logo

كيف توجه ابنك


بتاريخ : السبت ، 9 صفر ، 1437 الموافق 21 نوفمبر 2015
بقلم : تيار الاصلاح
كيف توجه ابنك

لا شك أن الآباء أو الأمهات قد يصلون مع أبنائهم، في بعض المواقف الحياتية اليومية، إلى درجة لا يملكون فيها أنفسهم أبدًا، فيكون التصرف الناتج من الوالد أو الوالدة غير صحيح؛ بل يعتبر تصرفًا سيئًا للغاية مقارنةً بتصرف الابن أو الابنة، فالوالد قد يرى من ابنه فعلًا يضيع مصلحة نفسه، ويفوت على نفسه فرصة النجاح والتفوق، وعندها يستشيط الوالد غضبًا، فيتصرف تصرفًا غير صحيح، يأتي بنتيجة عكسية.

وأذكر هنا مثالًا رائعًا للدكتور عادل رشاد غنيم، ذكره في كتابه "خمس خطوات لتعديل سلوك طفلك"، وبيَّن فيه كيف أنه تصرف تصرفًا غير صحيح، وما كان تأثير ذلك على ابنه، ثم تدارك الأمر، وقام بالتصرف الصحيح، يقول:

«أذكر أنني ذات مرة راعني ولع ابني بهوايته في إصلاح الأجهزة على حساب مذاكرته، في وقت الاختبارات الحرج، وانتابني غضب أذهلني عن التفكير في الأسلوب لمعالجة المشكلة، فعنفته بشدة بالغة، وأرغمته على الجلوس على مكتبه ليتابع مذاكرته، وجلست أراقبه عن كثب، وبالطبع كانت تعبيرات وجهه تكشف عما يعانيه في داخله.

فلما هدأتُ، قلت لنفسي معاتبًا: "ماذا لو استخدمتُ أسلوبًا أرفق مما فعلت؟ إذن لحققتُ التوازن بين تحقيق السلوك الذي أرجو حصوله، وبين الحفاظ على مشاعر ولدي".

حاولت أن أخفف من آثار تصرفي، فقلت له مبتسمًا:

- لا أخفي إعجابي بمهارتك في إصلاح العطب، لكنني قلقت عليك ألا تكون قد تهيأت لاختبار الشهر بقدر كاف.

فقال، وقد استنار وجهه بابتسامة:

- لقد تمكنت من إصلاحها بعد أن اكتشفت سبب عطلها.

أجبته:

- هذا رائع، تستطيع في نهاية الأسبوع أن تصلح لي قفل الباب الخلفي للسيارة.

فقال:

- وماذا عن تكاليف الإصلاح.

قلت:

- حسبما تقرر يا باشمهندس.

وأقبل على الكتاب والبِشْر يملأ عينيه، وشتان بين الموقفين»(1).

إن الإنسان مخلوق عاطفي، تؤثر فيه الكلمة العاطفية، وتجذبه الكلمة الطيبة، وينفر من التوبيخ والتقريع والنهر والسب، فكلما كان الكلام رقيقًا ولينًا، كان تقبل الكلام، وكانت النتيجة المرجوة من هذه الكلمات، يقول صلى الله عليه وسلم: «إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله»(2).

وقال صلى الله عليه وسلم: «من يحرم الرفق يحرم الخير»(3).

هكذا يرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى التعامل بالرفق واللين والحكمة والموعظة الحسنة؛ بل ويضرب لنا المثل العملي في التعامل مع المخطئ، وكيفية توجيهه توجيهًا صحيحًا، دون المساس بمشاعره، ودون تجريح أو تقريع أو توبيخ.

فعن أبي أمامة، أن رجلًا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ائذن لي في الزنا، فصاح به الناس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أقروه»، فدنا حتى جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أتحبه لأمك؟» قال: لا، قال: «وكذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم»، قال: «أتحبه لابنتك؟» قال: لا، قال: «وكذلك الناس لا يحبونه لبناتهم»، قال: «أتحبه لأختك؟» قال: لا، قال: «وكذلك الناس لا يحبونه لأخواتهم»، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره فقال: «اللهم كَفِّر ذنبه، وطَهِّر قلبه، وحصن فرجه»(4).

