان أطفالنا، مجلة البيان (العدد: 213).