نستطيع مما سبق أن نضع بعض معالم في التوجيه الصحيح لخطأ الأبناء:

 

المعلم الأول: كن هادئًا:

لا بد للوالد أن يكون في هدوء البحر وقوته، وفي مثل تهلل الفجر ووداعته، فإذا ما بدر من الابن خطأ ما، حاول الوالد إصلاح هذا الخطأ بهدوء وروية؛ لأنه حينها يتقبل الابن الحل والتصحيح والتوجيه من والده، فالشاب الذي أراد الزنا فصاح به الناس، وهذا رد فعل غير صحيح، لو لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم موجودًا لربما كانت النتيجة كارثية، حيث كان من الممكن أن يحدث شجار بينه وبين الناس، أو أن يبغضهم لمعاملته إياه بغلظة، لكن النبي صلى الله عليه وسلم وجهه توجيهًا لطيفًا وبغير تعنيف.

 

المعلم الثاني: استخدم الحجة لإقناعه:

إن هذا الشاب المسلم، الذي أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريد منه أن يأذن له في الزنا، يعلم يقينًا أن الزنا حرام، وإلا لما أتى يريد إباحته له؛ لذلك لم يذكر له النبي صلى الله عليه وسلم أدلة تحريم الزنا من القرآن الكريم؛ لأنه يعلمها ويعلم حرمة هذا الفعل، وإنما حاوره النبي صلى الله عليه وسلم بما يمكن أن نسميه "المنطق الاجتماعي"، أو الحجة التي تمس الحالة التي نعيشها، أو الميثاق المجتمعي الذي لا يمكن مخالفته.

وهكذا ينبغي على الوالد أن يتعامل مع ابنه حين يخطئ، فالولد قد يعلم أن هذا الفعل غير صحيح، ولا ينبغي له أن يقوم به أبدًا، ولكنه يخبرك أنه لا يستطيع ذلك، حينها تحاول أن تعلمه أن هذا الفعل الذي تقوم به يؤثر على مذاكرتك، مثلًا، أو أن هذا الفعل يؤثر على صحتك، أو أن هذا الفعل لا يفعله الكرماء، وغير ذلك من الأمور التي تأنفها النفس السوية، وحينها يقتنع الابن ويدرك أن ما يفعله مخالف تمامًا لما يجب أن يكون عليه الإنسان المسلم، وتكون بذلك قد استطعت أن توقظ بداخله الشعور بالذنب، والإحساس بمدى خطورة هذا الأمر.

 

المعلم الثالث: قربه:

تلك الكلمة التي قالها النبي صلى الله عليه وسلم، والتي يتعلمها العالم كله الآن فيما يسمى بعلم التنمية البشرية، إن النبي صلى الله عليه وسلم حينما أتاه الشاب وزجره الناس، طلب منه النبي صلى الله عليه وسلم أن يدنو منه، وهنا يكمن معنى قرب المسافة بين الأشخاص، فقرب المسافة يوفر جوًا مناسبًا للحوار والإقناع والتواصل الفعال بين الأشخاص، فضلًا عن الإحساس والشعور الطيب تجاه الأشخاص بين بعضهم البعض، أما المسافات البعيدة فهي لا تصلح إلا لإملاء الأوامر، وإصدار التعليمات، وغالبًا ما تكون في هيئة تعنيف وتوبيخ وتقريع.

 

المعلم الرابع: الإعداد النفسي:

يجب على الوالد، إذا أراد أن يوجه ابنه توجيهًا صحيحًا، أن يقوم بإعداد نفسي لابنه، وأن يتحين الوقت الذي يكون فيه الابن صافي الذهن، وهادئ النفس، والوالد يستطيع أن يوفر هذا الصفاء والهدوء لابنه من خلال الإعداد النفسي له.

هذا الإعداد النفسي يكون بأن تثني عليه في بداية الكلام، ذلك بأن تعلمه أنه ماهر في إصلاح الأجهزة الكهربائية، وأنك معجب جدًا به، ولكنك تخشى أن يُفَوِّت دراسته.

أن تقول له: يا بني، أنت إنسان طيب، وصاحب خصال جميلة، ولا شك أنك تحب أن تكون أفضل.

وهكذا يتقبل الابن منك التوجيه والنصيحة، ويسارع على الفور بتعديل سلوكه، وتغييره نحو الأفضل.

_____________

(1) خمس خطوات لتعديل سلوك طفلك، د.عادل رشاد غنيم، ص84-85.

(2) صحيح البخاري (6927).

(3) صحيح مسلم (2592).

(4) المعجم الكبير، للطبراني (7759).